20 ديسمبر، 2024 2:06 ص

معروف الرصافي.. كان شاعرا وناقدا وشخصية سياسية فذة

معروف الرصافي.. كان شاعرا وناقدا وشخصية سياسية فذة

خاص: إعداد- سماح عادل

“معروف الرصافي” أكاديمي وشاعر عراقي، “معروف بن عبد الغني بن محمود الجباري”، ولد ونشأ في بغداد، من أب كردي وأم تركمانية، وعمل في مجال التعليم وله عدة إصدارات شعرية.

حياته..

ولد “معروف الرصافي” في بغداد عام 1875، ونشأ فيها حيث أكمل دراسته في الكتاتيب، ثم دخل المدرسة العسكرية الابتدائية فتركها، وانتقل إلى الدراسة في المدارس الدينية ودرس على يد علماء بغداد كالشيخ “عبد الوهاب النائب”، والشيخ “قاسم القيسي”، والشيخ “قاسم البياتي”، والشيخ “عباس حلمي القصاب”، ثم اتصل بالشيخ “محمود شكري الألوسي” ولازمهُ اثنتي عشرة سنة، وتخرج علي يديهِ وكان يرتدي العمامة وزي العلماء وسماهُ شيخهُ الألوسي (معروف الرصافي) ليكون في الصلاح والشهرة والسمعة الحسنة، مقابلاً لمعروف الكرخي.

وعين “الرصافي” معلماً في مدرسة الراشدية التي أنشأها الشيخ “عبد الوهاب النائب”، شمال الأعظمية، ثم نقل مدرساً للأدب العربي في الإعدادية ببغداد، أيام الوالي “نامق باشا” الصغير عام 1902، وظل فيها إلى إعلان الدستور عام 1908، ثم سافر إلى إسطنبول فلم يلحظ برعاية، ثم عين مدرساً لمادة اللغة العربية في الكلية الشاهانية ومحرراً لجريدة “سبيل الرشاد” عام 1909، وانتخب عضواً في مجلس المبعوثان عام 1912، وأعيد انتخابه عام 1914، وعين مدرساً في دار المعلمين في القدس عام 1920، وعاد إلى بغداد عام 1921. ثم سافر إلى الأستانة عام 1922، وعاد إلى بغداد عام 1923، وأصدر فيها جريدة “الأمل”، وانتخب عضواً في مجمع اللغة العربية في دمشق، عام 1923، وبعد ذلك عين مفتشاً في مديرية المعارف ببغداد عام 1924، ثم عين أستاذاً في اللغة العربية بدار المعلمين العالية عام 1927.

ولقد بني لهُ تمجيداً لذكراه تمثالاً في الساحة المقابلة لجسر الشهداء عند التقاطع مع شارع الرشيد المشهور قرب سوق السراي والمدرسة المستنصرية الأثرية.

ثائر..

عندما احتل الإنجليز العراق سنة 1920، سرعان ما نصبوا فيصل ملكاً على البلاد وأصدروا دستورا وأنشئوا برلمانا مزيفين وأصبحت أمور البلاد بأيديهم، ثار الشعب العراقي وثار “الرصافي” معهم حيث أنشد قصيدته التي جاء فيها:

علم ودستور ومجلس أمة          كل عن المعنى الصحيح محرف

أسماء ليس لنا سوى ألفاظها      أما معانيها فليست تعرف

من يقرأ الدستور يعلم أنه          وفقا لصك الانتداب مصنف

فكان الدستور الذي سن في نظره ليس إلا وثيقة جديدة للانتداب الذي فرضه الإنجليز على العراق، دستور مزيف وعلم الدولة مزيف هو الآخر، وحتى المجلس الذي يسمى بمجلس الأمة أيضا كان مزيفا، ثم نلاحظ الشاعر الرصافي يقول ساخرا:

يا قوم لا تتكلموا             إن الكلام محرم

ناموا ولا تستيقظوا         ما فاز إلا النوم

وتأخروا عن كل ما        يقضي بأن تتقدموا

ودعوا التفهم جانبا          فالخير أن لا تفهموا

أما السياسة فاتركوا                أبداً ولا تندموا

يقول عنه الشاعر العراقي “فالح الحجية” في كتابه (الموجز في الشعر العربي): “يتميز شعره بسهولة الألفاظ وجزالتها وعلو الأسلوب وقد اشتهر بالشعر السياسي وقارع الاستعمار الإنكليزي كثيرا وناضل في سبيل تحرير بلده وأمته. برع في الوصف والغزل والمدح والفخر وحث على تأسيس المدارس والمعاهد والثورة على التأخر والانحطاط الاجتماعي”.

عاصر “معروف الرصافي” الشاعرَ “جميل صدقي الزهاوي” وقد دعى كلاهما إلى تحرير المرأة ونزع الحجاب التي كانت مستخدمة من قبل عامة نساء العراق. ولكن كانت المنافسة والعدواة بينهما شديدة. ولكن انتهت العداوة بالصلح بينهما قبل وفاتهما في جلسة صلح.

شخصية سياسية مرموقة..

يقول عنه الكاتب “كريم مروَّة” في مقالة له بعنوان (معروف الرصافي): “معروف الرصافي هو شاعر عراقي كبير، ملأ الدنيا وشغلها في زمانه. وكان، إلى جانب شهرته كشاعر، أديباً وناقداً وباحثاً في تاريخ الأدب.  كانت له آراؤه وسجالاته مع عدد من كبار الأدباء العرب وفى مقدمتهم طه حسين. لكنه كان، في الوقت عينه، شخصية سياسية مرموقة. وكان صاحب فكر ورأى في شئون الكون والحياة والمجتمع. وقد يكون هذا الجانب من شخصيته هو الأبرز والأكثر إثارة للجدل. ذلك أن النقاد اختلفوا في تقييم شعره، رغم اعترافهم بأنه كان شاعراً كبيراً. لكن الأساسي في شخصيته هو التعدد في جوانبها التي تشابكت وتناقضت في سيرته وخلقت له المتاعب. وكان الشعر، بالنسبة إليه، وسيلته الأرحب إلى إعلان مواقفه السياسية ومواقفه في كل الشؤون الأخرى التي شغلته.. واصل الرصافى عمله الصحافي والأدبي شعراً ونقداً أدبياً وأبحاثاً ومحاضرات. وواصل نشاطه السياسي مستخدماً سلاح النقد للحكومات المتتابعة ولسياساتها. وكان من أوائل الذين نادوا بخلع السلطان عبد الحميد. وكان من أوائل من نادوا بالجمهورية. لكن نقده للسلطات لم يؤثر على علاقاته ببعض أركانها، لا سيما في “جمعية الإتحاد والترقي”، حتى بعد أن نكثت بوعودها في إعطاء العرب حقوقهم. إذ هي مارست عليهم، بعكس ما وعدت، عملية التتريك المعروفة. الأمر الذي أحدث طلاقاً كاملاً بينها وبين الجمعيات العربية التي كانت تحمل في مواقفها القضية العربية، حتى ولو لم تكن قد بلغت حد المطالبة بالاستقلال عن السلطنة. لكن تلك الحركة العربية سرعان ما اتخذت مع الوقت طابعاً أكثر وضوحاً، تمثل في المؤتمر العربي الأول الذي عقد في باريس في عام 1913، وأعلن الطلاق شبه الكامل بين العرب وبين العثمانيين. غير أن الرصافى الذي كان على علاقة حميمة مع تلك الحركة العربية المطالبة بالحقوق العربية داخل السلطنة العثمانية، سرعان ما اتخذ موقفاً سلبياً منها بعد مؤتمر باريس. وناهضها واتهمها بالعمالة للمستعمرين الفرنسيين والإنجليز. واتخذ الموقف ذاته من ثورة أمير مكة الشريف حسين. وكان في موقفه ذاك شديد الالتباس في التناقض بين انتمائه إلى الحركة المطالبة بالاستقلال، وبين بقائه أسير العلاقة مع السلطة العثمانية. إلا أنه حين قامت ثورة العشرين في العراق ضد الإنجليز، الذين كانوا قد احتلوا هذا البلد العربي في عام 1917، قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى وانحلال الإمبراطورية العثمانية، لم يتأخر في الانضمام إليها وصار واحداً من شعرائها. وكان بذلك يمارس موقفه المعلن والدائم ضد الإنجليز. وهو الموقف الذي استمر عليه على امتداد أعوام حياته. واتخذ، استناداً إلى موقفه ذاك، منذ البداية موقفاً معارضاً للملك فيصل الأول، الذي كان قد نصبه الإنجليز ملكاً على العراق في عام 1921”.

وفاته..

توفي الرصافي بدارهِ في محلة السفينة في الأعظمية 1945، وشيع بموكب مهيب سار فيهِ الأدباء والأعيان ورجال الصحافة ودفن في مقبرة الخيزران.

قصيدة لمعروف الرصافي ..

أنا بالحكومة والسياسة جاهلُ

عما يدور من المكائد غافل

لكنني هيهات افـْقهُ كوننا

شعبا  يتامى جـُلـّه وأرامل

في كل يوم فتنة ودسيسة

حربٌ يفجّرُها زعيم  قاتل

هذا العراقُ سفينة مسروقة

حاقت براكينٌ بها وزلازل

هو منذ تموز المشاعل ظلمة

سوداءُ ، ليل دامس متواصلُ

شعبٌ إذا حَدّقـْتَ، كلّ جذوره

اقتـُلِعـَتْ، وإن دققتَ شعبٌ راحلُ

إما قتيلٌ شعبـُنا أو هاربٌ

متشردٌ أو أرمل أو ثاكلُ

هذا هو الأمل المرجى صفقة

أثرى بها الوغدُ العميلُ السافل

هذي شعارات الطوائف كلها

وهم، سراب، بل جديب قاحل

والقادة ” الأفذاذ “! سرب خائب

هم في الجهالةِ لو نظرتَ فطاحل

هذا هو الوطنُ الجميلُ مسالخ

ومدافن وخرائب ومزابل

سحقا لكم يا من عمائِمكم كما

بـِزّاتكم، شكل بليدٌ باطل

سحقا كفى حِزبية ممقوتة

راحت تـُمايز دينـَها وتفاضلُ

ما الحزبُ الاّ سرّ  فـُرقة رُوحِنا

فقبائلٌ هو شعبُنا وعوائلُ

في كل حزب مصحف مُوحى به

وبغار حـَرّاء ملاك نازل

في الثأر أوطانُ التطرفّ مسلخ

متوارث أو مذبح  متبادلُ

في كلِّ حزبٍ للنواح منابرٌ

وبكل قبو للسلاح معاملُ

ولدق رأس العبقريّ مطارقٌ

ولقطع عنق اللوذعي مناجلُ

انتم بديباج الكلام أماجدٌ

وبنكث آصرةِ الوفاء أراذل

لا لم تعد نجفٌ تفاخرُ باسمكم

لاكوفة، لا كربلا، لا بابلُ

ما انتمُ إلا بناءٌ ساقط

نتنٌ مليءٌ أرضة  متآكلُ

انتم كأندلس الطوائفِ أجهضت

والموت إما عاجلٌ أو آجلُ

هجرت عباقرة مساقط رأسِها

وخلافها، لم يبق إلا الجاهل

لم يبق إلا الجرح قد خدعوه إذ

قالوا لنزفه أنت جرحٌ باسلُ

لا يا عراقُ ثراك نهرٌ للدما

وعلى ضفافِه للدموع خمائلُ

الأرض كل الأرض من دم شعبنا

اتقـّدَتْ مصابيح بها ومشاعلُ

الأرض نبع الحُبّ لولا شلة

هي حابلٌ للأجنبي ونابلُ

يتآمرون على العراق وأهلِهِ

زمرٌ على وطن الإبا تتطاولُ

فهنا عميلٌ ضالع متآمرٌ

وهناك وغد حاقدٌ مُتحاملُ

” شايلوكْ “جذلانٌ بكون بلاده

فيها مآس جمة  ومهازلُ

ومتى العراقُ مضى ليرفعَ رأسَهُ

دارت فؤوسٌ فوقـَهُ ومعاولُ

تـُجـّارنا أوطانهم صفقاتـُهُمْ

هم في الخيانة والرياء أوائل

لكن برغم صليبنا ونجيعنا

فيسوع جلجلة العذاب يواصل

يحيا العراق برغم شائكة الدما

للنور نبعٌ للحياة مناهلُ

لاتبك  قافلة تموت، فإثرها

ازدحمت على درب الفداء قوافل

ما أعظم الوطن الفخور بحتفه

متشائم بحياته، وبموته متفائل.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة