9 مارس، 2024 2:14 م
Search
Close this search box.

مع “الرباب” سيرة تتوارثها أجيال .. (كتابات) تلتقي آخر رواة “سيرة بني هلال” !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : حاوره – عمر رياض :

كان عليَ الذهاب إلى مدينة “البلينا”، من أعمال محافظة “سوهاج”؛ صعيد مصر، لإجراء هذه المقابلة مع عائلة “نصرالدين”، آخر العائلات الحافظة لـ”السيرة الهلالية”، والتي تسكن قرية “برخيل” التابعة لـ”مركز البلينا”، ولمن لا يعرف، يعد “مركز البلينا” أحد أهم مراكز حضارة “مصر القديمة” بسبب وجود معبد “سيتي الأول” أو “أبيدوس”؛ و”العرّابة” المدفونة والتي سجلت قص “إيزيس” و”أوزوريس” و”حورس”، ويعد أكثر المعابد حفاظًا على قوامه بالرغم من قدمه، حيث ينتمي إلى أول الأسرات.

بعد دقائق من وصولي قرية “برخيل”؛ وجدت الريس “محمد عزت نصرالدين” أمامي ليقودني إلى “مندرة نصرالدين” – “المندرة” هي مجلس العائلة في الصعيد المصري – وهي أيضًا القلعة أو المعبد الذي حفظ تاريخ ما يقرب من 900 عام من السيرة المروية شفاهة بجانب معبد “أبيدوس”، والتي يُعد أبطالها من “الشعراء” أشبه بملوك لهذه الأسرات بالتوازي، في تاريخ عربي قريب نسبيًا لملاحم كبيرة.

كانت تزين رأس “محمد نصرالدين”، “العمة”، أو “العمامة”، كانت فوق الجلباب البلدي، كما سبق ورسمها المخرج المصري، “شادي عبدالسلام”، في ملحمته فيلم (المومياء)، وما إن وصلنا “المندرة” حتى خلعها ليصبح شاب عادي نشيط على الإنترنت حاضر الوعي ويضحك بإلقاء “النيكات” من الأفلام مازحًا.

لكنه لم يتخلى عن لهجته الصعيدية، بالطبع، والتي رحب بنا من خلالها بقوله: “أهلاً مراحب”.

طلبت منه أن نلتقط بعض الصور مع بداية الحديث؛ فطلب مني أن أنتظر حتى يقوم بلف “العمة” مرة أخرى على رأسه، قائلاً: “لا أستطيع الظهور للناس عاري الرأس”؛ فلا يصح أن يطل الكبار في “الصعيد” للخارج دون “العمامة”.

وظلت طريقته الفكاهية هذه؛ تتخلل الحديث بين الحين والآخر..

عندما إنتهى أصبح “الريس محمد”، ذلك الشاعر القابع في الذهن، والذي يمسك بـ”القوس” فى صور الفيديوهات المنتشرة على قنوات الـ (يوتيوب)، والأقرب فيها إلى مصري قديم وصغير، لكن فنان.

(كتابات) : نبدأ من آلة “الرباب” كخط مصاحب للسيرة التي هي بالأساس “ملحمة شعرية”.. فقد علمت أن “الرباب “، أو “الربابة”، تعزف جميع المقامات الشرقية الأساسية على خلاف المشاع؛ أنها تعزف مقامين فقط.. فما صحة المعلومة ؟

  • الشرقي !.. أحلى موسيقى هي الموسيقى الشرقية، وألة “الربابة” تستطيع عزف كل المقامات الموسيقية، لكن هي تتكون من “وترين” فقط، أريد أن أُسمعك حتى تفهم أكثر..

ثم قال لشاب صغير بجواره: “قل لهم يأتون بالرباب، الكبيرو والصغيّرة معًا”.. ثم أكمل الحديث؛ هي ألة شعبية وأصلها “فرعونية”، من الجائز أن تجدها قد رسمت على جدران بعض المعابد والآثار، لكن بحسب ما سمعت من جدي؛ هي من أيام “الفراعنة”، بمعنى أن الآلات التي تجدها قديمة هي “الناي” و”الرباب”، وبالنسبة للألعاب “لعبة التحطيب” المشهورة بجنوب “مصر”.

لكن بالنسبة لـ”الرباب”، أيام جدي، كانت وترين “سبيب”.. و”سبيب” تعني شعر من ذيل الفرس – ذيل الحصان – حتى ذلك الوقت كانت مقامات الأغاني ناقصة  مقام أو أثنين أو ثلاثة.

عندما جاء جيل ما بعد جدي؛ كان من السهل عزف معظم المقامات، جيلنا نحن حب يطور من نفسه، فبدأ بتركيب “وتر” آخر بجانب وتر “السبيب”، اسمه “السلك”.. “السلك” بدأ لتكمل الكثافة والثقل وتنوع بين الغليظ والحاد، “القرار” و”الجواب”، يعني “السبيب” يعطي “قرار”، و”السلك” يعطي “جواب”.

أصبحنا نعزف، مثلاً، أغنية لـ”أم كلثوم”؛ لحن لـ”عبدالحليم”، تقسيم مثلاً بطريقتك أنت بمرور الأيام.

حضر الشاب الذي ذهب لإحضار “الربابة”، وفي يده أكياس خاصة من مقاس معين مصنوعة من “الموكيت الرقيق”، وضعها أمام “الريس محمد”؛ فتح أحداها وأخرج “ربابة”.. فسألته هل هي الربابة الكبيرة ؟.. فأجاب نافيًا: “لا.. هذه هي الصغيرة”.. وقال للشاب: “أحضر الثالثة؛ الأصغر حجمًا”.

(كتابات) : لاحظت خروج “سلك كهربائي” من صندوقها الرنان.. هل هذا “بيك آب” – ناقل صوت كهربائي – ؟

  • نسميها “الكبسولة”، “مايك” يعني.

اللعب دائمًا يبدأ من “تحت العقدة” الموجودة في أول الرقبة – وبينما يقوم بـ”الدوزان” -ضبط النغمة – يتحدث أيضًا: أنا لم أحفظ بالدراسة، يعني لم أدرس موسيقى في “معهد”، لكن حفظت بالسماع، يعني إذا سمعتك تعزف  تقسيمة أحفظها بـ”الأذن”.

أستهل “الريس محمد” العزف بتقسيمة؛ أنتقل منها لعزف جزء من أغنية (الحب كده)؛ لـ”أم كلثوم”، كمثال لتجاوب “الربابة” الآن مع كل الألحان والمقامات..

(كتابات) : رأيت لك فيديو على الإنترنت في مولد “بني حميل” في “سوهاج”.. فهل تلعب موسيقى صوفية أيضًا ؟

  • لا.. أنا فقط أهوى الموالد وأحب التصوير جدًا، تستطيع أن تقول “مدمن تصوير”، أي شيء يجري معي تجدني أصوره..

أنا ذهبت مولد “بني حميل” لأني أحب الزيارة، كما كنت أريد شراء بعض الألعاب لأطفال العائلة، وأيضًا “فول سوداني”، وقررت وأنا ذاهب أن أسجل الرحلة، لأنها حدث سنوي قلما يحدث ويظل ذكرى – مولد قرى “بني حميل” يعتبر من الموالد الشهيرة في الصعيد المصري لأن القرية بها أربعين “ولي” من الصالحين وحدها؛ وهي قريبة جدًا من مركز ومدينة “البلينا” – وأنا ذهبت قبل الليلة الكبيرة بيوم، ولكن لم أقم بحفلة هناك، كنت مرتبط بعمل آخر ذلك اليوم.

أنا معروف أيضًا في معظم القرى والبلاد المجاورة، لذلك ذهبت مبكرًا في الظهيرة حتى أسير وحدي وعلى راحتي.

(كتابات) : كيف عرفت “الربابة” ؟

  • بالنسبة لنا نحن “الفرق”.. هي وراثة، جدي “نصرالدين” كان شاعر، لكنه حتى وفاته لم يكن قد وصل إلى الأضواء.

وهو من جيل الشاعر “الضوي”، والد الشاعر المعروف، “السيد الضوي”، الذي حكى “السيرة الهلالية” مع الشاعر، “عبدالرحمن الأبنودي” – قاطعته مؤكدًا: “أنا أيضًا سمعتهما في “بيت السحيمي” بـ”القاهرة”.

الحاج “سيد”؛ سافر معي في آخر أيام 2014، لـ”ملتقى الشارقة”، وكنت أنا وهو والشاعر، “عبدالباسط نوح”، والأخير هو خالي.

عمي “عزالدين” هو الذي علمني.. تريد أن تعرف كيف تعلمت العزف أم قول الشعر ؟

https://www.youtube.com/watch?v=PLneEHxSS3w&t=1394s

(كتابات) : نبدأ بالعزف ؟

  • بالنسبة للعزف فهي هواية، عندما تجد أشياء متكررة في البيت لديك فإنك تتعلمها، إذا كان أبوك صحافي مثلاً وأصحابه يحضرون له في البيت سوف تحب الفكرة، من كلامهم.. كذلك أنا عندما كانت تأتي الفرق مع أبي ويعزفوا “رباب”.. أحبيتها.

وتعلمت طريقتي الخاصة؛ من المرحوم “فاو”، من محافظ “قنا”، وكان أول واحد يشجعني.. فبدأنا نعزفوا على “الرباب” وبدأنا نتعلم واحدة من هنا وواحدة من هناك، والحمدلله الآن نعزف أي موسيقى نسمعها.

(كتابات) : من هم نجوم “السيرة الهلالية” ؟

  • تبدأ بالترتيب من “جابر أبوحسين”، “عزالدين نصرالدين”، “عبدالباسط سيد نوح”، “عنتر رضوان”، “علي جرامون”، “السيد الضوي”، “محمد اليمني”، أما “متقال” و”شوقي القناوي” و”شمندي”؛ هؤلاء فنانون شعبيون على الرغم من أن “الريس شمندي” روى جزء من “السيرة الهلالية”.

(كتابات) : نذهب للشعر.. الشق الثاني في “السيرة الهلالية”، علمت أن ما يميز شاعر عن شاعر هو الحفظ، فيقال أن “جابر أبوحسين” أو “علي جرمون”؛ حافظين لمليون بيت شعري أو “مربع شعري”.. فما صحة هذا الكلام وهل هناك فرق في “المربع” من بلد لآخر ؟

  • يصح القول أن “جابر أبوحسين” هو “بحر السيرة الهلالية”، ونقول أن كل شاعر من هؤلاء شرب بعض من بحره.. بمعنى أن “جابر” هو “البحر”، سواء مليون بيت أو أثنين مليون بيت أو حتى خمسه مليون، فلا يوجد رقم، وسوف أخبرك لماذا لا يوجد عدد محدد لأبيات “سيرة بني هلال”.

أنا أقول بيت.. أو مثلاً مربع :

“يوم العرب ما كانوا راحلين

راحلين لا ربع قبايل

صلوا على النبي يا حاضرين

زغبة ودريد وهلايل”..

تمام.. قولته؛ وممكن  جاء أحدهم حفظة مني ليقوله، لكن أنا ممكن أقول ثلاثة أو أربعة مربعات على نفس معنى – إرتجال – أما الذي حفظه نقل عني مربع واحد فقط، لكن أنا بإرتجالي، وساعة صفا، ممكن أن أقول 15 مربع على نفس: “يوم العرب دول ما راحليين”.

لذلك “السيرة الهلالية” لم ولن تقاس بعدد الأبيات، يعني قصة ميلاد “أبوزيد”، مثلاً، اليوم ممكن أقولها لك بأحداث وفي ليلة أخرى ممكن أقولها هي نفس الأحداث بأشعار ومربعات مختلفة بدماغي، لأن أنا أرتجل.

(كتابات) : هل يمكن أن تتغير أحداث في القص مثلاً بناء على طلب قبيلة تنتصر لبطلها فلا تريده أن ينهزم مثلاً ؟

  • لا.. أنا لا أستطيع أن أغير في سير “السيرة الهلالية” مهما كان قدر المستمع أمامي، مثلاً؛ أحدهما يحب “خليفة الزناتي”، زعيم الغرب، والآخر يحب “أبوزيد”، زعيم الشرق.. والواقع أنه يوجد أناس، هنا في الصعيد” تحب “خليفة” وأناس آخرين يحبون “أبوزيد”، فيأتي مستمع يقول لي أنا أريد “خليفة” يفوز؛ والثاني يقول “لا أنا أريد “أبوزيد” ينتصر”، إذا شعرت الموضوع فكاهة ومجرد ضحك بينهم أرضي الطرفين، دون ما أحرف في “السيرة”، وإذا تحمس هذا وتحمس ذاك، ومن الممكن أن تحدث مشكلة؛ أهرب من القصة وأدخل في قصة ثانية، لأن من الممكن أحد الطرفين يتضايق، وبالذات عندنا في “الصعيد” قد تصبح مشكلة كبيرة.

(كتابات) : ما هو أشهر ما يقال من التراث أيضًا على “الرباب” بعد “السيرة الهلالية” ؟

  • طبعًا.. “السير الهلالية” هي الأشهر، يليها فن “الواو”، وأنا أقول “فن الواو” أرتجله أيضًا، لكن الفن نفسه نُسب لـ”ابن عروس”؛ كونه الأشهر، لأنه في هذا الزمن كان الناس البسطاء يتحدثون فيما بينهم بـ”فن الواو” مثل الكلام العادي.

حاليًا؛ أي شخص ممكن أن يقول مربع وينسبه لـ”ابن عروس”.. و”المربع” ممكن يكون بسيط في أصله، فتجد أي شخص يمكن أن يؤلفه في أثناء زرعه مثلاً، وهو في الزرع يقول “مربع” مثل هذا، على سبيل المثال، إرتجلته الآن :

“إرمي في الأرض حبة

زرعك داديه بإيدك

مش كل من قال أحبك

في القلب يبقى حبيبك”..

و”المربع” الذي يخلو من حكمة نعتبره “مربع ناقص”.

أنظر جمال اللهجة عند الصعايده في “مربع” يقول :

“يا صاحبي بتبيعني.. طاب ليه ؟

ياك عيشي فات بمصالح

في حزني ماسك لي طبلِه !

ياك المشيَ كان بمصالح”

هذا يعتبر “مربع” عتاب أقوله وأنا حزين وأنت ماسك لي طبلة..

و”المربع” فيه “المقفول” ينتهي الشطر بـ”طاب ليه ؟”، يعني لماذا ؟، و”مقفول” زي آلة “الطبلة”.

“مربع” ثاني أقول فيه :

“باب في السما ما أنطلعش

أعتابه زمرد مداهب

وغير النبي منطالعيش، (من طال عائشة)

جاب كتاب بأربع مذاهب”

“كلام غالي والله يا أبويا”.. يقول ويكمل :

“جاني الطبيب قام صدري

ودوايا صفايح صفايح

وصفلي الدوا قمص ديري

وقال كيف تبلي الجرايح”

(كتابات) : هل أثر التطور والتغير في المجتمع من جيل جدك إلى جيلك على مكانة “السيرة” في التراث ؟

  • السيرة إذا ظلت لوقت أولاد أولادي ستسمع، لكن جيل عن جيل بيختلف، زمان على ما سمعت يقال جيل “جابر أبوحسين” كان بميكرفون واحد؛ وفي نفس الوقت المجلس أو المستمعين – الجميع في جلوسهم صامتين، بيسمعوا للشاعر.. جاء جيل “عم عزالدين” أصبح هنا مكبرات صوت والمجلس كبر، لكن اختلفت تفاصيل بالطبع.. الجيل الحالي أصبح يرقص على أنغام “السيرة”؛ وهذا مختلف..

يمكن أن تلاحظ في التسجيلات؛ أنه في جزء معين يرقصوا فيه عادي على الأنغام بدون “عصى” حتى مع القول والسمع.. الإستماع موجود، وممكن طفل صغير، عندنا في الصعيد، يقول عايز أسمع قصة كذا.. ويقول أحداث القصة كلها.

في الصعيد ناس نسميهم، “الفرّيزة”، من “الفرز” – وهم من السميعة المميزين، يكون مثلاً هناك ثلاثة عازفون “رباب” و”الفريز” يخرج منهم العازف الشاطر، من كثرة الإستماع الصحيح وتكراره، فيقول الرجل هذا عازف شاطر، لأن معظم أفراحنا هنا بـ”الرباب”.

الـ”دي. جي” أيضًا مثل الأغنية الشعبية، (آه لو لعبت يا زهر)، أخدت ضجة كبيرة جدًا، لكن هل أنت تستمع إلى (آه لو لعبت يا زهر) الآن ؟.. فقد نُسيت وذهبت فجأة كما ظهرت فجأة، الأغاني الاستهلاكية بعد سنة تُنسى، لكن أغنية لـ”أم كلثوم” مازالت في الذاكرة وستستمر لأحفادك، كذلك “السيرة الهلالية”؛ أحفادك سوف تسمعها.

(كتابات) : ما رأيك نجرب أن نلعب لـ”أم كلثوم”؛ (أمل حياتي) مثلاً بالسماع ؟

  • عذرًا.. احتاج أن تذكرني بها كلمات ومفتاح اللحن، لأني لا أحفظ من الأغاني غير الألحان فقط..

بدأ العزف من تقسيم جملة “نسيت النوم”.. سألته هل حفظ من نفس الأغنية جملة “وصفولي الصبر” ؟.. قال إنه لم يسمعها جيدًا فلم يحفظها بالضبط.

(كتابات) : ما هي أهم الأجزاء التي على الشاعر حفظها من “السيرة” سواء كانت مشهور أو محببة إليك أو للمستمعين ؟

  • أهم جزء في “سيرة بني هلال” هو ميلاد “أبوزيد”؛ وميلاد الأبطال، لا يهم أن يحكى في كل المجالس، لكنه جزء مهم، هو حجر السيرة.. تبدأ من ميلاد “رزق بن نايل”، والد “أبوزيد”، ثم يولد “حسن” و”دياب” و”القاضي” وباقي الشباب.

وهنا تبدأ المعارك وتبدأ ملاحم “السيرة” عندما يكبر “أبوزيد”، وتبدأ المعارك مع “بني عقيل”، ومن “بني عقيل” تدخل إلى “بني هلال”.

هنا أمسك “الريس محمد” بـ”الربابة” وأنطلق يحكي من قصة “عزيزة ويونس” المعروفة بـ”التغريبة” :

“مرعى قال له جيرنا يا خال كيف العمل يا سلامة

الحمول علينا تقال من الله طالبين سلامة ….

سلامتك يا خالي سلامة

خايل في لف العمة”

https://soundcloud.com/upload

(كتابات) : ما الذي يميز إلقاء شاعر عن شاعر ؟

  • يوجد أختلاف فعلاً.. فيه شاعر يروي دون ما عزف، وشاعر يروي ويعزف، وشاعر يعزف وضعيف في الرواية، والعكس يكون قوي الرواية وضعيف في العزف.. لكن الشعراء عندما يعزفون على “الربابة” يعطونك أداءً مميزًا، حتى وإن لم يعزفون على “الربابة”، لأنهم حافظون، ويعرفون مكان كل ما يقال بالضبط..

في القول؛ أنا مثلاً لا أعتمد على ربابتي بشكل كبير في رواية “السيرة”، على عكس الفن، لكن في “السيرة”  اعتمادي يكون على “الريس زناتى”، مثلاً، زميلي الذي يجلس بجانبي في الفرقة، لأن من داخلي أعيش في “السيرة”، وربما تصبح “الربابة” في تلك الأوقات ثقل يكبل عن تلك المعايشة في أحداث السيرة، فبسهول استطيع أن أشير بيدي للتعبير، كما أن العازفين معي يستطيعون إنقاذي من موقف محرج مثل فصل التيار الكهربائي، فاعتمد على صوتهم وصوت آلاتهم..

(كتابات) : من يصنع لك آلة “الرباب” ؟

  • “الرباب” لها مقاس، وأي شخص ممكن يصنعها.. الرقبة والعصفورة والجوزة مغطاة بجلد سمك بياض، ببساطة..

بطريقة “البيزيكاتو” – النقر – عزف “الريس محمد” جزء من أغنية (بتناديني تاني ليه ؟)، التي غناها الفنان، “محمد بشير”.

(كتابات) : ماذا عن الإنتاج والميديا ؟

  • أنا حاليًا اعتمادي على يدي، لا أحد يساعدني في أي شيء، يعني قمت بإنشاء قناة خاصة بي على الـ (يوتيوب)، وتعبت في إنشاءها وأنا أمنتج بنفسي الحفلات.

بينما ذهب “الريس محمد” لجلب القهوة، وكنا تقريبًا في نهاية الحوار، بدأت فرقته في دخول “المندرة” واحدًا تلو الآخر، حتى وصل الريس “عزت نصرالدين”، والده..

(كتابات) : الريس “عزت”.. كيف ترى أجيال شعراء السيرة مثلاً من جيل والدك “نصرالدين” إلى جيل ولدك “محمد” مرورًا بجيلك أنت ؟

  • بالنسبة لأجيال “السيرة”.. فـ”السيرة” بذاتها اعتبرها ولادة جيل بعد جيل، تخرج من عائلة لعائلة آخرى، إن صادفت شخص “غاوي” وتتوارثها عائلته أيضًا مدى الحياة، ويظل تاريخها مستمر.. وإن كان الشاعر في عائلة لا تهوى “السيرة” فتنتهي بوفاته.

والشاعر إن لم يكن ممدودًا من داعمي السير أو زادها، السميعة تمل منها وتنتهي.. وإن لم يجد دعم من الإعلام و المسؤولين، خاصة فى الزمن الحالي، قد يمل منها وتنتهي.

أيضًا الهاو للسيرة؛ يحبب الناس فيها من أداءه فقط.. فمن أجل الموهبة، السميعة يتسابقون، بمجرد ما يقول “آه” الناس تتسابق عليها.

(كتابات) : عرفنا “السيرة الهلالية” خارج الصعيد – في المحافظات بحري الشمالية – من الكتب ثم سمعناها في اليالي الرمضانية – مثال “سيد الضوي” و”الأبنودي” – لكن “السيرة” هي ملحمة مروية لم يصنعها الإعلام، وإن كان ساعد في تعريف الناس بها.. فما رأيك ؟

  • حقيقة يجب توجيه الشكر لهؤلاء الكُتاب والصحافيين الذين خصصوا بعض المجهود للتعريف بالسيرة.. “السيرة الهلالية” ليست ملكًا لأحد.. ملك الوطن العربي، ولكن حافظ عليها الأستاذ “الأبنودي” كما حافظ عليها “الضوي” و”جرامون”.

لكن أنا لا أرى حاليًا حفظة للسيرة، خصوصًا في الأجيال الصغيرة، يعني “محمد” أبني هو أصغر راوي في الوطن العربي.. لكن الأجيال الصغيرة لا تريد أن تحفظ، عندنا الحافظ للسير يُعامل بيته بها ويتكلم مع الناس بها، لأنها تحمل قيم ومباديء مثل الحض على معرفة الحقوق والحب ومقاومة الظلم وقيم البطولة والكرامة وعادات وتقاليد العرب.

ويسأل “الريس عزت”، الأب، لماذا سمي شاعر السيرة “راوي” ؟.. ويجيب: لأنه رواها كالماء، وحسها ثم رواها كقصة.. فعندما شربها روى بها آخرين كماء جاري.

قطع حديثي مع “الريس عزت نصر”، الأب، “الريس حمادة”، وهو العازف الثاني على “الربابة” الكبيرة بجانب “الريس محمد” – ويطلقون عليه “عازف رباب أبوزيد” – بينما يعزف على “الربابة” الثالثة الصغيرة، “الريس الزناتي”.

(كتابات) : أشترك معنا في الإجابة على هذا السؤال الأخير يا “ريس حمادة”.. وأعدت السؤال حتى ينسجم مع ما فاته ؟

  • طلعنا في الدنيا فوجدنا “الرباب” والشعر أمامنا، لكن الأداء بيختلف.. يعني “فريد الأطرش”، مثلاً، أداء مختلف عن “نجاة” – فاصل من العزف قام به “الريس حمادة” بدأ من أغنية “نجاة”؛ (عيون القلب).

ويكمل “الريس حمادة” حديثه: “الربابة” الغليظة لا تعزف إلا في خلفية الشاعر في “السيرة”، فهي التي تخلق وتوقظ “أبوزيد” و”خليفة”، وتعطي جدة المعارك، “الربابة” الغليظة كلها في “القرار”.

ثم يعزف مره أخرى موال من الفن الشعبي (شوف الراجل)..

https://soundcloud.com/upload

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب