2 نوفمبر، 2024 11:20 م
Search
Close this search box.

مع كتابات.. أحمد ضياء: أكتب عن الحرب لأنها أمامي كل لحظة أعيشها وأخافها

مع كتابات.. أحمد ضياء: أكتب عن الحرب لأنها أمامي كل لحظة أعيشها وأخافها

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“أحمد ضياء” شاعر عراقي، أحد مؤسسي مشروع (ميليشيا الثقافة)، حاصل علىك دكتوراه فنون أدب ونقد. صدر له: (مملكة العظام في بابل دار الصواف ٢٠١٦ _ الحرب دموعها خشنة في بيروت دار الانتشار العربي ٢٠١٧ _ ورقة ميكانيكية للحياة منشورات أبجد للترجمة والنشر والتوزيع ٢٠٢٠ _ فرانكفونية المسرح بين الانا والآخر دار كنعان سوريا ٢٠٢٠).

إلى الحوار:

** ماذا يعني الشعر بالنسبة لك.. وهل تجد المتعة أثناء كتابته؟

– الشعر، هو الممارسة اليومية التي يجب أن نستأصلها من الحياة، ولا يمكن لكتابة ما أن تنضج إلّا عبر المطبخ المعاش، لذا جاء النموذج الكتابي الذي أسعى بتكوينه كأحد الرؤى التي تخص تجربتي، ولعل البعض يتهمني بالغوص في البرج الكتابي (السريالية)، غير أن فاعلية التدوينة الحياتية هي الأساس في رسم النموذج الكتابي الخاص. وبذا أجد أن سؤال ماذا يعني لك الشعر هي لكمة بوجه الحقيقة قبل أن تكون فايروس معتمد في الكيان الإنتاجي الحاصل.

** كتبت في كتاب “الحرب دموع خشنة”:

“كلما شاهدت قتيلا، ألعن…

كلما مشطت الرصاصات صدغ أبي

كلما زحفت فوق ذراعي ألعن…

كلما تنثرني عطور الدماء المرشوشة

كلما أصفق للملتحين خِلسة

كلما أجبر على العيش في بلد لا يعرف إلا الموت ألعن”.

 لما كتبت عن الحرب؟

– الحرب جرح العراق الذي لا يندمل، أنا أعيش الحرب  لا أكتبها فقط، وما سلسلة اللعنات التي أحبها إلّا محاولة مني للوقوف على ناصية الأحداث في سبيل تمتين موقفي الشخصي في الإدانة والكره لهذه البويبات التي تقتل وتغتصب في منظور خارج المعيار الإنساني. أكتب عن الحرب لأنها أمامي كل لحظة أعيشها وكذلك أخافها، أكتب عن الأشياء التي لوهلة ما قد ترديني ميتاً. أنا أكتب عن الحرب بمختلف أشكالها بين أشد أنواع الحروب تأثيراً على كياني ورؤيتي داخل مجالات متناثرة بين جميع الأمكنة. كذلك عن حرب الإعلام التي يمارسها البعض لذا من واجبي الشخصي أن أكون معملاً كتابياً إزاء كل الهجمات التي يتعرض لها وطني وأن أجمع من خلال الشعر عنه.

** حين يكتب الكاتب عن مجازر حدثت،عايشها أو كان قريبا منها أو حتى سمع عنها، هل يتوقع الكاتب رد فعل القارئ، أم لا يهتم بوجود قارئ محدد في ذهنه.. في حالتك وأنت تكتب “الحرب دموع خشنة” في ماذا كنت تفكر أثناء الكتابة؟

– في “الحرب دموعها خشنة” كنتُ صوت الحاضر والمستقبل أحاول أن أقيس حرارة شفاه اللحظة عبر إنتاج غصون كتابتي، فالقارئ كان أنموذجاً من هذه المرحلة بل كان السبيل الأساس في معرفة تفاصيل ما نعيشه ولا أجد سبباً أو/ وفعلاً بإمكانه أن يصل بالمعاناة غير الكتابة والشعر حتى نكون قادرين على مواجهة كل ما نتعرض له، وبذلك تكون النظريات والنصوص التي أكتبها إضافة إلى ما سبق محاولة لرفد معنويات الأفراد وتسليط الضوء على البقع المهمشة في هذا الشأن.

إنَّ الارتباط والاشتباك مع هذه النصوص الحياتية يساهم في صياغة الواقع الثقافي أيضاً، إذ لا يمكن أن تتنصل عمّا هو مطروح في الساحة، ولا يمكن الكتابة عن الغزل في أوقات الحرب، فشحذ الهمم يتم عبر معرفة حجم الألم ومن ثم توجيه دافع معنوي لمواجهة هذه المعاناة المتكونة داخل المبدأ الإنساني، وتكوين عرضات كتابية ذات بعد حدسي، ولكي تكون جزء  من هذا الحدث يجب أن تجد روحك لا مفر من المغادرة، عليك المواجهة دوماً سواء مع الموت/ الحب/ الحقيقة/ الانتظار، وبذا فالكتابة في تلك الفترة عن مواضيع أخرى نوع من البطر الكتابي، وما هي إلا مرحلة خداع واسع وحيلولة على أذهان القارئ والمطلع على المشهد العراقي المعاش.

** هل يمكن اعتبار الكتابة عن مجازر أو وحشية حدثت في الواقع طاقة غضب يحاول الكاتب تصريفها من خلال كتابتها على الورق؟

– من المؤكد أن الكتابة عن العنف في الواقع هو فعل أساس في قراءة ما هو مطروح، ولعل الشعر هو البيان التاريخي الأساس الذي يظهر من خلاله واقع المجتمع كما نقرأ على سبيل المثال (الإلياذة والأوديسة) التي خلدت من خلال الشعر، فكل ما يمكن رؤيته في هذه المفاهيم محاولة لتأكيد مشروعية النص الشعرية والعمل الدائم على توسيع دائرة المعرفة ذات الأثر الواضح والكلي فالتصميم والممارسة على تذويت هذه النصوص شكل جديد في طرح نصنصة البيان الشعري المعمول به في المجتمعات.

** في رأيك هل استقرت قصيدة النثر في الأدب العربي أم مازال الجدل يدور حولها؟

– إذا استقرت قصيدة النثر يعني موتها الحتمي، أنا أحب الديالاكتيك في النص وأيضاً أحبه العاصفة الابستمولوجية التي تثيرها قصيدة النثر، فهي قصيدة الفلسفة والمعرفة التي لا يمكن التوقف بها عند حد معيّن، وفق كل مدركات المعنى ومحتويات النص. إذن فالنص الشعري ما أن يستقر على نمط أو نهج ما ففي ذلك الأمر موت حتمياً لذلك مرحلة انفتاح هذه البيانات أو الأجناس الأدبية محاولة كلية في توسيع مدى الرؤية وبذا تخلو هذه النصوص من النمطية والتشدد والنظام. فإذا كانت ذات منهج أساس فستكون متشابهة مع القصيدة الكلاسيكية وهي المسألة التي يجب الحذر منها وفق سلوكيات الكتابة، ويرتبط ذلك الفعل داخل تقويض كافة التقنيات التصويرية والتفصيلية لجميع المعلومات.

** في كتاب “ورقة ميكانيكية للحياة” غزل صريح لا يخلو من جرأة.. هل يتقبل المجتمع العراقي المحافظ تلك الجرأة في التعاطي مع الغزل أم هي محاولة منك للتمرد؟

– على المجتمع أن يتقبل لوعة الحب التي نعيشها لذلك أعرف أن فيه من الجرأة الشيء الكبير، لكنّي أتحمل تبعات كتابتي التي ربَّما ستؤدي بي ذات يوم إلى أعراف عشائرية عندها سأكون مستعداً أن أطلق الرصاص على رأسي، لا أخشى شيئاً وهذه هي السمة الكلية التي يجب على الشعراء أن يتعاملوا بها داخل سيستم الحياة، الأمر الذي سيجعل من التقاليد محرفة وقابلة إلى تأمين الأثر الشعري والمعرفي، في النصوص ما هو أساس لتأمين فاعلية الكتابة وهو في الوقت عينه يتبادل مع الطروحات الإنتاجية وتدعيم كلية المفاهيم.

** هل سعيت أن تكون لك لغتك الخاصة، وطريقتك المميزة في كتابة القصيدة، وكيف فعلت ذلك؟

– أجل فعلت ذلك، فكل الكتابات النصية التي للقصيدة تهدف إلى تجلٍ واسع في نظرية النص، الأمر الذي يسهم في تذويت هذه المفاهيم، وبذا أختار الكلمة التي تشبهني وكذلك النص والفكرة، بعيداً عن آليات التكرار التي يعيشها معظم الشعراء اليوم، ولا أقترح سيطرة على هذه الكلمات بقدر ما أبغي التفرد في النص والكتابة وأتاحت منجز مختلف أو معني بالاختلاف, وبذا هذه هي الحرية المثلى التي تكونها قصيدة النثر. فمثلاً في مجموعتي الشعرية الأولى التي ظهرت عن دار الصواف 2016 كانت “مملكة العظام” ذات بعد مختلف، فهي طبعت على ورقة واحد تسمى B2 وهي بداية المغامرة الأدائية في النص، لأنها السبيل نحو الكتابة.

وصولاً إلى #معمل_شعري الكمامة الشعرية التي حاولت من خلالها أن أجعل الشعر ليس يومياً فقط بل علينا أن نتنفسه فالكتابة على الكمامة هي واحدة من أهم الأمور الكونية التي أبغي التعامل معها وتأمين متطلبات عملها، وبذا يجري تأكيد هذه الأساس داخل كتابتي المعملية هذه، وأيضاً في البيان الذي صدرته بخصوص (ما بعد الجندر الشعري) إذ رحت الخطاب الفلسفي المعني ببعد ما بعد الحداثة ليكون على هيأة الشعر، فهذه المطاطية في الكتابة هي من تتيح لي ابتكار أشياء النصية الخاصة وتوسيع مدى التعامل المعرفي فيها.

** احكي لنا عن (مليشيا الثقافة)؟

– السيستم الأساس في توسيع الحركة الأدائية في الشعر، فعبر هذه الحركة أو المجموعة أو أي تسمية بالإمكان أن نرشقها بها، إلينا على أنفسنا أن نجعل من الشعر حركة أدائية فالقراءة إلى الموتى والإنفراد في الكاميرا هي الغاية الأهم، فقد طرحنا أنموذجاً جديداً مع مجموعتي، وعبرها أي عام 2015 أسهمنا في تأمين رؤية مفاهيمية أخرى، وهي ربما مغامرة كبرى للجنوح بالنص والفعل، ومن ثم كتابة الشعر على الجسد واليد كانت طريقتي في التعبير عن الشعر الجسدي، وأيضاً عند الذهاب إلى حقول الألغام، كانت اللابتوب هي المشروع الملائم في معرفة المادة المطروحة فنا آلة تسهم في تطوير الإنسان وهنا آلة أخرى تسهم في تدمير الإنسان والتخلص من أعضاءه. إذن الشعر مشارك فعال في البت بهذه المنتوجات الكونية، وربما الذهاب إلى (الشلامجة) لإدانة الحرب التي حصلت أبان تلك الفترة.

** ما تقييمك لحال الثقافة في العراق وهل يمكن الحديث عن نهضة ثقافية؟

– الثقافة فعل فردي لا أحب تقيمها، لكن الحراك المعرفي والثقافي في العراق بإمكانه أن يسهم في تأكيد ذوات فردية وليست جمعية، فهناك الفرق بين المثقف والمتثاقف ولعلنا في العراق نعاني من هذه التسميتين بشكل مركزي، لذلك لا أحب الخوض فيها.

** في رأيك هل فقد الشعر وهجه وإثارته للقارئ وأصبح القراء يسعون إلى السرد سواء رواية أو قصة؟

– لكل نص وهجه الخاص ولا يمكن رشق النصوص كلها بشيء واحد، ولا يمكن تحديد مجريات القراءة فهي مختلفة من وقت إلى آخر وتابعة إلى مزاجية القراءة، ربما يعتبر الجميع أن العصر هو عصر السرد، لكني ضد هذا الأمر فهو عصر الفلسفة بشكل كلي، وبذا يتم تأمين هذه الخارطة الوارد العمل عليها وفق التعابير المراد العمل عليها، ويبقى لكل قارئ مزاجيته الأهم في مرحلة القراءة.

** هل يمر نقد الشعر بإشكاليات. وما هي في رأيك هذه الإشكاليات؟

– النقد بكل مراحله يمر بإشكالية الاتساع، فلا يمكن له مراقب الأحداث أو المطبوعات الصادرة فهي بكثرة وربما يحاول رصد بعض المتطلبات لكن الأمر أكبر من أي شيء، فبين القراءة ومتابعة المشهد متى يتوفر الوقت للناقد للكتابة عن هذه المنجزات المفاهيمية والشعرية الموجودة.

** درست المسرح.. هل مارست العمل المسرحي سواء بالكتابة أو بالإخراج أو التمثيل؟

– نعم، مارست العمل في هذه المنظورات وحاولت أن أسس لشيء جديد لكن الوقت لم يسعفني بسبب انشغالي بالشعر والكتابة والقراءة.

** ما هو تقييمك لحال المسرح العراقي؟

المسرح العراقي يعاني بشكل رئيس حاله في ذلك حال المسرح العربي، فالعالم تتوجه نحو المسارح التجارية وتترك الأعمال الجادة وبذلك فإنه تدني في المستوى ويبقى السؤال الأهم والأسمى هل هناك مسرح في العراق والوطن العربي أما إنه ما زال محاكاة لمسرح الغرب؟ ومتى يكون لنا مشروع الأساس في تأسيس مسرح خالص خالٍ من التبعية؟.

 

نصوص لأحمد ضياء..

الوجوه المطبوعة لأنفاسي على رقبتكِ

طرف أساس في دحرجة الحب بيننا.

لا أذكرُ من العالمِ شيئاً

لا الآلية الّتي تختلف بها الكواكب

لا طريقة تقاطع الأفكار

لا النوافذ المقاسة بعمق عينيكِ

لا كيفية إرسال رسالة اطمئنان تفرحنا

لا الجراح

لا الحجارة

لا الطرق المتكونة من أقدامكِ

ما أعرفه في هذا الوقت المبكر من الصباح

إنّكِ الأطفال، العطايا المشبعة بالحبِّ

فابتسم…

———–

في كل لحظة غفوت على صوتك

كانت ترعدُ الأرض

وأنكوي داخل برج الأنفاس

الغربة في الأمر

إنَّ خطأ واحداً

قلب حياتي

الآن لا مأوى لي

لا مساء أعرفه

ولا شيء غير أحبّكِ

بمثابة شاهد على جميع الأوقات.

————–

كتابة القلق

يَقرطُ بيَّ الألمُ

كأنَّه روحاً تُضاف إلى وجعي

كأنَّه الشّوق

لأغصانِ منتجعٍ

كُلَّما مرَّ النَّسيمُ على أفنانهِ

انبسطتْ

دَمعُ السَّوادِ

رزقُ الذين تفاقمتْ أحمالُهم

بطء المسيرِ

بعدُ المسافةِ

غبشُ الأيائل

إنّني صلدُ المواقفِ

ناعِمُ الحبِّ

حيثما جُرَّ الفؤادُ

صاحتْ الأنفاسُ

يا ربي…

————–

لأنَّكِ أنفاسي

أصلّي بكِ كلَّ لحظة.

لا نكذب في الشِّعر

تدون ذاتنا هذه الأصوات

كثيراً ما ذكرتُ الشَّمس

وكنتِ تجلسين جواري

من حق الظّلِ الاعتذار

ومن أشد الحقوق العف

كذا نجيب رصاصة الكذب

الّتي تشكلت

ب ا ل ص د ف ة…

نقفُ على ما تبقى من ملامحنا السَّحمراء

نتشبَّثُ بأدقِ التَّواريخ والشُّخوص

نكلِلُ رحلتنا بالحبِّ

نذوبُ مع النجومِ ثم

نهشُ شكلَ قلبي بأصابعَ

مغمسةٌ بروائحكِ

لوحتُ كثيراً للبياض

الَّذي ينهلُ مدوّناته منكِ

قافزاً على فوق سطح جسدِنا

معلناً انتصارَنا بالأحاجي

سأعلم أبنائي الموسيقى

ليعيشوا …

لأول مرَّة أحظى بصورتكِ وأنتِ تنامين على ساقي خالة

لأول مرة في أرى جزءاً من ليل رأسكِ

لأول مرة تغفو الله بين ذراعينا

لأول مرة تنطبق أجفانكِ على جفني

ولأول مرة الحسرة والتنهيدة

تشقُ أضلاعي

وتنطلق لبغداد

كلا ليس لأول مرة تخرج أضلاعي

لذلك منحني

ومكسور الظهر من الحب…

لأول مرة التقط إليكِ صورة

خارج يديكِ

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة