16 نوفمبر، 2024 9:20 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات “ناهض الرمضاني”: العراق الآن في لحظة فاصلة من تاريخه

مع كتابات “ناهض الرمضاني”: العراق الآن في لحظة فاصلة من تاريخه

حاورته: سماح عادل

“ناهض الرمضاني” كاتب مسرحي و قاص و روائي عراقي متميز، من مواليد الموصل 1964، حاصل على بكالوريوس آداب- قسم اللغة العربية- جامعة الموصل، وعلى ماجستير أدب حديث- تخصص مسرح.

ترجمت نصوصه المسرحية إلى الانكليزية، والألمانية، والكردية، والإيطالية، وقدمت في عدة دول عربية وأجنبية، من أعماله المسرحية الشهيرة “نديم شهريار”، تحاورت معه “كتابات” لمناقشة إبداعه المتنوع:

“كتابات” في رواية ” بائع الأمل” حكيت عن ثلاثة عقود من تاريخ العراق المعاصر، من بداية التسعينيات وحتى سقوط مدينة الموصل 2014.. هل كنت تسجل فترات الحصار والحرب والدمار أم تؤرخ  للذات العراقية في استجابتها مع تلك الأحداث؟

* في رواية “بائع الأمل” حكاية ثلاثة عقود من تاريخ العراق الحديث سجلتها من خلال يوميات شاب من الطبقة الوسطى، وجد نفسه فجأة وسط حرب لم يفهم أسبابها وهي اجتياح الكويت.. حرب تعصف ببلده بعد أن ظن أنه قد وصل إلى شاطئ السلام حين انتهت الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت 8 سنوات.. الرواية تبدأ من هناك، من صحراء الكويت، حيث كان جنود الجيش العراقي يحصون الأيام يوما فيوما بانتظار مهلة مجلس الأمن الدولي التي منحها للعراق.. كانت المهلة تنتهي يوم 15/1/2017.

وكان الجميع منهمكين في عد تنازلي بانتظار ذلك اليوم.. في تلك الأجواء، وقبل بداية الضربة للجيش ب 18 يوم بدأت بكتابة “بائع الأمل”.. وكنت أتوهم أنني سأكملها خلال 18 يوم فقط، وكنت أتمنى ألا تضيع أوراقها في الصحراء إثر تعرضي وتعرضها لقصف قوات التحالف.. في مثل تلك اللحظات امتزج الخاص بالعام، وكان توثيقي لحياتي اليومية هو توثيق ليوميات العراق ككل.. وفي بلد كالعراق من المستحيل تقريبا فصل الخاص عن العام، فظروف البلد تحدد الكثير من خياراتنا الشخصية.. وتتدخل في تحديد ملامح حياتنا وبقسوة، كتابي يوضح هذا التداخل بجلاء وكيف غير حياتي الشخصية خلال عقود.

“كتابات” لما اخترت في “بائع الأمل” تقنية المؤلف الضمني الذي يؤلف الرواية ويحكي عن كتابتها أمام عيون القارئ؟

* شكل الكتاب نابع من مضمونه، لم اختر أنا الشكل لكن المضمون وظرف الكتابة يكاد يكون قد أجبرني على الكتابة بهذه الطريقة التي وجدت وقتها، إنها الطريقة الأسهل في توصيل المادة التي أكتب عنها.. كتاباتي تبتعد غالبا عن اللغة الأنيقة والأشكال الأدبية المعقدة، لدي ما أقوله وأبحث عن أقصر طريقة للتوصيل، شرط ألا تتخلى هذه الطريقة عن الحد الأدنى المطلوب جماليا، الرواية ليست تحقيقا صحفيا، ولا مغامرة في مجاهل النثر.. عليها أن تختط طريقا بين ذلك، وهذا ما أحاول فعله دائما.

“كتابات” حدثنا عن إبداعك في مجال المسرح والذي قطعت فيه شوطا كبيرا؟

* حكايتي مع الكتابة المسرحية غريبة قليلا، فأنا كنت أعد نفسي منذ البداية لكتابة القصة القصيرة والرواية، لكنني وبعد انجاز روايتي الأولى “واك ” عام 1998، ووجدت دور النشر عازفة عن استقبال رواية لمؤلف غير معروف فكرت بكتابة مسرحية، حدث هذا بتشجيع من زوجتي التي قالت لي قد تمنحك الكتابة للمسرح فرصة للوصول إلى الناس، إن لم يكن عن طريق النشر فعن طريق الخشبة، وهذا ما حدث فعلا، ويبدو أن بذور الكتابة المسرحية كانت موجودة لدي بغزارة وتنتظر الظهور، إذ أن كثيرا من قصصي القصيرة وحتى روايتي الأولى “واك” كانت حافلة بالحوار المسرحي الموحي.. وهو شيء قريب للغاية من أسلوب الكتابة للمسرح.

وإذا ما استثنيت مسرحية “اشتباك” وهي مسرحية معدة من قصة قصيرة سبق أن كتبتها وطلب مني أحد الأصدقاء تحويلها إلى مسرحية في مطلع التسعينات، فأثناء عملي على رواية “واك” كان هناك أفكار لنصوص أخرى تراودني، وكنت أكتبها في قصاصات واحتفظ بها، منها فكرة غريبة عن دولة تمتلك ساعة واحدة فقط موضوعة في ميدان عام، والخيانة العظمى في تلك الدولة هي امتلاك ساعة شخصية، تتعطل الساعة الكبيرة فجأة.. لتبدأ أحداث مسرحيتي “ساعة الميدان الكبير”، حيث تمر أحداث المسرحية كاملة وجميع الشخوص على المسرح يبحثون عن إجابة لسؤال واحد هو (كم الساعة الآن ؟) ولا أحد يمتلك الإجابة .

لم أنشر المسرحية، ولم تحظ بفرصة للعرض على الخشبة إلا بعد سنوات، لكن متعتي الكبيرة التي حققتها أثناء كتابة هذا النص دفعتني للاستمرار، فكتبت بعدها “نديم شهريار” ثم “بروفة لسقوط بغداد” ثم “امادو” وتتالت المسرحيات. وقد انتشرت كتاباتي المسرحية فعلا انتشارا أكثر من رواياتي، وقدمت مسرحياتي في دول عربية عديدة: كالسعودية، وسوريا، والمغرب، ومصر فضلا عن العراق طبعا، وتمت ترجمة بعضها إلى اللغات الألمانية، والانكليزية، والكردية، والهولندية، وقدمت في عروض مختلفة في أوقات مختلفة، وتم تناول مسرحياتي في دراسات أكاديمية، وفي بلدي العراق يعرفني الكثير الآن ككاتب مسرحي فحسب.

“كتابات” كتبت للمسرح وكتبت القصة والرواية.. ما السر وراء هذا التنوع في الإبداع.. وهل لديك مشروع إبداعي تحاول تحقيقه؟

* لا أحب أن أقيد نفسي في جنس أدبي واحد، ومستثنيا الشعر، فأنا أكتب بكل أشكال النثر المتاحة وحسب ما أراه مناسبا للنص الذي أريد كتابته، ذلك النص الذي لن أشرع فيه إطلاقا ما لم يكن هناك مناسبة حقيقية تحثني على الكتابة، وأن يكون هناك شيء واضح أريد قوله، وأظن في قرارة نفسي أن كلماتي ستكون ذات أهمية ما. وحينما تختمر الفكرة فإن النص سيبحث عن شكله ليخرج مقالا قصيرا أو دراسة متوسطة أو مستفيضة، مسرحية، أو قصة قصيرة، أو رواية. أكتب حينما يكون لدي فكرة ملحة لا استطيع تجاهلها، والفكرة، وظرف الكتابة، يحتمان الشكل. فقضية مجتمعية طارئة تستوجب مني كتابة مقال مباشر، وقضية أخرى أكثر عمقا وتأثيرا وأقل إلحاحا، قد تدفعني لمقاربتها في نص مسرحي.

“كتابات” ما هو حال المسرح العراقي.. وهل تأثر بالتغييرات السياسية الحادة التي مرت بالبلاد ؟

* المسرح العراقي، ككل شيء في العراق، بدأ بدايات واعدة جدا، وتقدم بسرعة، ثم تم تجييره لصالح الدولة، التي يحكمها الحزب الواحد، فتقيد وتجمد.. وتحول في تسعينيات القرن الماضي إلى مسرح تجاري رخيص غالبا.. وبدأ شرخ عميق يظهر بين المسرح التجاري والمسرح التجريبي الذي ابتعد بدوره عن عامة الناس.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق أصيب المسرح بفترة جمود، ثم عاد ليتحرك ثانية عبر مسرح تجاري محدود، ومسرح تجريبي أكاديمي يقدم عروضا مسرحية تمثل العراق في المهرجانات والمسابقات الدولية، ولا تعرض مسرحياته غالبا داخل العراق.

بصراحة أظن أن هناك الآن الكثير من المبدعين المسرحيين في كل المجالات في العراق، ولكن لا استطيع القول بوجود مسرح عراقي، وذلك لأن تقاليد المسرح وارتباطه بالجمهور قد تلاشت في العراق لعشرات الأسباب، هناك متحمسين للمسرح ويحاولون جاهدين إبقاءه على قيد الحياة، لكنها جهود فردية، إذ أن الدولة منشغلة عن المسرح وكافة الفنون بما ترى أنه أهم. والناس أصبحت تخشى التجمع نتيجة للأعمال الإرهابية، فتلاشت دور السينما فضلا عن المسارح، وهكذا أوشك المسرح العراقي على الجمود والتلاشي.. الرهان الآن على تحسن الأوضاع الأمنية وعودة البلد إلى شيء من الاستقرار، عندها قد ترجع العلاقة بين المسرح وجمهوره.

“كتابات” ترجمت مسرحياتك لعدة لغات كما وعرضت في دول عربية وأجنبية.. ما عنى لك هذا الانتشار؟

* رغم أن بعض مسرحياتي قد تمت ترجمتها إلى عدة لغات، وعرضت في دول أجنبية: “هولندا، لكسمبورغ، فيتنام”، إلا أن هذا لا يعني أنني كاتب حقق الانتشار المطلوب، تقديم عرض منفرد ومنقطع ليس إلا خطوة لا تكتمل مالم يتحقق ما بعدها من تكريس لها. أنا سعيد بالعروض التي قدمت لكنني لا أتوهم أنني قد أصبحت كاتبا عالميا. لدي مؤشرات.. مؤشرات فقط على أن الرسائل التي أريد توصيلها قد تصل إلى أشخاص من ثقافات وحضارات متعددة. أما الانتشار فبحاجة إلى التعامل بآليات السوق، وهذا ما يفتقر إليه الكاتب العراقي والعربي عامة، فلا يوجد ممثل أو مدير أعمال للكاتب يقوم بالترويج له، كما أن الدول غالبا تخلت عن نشر ثقافتها وانشغلت بأولويات أخرى.

“كتابات” في رأيك هل المبدع العراقي محمل بقضايا وطنه الشائكة ويأخذ على عاتقه الحكي عنها ومعالجتها في إبداعه؟

* المثقف العراقي غالبا ما كان مسكونا بهواجس بلده، مثل الرصافي والسياب والبياتي.. والقائمة تطول. المثقف العراقي كالسمكة لا يتنفس إلا في ماء السياسة، ولهذا الموضوع فوائده ومحاذيره أيضا.. فهو يجعل الأديب يسقط في المباشرة والفجاجة إذا ما حاول التعبير المباشر، وتخلى عن الشروط الفنية للجنس الأدبي الذي يكتب فيه، ويكون له قيمة أدبية كبرى لو قاربه المبدع بروح فنية عالية. قصيدة “أنشودة المطر” للسياب على سبيل المثال أثرت في جيل كامل من الشعراء العرب.

“كتابات” هل أنت مسكون بتاريخ العراق الذي يمتد لآلاف من السنين.. وهل يمنحك هذا شعورا ما بالانتماء في مواجهة كل ما حدث من كوارث؟

* رغم أن تاريخ العراق يمتد لآلاف السنين إلا أنني مسكون بالتاريخ العربي، الذي يمتد أفقيا ليشمل كل البلاد العربية.. هناك خلل ما في ذلك، فرغم أني من مدينة “الموصل”، التي تقع فوق أطلال مدينة “نينوى” عاصمة الآشوريين الكبرى، إلا أنني لا أجد تأثيرات آشورية في تكويني الثقافي، وذلك بسبب قطيعة مقصودة بيننا وبين تاريخنا الذي سبق الفتح العربي للموصل.

الفكر الديني القومي العربي حاول إقصاء تلك المرحلة، ولدينا فكرة شاحبة عنها ولا أثر مباشر لها في تكويني الثقافي. في مراحل لاحقة من حياتي بدأت أدرك جسامة هذا الخطأ وأحاول الآن التعويض. أظن أن شيئا كهذا مرت به دول عربية أخرى. لابد من الاهتمام بكامل تاريخنا دون إقصاء أو أدلجة.

“كتابات” ما هو تقييمك لحال الثقافة في العراق؟

* الثقافة العراقية الآن في مهب سياسة رعناء تتلاعب بها مؤثرات دولية جارفة، حولت كثيرا من المثقفين إلى أبواق سياسية فجة، وأقصت مثقفين آخرين بعيدا عن أرضهم، وتمت التصفية الجسدية لعدد آخر منهم دون الكشف عن أي جاني. المشهد مرعب للغاية لحد الآن، وقد كتبت عن ذلك تحديدا في مسرحيتي “بداية جديدة”، وهي مونودراما عن كاتب يريد بداية مناسبة لمسرحيته وهو يقف في أرض العراق الملتهبة، وقد عرضت هذه المسرحية أكثر من مرة في أكثر من دولة أجنبية رغم بساطة فكرتها.

“كتابات” هل يجد الإبداع العراقي قبولا واحتفاء في الدول العربية الأخرى .. ولما؟

* الإبداع العراقي قد يلاقي ترحيبا فرديا هنا أو هناك، قد يفوز كاتب بجائزة ما، عرض مسرحي أو فيلم سينمائي يتم تقديمه هنا أو هناك، أما فكرة “الثقافة العراقية” فهي فكرة باتت مطروحة على بساط البحث حينما وجد العراقيون أنفسهم يسألون سؤالا مرعبا وهو “من نحن ؟ وما هو العراق؟ ومن هو العراقي؟”، وقد تداخلت الطروحات السياسية مع الطرح الثقافي مما زاد في تعقيد المشهد أكثر وأكثر.

العراق الآن في لحظة فاصلة من تاريخه، بعد أن تعرض إلى هزة كبرى وتدخل في مصيره كل طامع وكل قادر على التلاعب في مستقبله، الثقافة العراقية الآن أصبحت “ثقافات عراقية” وهي موضع شك وجدل داخل العراق. فمن الصعب والحال هذا أن تكون لها قيمة ما خارجه، والحالات الفردية موجودة طبعا، لكنها استثناء ليس إلا.

من مؤلفات ناهض الرمضاني:

1- نديم شهريار،2003، دائرة الثقافة، الشارقة.

2- العبور إلى أزمنة التيه، “مختارات من الأدب العراقي”، كتاب مشترك،

2004، الشارقة.

3- بروفة لسقوط بغداد، نص مسرحي، 2004.

4- الصراع والشخصية في المونودراما، نقد تطبيقي، دائرة الثقافة، الشارقة 2014.

5- بائع الأمل، رواية، دار ورق، الإمارات، 2015.

6- Anys In Wonderlad دار صافي، أمريكا 2015.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة