18 ديسمبر، 2024 11:07 م

معركة غرب الموصل: الرهانات والآفاق

معركة غرب الموصل: الرهانات والآفاق

يدل إيقاع معركة غرب الموصل وموازين القوى بين الطرفين المتقاتلين على أن هزيمة تنظيم الدولة راجحة، إلا أنه سيظل يستنزف القوات العراقية ويتأهب لاسترداد المدن التي خسرها.

تستعرض هذه الورقة أهمية الجانب الغربي من مدينة الموصل لطرفي المعركة، للقوات العراقية وحلفائها من جهة وقوات تنظيم الدولة من جهة مقابلة، ومعوقات حسمها لأي منهما.

كما تتطرق إلى حجم قوات الطرفين، ورجحان كفة القوات المهاجمة بشكل واضح؛ وستتناول مسارات المعركة في جانبها العسكري، إضافة إلى المآلات النهائية المتوقعة للمعركة، والخيارات المتاحة أمام تنظيم الدولة. وتستنتج نهاية متوقعة للمعركة لصالح القوات العراقية في غضون أسابيع قليلة إذا استمرت سياقات المعركة وإيقاعها على وتيرة قريبة من سياقات التقدم في الأسبوع الأول من المعركة؛ وهذا يعتمد على عدم حدوث متغيرات غير محسوبة قبل حسم المعركة قادرة على قلب المعادلة على الأرض.

وفي ختامها، تناقش الخيارات المتاحة أمام تنظيم الدولة في مرحلة ما بعد انتهائها، مع توقعات بأن التنظيم سيقاتل حتى النهاية مع يقين قادته بحتمية خسارته العسكرية للمعركة التي سوف لن تقضي على قدراته قضاء تاما في المدى المنظور.
مقدمة

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أعلنت الحكومة العراقية عملية عسكرية لاستعادة مدينة الموصل بعد حوالي ستة أشهر من الإعداد لها؛ وقد نجحت القوات العراقية في استعادة الجانب الشرقي من المدينة بعد حوالي مئة يوم من المعارك العنيفة مع تنظيم الدولة، الذي سيطر على المدينة، في 10 يونيو/حزيران 2014، ومدن أخرى في محافظات كركوك وديالى وصلاح الدين والأنبار.

وفي 19 فبراير/شباط 2017، أعلنت الحكومة العراقية بدء المرحلة الثالثة من عملية “قادمون يا نينوى” لاستعادة الجانب الغربي (الساحل الأيمن) من المدينة، بعد ثلاثة أسابيع من الإعلان عن استعادة كامل الجانب الشرقي، في 24 يناير/كانون الثاني 2017، بدعم طيران التحالف الدولي وقوات أخرى واجهت خلالها القوات العراقية مقاومة عنيفة من قبل مقاتلي تنظيم الدولة.

ويتميز الجانب الغربي بالكثافة السكانية العالية ومبانيه التي تتصف بِقِدمها، وأزقته الضيقة التي تتيح مساحة أكبر لإمكانيات استخدام سلاح القناصة، كما أنَّها تجعل تحركات الآليات المدرعة التابعة للقوات العراقية أكثر صعوبة.

وستجد هذه القوات نفسها أمام خيار خوض حرب شوارع عالية الكلفة؛ حيث يجيد مقاتلو التنظيم هذا النوع من القتال الذي يتميز بتحييد بعض عوامل قوة القوات المهاجمة، مثل القصف الجوي المكثف والمدفعي بعيد المدى، والقنابل ذات القوة التدميرية التي تلقيها القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى.

ومن أجل فهم العوامل المتحركة في سير المعركة ومآلاتها، سيتناول التحليل أهمية الجانب الغربي من مدينة الموصل لطرفي المعركة، ومعوقات حسمها لأي منهما.

كما تتطرق الورقة إلى حجم قوات الطرفين، ورجحان كفة القوات المهاجمة بشكل واضح؛ وستتناول مسارات المعركة في جانبها العسكري، إضافة إلى المآلات النهائية المتوقعة للمعركة، والخيارات المتاحة امام تنظيم الدولة.
أهمية الجانب الغربي للحكومة والقوات العراقية

تأتي أهمية الجانب الغربي من وجود أهم المؤسسات الحكومية، مثل مبنى المحافظة والبلدية ورئاسة محكمة نينوى والمجمع الحكومي ومديرية شرطة المحافظة ومؤسسات أخرى، منها معمل السكر ومعسكر الغزلاني ومطار الموصل وغيرها؛ كما يُرجَّح وجود مقرات قيادة التنظيم ومراكز سيطرته ومقرات إقامة قياداته وعوائلهم منذ سيطرته على المدينة التي تمثل معقله الحضري الأخير في العراق.

وتشكِّل استعادة مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق من حيث الكثافة السكانية، أهمية بالغة للحكومة العراقية في طريق استعادة السيادة على كامل الأراضي العراقية واسترداد هيبة الدولة والقوات المسلحة، إضافة إلى أهميتها في ترتيب الأوضاع في مرحلة ما بعد انتهاء المعركة لتجنب انزلاق العراق إلى صراع محلي بين مكوناته التي تشكل مدينة الموصل تنوعًا عرقيًّا وطائفيًّا قابلًا للتفجر على خلفية الصراعات على السلطة والموارد بين مكونات المجتمع العراقي.

وتُشير تقديرات إلى أنَّ ما بين 600 إلى 750 ألف نسمة يعيشون في الجانب الغربي من مدينة الموصل؛ ويثير وجود هذه الأعداد من السكان الخشية من أن تتسبب المعركة في إحداث دمار واسع بالأحياء السكنية ووقوع ضحايا مدنيين بأعداد كبيرة.
أهمية الجانب الغربي لتنظيم الدولة

في 29 يونيو/حزيران 2014، أعلن أبو بكر البغدادي “دولة الخلافة الإسلامية” من أحد أكبر مساجد مدينة الموصل؛ منتهزًا فرصة مشاعر غالبية سكانها من العرب السنَّة الساخطين على سياسات الحكومة العراقية الإقصائية، ليقدِّم نفسه كحامٍ لهم من انتهاكاتها وانتهاكات ميليشياتها الطائفية.

كما أن إنتاجها من الحبوب يشكِّل ثلث الإنتاج الكلي للعراق، وتضم مناطقها عددًا من الحقول النفطية التي توفر للتنظيم مصدرًا أساسيًّا من مصادر إيراداته المالية؛ إضافة إلى وقوعها على طرق برية تربط العراق بتركيا شمالًا وسوريا غربًا، وأهمية هذا الطريق للتواصل الجغرافي مع مدينة الرقة السورية، العاصمة المفترضة للتنظيم.

وبعد خسارته الجانب الشرقي من مدينة الموصل، أصبح الجانب الغربي يمثِّل لتنظيم الدولة آخر ما تبقى من المدينة تحت سيطرته؛ وفي هذا الجانب تقع مراكز القيادة والسيطرة ومواقع تفخيخ العجلات وورش التصنيع العسكري للأسلحة والمعدات، إضافة إلى وجود عوائل قيادات ومقاتلي التنظيم.
القوات المشاركة في المعركة
(الجزيرة)

المقارنة في موازين القوى بين القوات المهاجمة والقوات المدافعة تبدو خارج ما هو متعارف عليه في السياقات العسكرية؛ حيث تُقدِّر دوائر أميركية رسمية عدد مقاتلي تنظيم الدولة بنحو 2000 مقاتل لا يزالون في الجانب الغربي من الموصل.

تتعدد الأطراف المشاركة في معركة الموصل ضمن إطار حشدٍ واسع للقوات هو الأكبر من حيث عدد الدول المشاركة فيه التي بلغت نحو 68 دولة بمهام متنوعة، من بينها أكثر من 20 دولة تنفِّذ ضرباتٍ جوية أو عمليات قتالية محدودة على الأرض منذ إعلان تشكيل التحالف الدولي، في 7 أغسطس/آب 2014، بعد أقلِّ من شهرين على سيطرة التنظيم على مدينة الموصل، في 10 يونيو/حزيران 2014، ومدن أخرى في أربع محافظات عراقية.

يبلغ عدد القوات، في مواجهة نحو ألفي مقاتل من التنظيم، أكثر من 102 ألف مقاتل، تُشكِّل وحدات القوات العراقية النسبة الأكبر منها بحوالي 54 ألف، في حين يبلغ عدد القوات الأميركية خمسة آلاف و3600 عنصر من قوات التحالف من الجنسيات الأخرى غير الأميركية.

كما تُشارك قواتٌ أخرى، منها أكثر من 10 آلاف مقاتل من قوات البيشمركة الكردية، إلى جانب نحو 14 ألف مقاتل من الحشد العشائري السُنِّي، وحوالي 15 ألف مقاتل من فصائل الحشد الشعبي الشيعي، وأقل من 4 آلاف مقاتل من حرس نينوى؛ إضافة إلى مئات الجنود من القوات التركية.

وتحدث مراقبون عسكريون متابعون لمعركة الموصل عن أكثر من 17 دولة لها وجود عسكري على أرض العراق، من بينها إيران التي أعلنت مواقع إيرانية، في 27 فبراير/شباط 2017، مقتل أحد أفراد الباسيج الإيراني خلال مواجهات في الموصل، ويدعى أصغر كريمي.

وتُشارك إلى جانب القوات الأمنية العراقية قوات خاصة بريطانية وأميركية تتولى قيادة الهجوم الجديد لتحرير الجانب الغربي من الموصل، والتي يفترض أنْ يقتصر دورها على المشورة والتدريب.

وتنفي الحكومة العراقية وقيادات الحشد الشعبي وجود أي قوات أجنبية قتالية باستثناء المستشارين، كما نفت قيادة العمليات المشتركة وجود أيِّ قوات من الولايات المتحدة الأميركية تشارك على الأرض، خلال معارك استعادة وتحرير مدينة الموصل.

لكن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أكَّد خلال زيارته للعراق، في 20 فبراير/شباط 2017، على أن الجيش الأميركي سيشارك في الأعمال القتالية خلال استعادة ما تبقى من الموصل.

ومنذ 26 ديسمبر/كانون الأول 2017، أرسلت الولايات المتحدة المزيد من المقاتلين إلى مدينة الموصل للعمل جنبًا إلى جنب مع القوات العراقية في الجانب الشرقي من المدينة، وأكدت وزارة الدفاع الأميركية على تنفيذ القوات الخاصة الأميركية عمليات داخل الموصل.

وتقدِّم القوات الأميركية دعمًا متعدد الأوجه للقوات العراقية من خلال مئات المستشارين المتواجدين في ميادين القتال وغرف العمليات، وكذلك القصف الصاروخي الموجَّه عبر الأقمار الصناعية، وضربات جوية مكثفة من الطائرات المقاتلة ومروحيات الأباتشي، إضافة إلى القصف بمدافع الهاوتزر المتحركة التي تلعب دورًا رئيسيًّا في تمكين القوات العراقية من التقدم إلى الأمام.
معوقات في مواجهة القوات العراقية

تتصف الأحياء السكنية في الجانب الغربي من الموصل بضيق شوارعها وأزقتها بما يحيِّد الجزء الأكبر من استخدام الآليات المدرعة للقوات العراقية.

وتشكِّل الكثافة السكانية العالية عائقًا أمام الاستخدام الواسع لنيران المدفعية بعيدة المدى، وقذائف الهاون التي تستخدمها القوات الأميركية والعراقية؛ كما أن وجود هذه الأعداد الكبيرة من السكان في رقعة جغرافية صغيرة نسبيًّا ستزيد من تعقيد الاعتماد الواسع على طيران التحالف الدولي الذي شكَّل أحد أهم عوامل نجاح القوات العراقية في استعادة المدن.

وتتبنى الخطة العسكرية لاستعادة الجانب الغربي من الموصل أولويات الحفاظ على أرواح المدنيين وممتلكاتهم الخاصة، وكذلك الحفاظ على الممتلكات العامة، والبنى التحتية.

وتحرص الحكومة العراقية على تقليل الخسائر في صفوف المدنيين جرَّاء العمليات العسكرية، لذا قررت عدم الاعتماد الكلي على القصف الجوي للطيران العراقي وطيران التحالف الدولي خشية تداعي أعدد كبيرة من المباني القديمة التي تشكِّل نسبة عالية من مجموع مباني الجانب الغربي، خاصة استخدام القنابل ذات القدرة التدميرية الكبيرة التي تلقيها القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى، أو القنابل الارتجاجية التي تعمل على هدم الأنفاق، والتي سبق أن شكَّلت عاملًا من عوامل حسم معركة الرمادي نهاية العام 2015.

قد يتسبب الاستخدام الواسع للقصف البري والجوي على أحياء الجانب الغربي المكتظة بالسكان في عمليات نزوح كبيرة، تتجاوز قدرات الحكومة العراقية وبعثة الأمم المتحدة على الاستيعاب والتأمين.

ويشكِّل نهر دجلة الذي يشطر المدينة إلى جانبين: شرقي وغربي، بعد تدمير الجسور الثابتة عليه، مانعًا طبيعيًّا لتعطيل المحور الشمالي من معركة استعادة الجانب الغربي؛ وكان طيران التحالف قد دمَّر بشكل جزئي الجسور الخمسة التي تربط جانبي المدينة لقطع إمدادات التنظيم إلى مقاتليه في الجانب الشرقي على أمل إصلاحها مع بدء عمليات استعادة الجانب الغربي، لكن تنظيم الدولة قام بتدميرها بشكل شبه كامل يتعذر إصلاحه في ظروف العمليات العسكرية.

وسيكون على القوات العراقية بناء جسور عائمة مؤقتة لربط جانبي المدينة بعد تحقيق موطئ قدم في الجانب الغربي الذي يخضع لسيطرة التنظيم؛ ما يجعل بناء هذه الجسور عرضة لنيران مقاتليه ومدفعيتهم.
مسار المعركة عسكريًّا

تميزت معركة الجانب الغربي بتحقيق نجاحات سريعة في استعادة المناطق وصولًا إلى الأحياء السكنية في اليوم الخامس من المعركة؛ وتشارك في الحملة قوات من مختلف التشكيلات تشن هجمات على جبهات متعددة في وقت واحد على محاور متعددة من محاور القتال؛ وتشارك في معركة الجانب الغربي ذات القوات التي شاركت في استعادة الجانب الشرقي؛ ما أكسبها خبرة قتالية مضافة إلى خبراتها في معارك سابقة لأكثر من عامين.

وتفرض القوات العراقية حصارًا كاملًا على جميع منافذ الجانب الغربي من الموصل؛ ففي الجبهة الشمالية تتمركز وحدات من الجيش العراقي في الجانب الشرقي بمحاذاة الضفة اليسرى لنهر دجلة.

أما من المحور الغربي فتفرض قوات الحشد الشعبي ووحدات من الجيش العراقي حصارًا مشددًا لمنع خروج مقاتلي التنظيم، وقطع طرق الإمداد مع مدن الأنبار والمدن السورية لحرمان التنظيم من قدراته على المناورة بمقاتليه.

وفي المحور الجنوبي، وهو محور الهجوم الرئيسي على المدينة، تتركز معظم القوات الهجومية التي تتشكل من قوات تابعة لجهاز مكافحة الإرهاب والرد السريع التابع للشرطة الاتحادية ووحدات من الجيش العراقي، مع قوات خاصة أميركية تقدم الدعم والاستشارة، إضافة إلى القصف المدفعي.

نجحت القوات العراقية في استعادة عدد من القرى في المحور الجنوبي خلال الأيام الثلاثة الأولى من المعركة، واستطاعت بعد السيطرة على تلك القرى تحقيق النجاح العسكري الأهم لاستراتيجيات المعركة بالوصول إلى مطار الموصل، 13 كيلومترًا جنوب المدينة، وتثبيت موطئ قدم لها والسيطرة على أجزاءٍ منه، في 23 فبراير/شباط 2017، ومن ثمَّ السيطرة عليه بالكامل وعلى معسكر الغزلاني المجاور له في اليوم التالي ليكون على امتداده مع مطار الموصل بمثابة قاعدتي انطلاق لاستعادة كامل الجانب الأيمن، وهما منطقتان مفتوحتان يصعب على مقاتلي التنظيم الدفاع عنها في مواجهة حشود بشرية وقصف بري وجوي مكثف.

وفي 25 فبراير/شباط 2017، دخلت معركة الجانب الغربي منعطفًا جديدًا بعد انتقال المعركة من المناطق المفتوحة إلى أطراف الأحياء السكنية من المحور الجنوبي للمدينة بعد سيطرة القوات الأمنية على حي المأمون جنوب غربي المدينة، وهو أول حي سكني تدخله انطلاقًا من قاعدتها في مطار الموصل ومعسكر الغزلاني.

ومع نيران مكثفة بشكل مستمر مصدرها وحدات الجيش العراقي المتمركزة على الضفة الأخرى من النهر، استطاعت قوة راجلة من قوات الرد السريع الوصول إلى منطقة الجسر الرابع، في 27 فبراير/شباط 2017، والتمركز في عدد من البنايات عند رأس الجسر لتثبيت موطئ قدم لقوات أخرى يمكن أن تتقدم بمحاذاة ضفة النهر لتأمين طريق مرور الآليات إلى عمق المدينة، ومحاولة إعادة الجسر الرابع وتأهيله لعبور الآليات واستقدام التعزيزات من الجانب الشرقي، وفتح جبهة شمالية تزيد من حصار مقاتلي التنظيم داخل أحياء الجانب الغربي.

تدل الوقائع السابقة على أن قوات التحالف المهاجمة استطاعت في الأيام الأولى من المعركة أن توسِّع من قدرتها على المناورة وتضيِّق على تنظيم الدولة مجال الحركة؛ مما يدل على أن موازين القوى تميل إلى صالحها، وأن استمرار هذه الزخم سيهزم تنظيم الدولة.
خيارات التنظيم أثناء المعركة وبعدها

سيحاول قادة التنظيم استغلال الكثافة السكانية لعرقلة تقدم القوات العراقية، وإطالة أمد العمليات القتالية وتأخير عملية الحسم العسكري لتأمين مواقع بديلة لقياداته ومقاتليه في دير الزور السورية أو مدن غرب الأنبار للانتقال إليها مع عوائلهم.

ومن المتوقع أن يكون دفاعه يشبه معارك مدينة سرت الليبية التي خاض مقاتلوه فيها معارك لعدة أشهر من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت قبل خسارته المدينة، وبشكل قريب إلى حدٍّ ما من معاركه التي خاضها في مدينة كوباني (عين العرب) السورية التي قاتل في شوارعها لعدة أشهر تحت قصف جوي مكثف.

لكن التنظيم تخلَّى في معارك سابقة عن عدَّة مدنٍ تحت ضغط القوة العسكرية للقوات المهاجمة، وانتقل مقاتلوه في المراحل النهائية من تلك المعارك إلى مدنٍ أخرى تمكِّنه من استمرار عملياته القتالية دفاعًا عنها.

وفي الحالتين، الاستماتة أو الانسحاب التكتيكي، من المتوقع خسارة تنظيم الدولة كامل مدينة الموصل في غضون فترة زمنية من الصعب تحديدها لأنها ترتبط بعاملين غير محددين، وهما: في المقام الأول نوايا تنظيم الدولة، والثاني: رد فعل التحالف إذا وقع عدد كبير من الضحايا في المعركة.

ليس ثمَّة خيارات متعددة تنتظر مقاتلي التنظيم بعد خسارته الموصل وما تبقى من المدن العراقية الأخرى في غرب الأنبار.

ومن بين استراتيجيات التنظيم المرحلية المتوقعة:

أولًا

بعد سلسلة خسارات التنظيم لمدن ومناطق سيطرته منذ خسارته تكريت، مطلع إبريل/نيسان 2015، بدت استراتيجيات التنظيم تعتمد على استنزاف أكبر قدر من الموارد البشرية والمعدات للقوات العراقية عبر معارك الدفاع عن المدن والمناطق قبل التخلي عنها بأقلِّ قدرٍ من الخسائر البشرية.

ثانيًا

بالتزامن مع اشتداد معارك الجانب الغربي من الموصل، كثَّف تنظيم الدولة من عملياته خارج نطاق جبهات القتال مستهدفًا مدنًا ومناطق بعيدة عنها، في خطوة بدت عودة إلى أسلوب حرب العصابات عن طريق تنشيط الخلايا النائمة في المدن التي خسرها.

ثالثًا

التمركز في المناطق الشرقية الخاضعة لسيطرته في سوريا، ومناطق صحراوية غرب وشمال غربي العراق في معسكرات سبق أنْ تواجد بها بين عامي 2007 و2014، وهي مناطق متصلة جغرافيًّا مع محافظة دير الزور على الجانب الآخر من الحدود.

رابعًا

ستشكِّل المناطق الصحراوية منطلقًا لهجمات يشنُّها التنظيم للسيطرة على مدن صغيرة والانسحاب منها بعد تحقيق بعض الأهداف، أو استهداف أرتال عسكرية على الطرق البرية بين المدن أو الثكنات العسكرية؛ إضافة إلى شنِّ هجمات مباغتة.
الآفاق

من شبه المؤكد أن القوات العراقية ستحسم معركة استعادة الجانب الغربي من المدينة لصالحها في الأسابيع القادمة؛ لكن هذا لا يعني نهاية تنظيم الدولة في العراق أو انتهاء تهديداته.

ستواجه الحكومة المركزية تحديات ما بعد معركة الموصل في ما يتعلق بإدارة المدينة واقتسام السلطة بين الأطراف العراقية المتنافسة والمختلفة عرقيًّا وطائفيًّا.

وللخروج من دوامة الصراع السياسي والعنف والاقتتال الأهلي لن يكفي الحكومة العراقية انتصاراتها العسكرية بل تحتاج أيضا إلى مواجهة الأسباب التي وفرت لتنظيم الدولة فرصة الاستيلاء على مناطق واسعة من العراق، وهذه الأسباب تتعلق بمطالب العرب السُنَّة في إدارة محافظاتهم وفق ما يعتقدون أنه يخدم مصالح سكانها، وبناء قوة منهم قادرة على حمايتهم من انتهاكات الميليشيات الشيعية والحشد الشعبي، وقوات البيشمركة إلى حدٍّ ما؛ كما أن هذه القوة، قياسًا على تجربة الصحوات، تسهم في ضمان الأمن الداخلي لمدنهم ومنع سقوطها ثانيةً بيد تنظيم الدولة في ظل ضعف الحكومة المركزية في تأمين المدن السُنيَّة.

أما بالنسبة لتنظيم الدولة، فلا يُمكن الجزم بنهايته بعد خسارته المتوقعة لكامل مدينة الموصل والمدن الأخرى في العراق؛ بل من المتوقع أنْ ينتقل مقاتلوه إلى أساليبَ جديدة في شنِّ هجمات مميتة تُوقِع أكبر قدر من الخسائر في صفوف القوات الأمنية والسكان الشيعة والسُنَّة بعد انتقاله إلى معسكرات صحراوية توفر عليه الكثير من الموارد المالية التي كان ينفقها على إدارة مدنه، كما توفر له المزيد من المقاتلين المسخَّرين لأمور الحماية والخدمات.

ومن المفترض أنَّ قادة التنظيم متحسِّبون لخسارتهم لجميع المدن التي يسيطرون عليها في العراق، وقد اتخذوا إجراءات لتأمين مناطق إيواء مستقبلية وتخزين ما يكفي من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لديمومة نشاطاته مستقبلًا.
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة