23 أبريل، 2024 5:15 م
Search
Close this search box.

معركة الباغوز .. الأهمية ومآلات هزيمة داعش

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ نهال أحمد
فقد تنظيم الدولة الاسلامية أحد أهم معاقله الواقعة شمال شرق سوريا التي كان يسيطر عليها من الأراضي الواسعة التي أعلن عليها “دولة الخلافة” لأكثر من أربع سنوات، بعدما نجحت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من دحره عبر معركة دامية في منطقة بالغة الرمزية جرت في قرية الباغوز الواقعة على الحدود العراقية-السورية، والتي استمرت لأسابيع، أسفرت خلالها عن قتلى وجرحى إلى جانب نزوح أعداد ضخمة من المدنيين. ورغم الانتصار الذي تحقق على تنظيم الدولة، يظل التساؤل قائم بشأن مدى تأثر”داعش” بهذا التطور، وهل ستكون المعركة بمثابة نهاية قاطعة للتنظيم داخل الأراضي السورية، أم سيتمكن من إعادة ترتيب صفوفه والعودة مرة أخرى.

وقائع معركة الباغوز

تزايدت وطأة العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا، بعدما قامت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” المدعومة من قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة بشن هجوم على قرية الباغوز، وإخلاء ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص، والقاء القبض على المشتبه فيهم من المنتمين لتنظيم الدولة، في حين استسلمت بعض عناصر “داعش”، بينما الغالبية العظمى منهم وبلغت نحو ألف من مقاتلي “داعش” قاموا بمواجهات دامية ضد قوات سوريا الديمقراطية، معتمدين على مجموعة من المدنيين استخدموهم كدروع بشرية ورهائن، وهو ما فرض على مسار العملية العسكرية أن تتحرك ببطء تقليصًا للخسائر البشرية المحتملة.

أما على صعيد التحالف الدولي؛ فبالرغم من الفرصة التي قدمتها قوات التحالف الدولي بشأن منح قناة للتفاوض ما بين ما تبقى من عناصر “داعش” بدءا من 16مارس2019،إلا أن التنظيم لم يحسن استغلال هذا العرض ولم يستجب للمبادرة، واطلقوا هجوم على مخيم الباغوز بعد صدور تعليمات من قادة “داعش” على لسان المتحدث باسمهم الملقب بـ”أبو السن” في تسجيل صوتي بتنفيذ عمليات ضد قوات “قسد” أسفرت عن مقتل نحو 35 عنصر من قسد.

ورغم صعوبة المعركة نتيجة تداخل خطوط التشابك وعدم القدرة على التمييز، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف تمكنت من إعادة ترتيب الصفوف وتنسيق التعاون، ليتم شن هجوم أكثر تنظيما تم على إثره إلحاق هزيمة ضارية بالتنظيم، بعدما تناوبت طائرات التحالف قصف المنطقة بشكل مستمر ،اسفرت عن القضاء على عدد كبير من أفراد التنظيم، فيما لجأ البعض إلى تسليم أنفسهم.

ويقع مخيم الباغوز شمال شرق سوريا ، كما هيأت جغرافية تلك المنطقة ملاذ وساتر أمني لعناصر التنظيم، حيث تقع القرية في منطقة زراعية من الدرجة الأولى بالقرب من نهر الفرات في حين ينمو على حدودها أحراش تشكل مصدر أمن لاختفاء العناصر الإرهابية، إلى جانب توافر مقومات العيش الطبيعية. لذلك كانت من أهم المعاقل التي قطنتها عائلات التنظيم على مدار الأربع سنوات الماضية وبعد اقتحامها تم العثور على كميات هائلة من الأسلحة والذخائر إلى جانب العثور على طائرات يتم استخدامها لأغراض المراقبة الى جانب أجهزة اتصالات فضائية.

السياق الإقليمي والدولي للمعركة

تزامنت معركة الباغوز ضد تنظيم الدولة مع عدة تطورات إقليمية فاصلة، كان ابرزها التحرك الأمريكي تجاه أنقرة لبحث تفاصيل تحديد منطقة آمنة على امتداد الحدود الواقعة شمال شرق سوريا، في محاولة أمريكية لتبديد المخاوف التركية إزاء وجود كيان كردي على الحدود معها، في وقت تراجع فيه الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عن قراره بسحب قواته والبالغ عددهم نحو 2200 جندي، لذلك كانت القوات الأمريكية في سوريا بمثابة نقطة التوازن تساهم في ارساء وتهدئة المخاوف الأمنية في شمال سوريا، وبناءا على ذلك أعلنت الخارجية الأمريكية أن القوات الأمريكية ستظل في شمال شرق سوريا وستكون جزء من قوى متعددة الجنسيات تستهدف منع عودة تنظيم “داعش”.

ورغم الهزائم المتوالية التي لحقت بالتنظيم إلا أنه لم يتردد في استغلال التطورات العالمية، وفي إطار متابعة مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية لمتابعة ردود الفعل في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي استهدف المصلين في مسجدي نيوزيلندا منذ حوالي عشرة أيام، أكد المرصد أن هذا الهجوم سيعطي تبريرا للجماعات الارهابية بتنفيذ عمليات موسعة ضد المصالح الغربية.

في حين سعت منصات متطرفة لاستغلال تلك الواقعة ووصفها باعتبارها امتدادا للحملات الصليبية ضد المسلمين، وكان تنظيم “داعش” أكثر التنظيمات استفادة من هذا الهجوم حيث سعى نحو استثمار الواقعة ونشر بيانات تستهدف التحريض على القتل والانضمام للتنظيم والدعوة للهجرة إليه، وإعلان النفير بين مقاتليه للدعوة إلى الجهاد، والتأكيد على أن التنظيم يسعى لحماية الاسلام والمسلمين، وذلك عبر رسائل مكثفة للتحريض على العنف والانتقام ممن وصفهم بالكفار والملحدين الذين يستهدفون الإسلام والمسلمين.

مستقبل داعش بعد معركة الباغوز

تكمن أهمية المعركة في فقدان “داعش” لأهم معاقلهم الواقعة شمال شرق سوريا في ظل ظروف سياسية وعسكرية معقدة، ورغم إعلان البيت الأبيض عن فقدان تنظيم الدولة الاسلامية 100% من أراضيه في مناطق شرق الفرات، إلا أن تلك المعركة لن تكون معركة الانحسار الجغرافي له، لاسيما وأن الوجود الداعشي لا يزال قائما في مناطق عدة داخل الأراضي السورية؛ أهمها شرق تدمر، والقلمون الشرقي، بالقرب من تلال الصفا، وشرق وجنوب السخنة، باتجاه البوكمال، بالإضافة إلى انتشار خلاياه داخل أجزاء كبيرة من البادية السورية، ويستدل على ذلك أيضا من اعتداءاته المتكررة على حواجز النظام السوري، في أرياف دير الزور وحمص، وريف دمشق، وريف السويداء.

ورغم صمود قوات سوريا الديمقراطية في مواجهتها للتنظيم، إلا أنه لا توجد ضمانة حقيقية لديمومته نتيجة لاعتمادها بشكل كامل على الدعم المادي والعسكري والسياسي من الولايات المتحدة، إضافة إلى العداء التركي لهذا الفصيل والذي يتوقع تفاقمه في حالة انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. لذلك فإن سيناريو انسحاب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا سيكون بمثابة نقطة انطلاقة جديدة للتنظيم، تسمح له بإعادة التموضع والنشاط، في المناطق الخاضعة لحماية الأمريكيين.

ومن ناحية أخرى لايزال تنظيم الدولة يملك العديد من الموارد المالية، والخطط التكتيكية التي تمكنه من الاستمرار، والحصول على المزيد من الامدادات سواء الغذائية أو الطبية، وبالتأكيد لا يمكن الاستهانة بشبكة التهريب المكونة من سكان محليين والتي تمكن عناصر التنظيم من تسهيل الحركة والانتقال من منطقة لأخرى سواء في صحارى غرب العراق، وشرق سوريا، نتيجة لطبيعتها الجغرافية التي يصعب فيها العمل العسكري، لاسيما وأن التنظيم يعتمد على الخنادق والأنفاق واستراتيبجيات حرب العصابات.

ومما سبق يمكن القول أنه رغم الانجاز الكبير الذي حققته قوات التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية، إلا أن ذلك لا يعد بمثابة الخلاص الأخير من داعش، فلا زال خطر التنظيم الذي يضم أكثر من 10000 مقاتل نشط بشكل رئيسي في سوريا والعراق، وفقًا لمركز التحليلات التابع لمجموعة صوفان، يشكل خطرا قائما على الدول التي انتشر فيه التنظيم بدءا من أفغانستان ومصر واليمن وليبيا ونيجيريا والصومال وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والمغرب والجزائر وتونس وباكستان والسعودية ولبنان وإندونيسيا والفلبين وشمال القوقاز ومختلف الدول الأوروبية.

في حين تتطلب المواجهة تعاون القوى المحلية وتوفير الدعم اللوجيستي والحماية الأمنية لها، بغية وقف عمليات استنزافها واستهدافها من قوى إقليمية، إلى جانب ذلك هناك حاجة إلى تنسيق التعاون ما بين القوى الدولية والمجتمع المحلي بهدف إيجاد قاعدة متماسكة وصلبة، للوقوف أمام خطر داعش واحتمالية استعادة قواه من جديد، وذلك بمحاكاة قوات البيشمركة التي نجحت في دحر داعش بالعراق.

لذلك تتطلب مستجدات الأوضاع الأخيرة إستراتيجية جادة لا تتوقف عند مكافحة عناصر هذا التنظيم مكافحة عسكرية، فقط، بل تدمير البنية السياسية، والقاعدة الفكرية، التي تساهم في استعادته لقواعده، وتنشيط الخلايا النائمة له من جديد، وإيجاد البيئة المواتية والحاضنة الاجتماعية التي تعيده ثانية إلى ممارساته الوحشية.

المراجع

1ـ ملاحقة “دواعش” داخل كهوف الباغوز.. وتحذير من “الخطر الكامن”، سكاي نيوز، بتاريخ2/4/2019، متاح على الرابط: https://bit.ly/2OPOYwa

2ـ لماذا تباطأت معركة “الباغوز” حصن “داعش” الأخير في سوريا؟، الخليج اونلاين، بتاريخ8/3/2019، متاح على الرابط: https://bit.ly/2uN9UL8

3ـ اجتماع امني عراقي– سوري– ايراني مع اقتراب انتهاء معركة الباغوز، موقع جريدة الحياة، بتاريخ 18/3/2019، متاح على الرابط: https://bit.ly/2IdsiF8

4ـ Martin Chulov,‘The fighting was intense’: witness tells of two-day attempt to kill Isis leader,The Guardian,10/2/2019,available at: https://bit.ly/2SK02zq
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب