خاص : حاورتها – سماح عادل :
“آسيا رحاحليه”، كاتبة جزائرية.. ولدت في 1963 بـ”خميسة- سدراتة” ولاية سوق أهراس/ الجزائر، حاصلة على ليسانس لغة وأدب إنكليزي – “جامعة قسنطينة”، وهي عضوة اتحاد الكتاب الجزائريين. بدأت الكتابة في سن صغيرة، لكنها تخصصت في الإنكليزية واشتغلت بتدريسها لمدة 23 سنة، حازت على تكريم من صحيفة (المثقف) بالسويد لعام 2014، وقد صدر لها 4 مجاميع قصصية:
1 – (ليلة تكلّم فيها البحر) – 2010 – الجزائر.
2 – (سكوت، إنّي أحترق) – 2012.
3 – (أعتقني من جنّتك) – 2014.
4 – (تدق الساعة تمام الغياب) – 2015.
إلى الحوار:
(كتابات) : كيف بدأ شغفك بالكتابة وكيف تطور ؟
- شغف كبير، بدأ معي في سن مبكرة جداً وتزامن مع عشقي للقراءة. حكايتي مع الحرف ومع الكلمة، قراءةً وكتابةً، هي حكاية ممتدة في الزمن، بدأت في سن طفولتي الأولى. اكتشفت سحر الكلمة من خلال حكايات أمي قبل النوم، وذلك قبل أن أدخل المدرسة وكان الجميع ينام وأظل مستيقظة أفكر في الحكاية وأعيد تشكيلها في خيالي، ثم المدرسة الابتدائية وكتاب القراءة واللوحة والطبشور، ثم اكتشاف عالم الكتب والمجلات والوقوع في شرك المطالعة الساحر، دواوين الشعر والروايات والقصص. بعد ذلك المراهقة وتدوين اختلاجات النفس في شكل يوميات على دفتر صغير.. ثم كتابة القصة.
الحرف لم يبدأ معي صغيراً ثم كبر، لقد بدأ كبيراً فعلاً ثم ترافقنا معاً، قد يبدو هذا غروراً ولكنها الحقيقة، مواضيع الإنشاء في صغري كانت تثير الإعجاب الشديد بأسلوبها وحبكها، وكان أساتذتي يحملونها معهم لكي يقرؤونها على تلامذة الصفوف الأخرى. هي غواية جميلة ساحرة لا أذكر بدايتها بالضبط، وأرجو من الله أن لا تكون لها نهاية.
(كتابات) : لم بدأت بكتابة الشعر.. وهل يشبع داخلك تحقق ما ؟
- لم أبدأ بكتابة الشعر. لم أكن في الحقيقة أدرك بشكل واضح الفرق بين الأجناس الأدبية. لقد بدأت بالكتابة و لم يكن يعنيني أن أعرف جنس ما كنت أكتبه. لكن شغفي وعشقي للقصة وللسرد بشكل عام جعلني اتّجه للقصة مباشرة، لكن الشعر دائما في روحي، حتى الخواطر وحتى محاولاتي الشعرية تحمل دائما روح الحكي. قلت يوما:
أنا امرأة من حبر و أوراق
قلم براه الهوى
سفير الحب و الأشواق
على الشعر خيالي غفا
على النثر استفاق..
وطبعا أكيد أن كل كتابة هي إشباع لشيء ما بداخلنا، سدّ لفراغ ما هو بالتأكيد موجود حتى و لو كنا لا نعي بوجوده.
(كتابات) : في قصصك تبرعين في استخدام لغة شعرية.. لما هذا الشغف باللغة ؟
- نعم فعلا، أحب أن أطعّم نصوصي القصصية بالشعر أو الشعرية. نوع من البهار أضيفه للطبخة القصصية فيزيدها سحرا، أجد ذلك ممتعا لي وللقارئ، قلت يوما بأن الشعرية في القصة مثل الماكياج للمرأة الجميلة، قليله يزيدها جمالا لكن المبالغة فيه يحوّلها إلى مهرّج. الشعرية مطلوبة بقدر في الكتابة القصصية والروائية أيضا بشرط ألا تطغى على السرد وتطمس ملامحه، آه اللغة.. اللغة هي عشق كبير., هي أول عشقي و آخره. كتبت يوما: لو كانت اللغة رجلا لتزوجته! هو حب كبير نما بقوة وعمق منذ طفولتي ورغم عملي بتدريس اللغة الانجليزية لمدة عشرين سنة ورغم إعجابي بالفرنسية وتمكني النسبي بها إلا أن عشقي للعربية فاق كل تصوّر.
(كتابات) : في مجموعة (أعتقني من جنتك) هل الحرية حلم صعب التحقق للمرأة في مجتمعنا ؟
- الحرية نسبية كما نعرف ومفهومها يختلف باختلاف المجتمعات والأشخاص، والحرية مسؤولية، “اعتقني من جنتك” هي قصة عن المرأة الكاتبة التي تحد مسؤولياتها كأم و زوجة و ربة بيت، تحد من حريتها في الكتابة. الكتابة أنانية ترفض أن نشرك بها أمرا آخر. و حين تجد المرأة الكاتبة المبدعة صعوبة ومشكلة في وجود الوقت للكتابة بسبب بكاء رضيعها أو أوامر زوجها أو صوت القدر فوق النار في المطبخ فإنّها تشعر بالخيبة والضيق. هذا كان قصدي في تلك القصة من المجموعة.
(كتابات) : هل أثرت مهنة التدريس عليك وكيف ؟
- دخلت مهنة التدريس دون رغبة فيها. ساقتني أقداري إليها ولكني نجحت فيها والحمد لله. التدريس مهنة صعبة ومتعبة لكني بكل صدق أدين لها بالكثير. كان تأثيرها ايجابي أكيد، لقد درّبتني على الصبر والتحمّل والعطاء وفتحت أمامي أفق معرفة الآخرين والاهتمام بهم. أدين بلقب أستاذة لمهنة التدريس النبيلة الشاقة رغم أنّها أخرّت ظهوري كثيرا. و بالمناسبة ، أعتقد بأنّ الكتابة مسالمة جدا وليست عدائية أبدا ولا أنانية، تتقن فن التعايش مع جميع المهن إلا مع مهنة التدريس، في اعتقادي طبعا، ربما لأنّ التدريس مهنة تحتاجك كلّك، وقتك ووعيك وحضورك الذهني وإحساسك ورغبتك وتفانيك ومسؤوليتك وإبداعك أيضا، وهذا ما تطلبه وتتطلّبه الكتابة أيضا، لذلك حين تجمع بينهما لا تستطيع أن تعدل ولو حرصت وقد تظلم واحدة على حساب الأخرى. و لذلك تقاعدت بصمت وهدوء في الفصل الأول من السنة الدراسية 2010.. لم أعد أستطيع التركيز في عملي وشعرت وكأنّي أُفرِغت تماما من كل ما له علاقة بالدرس والامتحان والتصحيح وحتى بالإنجليزية ربما.. كنت قد بدأت أكتب وأميل إلى العزلة وكنت قد عدت إلى المطالعة من جديد بعد شبه قطيعة نظرا لانشغالي بالتدريس، ورأيت أنّه عليّ أن أتوقّف.. فاتخذت قرار التقاعد المسبق.
(كتابات) : هل هناك نقد عربي يلاحق الإنتاج الأدبي الغزير في الوقت الراهن ؟
- يلاحق كلمة كبيرة جدا ليتها كانت واقعا، هنا مكمن المشكلة، الإنتاج الأدبي وفي جميع الأجناس غزير بغض النظرعن الجودة لكن بالمقابل النقد الجاد المتواصل الهادف مفقود، ما عدا بعض المحاولات من نقاد يعدّون على الأصابع، و هذا في رأي أمر خطير لأن غياب النقد الموضوعي الجاد سيسمح بظهور الأدب الرديء إن جاز لي التعبير بل ويساعد على انتشاره وهكذا تنتصر الرداءة.
(كتابات) : ما رأيك في الأدب النسوي وهل تصنفي كتاباتك ضمنه ؟
- التسميات أو المصطلحات لا تهمني: أدب نسوي، أدب سياسي، أدب سجون، أدب المهجر، أدب الطفل، يتوقّف فكري دائما عند لفظة “أدب” فقط، ربما هي تصنيفات مشروعة أو ضرورية، لكن شخصيا ما يهمّني أولا وأخيرا هو أن يكون الأدب أدبا. قلت في أكثر من مناسبة بأن الأدب إنساني.. مصطلح الأدب النسوي هو أكيد من اختراع الرجل.. وهو مصطلح لا يقلقني ولا أرفضه نحن مثلما نقول هذا عطر رجالي وهذا عطر نسوي.. أرفض المصطلح في حالة واحدة.. إذا رافقه، في ذهن الرجل عادة، أيّ نوع من الترتيب على اعتبار الجودة مثلا، كأن يأتي الأدب الذكوري في المرتبة الأولى، أو أيّة نظرة دونية أو تقليل من قيمة..
قرأت مرة للصحافي “فريد بوران” في يومية الحقائق / 2013 / قوله في هذا الموضوع: “فالاختلاف ( يقصد بين ما تكتبه المرأة وما يكتبه الرجل) فقط يكمن في أن الرجل في نصوصه يغوص في الفضاءات المعرفية المتنوعة يوظفها لخدمة نصّه كالتاريخ، و الأنثربولوجيا، وعلم النفس، والاقتصاد، والمعلوماتية، والحروب، وعلم النفس وتفرعاته.. بينما الأنثى غالبا ما تنكفئ في عالمها الخاص، وتطلعها إلى الحرية، ومقاومتها للرجل، وتنديدها بالحدود الحمراء التي فرضها، ويفرضها المجتمع عليها، وعلى بنات جيلها”. هنا وبجرّة قلم واحدة يمسح هذا الصحفي من رأس المرأة الكاتبة كل الفضاءات المعرفية: التاريخ، والأنتربولوجيا، وعلم النفس، والاقتصاد، والمعلوماتية، والحروب، وعلم النفس وتفرعاته.. بصراحة لا أدري ماذا أبقى لها لكي تكتب!
لكنه، برأيي، قد أحسن للمرأة من حيث أراد شيئا آخر ربما، و أنصفها جدا، ووجد لها، وهو الرجل الذي يمثّل المجتمع الذكوري الخانق، عذرا لكون كتاباتها غارقة في الذاتية ومتخمة بالوجع وبمحاولة فرض النفس والتحرر. المرأة تكتب والرجل يكتب.. تكتب المرأة عن المرأة وعن الرجل، والرجل كذلك.. و البقاء للأجود. الفرق الوحيد أنّ فضاء الرجل الكاتب أوسع من فضاء المرأة.. و لست أقصد فضاءه المعرفي بالتأكيد.
(كتابات) : هل واجهتك صعوبات كاتبة ؟
- اعتقد أن كل كاتب أو كل مبدع تواجهه صعوبات. غير أنّ المرأة الكاتبة بشكل عام تواجه صعوبات أكبر، لأننا في مجتمع لم يهضم بعد وبشكل صحيح فكرة المرأة الكاتبة. ليس يسيرا أن تكون المرأة كاتبة سواء في الجزائر أو في العالم العربي عموما.. هذه حقيقة تعيشها كل امرأة تغامر بالمشي في الحقل الأدبي إذ عليها أن تحارب على أكثر من جبهة، البعض لا يزال يؤمن بأنّ القلم الوحيد الذي على المرأة أن تحمله بين أصابعها هو قلم/ الروج/ لتصبغ شفتيها، أو قلم الكحل لتحدد نظرة عينيها.. الكتابة كفاح والنجاح في أي مجال كان ليس هبة علينا انتظارها من الآخرين و إنّها هو جهد وعمل وإيمان وصبر أيضا.
(كتابات) : أين وصلت مسيرة اكتشاف الذات ؟
كلما اعتقدت أنني وصلت
اكتشفت أنّي لم أصل.
كلما ظننتُ أنني أدركتُ ذاتي
فاجأتني ذاتي بفتحٍ جديد.
أنا دميةٌ روسية ..
ذاتٌ داخل ذاتٍ داخل ذاتْ.
سأعرفُني يوما ما ..
لك حروف الخاتمة …
أفرغتُ في قلب الدّواةِ حنيني
وشكوتُ للكلماتِ فيض شجوني
ونصبتُ لي في كلّ حرفٍ خيمةُ
ومزجتُ كأسَ العقل كأسَ جنوني