26 ديسمبر، 2024 12:48 ص

مع كتابات.. أحمد طايل: الوطن نسيج واحد، ولا يمكن إزاحة البعض من المشهد الثقافي

مع كتابات.. أحمد طايل: الوطن نسيج واحد، ولا يمكن إزاحة البعض من المشهد الثقافي

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“أحمد طايل” كاتب مصري، من مواليد طنطا 1956، عمل بالقطاع المصرفي أكثر من 40 عاما، كتب بالعديد من الصحف الإقليمية، عمل مراسلا لأخبار الأدب، عمل بالصفحة الثقافية لصحيفة “الرأي للشعب”.

صدر له:

– “على أجنحة أفكارهم”، إطلالات ثقافية.

– “شواطئ إبداعية”، حوارات مع كبار كتاب وكاتبات مصر والعرب.

– رواية “الوقوف على عتبات الأمس”.

– رواية “متتالية حياة”.

– رواية “رأس مملوء حكايات”، سيرة روائية.

– رواية “شيء من بعيد ناداني”.

كان لنا معه هذا الحوار التالي:

** متى بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور؟

– بدأ شغفي بالكتابة منذ مراحل التعليم  الأولى، حيث حصص التعبير، كنت مميزا بها، كنت أجيد فن الحكي من خلال كتابتي لهذه الموضوعات، إجادتي للحكي والتي جاء من استقبالي للعديد من الحكايات، والجلوس على بعد لسماع أحاديث الأب مع أصدقاؤه. والأم مع نساء القرية المقربات منها، والحكي بشتى الصنوف الحياتية، أيضا حصص المكتبة، والقراءة بشغف ونهم، وخوض المسابقات، بداية من القيام بتلخيص الكتب، إلى مسابقات القصة والشعر، وسارت بى سفينة المعرفة إلى البحث عن مصادر للقراءة متعددة، من خلال البحث عن بعض ممن يمتلكون مكتبات صغيرة من الجيران. ومن خلال الاستعارات من مكتبات قصر الثقافة ودار الكتب.

ثم بمرحلة أخرى ذهابي بصفة دائمة كلما سنحت الفرصة إلى سور الأزبكية لاقتناء كتب متعددة الزوايا، فلم تتوقف قراءاتي على القصة والرواية، بل أخذت بالقراءة بفروع شتى، علم نفس، سياسة، اقتصاد، اجتماع، فنون، لابد لأي إنسان يبحث عن تدعيم ثقافته أن بتزود بروافد ثقافية متعددة، هذه هي البداية.

بدأت أكتب بشكل نستطيع القول أقرب إلى الاحترافية، بمرحلة الثانوي. حصدت جائزة المركز الأول بالقصة على مستوى المدرسة، ثم تصعيدي للمسابقة على مستوى المدارس الثانوية بالمحافظة، وكنت محظوظا أن فزت أيضا بالمركز الأول، من هنا بدأ هوسي بالكتابة، ارتياد نوادي الأدب، والإنصات إلى مناقشات وجدالات أعضائها حول كتاب أو رواية أو قصة أو أي جنس أدبي آخر، أفادني، ومن الممكن القول أنها كانت سبيل لصقل كتاباتى، ثم تتالت المحطات من النشر بصحف إقليمية حتى وصلت إلى محطة امتهان الكتابة، الكتابة حب، ورغبة بتحقيق ذات، وليست بحثا عن دائرة ضوء، باختصار اكتب لأتنفس وأتمتع بالحياة.

** عملت في مجال الصحافة الثقافية احكي لنا عن ذلك وهل اختلف  حال الصحافة الثقافية في الوقت الحالي؟

– بالفعل عملت لبعض الوقت بالصحافة الثقافية، وكان هذا من حسن الحظ، عملت فعليا مراسلا ثقافيا لمحافظتي لصحيفة (أخبار الأدب) التي تصدر من خلال مؤسسة (أخبار اليوم) الشهيرة، وتحت رئاسة تحريرها للكاتب الراحل صاحب الاسم الكبير بعالم الفكر والإبداع (أ.جمال الغيطاني)، وكانت بداية قوية، عرفتني بالكثير من أصحاب القلم، رجالا ونساء.

وعملت بالصفحة الثقافية لصحيفة، (الرأي للشعب)، والتي كانت تصدر عن مؤسسة (دار الشعب)، وكان المشرف على الصفحة، الكاتب الصحفي (حنفي المحلاوي)، تجربة كانت ثرية جدا، دفعتني إلى انتهاج تجربة الحوار الأدبي مع العديد من الكتاب والكاتبات، الصحافة الثقافية من وجهة نظري التي تحتمل الصواب والخطأ، دورها الهام والأساسي، إتاحة الفرصة لمن يمتلك موهبة الكتابة الأدبية والفكرية والفنون على تعدد مناحيها، لعرض كتاباته، بل وتبنيه، والبحث عن روافد وشرايين دائمة التدفق للحياة الثقافية، دور هام أدته بشكل كبير بفترات كثيرة، وبالفعل أثمرت عن الإشارة إلى كتابات متعددة ومميزة، أصحابها أصبحوا بعدها بالمناطق والصفوف الأولى.

حاليا الصحافة الثقافية، حادت عن مسارها، مؤكد ليس الكل بذات الحال، ولكن بالغالب الأعم منها. أصبحت تعاني من عدم الحيادية، أصبحت نوافذ لإظهار البعض، حتى لو كانوا أنصاف الموهبة، الشللية موجودة، تجدين وجود دائم لأسماء بعينها، وتجاهل متعمد لأسماء بعينها، أستطيع أن أقول أن هذا أدى إلى قتل متعمد لبعض أصحاب القلم والموهبة، من هنا أرجو أن تعود الصحافة الثقافية إلى دورها والهدف الرئيسي رسالتها، ألا وهى ثراء الحياة الثقافية، والتمتع بالحيادية، واحتضان أصحاب الملكات الإبداعية الحقيقية.

** في رواية الوقوف على عتبات الأمس تناولت خطورة العولمة على الهوية وكونها استعمار من نوع جديد حدثنا عن ذلك؟

-برواية (الوقوف على عتبات الأمس) حين كتابتها وضعت أمام عيني هدفا أنا كنت مؤمنا به، أن العولمة أهدافها غير المعلنة والفعلية، على عكس ما روج لها، الترويج الذي ساد وتعالى ضجيجه، إنها صهر العالم ببوتقة التقارب الفكري بين الشعوب والدول، وبالتالي تتقارب كل مناحي الحياة، هذا ما هو معلن، وكان براقا، فتحت له كل الأبواب على مصراعيها، والفضاءات على كل مساحاتها الشاسعة، والكل طنطن لها.

بل ولهث تأكيدا لها، ولكنى وأكرر وجهه نظر تحتمل الصواب والخطأ، ولكنى مؤمن بفكرتي أنها نوع من الحروب، سلاح جديد، اخترعته كيانات دولية وأجهزة استخباراتية للقضاء على هويات وثقافات الشعوب، وكل مقدرات الشعوب من تاريخ وعقيدة، وسلوكيات، وتغيير أنماط الحياة، بشكل يضمن لأصحاب اختراع العولمة، أن تتمكن من الهيمنة والسيطرة وجعل الدول تدور بفلك أفكارها وسياستها، وأن تمسك بكل الخيوط، تتحول الشعوب بعد أزمنة طال أو قصر أمدها، إلى عرائس ماريونيت، تتحرك وفق سياسات وأهداف محددة، وأن التصدي لمثل هذه الحروب يكون بالدفاع عن التاريخ والإضافة إليه، وعدم الاكتفاء بالتشدق بهذا التاريخ فقط، التاريخ يزداد صلابة وقدرة على درأ أي عدوان يستهدف كيانات الدول، وانتهاك شخصيتها المميزة لها.

** في رواية (شيء من بعيد ناداني) تناول لقضية المساواة بين البشر. هل الكتابة لديك لها أهداف وما هي؟  

– إن لم تكن الكتابة محددة الأهداف، فلا داعي لها، الهدف الأساسي للكتابة هو إرساء وتأكيد وترسيخ قيم وعادات وسلوكيات قويمة، تساعد على المساواة بين الجميع، تختلف الشرائح الإنسانية، تختلف الرؤى والأفكار، تختلف طقوس الحياة من شريحة مجتمعية عن الشرائح الأخرى، ولكن لابد وأن يكون تحت مسمى واحد، أننا نسيج واحد، ننتمي لوطن واحد

ولابد  من الانصهار ببوتقة واحدة، هي الوطن، من هنا تبنيت بروايتي (متتالية حياة) هذه الفكرة  والتي تؤكد مهما وكانت المعاناة، بالنهاية نصل إلى إثبات ذواتنا وأحلامنا، من كبد  المعاناة بولد الأمل والحلم والأهداف.

** لك كتابان جمعت فيهما حوارات مع عدد من الكتاب.. كيف كان التحاور معهم وما هي أبرز القضايا التي تناولتها حواراتك؟

– الحوار هو مدخل أساسي لمعرفة سيكولوجية أي إنسان ومنهجه الفكري، حواراتي الأدبية خططت لها معرفة سيكولوجية الكاتب أو الكاتبة وكتاباتهم، الحوار لكي يكون حوارا منطقيا وموضوعيا، لابد لصاحبة أن يقرأ ويغوص بكتابات من يرغب بالحوار معه، حتى يمكن للمحاور الوقوف على أرض صلبة، أهم القضايا التي حرصت على  إثارتها، هي وجهات النظر بالمشهد الثقافي، ولماذا الفجوة الكبيرة بين ثقافتنا العربية وثقافات العالم الغربي، وكيفية تجاوز هذه الفجوة أو الفجوات.

أيضا النشأة والبيئات المتعددة التي أتاحت لهم مساحات من الوهج الفكري والإبداعية، خلصت من هذه الحوارات إلى أن هناك ضرورة ملحة لإعادة المواطن العربي إلى محراب القراءة والبحث عن آليات لهذا، عن طريق إحياء حصص المكتبات، تحفيز عن طريق مسابقات تناسب كل الفئات والأعمار، فتح النوافذ لتبنى أصحاب المواهب. خرجت أيضا بأمر هام، أن الإرادة والإصرار على الحلم، تصل بك إلى قمة الحلم.

** ما تقييمك لحال الثقافة في مصر وخاصة في مجال النشر؟

– الثقافة بمصر حالها هو حال غالبية الدول العربية، إن لم تكن كلها، تراجع وترهل بالجسد الثقافي، لأسباب عدة، أبرزها غياب وتراجع دور النقد، النقد هو القائد والموجه لدفة المشهد الثقافي لأي بلد، دور النشر أيضا شريكة أساسية بهذا، أصبحت تسلك مسلك وحيد، هو النشر التجاري دون النظر بمحتوى وهدف الإصدارات، مما أوجد كتابات مهمشة، سطحية أشبه بقرع الطبول، نشر كل ما يثير الغريزة والشهوة، وبعدا عن إثارة العقول، واحترام عقل القاريء، أيضا العالم الافتراضي المفتوح بلا ضوابط ساعد على طرح أفكار تهدم الكثير من القيم، عدم السعي لاكتشاف روافد جديدة تمتلك قدرات خاصة تضيف إلى المشهد وتدفعه للإمام وليس للخلف.

يعالج دور الكثير من الصحافة الأدبية والثقافية، عدم المساواة والعدالة بين جميع الشرائح، من هنا لابد من دائرة مستديرة جادة بين العديد من المؤسسات بالدولة، لوضع خطط وأهداف واقعية لإعادة إحياء الثقافة المصرية والعربية، لابد من فتح الحدود والسماح بتبادل الثقافة بلا قيود بين كل مجالات الإبداع العربي، الثقافة هي أقوى أسلحة الدول لإعلاء ريادتها، هي القوى الناعمة الأهم، فلا تتجاهلوها أصحاب القرار.

** هل يعاني النقد الأدبي من مشكلات في رأيك وماهي؟

– هذه حقيقة مؤكدة، غياب النقد بشكل ملموس، يدفعنا هذا على التطرق للحديث عن جيل مازال يحيا بوجداننا، جيل الستينيات، لماذا هذا الوهج المستمر حتى الآن، الرد هو وجود نقد جاد قائد وموجه للشأن الفكري والثقافي، النقد المحايد، صاحب الضمير اليقظ كان دافعا لتميز هذا الجيل، النقد الغالب وليس بالطبع الجميع، فهناك مؤكد نقاد ترفع لهم القبعات، ولكنهم للأسف قلة، النقد أيضا أصبح نقد تجاري، لا يكتب لأهداف سامية، يكتب للترويج لكتاب بأعينهم، بغض النظر عن مضمون ومحتوى الكتابات، تبنى كتاب وتجاهل كتاب، أضاع الكثير من أصحاب القلم الذين لا يملكون إمكانيات طرق الأبواب، لابد من صحوة سريعة للنقد، والدعوة الجادة لإرساء أن الثقافة والفكر أمانة وشرف برقبة النقاد.

** ما رأيك في الجوائز العربية وهل تدعم الكتاب في طريقهم؟

– سؤالك هذا يدفعنا إلى منطقة شائكة وشديدة السخونة، الجوائز رصدت لإبداع جيد مميز، وتحفيزا للآخرين لأن يسيروا بذات مضمار التميز، هذا أمر جميل، ولكن هل تذهب إلى من يستحق، مؤكد هناك من يستحق، ولكن هذا لا يمنع وجود عدم الحيادية وطغيان الشللية والعلاقات ببعضها، وهذا أسميه اغتصاب وسطو على حقوق لمن يستحق أن يمنح جوائز وأن يكرم بما يناسب عطاءاته نتمنى بالفعل أن توجه إلى مستحقيها، أصحاب المردود الإيجابي والفكري المميز.

** نظمت فاعليات ثقافية في اتحاد كتاب الغربية حدثنا عنها؟

– أحمد الله أنى يوما ولسنوات طويلة كنت فاعلا بهذا المسار، فعلا أقمت بإتحاد الكتاب، فرع وسط الدلتا بطنطا لقاءات أدبية، مازالت بذاكرة الكثيرين، هدفي الأساسي كان إيجاد نوعا من التقارب الثقافي بين مثقفي الغربية خاصة والعموم أيضا مع ثقافات إقليمية وعربية. أقمت لقاءات للكثيرين من أصحاب القامات الباسقة بعالم الإبداع، منهم على سبيل المثال لا الحصر.

= واسيني الأعرج، الكاتب الجزائري الشهير والمأمول، والمهتم بشأن التاريخ الأندلسي.

= خيري الذهبي (سورى)، له إسهامات كبيرة وله أيضا أعمالا درامية.

= محمد الغربي عمران (اليمنى) المهموم بقضايا اليمن وتاريخه وتراجع.

= د.ثائر العذارى (العراقي) والمعني بالشأن النقدي.

= الراحلان (مكاوي سعيد، د.شريف حتاتة)

وكثريين.

مازال للكثير منها صدى بذاكرة ووجدان مثقفي الغربية.

** هل يعاني الكاتب الذي يعيش  في الأقاليم عن ذلك الذي يعيش في العاصمة؟

– لنعترف أن كتاب الأقاليم حظوظهم غير متساوية أو عادلة مع كتاب دائرة الاهتمام بالقاهرة، والإسكندرية، الكثير منهم رغم تميزه لا يجد سبيل لإيجاد نوافذ لما يكتب، الكثيرين منهم لا يتمتعون برفاهية الإلحاح، ومعاودة طرق الأبواب لمرات، سوف ينبري ويخرج علينا الكثير من قول، الإبداع الجيد يفرض نفسه، مؤكد. ولكن هل كل النوافذ والأشرعة مفتوحة للكل، لا أظن وليختلف معي من يختلف، أيضا هل التظاهرات الثقافية لأبناء الأقاليم حظوة بها، النذر اليسير ذرا للتراب بالعيون، ولنعترف أن هناك نشاطات ورقية، لا تخرج لأرض الواقع، مجرد إحصاء وتقارير تقدم، أطالب من هنا وبكل قوة، بوجود ما يمكن تسميته كشافي الإبداع، يجوب كل الربوع القاص والداني، لاكتشاف آلاف المواهب الدفينة والتي تحتاج ليد قوية تزيح الركام عنها، وتعلن عن وجودها، الوطن نسيج واحد، ولا يمكن إزاحة البعض من المشهد الثقافي والإعلامي.

** ماهي  أحلامك بخصوص الثقافة؟

– أحلم بيوم أجد الكتاب الذي يصدر بمصر، بذات اللحظة يصدر بكل البلدان العربية، أحلم بمجلس أعلى للثقافة العربية، يخطط ويتمسك بإزالة الفجوات بين الثقافات، أحلم بفتح الحدود أمام الكتاب بلا معضلات، أحلم بعودة حصص المكتبة والإذاعات المدرسية، أحلم لتظاهرات ثقافية كبرى لكل ربوع الوطن بحيادية، أحلم بعودة الكل لمحراب القراءة الورقية، القراءة الورقية تتيح الفرصة لإعمال العقل، وعندما يعمل العقل، المردود إيجابي وراسخ، أحلم وأحلم إلى النهاية آملا أن تكون أحلامي مجرد أضغاث أحلام.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة