خاص: حاورته- سماح عادل
“أحمد المباركي” شاعر وقاصّ وناقد تونسي، ولد بمدينة توزر سنة 1968. أستاذ تعليم ثانوي منذ 1996،وهوعضو باتّحاد الكُتّاب التّونسيّين، وكاتب عام جمعيّة “المهرجان الدّولي للشّعر بتوزر”
من إصداراته:
- مِشكاة الرّوح (شعر).
- حديث عُجاب(مجموعة قصصية).
- طائر النّار (شعر).
- يا حامل الحرف (شعر).
- مذكِّرات معتوه / مجموعة قصصيّة ثانية الدار الثّقافية المنستير.
- في أسئلة الشّعر / كتاب نقديّ صدر عن دار المسار.
- قلبيَ النّور (شعر).
- في أسئلة السّرد / كتاب نقديّ عن دار الوطن العربيّ.
إلى الحوار:
** ماذا يعني الشّعر بالنّسبة إليك؟
– بادئ ذي بدء لكم عاطر التّحايا من الجريد التّونسيّ من مدينة توزر مسقط رأس الشّاعر أبي القاسم الشّابّيّ لاحتفالكم بمنجزي الإبداعيّ، أنا الأديب التّونسيّ أحمد المباركيّ صاحب العشرين كتابا مطبوعا في الشّعر والقصّ والنّقد- في فجوة من الأيّام والإعلام..
وأمّا الشِّعر فهو إكسير حياتي وهو البَلسم لجراحاتي المتنوِّعة وهو صوت التّحدّي الذي لا نملك غيره حين تصول علينا دواهي السّنين، وحين تكشّر الأزمات والمِحن عن أنيابها عندها فقط يلعلِعُ شِعري هازئا بالخُطوب مطلِقًا عابقاتِ الطُّيوب لذا قلتُ ذاتَ بَوْحٍ:
*قدْ عِشتُ للحَرف حتّى قَدَّ من بدَني
فصِرتُ أهزلَ خَلق اللَّهِ إنسانَا
ولي مَضاءٌ كحَدّ السّيف شفرتُه
دومًا يوقِّدُ في الأحشاءِ نِيرانَا
** لِمَ فكّرتَ في كتابة شعر للأطفال.. وما وجه اختلافه عن الشّعر؟
– الشِّعر الطّفوليّ صعبٌ مستصعبٌ قدمتُ إليه بعد رحلة مُضنية في شعر الكبار ناهزت ثمانية دواوين ولعلّ ما دفعني إليه أنّي مدرِّسٌ وأصافح يوميًّا صغارَنا المتعلِّمين فرأيتُ أنّ المكتبة العربيّة فقيرة إلى الشّعر الطّفوليّ-إجمالاً- مقارنةً بالسّرديات الطّفوليّة فنسجتُ سبعة دواوين منها (مواويل للأشبال والوطن- أغاريد للأجيال 2017- أناشيد القمر- ترانيم الطّفولة 2020- مدرستي جنّتي – أراجيح الفرح… ) وهو مختلف في نسيجه وفقًا لجمهور المتقبّلين من النّاشئة معجميًّا وبلاغيًّا وجماليًّا ودلالِيًّا في حُلّة نغميَّة رقراقة ومواضيع مستطرفة تلامس حرائق الطّفل العربيّ في مستهلّ الألفيّة الثّالثة ميلاديًّا في عصرنة إلكترونيّة تأخذ بالألباب والأبصار معًا فليس من عجب أن يُحيّي تحيّة صباحيّة الصّغيرُ هاتفَه الجوّال فيقول:
صباحَ الخيرِ جـوّالِي
صباحَ الوردِ يا غالِي
أزفُّ إليكَ أشْـوَاقًــا
بإصبـــاحٍ وآصــــالِ
** حدِّثنا عن مجموعة “مذكِّرات معتوه”؟
– هي مجموعتي القصصيّة التي صدرت 2018 وسبقتها الأولى بعنوان (حديث عُجاب) 2011 وتتضمّن (مذكِّرات معتوه) خمس قصص طويلة نسبيًّا ولكنها مُفعَمة تشويقا وإثارة وقضايا هامّة كالرّشوة والجريمة والأحقاد والنِّفاق والرّذيلة والثّورة، ولا أبالغ إن قلت أنّ أغلب القصص تصلح لأنْ تكون سيناريوهات لأفلام ماتعةٍ، فآملُ أن تعانق قصصي السّينما والتّرجمةَ وأن تكون لها حُظوة لدى طُلاّب الجامعة ورسائل الماجستير في قابل الأيّام ولا يتمّ ذلك إلاّ بالتفات الإعلاميّين إلى إبداعاتنا نحن مبدعي التّخوم ومستوطني الهامش القَصيّ عن المركز/تونس العاصمة.
** هل تتناول قصصُك أحداثًا وشخصياتٍ من الواقع.. وهل يلعب الخيالُ دورا كبيرا في نسجها؟
– قصصي في مجموعتي الأولى (حديث عُجاب) مرتبطةٌ بالخيال وإن ارتكنت إلى البيئة العربيّة زمن الجاهليّة (عنترة وغيره) وعصر الإسلام الأوّل (بني أميّة وشخصيّتي القصصيّة مجنون ليلى- بني العبّاس من خلال شخصيّتيْ أبي تمّام والمتنبّيّ خاصّةً) وأمّا في (مذكِّرات معتوه) فأغلبها تنتمي لعصرنا الرّاهن إذ يشدني الواقع العربيّ بكلّ تضاريسها ومفاخره ومهازله وزلازله وانتكاساته أيضا.. فتقريبًا لم أجرّب القصَّ العجائبيّ أو الفانتازيا فتمنّعت عليّ الرّواية السّحريّة والرّواية عمومًا ربّما لنفسي القصير سردًا. ولعلّ قابل الأيّام كفيل بأن ألِج أسوار الرّواية من بوّابتها المدهِشة..
** ما تقييمك لحال الثّقافة في تونس؟
– للأسف ما نشهده في تونس هو حراك اجتماعيّ وسياسيّ فقط وأمّا الثّقافة ففلكلوريّة فرجويّة سطحيّة (الثّقافة في بلدي شاطح باطح) كما يقال.. فلا تلمح في العاجل ثورة ثقافيّة ولا مشاريع معرفيّة رائدة فكأنّ بلادي في حالة إغماء فلا تفكّر في تطوير الكِتاب نشرا ومقروئيّة، ولا في تكريم المبدعين والمفكّرين الحقيقيّين فانخفض بذلك منسوب القراءة وغزت الأُميّة ما بقي من المتعلّمين..
ولا علاج لذلك الدّاء إلاّ بتلفزات ثقافيّة هادفة تقوم على الحوار والدّراسة وحبّ المعرفة وقبول المختلِف..
لا علاج لذلك إلاّ بالاهتمام بالإبداع والمبدعين في وسائل الإعلام المرئيّة أساسًا فأغلب تلاميذنا لا يعرفون مبدعي جهاتهم الأحياء ناهيك الأموات منهم!!!
الثّقافة في حشرجة مفزعة والكتاب لا يطبع إلا بعشرات النّسخ فمتى يعلم سياسيّونا بأنّنا- معاشر الكُتّاب بمختلف أجناسنا واهتماماتنا- مِلح الأرض وبَذرة الخلود وغيرنا فقاقيع فقاقيع.
** هل هناك مشاكل في النّشر في تونس وماهي؟
– نعم هناك مشاكل عويصة تتّصل بترويج الكتاب بل في غلاء سعر الطّباعة والكِتاب معًا لذلك تجد النّسخ قليلة لا تستوعب دور الثّقافة والمدارس والمعاهد ولا المكتبات إضافة إلى التّقليص من ميزانيّة وزارتنا لأقل من 0,7٪ .
وأعتقد أنّ العلاج كامنٌ في جعل وزارة الثّقافة وزارة سِياديّة وفي إيلاء الكِتاب- بمختلَف توجُّهاته- المكانة المرموقة في داخل المجتمع وخارجه..
فالثقافة/ ثقافة الكتاب أبرز رافد للتّنمية ولتطوير البلاد ماديًّا ومعنويًّا..
** هل النّقد يواكب غزارة الإنتاج الأدبيّ؟
– لا يواكِب النّقد الإنتاجَ الأدبيّ لأسباب مختلفة بعضها مرتبط بقلَّة النّسخ للكتاب وبعضها متعلّق بالمركزيّة بمعنى الكاتب القاطن قريبا من الإذاعات والقنوات ووسائل الاتصال بل قريبا من الجامعات والمنتديات يمتلك حُظوة أفضل من غيره السّاكن في التُّخوم إضافة إلى أنّ النّقاد هم سجناء بأسوار الجامعة بل سجناء بمشاهير الكُتّاب ك”نجيب محفوظ وطه حُسين وعبد الرّحمن منيف وحنّا مينه وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي ومحمود درويش وأدونيس” فكيف يلتفتون إلى غيرهم لعلّ عندنا من النّقاد من هو ك (فوانيس باب منارة) وهو مَثَلٌ تونسيٌّ يُبرز الاحتفال بالوافد وإهمال أبناء الوطن..
فلا يمكن أن يواكب النّقد المنجز الإبداعيّ التّونسيّ إلاّ بثورة عارمة ترفع من شأن الكتب وأصحابها وتربطها بالأكاديميّين والتّرجمة والسّينما بل تربط الكُتّاب بالمدارس والجامعات ومراكز الأبحاث بالتّنمية..
ومن مزايا النّقد النّزيه- متى ابتعد عن الوساطات والإخوانيّات والمجاملات- أنّه يخرس ألسِنة الغوغاء والمتطفّلين والسّطحيّين الذين أفسدوا بهاء الكون الثّقافيّ
** في كتاب “في أسئلة السّرد” حدِّثنا عن زاوية التّناول؟
– هو كتابي النّقديّ الثّاني الباحث في نماذج من سرديّات الجريد التّونسيّ من قصّة وقصّة قصيرة جِدًّا ورواية ل”حسن سالمي وعِماد دبّوسي ومحمّد بوحوش ومحمّد الغزالي وبسمة بوعبيدي وأمينة الزّاوي”..هو باحث في تقنيّات سردٍ بُغية إظهار التّنوّع في سرديّات الجنوب الغربيّ للبلاد التّونسيّة حيث الجريد ينبثق شامخا بنخيله وجماله السّرمديّ.
** ما هو نشاط جمعيّة مِداد وهل تقوم الجمعيّات بأدوار ثقافيّة في المجتمع؟
– جمعيّة “مِداد للقراءة والكِتاب” فتِيّة ولكنّها استطاعت أن تطبع مجموعة من الكتب وأنشأت مجلّة للأطفال وعنوانها (فوانيس) وأصدرت عدديْن وحقّقت الجمعيّة حضورًا جميلا في النّدوات والأيّام الإبداعيّة الموسومة ب (يا حامل الحرف)، وهو الدّيوان الثّالث لمحدِّثكم الأديب التّونسيّ “أحمد المباركيّ”..
وأغلب الجمعيّات لا تقوم بأدوار ثقافيّة باهرة لأنّها قد فقدت البوصلة وأعتقد أنّ الصّوت الاجتماعيّ /السّياسيّ جَهْوَرِيٌّ لا يُقهر مطلَقًا.. فالجمعيّات تُعدّ بالآلاف ولكنّ الكثير منها لا فائدة تُرجى منها وهي عمومًا تؤكّد المناخ الدّيمقراطيّ التّونسيّ ولكن تحتاج لتوجيه لتكون أكثر فاعليّة في عصرنا الرّاهنِ..
** هل واجهتك صعوباتٌ ككاتب؟
وهل هناك كاتب في وطننا العربي لا يواجه صعوبات طالما أنّ هذه الجماهير نائمة في خَطيط وغَطيط في “هُياط ومُياط وشجرة ذات أنوَاطٍ” حسب تعبير “شيخ المَعرّة”؟!
ومازلتُ أنحتُ ذاتي وسط الأدباء رغم ما أنتجته إلاّ أنّ كتبي لم تُتناول أكاديميًّا إلا لِمامًا ورغم أنّ دولة المغرب الشّقيق أدرجت قصيدتي الطفولية (الحُلم) في كتاب السّادسة ابتدائيا ص38 تحديدًا كما أن ديواني الثّاني (طائر النّار) 2014 تناوله الطُّلاب في الجزائر الشّقيقة ضمن رسالة ماجستير. إلاّ أنّي اعتقد أنّ منجَزي الإبداعيّ قليل الانتشار وخافت الذّيوع..
فلعلّ في قادم الأيّام تصل نصوصي للتّرجمة والرّسائل الجامعيّة والسّينما وتتجاوز الحدود إلى رحابة العالم وما ذلك على اللّه بعزيز.. لذلك دائما أفتخر بنضال حروفي وانتصارها على الرّداءة والكآبة في قوله في قصيدة (الشّاعر والغاوون):
وأهبطوك بجُبٍّ ليله شجَن
فاصّاعدتْ شمسُك الهيْجى كأنفاسِ
وكُنتَ يوسفَ في حزْم وفي أرَجٍ
يُنير بدرك في غيْمات ِ أنحاسِ..
وقولي أيضًا:
وإنّي لأنوارُ العروبةِ كلُّها
تلألأُ في الأكوان في زيّ إنسانِ..