خاص: حاورته- سماح عادل
“أحمد خلف” روائي وقاص وشاعر وصحفي عراقي، نشر أول قصة له 1966 بعنوان (وثيقة الصمت) في ملحق الجمهورية، عمل رئيس للقسم الثقافي في التلفزيون، ومحرر ثقافي في مجلة الأقلام، وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو نقابة الصحفيين العراقيين.
صدرت له مجموعة قصصية 1974 (نزهة في شوارع مهجورة)، ومجموعة قصصية 1978 بعنوان (منزل العرائس)، روايته الأولى (الخراب الجميل) صدرت في 1980، في 1984 صدرت مجموعته القصصية (القادم البعيد)، في 1986 صدر له كتاب نقدي عبارة عن مجموعة دراسات عن القصة والرواية العراقية بعنوان: (دراسات نقدية).
في 1990 صدر (صراخ في علية) واحتوى على سبع قصص قصيرة مع رواية بعنوان: (نداء قديم)، ومجموعة قصصية (خريف البلدة) في 1995 التي فازت بجائزة الإبداع في العام نفسه، وأعيد طبع الكتاب في عمان وصدر عن دار (أزمنة) في عام 1996 بعنوان (في ظلال المشكينو)، صدرت قصص قصيرة (تيمور الحزين) في 2000، في 2001 صدر له قصص بعنوان (مطر في آخر الليل)، في 2002 صدرت روايته المعروفة (موت الأب) وقد عمل فيها قرابة الخمس سنوات، في 2005 صدرت له في دمشق رواية بعنوان (حامل الهوى)، صدرت له رواية بعنوان (محنة فينوس) 2007، في 2008 أنتخب رئيساً لنادي القصة في الاتحاد العام للأدباء والكتاب، في 2009 صدرت له رواية بعنوان (الحلم العظيم) في دمشق عن دار المدى، وصدر له (الرواق الطويل) كتاب في السيرة الثقافية ــ صدر عن دار المدى في عام 2012، وفي عام 2010 أنيطت بهِ رئاسة تحرير مجلة الأديب العراقي، الناطقة باسم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.
إلى الحوار:
(كتابات) تأثرت في بداياتك الأدبية بالفكر الوجودي وظهر هذا الفكر في عدد من أعمالك السردية.. حدثنا عن ذلك ؟
• مازلتُ على اعتقاد صريح أن المرحلة الستينية من القرن العشرين في العراق بحاجة لدراسات معمقة, وما سادها من موجات ثقافية وسياسية وفكرية مغلفة بطابع فلسفي يحتم على الدارسين والنقاد القيام بتلك الدراسات, فقد انتشرت الأفكار والفلسفات التي بدت جديدة على العقل العربي والعراقي خصوصاً, كانت المجلات الليبرالية في المشرق تترجم الفكر الوجودي كمجلة (الآداب) اللبنانية، في الوقت الذي كان للفكر الماركسي مصادر انتشاره أيضا, وكانت هاتان المدرستان تتباريان في كسب المزيد من المثقفين العراقيين, ولعل الميزة التي أكدها “جون بول سارتر” حول المسؤولية ومن ثم الاختيار الحر تحديداً في كتابه المعروف (الوجودية نزعة إنسانية), كان أمرا مغريا للمثقفين العرب والعراقيين، وذلك بالخلاص من أطروحة الأدب الملتزم وهو طرح مدرسي معروف.
كان الأدب الملتزم يشكل مصداً أمام المثقف الذي يريد أن يكون حراً في اتخاذ مواقفه أو كتاباته وطبيعة إبداعه, كنت في الحادية والعشرين من عمري عندما قرأت ثلاثية سارتر (دروب الحرية) بأجزائها الثلاثة، وتعرفت على عالم يختلف عن عالم عشرات الكتاب والروائيين العرب والأجانب, لقد حسم “سارتر” الكثير من إشكالاتي الوجودية والنفسية والسياسية عندما قدم بطله في الثلاثية (ماتيو دولارو) وهو مثقف وفيلسوف ومدرس فلسفة لكنه يختار مواقفه بناءاً على قناعات شخصية وبدون تأثير خارجي من أي شخص أو حزب أو جماعة, مما دفعني هذا إلى أن أختار وبإصرار أن أكون كاتباً فقط, أي ينبغي أن أكون كاتباً حراً تماماً كما هو بطل “سارتر” حين يقرر في الأخير الانتساب إلى المقاومة الفرنسية ضد الألمان الفاشست من محتلي باريس. أما عن انعكاس هذا الفكر على كتاباتي فاعتقد أن الأمر هنا يطول شرحه ولن يحسمه إلا تشخيصات النقاد له فقط.
(كتابات) قلت عن روايتك (الحلم العظيم) أنها تجمع خيبات البعثيين وانتكاسات الشيوعيين.. ماذا تقصد بذلك؟
• يقيناً عاصرت العديد من أحداث البلد وعشت في خضمها، ونالني من بعض نيرانها المستعرة الشيء الملموس، لكني واصلت الكتابة بإصرار من يعرف ماذا يريد وما هو مشروعه الشخصي؟ تحت ضغط تلك الظروف الصعبة القاسية (سنوات منتصف الستينات من القرن العشرين)، واصلت كتابة ما يجري من أحداث في دفاتر خاصة مازلت احتفظ بمجموعة منها, حتى جاءت الفرصة للعمل على كتابة روايتي (الحلم العظيم) التي هي ترجمة لتلك الصبوات المقتولة في تحقيق حلم كل جماعة وحزب، بما فيهم المؤلف الذي كان يحلم أن يصبح كاتب قصة ورواية, أما البعثيون فقد خسروا حلمهم في إقامة دولة الوحدة كما كانوا يأملون, وقد انفردت مجموعة من الحزب الشيوعي العراقي من اليسار المتطرف، أطلقت على نفسها اسم “جماعة الكفاح المسلح” مستمدين العون الفكري من تجارب أمريكا اللاتينية ــ جيفارا ــ أنموذجا, وقد انشق هذا الفريق عن الحزب الشيوعي بقيادة المرحوم “خالد أحمد زكي” (الذي كان يعمل في معية الفيلسوف البريطاني “برتراند رسل”, إلا أنه ترك ميزاته في لندن وجاء ليقاتل في أهوار العراق) غير أن هذه التجربة التي كنت قريبا منها, انهارت بعد مقتل قائدها وفشل مشروعها بإسقاط السلطة الرجعية آنذاك، وتلاشى حلمها بإقامة دولة البروليتارية. لهذا يمكن القول أن:ــ الحلم العظيم لم يكن حلماً ذاتياً بل حاولت الرواية رصد ماعاناه الناس في هذا البلد في تلك الحقبة من الزمن.
(كتابات) روايتك (موت الأب) هل كنت تقصد من كتابتها نقد السلطة.. وما هو الجدل الذي أثير حولها؟
• روايتي (موت الأب) عملت على كتابتها قرابة خمس سنوات بنوع من الإصرار على إدانة كل أشكال الاضطهاد والجبروت والقسوة والطغيان, أي كنت أحاول الوصول إلى كتابة ملحمة عراقية تلخص ما عاناه الإنسان العراقي على مر العصور، وخصوصاً أعوام سيادة الدكتاتورية, لقد جاءت الرواية أشبه بإعلان انهيار النظام الشمولي، لذا كتب الشاعر “عواد ناصر” مقالاً قال فيه أن رواية (موت الأب) تتنبأ بزوال النظام الدكتاتوري, والحق أردت منها أن لا تختص بفترة محددة أو نظام معين، ولكن ما كان سائداً من ظروف موضوعية حتمت تفسيرات قريبة من تحليل الشاعر “عواد ناصر”. ومن الطريف أن الرواية مازالت في مخازن المؤسسة التي أصدرتها, لذا أسعى إلى إعادة طبعها ونشرها من جديد.
(كتابات) منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن كيف استطعت أن تثبت أقدامك ككاتب بارز في الأدب العراقي؟
• أنا لا أميل إلى الكسل في موضوعة الكتابةـ تحديدا ـ بل أرى أنه لا بد أن تتكاتف جهود الكاتب حتى يتمكن من بلوغ هدفه وتحقيق مشروعه, كنت ومازلت أعمل بإصرار وبنوع من الإحساس بضرورة مواصلة المثابرة, يعزز هذا التصميم قراءات متواصلة وبدون انقطاع، واعتقد هذا هو الحل الوحيد أمامي لكي أصل إلى ما أحلم وأفكر به, عندها تصبح كلمتي مسموعة وصوتي له وقعه الخاص, لقد ولدت في بيئة شعبية وكانت أغلب هوايات المتعة بعيدة عن متناول أيدينا لذا لم يكن أمامنا إلا القراءة الجادة، والتي يرنو صاحبها أن يكون نداً حقيقياً لكتاب العالم أجمع.
(كتابات) رصدت في عدد من رواياتك شخصية المثقف في واقع إشكالي.. لماذا تفضل الكتابة عن شخصية المثقف؟
• تقدم شخصية المثقف إغراءاً خاصاً وشحنةً عاطفيةً قوية لغرض تناولها كنموذج مختلف عن بقية الشخصيات السائدة الأخرى, إن هذه الشخصية ليست بعيدة عني وعن عالمي الذاتي, لهذا أجدها الأقرب والأجدر بالتعرض لحياتها القاسية، وما انهيارات المثقفين العراقيين إلا تجسيداً لعذابات الناس في هذا البلد, ويمكن لي أن استمد بعض خصائص شخصية المثقف في الرواية من طبيعتي وخصائصي الذاتية, المثقف دون غيره يمتلك مقدرة تشخيص الأشياء وتحليلها فكرياً وسياسياً وعاطفياً، وشخصية المثقف وبقدر ما هي إشكالوية فإنها الوحيدة من تمتلك وعياً جدلياً تجاه الأشياء والموجودات, فتحرك الساكن وتطور المتحرك.
(كتابات) هل هُمش الأدب العراقي بشكل متعمد أم أعاقته الظروف السياسية والاجتماعية قبل 2003 عن تجاوز حدود العراق؟
• علينا أن نعلم ما للحركة الذاتية من ارتباط بكل ما هو موضوعي, فالأدب العراقي على العموم هو جزء من الأدب العربي، لكن للسياسة دورها المؤثر ايجابياً وسلبياً على حركة الثقافة في العراق كما هو في العالم, ولا أجافي الحقيقة لو قلت أن إشكالية عدم تداول الأدب العراقي عربياً كانت وما تزال هي المعضلة التي يجاهد من أجل تفكيكها المثقف العراقي، مع التعاون الملموس لبعض المؤسسات العربية المستقلة, لست متشائماً في هذا الإطار، لكن لدي الثقة في المثقف العربي الذي لا يرضى أن يترك أحد الروافد المهمة والمؤثرة في الثقافة العربية معزولاً بسبب ظروف قاهرة، خلقها الاحتلال لنا ولسنا مسئولين عنها, لذا نرى إقبالاً ملموساً في الآونة الأخيرة على الأدب العراقي من قبل المثقف العربي، إضافة إلى أن الأديب العراقي هو الآخر نفض عنه حالة الكسل والتقاعس لينغمر في خضم حركة الثقافة العربية الحديثة من جديد.
(كتابات) هل استطاع الأدب العراقي ـ وخاصة في سردياته ـ أن يفرض وجوده عربياً وعالمياً بعد عام 2003, وما هي الأسباب وراء ذلك؟
• على مستوى الكتابة السردية نعم تمكنت الرواية العراقية الحديثة من اختراق ذلك الجدار الصلد الذي كان يطوقها، وأصبحت مطلوبة من قبل مؤسسات ثقافية عربية, لترجمتها أو لطبعها ونشرها، ويلعب العامل التجاري بالنسبة للناشر العربي، والعراقي خصوصاً، دوراً مؤثراً في عملية الانتشار التي أخذت تتسع بصورة ملحوظة، إضافة إلى مسألة الفوز بالجوائز العربية المهمة.
لقد حققت الرواية العراقية خطوة ممتازة ومتميزة عن ما كانت عليه من قبل, إن ما تحتاجه الرواية العراقية الآن هو أن يتم تناولها من قبل الناقد والدارس العربي وهو أمر في غاية الأهمية.
(كتابات) هل تعتقد أنك نلت التقدير الذي كنت تصبو إليه بدراسة أعمالك والاحتفاء بها، وقد شمل أحد أعمالك بتدريسه في إحدى الجامعات العراقية؟
• أولا أرى أن مسألة التقدير والتقييم مسألة نسبية، كما ينبغي لنا أن نسأل من يقيم من؟ حيث يمكن اعتبار التقدير والعناية بالكاتب قضية اعتبارية، قد يهتم بها عدد من المبدعين وقد يطالبون بها بينما يهملها عدد آخر منهم, أنا أقف في الوسط منهما، لا تشكل عندي مغنماً كما أني لا أرفضها إن أتت, الاعتبار والتقدير وحسب الجهة المقيمة قد يلعب دوراً في تأمل ما نحن عليه أو تأملنا لخطواتنا وإلى أين نسير.
نعم نلت بعض التقييم لأعمالي ودُرس واحداً منها في إحدى الجامعات، ولكن ليس كما هو متوقع لها أن تُدرس وتُعطى حقها من التقييم، خصوصاً وأن معظم ما كتب عن رواياتي تحدث عن خصائص ومميزات عالية الجودة والفن، إضافة إلى وعي خاص بالتقنية القصصية والروائية.
(كتابات) هل يمكن اعتبار الرواية العراقية وسيلة توثيق لما مر بالبلد من كوارث وأحداث وصراعات؟
• ليست كل الروايات العراقية اهتمت بما عاناه الناس هنا، بعضها طرح هموماً ذاتية وبعضها تناول موضوعات بعيدة عن مسألة وطن منهار وشعب مازال يدفع الثمن باهظاً, لكن عموماً تطمح الرواية العراقية الحديثة أن ترصد الخراب العراقي وتوثقه، ولكن ليس بطريقة المؤرخ إنما بطريقتها الخاصة, وقد تحمل بعض هذه الروايات نقداً قاسياً ضد التجربة الحديثة وما قبلها, أي نقد المرحلتين السابقة والحالية.
(كتابات) ما هي الصعوبات التي واجهتك في طريقك ككاتب؟
• تمتاز قابليتي الذاتية على التطور وتذليل الصعاب ولدي شعور دائم بضرورة مقاومة الظرف مهما جاء قاسياً، ولدي تجارب لا يستطع أي كاتب التصدي لها، لكني وبالإيمان بنفسي وبالقضية التي أعمل على تزكيتها (أعني الثقافة) تمكنتُ من تجاوز الكثير من المحن والتجارب.
(كتابات) ما هو جديدك.. هل لك أن تحدثنا عنه؟
• نعم انتهيت من روايتي (مملكة المعنى) منذ أيام بعد نشر كتابي الجديد (تحولات انكيدو) وإعادة طبع ثلاثة من كتبي المطبوعة سابقاً, الآن أتهيأ للبحث عن دار نشر عراقية أو عربية.. إني أعتز بما أكتبه وأواصل متابعته والتحريض على قراءته.