15 نوفمبر، 2024 4:04 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. أمجد نجم الزيدي: يعاني النقد العربي من غياب الهوية

مع كتابات.. أمجد نجم الزيدي: يعاني النقد العربي من غياب الهوية

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“أمجد نجم الزيدي” قاص وناقد عراقي، من مواليد 1976، حاصل على بكالوريوس لغة انكليزية، وهو عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، عضو منتدى الشطرة الإبداعي. فاز بالمركز الثاني في النقد في مسابقة مركز النور 2011، شارك مع مجموعة من القصاصين في الكتاب القصصي (والليل إذا… تلك قصصنا)، شارك في كتاب (يقظة الهوية العراقية) إعداد “سليم مطر” عن دار “ميزوبوتاميا”. عمل مسئولا للصفحة الثقافية في جريدة الجنوب، أصدر عددين من جريدة “الرصيف الأدبي”، وصدر له كتاب ( تمثلات ليليث.. مقاربات نقدية).

إلى الحوار:

(كتابات) بدأت بكتابة القصة القصيرة لكنك ركزت جهودك على النقد الأدبي .. لما؟

• كانت القصة القصيرة في يوم ما نافذة أطل من خلالها على العالم، ولكنها لم تكن بحجم ما كنت أطمح إليه، ولا بحجم ما أحمله من أسئلة تجاه هذا العالم، وبالصدفة ومن دون سابق تخطيط اكتشفت أن لدي ملكة النقد، أو بالحقيقة اكتشفها الآخرون الذين لم يبخلوا علي بالنصائح والتوجيه، لذلك فقد أصبح النقد هو نافذتي على هذا العالم الذي تبنيه النصوص الشعرية، والقصصية والروائية وغيرها، نافذة كبيرة وواسعة، وتزداد اتساعا يوما بعد يوم وتجربة بعد أخرى، وربما لو أني لم ابتدأ قاصا ما كنت اليوم ناقدا، لأن تجاربي البسيطة في كتابة القصة نمت لدي ملكة التحليل، والإمساك بمقاليد النص وبناه الكامنة.

(كتابات) ما رأيك في الانتقادات التي يوجهها بعض الكتاب إلى النقد العربي من أنه لا يواكب غزارة الإنتاج الأدبي أو أنه يركز على بعض الكتاب وينسى آخرين؟

• في البدء يجب الاعتراف بأن هناك أزمة كبيرة تعاني منها النقدية العربية، وتأخذ هذه الأزمة عدة أشكال، ترتبط بالمصطلح والمنهج وغيرها، ولكنها تعاني أيضا من سوء فهم، فصورة الناقد اليوم لم تعد نفسها، بل أصبح له دور جديد يختلف ربما عن الصورة النمطية التي تعود عليها القارئ العربي، باعتباره مصححا ومقوما للنصوص، أما بشأن اختياراته فهو محكوم في أغلب الأحيان بظروف موضوعية- وربما أتحدث عن نفسي هنا- يرجع أغلبها إلى عدم استطاعته مواكبة جميع ما يكتب على الساحة الأدبية لكثرته، والتي تحتاج منه جهدا كبيرا لا اعتقد أنه كفرد يمكنه أن ينجزه.

بالإضافة إلى قدرته المادية المحدودة، مع ارتفاع أسعار الكتب، أما تركيز بعض النقاد على بعض الأسماء فيرجع أكثرها لسبب تسويقي، حيث أن المادة النقدية المكتوبة عن أسماء معروفة تلقى رواجا واهتماما من القراء والدارسين، أكثر من تلك التي تكون نماذجها التطبيقية لأسماء جديدة أو غير معروفة، لذلك يستعين الناقد (مضطرا في بعض الأحيان) لتمرير أطروحاته النقدية، محاولا بذلك إيصالها لأكبر شريحة من المهتمين، أما بالنسبة لي ومن خلال كتاباتي كنت انحاز دائما للأسماء التي لم تنل حظا وافرا من الاهتمام النقدي، وبالحقيقة كنت انحاز إلى النص فقط بغض النظر عن كاتبه..

(كتابات) هل لابد للناقد أن يكون متخصصا أكاديميا.. وكيف ينظر للناقد غير المتخصص؟

• لا شك أن الدراسة الأكاديمية مفيدة جدا للناقد، ولكنها ليست كل شيء، فلا يمكن بأي صورة أن تصنع الشهادة الأكاديمية ناقدا جيدا، لذلك أنا أميل من هذا المنطلق إلى تصنيف النقاد إلى نوعين؛ أحدهما أسميه الناقد الأكاديمي ولا أعني به ذلك الذي يحمل شهادة أكاديمية؛ بل هو الناقد الذي لا يمكنه الخروج عن القوالب الأكاديمية الثابتة، ويقيد أطروحاته بأنماط من الكليشيهات ويجتر المقولات ولا يستطيع الخروج عنها، أو تقديم رؤيته أو تصوراته بكل حرية، وناقد آخر هو الناقد المبدع حتى وإن كان خارجا من وسط أكاديمي، ولكنه ذلك الناقد المتحرر من كل تلك القوالب والكليشيهات، المعارض  لكل شيء والمشكك بكل شيء، ولا أعني أن عليه أن يستند على انطباعاته الشخصية وحدسه، بل عليه أن يتبنى منهجا نقديا علميا، وأن يسعى دوما لشحذ أدواته من خلال المتابعة الدائمة لما هو جديد.

(كتابات) في رأيك مما يعاني النقد العربي وما هي إشكالياته.. وهل خروجه من عباءة النقد الغربي إحداها؟

• يعاني النقد العربي من إشكاليات بنيوية عميقة، أهمها بتصوري هو غياب الهوية النقدية العربية، حيث أنه يحاول أن يواكب الحركة المتسارعة للثقافة الغربية، لكنه لازال يراوح في مديات بسيطة لا يمكن أن تنتج على المدى القصير أي تحديث يذكر، حيث نودي في مراحل معينة وخاصة عند رواج الحس القومية، إلى اجتراح منهج نقدي عربي، ينطلق من متبنيات عربية أصيلة، ولكنه صدم بغياب التأطير النظري الذي سينتج منهجا نقديا عربيا خالصا يواكب العصر الحديث.

وعند تنامي الحس الديني نادت بعض الدوائر إلى اجتراح منهج نقدي إسلامي، ينطلق من المتبنيات الفكرية للدين الإسلامي ولكنه لم يلق رواجا بين الأوساط النقدية، وإن كان يعاني أيضا من نفس الإشكاليات التي تعرضت لها المحاولات السابقة بما يخص المنهج العربي، لذلك بقيت عيون منظرينا ونقادنا متوجهة إلى الحاضنة الغربية وما تنتجه من أطروحات، نحاول أن نوائم بينها وبين ثقافتنا العربية أو نقسرها على تقبلها في بعض الأحيان، بالإضافة إلى إشكالية المصطلح وعدم توحيده إلى آخره من إشكاليات لا يسع المجال للتفصيل فيها.

(كتابات)  هل تتبع منهجا محددا في قراءة النصوص الشعرية والسردية؟

• بالنسبة لي لا انطلق من منهج ثابت في قراءة النصوص، بل انطلق من النص وهو الذي يقترح علي المنهج الملائم الذي يتوافق مع رؤيتي عنه، لأني اعتقد أن المناهج النقدية الحديثة تنتمي إلى مهاد فكري وثقافي يختلف عن المهاد الذي تنطلق منه هذه النصوص، لذلك فقد نجد بونا كبيرا في الرؤية إن حاولنا قسر منهج ما على نص معين، لذلك لا أتعامل مع أي نص برؤية قبلية، وإنما أحاوره وأتلمس طريقي في قراءته بما يقترحه علي، و أسعى إلى أن أقرنه بتصور منهجي معين ولا أترك الأمر على غاربه، وانقاد إلى مجرد حدسي النقدي، لأن الحدس وحده أعمى كما يصفه الناقد “سعيد بنكراد”، إن لم يتسلح الناقد بعدة منهجية ورؤية تمكنه من ضبط مقارباته للنص الإبداعي.

(كتابات) هل تجد صعوبة في النشر وهل كتب النقد لها رواج وقراء؟

• هناك صعوبات كبيرة تواجه أي كاتب عربي، في أي صنف من صنوف المعرفة تتعلق بالطباعة والنشر وغيرها، مما يجعل الأمر صعبا في أحيان كثيرة، حتى أن الكاتب ناقدا كان أو مبدعا يشعر باللاجدوى من كل التعب الذي يكابده ليخرج نتاجه بين دفتي كتاب، ويمر مرورا صامتا لا يلتفت إليه أحد، أو يثير أي صدى لدي المتلقين إلا عبارات المجاملة من الأصدقاء والمقربين.

ويختلف ربما الكتاب النقدي عن الكتاب الإبداعي من حيث التلقي أو الشريحة المستهدفة منه، لأن الناقد يعول أو يعلق آماله على القراء الباحثين أو الدارسين الذين ربما يستفيدون من كتابه في بحوثهم، لأن القارئ العادي لا يميل إلى قراءة الكتب النقدية لأنها تحفل بلغة اصطلاحية لا يفقهها في بعض الأحيان سوى المختصين بهذا المجال، وإن كان هناك النقد الصحفي الذي ينشر في الصحف، والذي يكون ربما أقل حمولة اصطلاحية و بلغة نقدية بسيطة، يستسيغها القارئ العادي والتي يستعين بها في أحيان كثيرة لمعرفة قيمة ما يكتب، أو لملاحقة اسم كاتب ما ورأي المختصين في كتابته أو تقييم أحد كتبه، قد تبدو هذه الصورة مثالية بعض الشيء لأن أغلب الصفحات الثقافية في صحفنا تعاني من خلل كبير وعدم التمييز بين ما يستحق أن ينشر حقا في صحيفة يومية مثلا وبين مقالة أخرى لا يفقه محتواها إلا الراسخون في العلم.

(كتابات) في كتابك “تمثلات ليليث” ربطت بين أسطورة ليليث البابلية، الإلهة الأم التي تغوي الرجال وتخطفهم وتأثير الأدب على القراء.. ما سر شغفك بالتراث الحضاري العراقي؟

• التراث العراقي بمختلف عصوره وحضاراته إن كانت سومرية أو بابلية أو أكدية أو أشورية خزين ثري لمن أراد الاستزادة منها، ولكوني ابن هذه الحضارات يجب علي أن أجعلها مرجعا ثقافيا لي، ربما لأنها تمثل هويتي العراقية، لذلك أسعى ومعي الكثير من المثقفين العراقيين إلى إعادة تمثل تلك الثقافة لأنها الوجه الحقيقي للعراق، والذي غيبته رعونة السياسة وهمجيتها، عندما حاولت أن تختلق هويات أخرى وتغيب وجه الحقيقي من خلال إعادة كتابة التاريخ بصورة ترضي غرورها ومتبنياتها الأيدلوجية.

وقد ولد عنوان الكتاب قبل أن يولد الكتاب نفسه عندما كنت أقرأ موضوعا عن أسطورة “ليليث” كتبه الدكتور “خزعل الماجدي” ووجدت أنها تنطبق بصورة أو بأخرى على ما يفعله الأدب بنا، حيث أنه يمارس نفس تلك الغواية التي تمارسها “ليليث”، ويخطفنا من عوائلنا لنمارس طقس الخصوبة/ الكتابة، وإن كان لهذه الأسطورة أوجه أخرى في الحضارات المختلفة ولكنني أخذت نسختها البابلية التي تتوافق مع الرؤية الجامعة لمحتويات الكتاب.

(كتابات)  هل أنت راض عن النقد العراقي وما تقييمك له.. وأين هو في خريطة النقد العربي في الوقت الحالي؟

• عانى النقد العراقي مثلما عانت الثقافة العراقية برمتها من تغييب طالها لفترة طويلة، وذلك بسبب الأوضاع السياسية السابقة في عهد النظام الديكتاتوري السابق، والذي جعلها تغيب عن المشهد النقدي العربي بسبب الحصار الثقافي وعدم حضور الناقد العراقي أو كتبه في المحافل الأدبية العربية، بعد أن كان له دور فاعل في تلك المحافل، وبعد سقوط الديكتاتورية بعد 2003، بقي الكتاب النقدي العراقي غائبا إلا ما يطبع وينشر في خارج العراق وهو قليل، لذلك استعان الناقد العراقي بجهوده الشخصية من خلال الدعوات الخاصة والنشر على المواقع الالكترونية ومراسلة المجلات المحكمة، واستطاع بذلك أن يعيد بعضا من ذلك الحضور، لأني اعتقد- وهذا تصوري الخاص ربما- أن النقد العراقي له بصمة خاصة تختلف عن ما يكتبه النقاد العرب الآخرين، ربما كنت أغالي ولكن هذا ما اعتقد به من خلال إطلاعي البسيط عن ما يكتب من نقد في الوسط النقدي العربي.

(كتابات) في رأيك ما سر النهضة الثقافية والأدبية التي يشهدها العراق الآن؟

• لا اتفق ربما معك في تسميتها نهضة ثقافية وأدبية، وذلك لأن الثقافة العراقية منذ زمن طويل تصطرع داخلها تلك النهضة، ولكن بسبب الوضع السياسي في عهد النظام الديكتاتوري السابق، والذي عانى فيه المثقف العراقي الأمرين، حيث أن تأويلا غبيا لكتابة ما من رقيب أمي، أو مغرض أو حاقد قد تؤدي بحياة ذلك المثقف وتبقى عائلته وأقرباءه من الدرجة الرابعة تعاني بسبب ذلك، من خلال فرص العمل وإكمال الدراسة أو السفر أو غيرها، فكيف يمكن ان تنتج هذه الاوضاع مشهدا ثقافيا سليما؟.

وإن كان هناك من قاوم بحذر هذه المنغصات وبقي على قيد الإبداع، وضخ في المشهد الأدبي العراقي حيوية جعلته يقاوم الاندثار، ولكن الكثير قد صمت أو غيبته السجون أو نفي أو مات، لذلك وبعد 2003 وغياب شبح الدكتاتورية، وما وفرته وسائل الاتصال من انترنيت وغيرها، ساعدت الكثير من المثقفين العراقيين على أن يخرجوا من سباتهم ويوصلوا أصواتهم ونتاجهم الإبداعي، وأيضا توفر فرص الطباعة وغياب الرقيب، وفر فرصة كبيرة للمبدع العراقي أن يكتب بكل حرية وأن يقدم نتاجه دون خوف، وإن حاول بعضهم أن يعيد الحياة إلى ذلك الرقيب، أو  بث الخوف لدى المثقف العراقي، ولكن وبأية صورة لا يمكن مقارنتها بما كان عليه الوضع سابقا.

(كتابات) ما هي روافد تكوينك الفكري والثقافي ومن الكتاب الذين أثروا بك؟

• منذ بداياتي الأولى في القراءة كانت تستهويني الكتب النقدية وإن كنت لا أعي بصورة تامة معانيها، أو فك مصطلحاتها، فكنت أقرأ مجلة الأقلام العراقية والطليعة الأدبية ومجلة أسفار وغيرها من المجلات والصحف، ولم أفكر بأني سأصبح ناقدا في يوما ما، بل كنت أسعى إلى أن أكون قاصا بعد أن فشلت في كتابة الشعر.

وكنت أعرض ما أكتبه على أستاذي وصديقي الكبير القاص والناقد العراقي “وجدان عبد العزيز”، واستمع إلى توجيهاته وتصحيحاته لتلك النصوص، واقتراحاته للكتب التي يجب أن أطلع عليها، ولكن شغفي بالكتب والدراسات النقدية بقي مستمرا، حيث أثرت بي ربما كتابات الناقد العراقي الدكتور “حاتم الصكر” و”عبد الله إبراهيم” و”سعيد الغانمي” وغيرهم، ولا أنسى إلى الآن حجم النشوة التي شعرت بها عند قراءة تحليل الدكتورة “خالدة سعيد” لقصيدة “أنشودة المطر” للسياب، في كتابها (حركية الإبداع) حيث كانت درسا كبيرا لي، كنت استمتع بقراءة مثل هذه التحليلات النقدية كما يستمتع غيري بقراءة نص شعري أو قصصي.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة