7 أبريل، 2024 5:44 ص
Search
Close this search box.

مظفر النواب.. اشتهر بقصائده النارية وبحسه الجمالي تجاه الوجود

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“مظفر النواب” شاعر عراقي، من عمالقة الشعر العراقي، اشتهر بقصائده النارية التي تنتقد الأوضاع السياسية المتردية في منطقتنا، اشتهر بشجاعته، ونقده اللاذع، ولغته المميزة.

القصيدة حياة..

في حوار معه أجرته “حميدة نعنع” يقول “مظفر النواب” عن كيفية تشكل القصيدة لديه: “ليس هناك هندسة مسبقة في ذاكرتي لبناء القصيدة. لا أؤمن بما يسمى الهندسة المسبقة. هناك شعراء آخرون يؤمنون بهذا أما أنا فلا. قضية الكتابة بالنسبة لي قضية ورقة وطاولة وقلم. ثمة مدارس نقدية تعتبر أن مسألة الكتابة لا تتعدى ذلك، وهناك نقاد يعتبرون أن الكتابة عملية هندسية سابقة للحظة الإبداع تماماً كالهندسة التي يخطط بها الرسام للوحته وفيها يقرر مسبقاً توزيع المادة والألوان. أنا أؤمن أن التداعيات الخلفية الذهنية سواء أكانت إيديولوجية أو ذات امتداد في التجارب الإنسانية الماضية تتداخل بشكل عضوي في أعماق الإنسان.

وفي لحظة الكتابة تخرج الأشياء متكاملة، وخلال الكتابة تتفتح قضايا جديدة. أذكر رأياً هنا لجان نيرون الشاعر الفرنسي المعروف يقول فيه بأن في اللحظة التي يصنع فيها الألوان والخطوط على اللوحة يكتشف أبعاداً جديدة لعمله فيضيئها. ثم تعطيه تلك الأبعاد أبعاداً أخرى فيضيئها أيضاً. وهكذا تبدو العملية الفنية عملية جدلية بينه وبين اللوحة حتى يصل إلى اللحظة التي يشعر فيها بأن عليه أن يتوقف. والقصيدة تبدأ بالنسبة لي على هذه الصورة، عندما أبدأ بالقصيدة لا أشعر أن هناك نهاية إلى أن أوقف الموضوع، العملية إذا شبيهة بالحياة وامتداداتها ومساراتها اللانهائية يجب ان يكون لدى كل شاعر تجربته”.

 ظاهرة “الكاسيت”..

وعن ظاهرة “الكاسيت” التي يقرأ من خلاله شعره وهل أغنته عن الطباعة والنشر يقول: “هذا صحيح. ظاهرة انتشار شعري مسجلاً على أشرطة حل بالنسبة لي إشكالا كبيراً هو إشكال الرقابات، فالشريط المسجل يمكن إدخاله عبر أي مطار دون أن يتعرض للرقابة. يضاف إلى ذلك أن شعري بهذه الطريقة قد وصل إلى أناس لا يقرأون ولا يكتبون. ولكن هذا لا يغني عن المطبوع، قراءة الشعر مطبوعاً تمثل المتابعة الأدق التي تعطي نوعاً من النشوة والحس الجماعي، يضاف إلى ذلك أن قراءة الشاعر مطبوعاً تساعد على الإحساس بشكل أفضل بعالمه الداخلي الصحيح، تفرده مثلاً. لنأخذ ظاهرة الانتشار عن طريق الأشرطة، الجمهور مثلاً في بعض قصائدي يتمسك بجانب الشتيمة وهذه مسألة تجرحه يومياً. في الوقت الذي لا يعلق فيه أهمية على الجوانب الأخرى الروحية والفكرية.

ولهذا فإن قضية طبع الدواوين مسألة ضرورية والنشر عبر الصحافة ضروري ولكن السؤال لو طبعت دواوين، أين أوزعها؟ لقد طبعت ديوانين ولم توزع في العالم العربي، منعت في غالبية الدول العربية، أما الصحف فهي ملك الأنظمة، وهذه لا تجرؤ على كتابة مقال عني، ولا على نشر قصيدة لي، لأن لدي موقف واضح من الأنظمة. وحصل أكثر من مرة أن أعطيت مقابلة لهذه الصحيفة أو تلك دون أن تنشر، أو تنشر محذوفة منها مقاطع كثيرة، صار عندي رد فعل كبير على ذلك. فأنا أرفض المقابلات وسواها”.

وعن حياته يحكي “مظفر النواب”: “منذ كنت صغيراً كنت أعيش في بيت علم وثقافة، عائلة هاجرت من الحجاز إلى الهند أيام العباسيين فحكمت المقاطعات الشمالية وقاومت الإنكليز ثم انتقلت إلى العراق وربت أطفالها على كراهية الإنكليز والاستعمار. ما زلت أتذكر ذلك البيت الكبير في منطقة الكرك، وهي منطقة شعبية، ما زلت أتذكر التراث الشيعي ومواكب عاشوراء والأهازيج التي كنت أسمعها في البيت سواء في الفرخ أو في العزاء، أتذكر عدد الغرف الأربعين وطفل وحيد يهوم حول أبوابها، هذا الطفل هو أنا.

ومنذ ذلك التاريخ البعيد تشكلت لدي أحاسيس أعمق من الرؤيا العادية للأشياء. كان والدي ذو تأثير كبير علي، وكذلك أمي فعلى يدها تعلمت الموسيقى وسمعت الأشعار العربية والفرنسية، وفي أحيان كثيرة كانت تبكي وهي تنشد لي الشعر، حتى الآن أكتب شعري دون العودة إلى قواعد التفعيلة وهذا بتأثير طفولتي البعيدة”.

بغداد مدينة مبدعة..

في حوار آخر أجراه “علاء المفرجي” يقول “مظفر النواب” عن بغداد: “بغداد مدينة مبدعة، الإبداع ليس للأشخاص، المدن هي المبدعة، بغداد في مخيلتي أبداً، لم تتلاش صورتها، على العكس كانت تقاوم الإمحاء وكنت أنا أستعيدها في كل لحظة على مدى هذه السنين الطويلة، وكأني لم أفارقها. بغداد عالم من الجمال، حتى الزوايا المهملة فيها تضج بالجمال، مدينة تمنحك ألواناً لا تعرفها من قبل. لديها طيفها الشمسي الخاص، ألواناً أخرى غير تلك التي يضمها قوس قزح، خذ مثلاً منائرها الملونة والمشغولة بالقاشان. أنا زرت أكثر من عاصمة عربية منائرها جميعها كانت بألوان كابية، لون الاسمنت مثلاً.

أول قدرة على الخلق كانت هنا، ليس المهم الخلق بل القدرة على الخلق. ربما لهذا السبب أرادت بعض الأنظمة العربية أن تجعلها قمامة التاريخ. أنظر الآن هم ذاهبون إلى القمامة تباعاً، بينما بغداد تستعيد بهاءها، إنها مثل طائر الفينيق تنهض من رمادها. الطريق الوحيد، الانتقام الوحيد للخراب الذي أحدثوه هو أن نقيم لبغداد أعراساً وكرنفالات”.

الرحيل والعودة..

ويقول عن زمنين عاشهما، زمن مغادرته الوطن وزمن عودته بعد عقود من الغربة والنفي القسري: “غادرت العراق بعد مقابلتين مع (صدام حسين)، استغرقت الأولى عشر دقائق والثانية ساعة ونصف الساعة. أعلم جيداً أن هذا اللقاء كان موثقاً، لكن يبدو أنه فقد مثلما فقدت الكثير من الوثائق المهمة بسبب انقلاب الأوضاع بعد سقوط الدكتاتورية.

في المطار كان هناك أهلي وبعض من أصدقائي لوداعي. ما زالت تلك الصورة واضحة في مخيلتي. وبعد كل هذه السنين من الغربة عن الوطن، لم يكن ما يخيفني من العودة هو السياسة أو الصراعات، بل أن أجد كتلاً من الفراغ بدل الناس الذين فارقتهم لحظة وداعي. أقسى ما يعانيه الشاعر أو الكاتب بشكل عام هو الفراغ، الإحساس بالفراغ. أشعر الآن وبعد يومين من عودتي بأنهم أحياء. أنا بحاجة إلى أيام أخرى لأكتشف طبيعة هذين الزمنين”.

عامية أهل الجنوب..

وعن تمكنه من العامية بلهجة أهل الجنوب لينظم بها أجمل قصائده يقول: “اللهجة العامية تماماً مثل امرأة منحتني هي نفسها ومكنتني منها. المرأة لا تستطيع أن تعشقها دون أن تمكنك منها. العامية سلسة مطواعة، لا تستعصي على النحت والاشتقاق منها. الصورة عنها أجمل وأكثر وضوحاً. ربما لا يعرف الكثير إنني لست من الجنوب ولم أسكن الجنوب. ذهبت منتصف الخمسينات إلى العمارة عن طريق الكحلاء، حيث عشائر (البو محمد والشموس، منهم (محمد الشموس) الذي كتبت عنه قصيدة أعتزّ بها.     عشت بالأهوار لمدة أسبوع، هناك عشقت لهجتهم وتملكتني. هناك الصورة مائية. كل شيء فيه ماء. بدأت مع الشعر بالعامية وكأني من أهلها”.

وعن الشعر العامي بالنسبة له يقول: “يساورني شعور غريب أن الشعر العامي أدى مهمته العظيمة، ونحن على أبواب مرحلة جديدة في الشعر العامي، ربما ستظهر إرهاصاتها الآن. كتبت في الفترة الأخيرة عدداً من القصائد، لكن العائق كان مرضي (باركنسون). أصبحت أكتب سطراً ويضيّع الثاني علي المعنى، هذا من خصائص هذا المرض، وحتى أتغلب عليه بدأت بكتابة قصائد قصيرة، أكثّف أقصى ما أستطيع، أكتب وأحفظ، أضع البناء الكامل للقصيدة حتى أحفظها”.

السجن..

وفي حوار آخر أجراه الروائي “سنان انطون” ١٩٩٦ يقول “مظفر النواب” عن رؤيته لتجربة السجن: “”بمقدار ما هي غنية فهي مريرة جداً لأنها سلسلة حرمانات. بالرغم من وجود رفاقك وأصدقائك معك، إلا أن الناس يختلفون. هناك عقليات مختلفة وهناك من هو ضيق الأفق. كنا نأكل سوية ويكون هو واع سياسياً لكنه يختلف معك من أجل قطعة لحم. فلا يمكن أن تتحمل هذا الجو. وأنت مجبر أن تكون مع أناس لا تريد أن تراهم. قد تتحمله في الحياة العادية ولكن في السجن هو معك على مدار الساعة. حرمان لأنك لا تختار ما تأكله وتشربه. حرمان جنسي أيضاً فأنت بين أربعة جدران في الصحراء.

أول مرة تم توقيفي فيها كانت أيام نوري السعيد. داهموا البيت ووجدوا نشرات حول الانتفاضة فأخذوني إلى مديرية الأمن العامة. كنت خائفاً لأنني كنت أعيش في بيتنا في جو عناية رهيب لكوني الابن الأول. وكنت أسمع عن التعذيب. كان معي اثنان من كبار الشيوعيين في التوقيف. أحدهم شامل النهر هو الآن في لندن. لم يضربونني فقد كانوا يعرفون عائلتي. سألوني: لماذا أنت شيوعي وأنت من عائلة غنيّة؟ كانت محاضرة. وفي المرة الثانية كان ناجي العطية في الغرفة ورأيت والدي. فقال لي العطية: ما الذي أتى بك إلى الشيوعية وأهلك عندهم خيول تتنافس في الريسز (السباق) وأموالكم ما شاء الله؟ فقال لأبي: تكلّم معه. فقال أبي: هذه حياته وهو الذي يقرّر، كان موقفه جيداً جداً. فقال له: خذ ابنك واذهب. كانت القضايا تحل ببساطة”.

وعن  أول مرة سجن فيها لمدة طويلة يروي: “بعد ثورة تموز كانت هناك انتخابات نقابة المعلمين في الكاظمية وذهبنا لننتخب. وقتل مدرس شيوعي من الأعظمية. كان البعثيون هم الذين قتلوه ولكنهم اتهمونا. وبالرغم من وجود عبد الكريم قاسم فإن جانباً من القضاء كان معهم، خصوصاً الشرطة. اتهموني بالقتل وأنا لم أكن موجوداً هناك أساساً. كان المقتول واحداً منا. وضعوني في موقف السراي لمدة أربعة أشهر. والموقف أصعب من السجن. كل يوم كانوا يأتون بأناس حشاشين ومجانين. ثم هو ضيق جداً.

وأذكر في فترة ما بدأوا باحتجاز صباغي الأحذية الأكراد وغيرهم. واكتظ الموقف تماماً. كانت هناك ردهات وساحة. ولكثرة ما كان هناك ناس لم يكن بإمكان المرء أن يمشي. كان ذلك في الصيف. فوق المحل أسلاك شائكة ولا يمكنك رؤية السماء بسبب بخار الأنفاس المتصاعد. كنا ننام على جنب لعدم وجود مكان طبعاً. فلكي تتقلب كان ينبغي أن تقف وتدور لتنام على الجانب الآخر. كانت تجربة مثيرة بالنسبة لي. لم أجلس مع السياسيين. كنت أذهب وأجلس مع الناس العاديين وأستمع إلى قصصهم. حين تتكلم مع السياسي تراه يرتدي قناعاً أيديولوجياً ولا تراه على حقيقته. لا يريك الجانب الإنساني. أما الإنسان العادي فيفتح لك قلبه. حتى لو كان حشاشاً مثلاً، يقول لك أنا كذا وكذا وكل شيء عن حياته ولماذا أصبح حشاشاً. يحدثك عن أزقة بغداد القديمة وأشياء كثيرة. كتبت مسرحية عن هذا قدمناها في دمشق. بطل المسرحية شخص اسمه «أبو سكيو» وهو أحد الحشاشين الكبار الذين قابلتهم في السجن وقصته بديعة جداً. هذا عالم يُكتب عنه الكثير، عالم الناس العاديين. بعد انقلاب ١٩٦٣ كانت هناك مقاومة في الشوارع بالحجارة”.

طرب مع الكون..

وعن شعره وكون المتلقي يحس بأنه في حالة طرب مع الكون يقول: “كل ما هو حقيقي وجميل. مثلاً، أنا أخرج صباحاً لأتمشى وأنظر إلى كل ورقة وأسمع أصوات الحيوانات أو النسيم. كل هذه أنتبه إليها. هذه كلها مهمة في التجربة الشعرية. هناك تجربة بسيطة ولكنها هائلة. خرج أحد المتصوفة إلى نيل واسط. كان هناك نهر في العراق اسمه النيل ولكنه جف. وفي زرقة الصباح رأى طائراً أبيض على المياه. فشهق وقال: سبحان الله يا لغفلة العباد. صار عنده حس جمالي هائل لكي يشهق وينتبه إلى غفلة الناس عن كل هذا الجمال. هذا أكبر من أي صلاة أو عبادة، حسك بالوجود بهذا الشكل. القرآن يقول إن الله أودع شيئاً من الألوهة في الإنسان. هذا هو حس الألوهة. هنا تشعر أنك جزء من هذا الكون الجميل”.

وفاته..

توفي “مظفر النّواب” في 20 مايو – أيار 2022 في مستشفى الشارقة التعليمي بالإمارات عن عمر ناهز 88 عاما.

قصيدة لمظفر النواب..

ترنيمات استيقظت ذات يوم..

كيس رمل بصمت المتاريس قلبي

مفاصل عشق مخلعة في الخراب

تفتش عن أحد

أحدق..أفديه

عن وصال صغير

إني محدق في هجرة ما فهمت

ومن يفهم الحب

أنت التفت يا فارغ الحقول وعمري

التفت

جاوز الجرح

جاوز حقل البنفسج

حدق مستغربا خلفه

اخرج القمامة السنوية قال

البرد تأخر دا..

ولم يلتمس الباب

دس الماتيب من فرجة الباب

غادر وهو يجيء وجاء يغادر

من نسمة الصمت..

من نبرة الصمت..والدمع

أعرف خط العراق

ومن مثل قلبي يعرف خط العراق

وياقاتك السمر يوم حصاد حزين

تقاطر فيه القبابر فوق ثيابي

تغازل غرفتها في شبق

ركنها داخل البيت

ضيعتها في الجوارير بين ثيابي

وأقلام صمتي تجنبتها

كيف لي أتجنب خفي إليك؟

نبشت الجوارير

أبحث عن أي شيء يداوي

يزيلك

يمحوك من خاطري

قميصي النهاري من ذكرياتي

ومن يغلق الآن هذه الجوار ير

من تعطه نفسه أن سيلمس الأمس

رائحة نفاذة

من هناك؟

شيء بزاوية البيت يبرى

أفتش..

ينقطع البري من قلمي البرتقالي

قلبي الذي صار يكتب من كل أطرافه

وصل الجرح

دس المكاتب

أهملتها

أنت أهملتني

أنت علمتني الهمل

علمتني أن أضرب النرد لي ولنفسي كخصمين

أين اختصمنا..؟ متى؟

لماذا افتعلت دواعي الخصام؟

ألست ترى وحدتي وانفرادي عن السرب

خطوت بعيدا..بعيدا

ولكن البعد يختلف الآن

والبعد الذي وصل الشيء واجتازه

جاوز الوصل

صار في الحب

لا في الحديد ولا في الوصول

ولا في الفراق

أنا من حدة العطر أجرح

انفض ريشي كالطير

اقتبس الصمت أكتبه في بدفاتر حبي

أساور ترنيمة أنت علمتني نصفها

يا لئيم فقط نصفها

أتذهب ما زلت في موضعي

أنما لست فيه

وعندك أمسي

وراء المخافر واللوز والياسمين

أفتش عن كلمتين

واقنع نفسي بجدواهما

قلت: لم تكتمل هذه

غادرت عاقبت نفسي مغادرة

وأردت أكون كانت

أنت وليس التفاصيل

أنت بدون الحجارة

والباب والغرف الجانبية

كنت تخون

تخون أصول الخيانة أيضا

وتسحب طاولة اللعب

وتلعب ضدي ..

قامرت بالذكريات

هدرت دمعي في الكؤوس

ووزعته للرفاق

تقربت لا لم تقترب

كتب البعد في قاف قربك مني

وللقاف نردان أرميهما

والمقادير ترمى

ويخرج عن دينه النرد

مما لعبنا ومما خسرنا

ولم أنسحب

ثمل النرد باللاعبين

أقترب رميتين..

تدحرج نرد أقل قليلا من الشوق فيه

فكان الفراق

اقترب لا تخف

إني أدون بالرمل تهت

وتاه بنا الورد والنار والدار والجلنار

ولم ألق إلا السراب العظيم

فعانقته أجلا..أجلين.. ثلاثا

رملا

رمالا

رمالاً قطعت

وحبة رمل تفاجئني تحت قلبي

فأواه..أواه هذا القلب الذي لا يطاق

وماذا الهوى غير نائيان يقتربان

إلا يلتقي المتوازي بصاحبه إن سقيناه خمرا

ويترك كل مذاق بصحبه

كم قليل من الناس

يترك في كل شيء مذاق

أذوق فتكتظ بالفستق المطري

وتنسل اغمس كتفي بسمرتها

أقرأ الليل مكتشفا لغتي

قبل أن يدخل الأسود الدؤلي عليها

إذا مسني الصمغ

يلسع من شدة الالتصاق

ولست أحب المواني

وأن خشبي متعب أنا لست أحب المواني

تنتشيني وتطربني رشفات الرذاذ وأنثى النورس

والأزرق الانتهازي واللغز

وأعبد جرحي إذا صاح

في مخزن الحاجيات التي ضاع أصحابها

هذه قصتي

هذه سنواتي الصغيرة

هذه التي …وتقاطعني

رزمة تفترس وجهي

أنا كل ما ضاع

كل مالا يفتش عنه

وبعد على حدة أتنول بعد

أشد أضم وأفغم فغما لذيذا

وإلا بإحدى السكنات يقتلني الاختناق

متاهة المتاهات يا فلب

أثبت خلف المتاريس

اكتب على البندقية حبنا ووحيا بعيدا

وخذ طلقتين لعينيك حزني

كأن النجوم نوافذ أنت تزوجتها

كتبت لها قبلة للطلاق

تضارب بالهم كل سراب لديك

حريق من الماء

كم شربت الكوز خمرا وجف

عامله يا سيدي إنه جف بالخمر و…

آه من هذه الواو تبدي الذي خلفها

فضحتني وغلقت الباب خلفي

فلم ينغلق غير نصف انغلاق

مسني مسه الحب أو حطم الكأس

دعني أحس..تحطمني

ثملا ليس صحوا

وتجمع مني الشظايا

ترتبه كهواك

كخمرك

أتكفيك كأسي وأنت الخمور الدهاق

شظاياي هذي الكؤوس

كذلك تعشق تسر يوما

فقدت وحطمتها

لم أقل للكؤوس لماذا لم تجيء المكاتب

لامسها

مسح الثلج من عتبة الأمس

دعنا نجرب حظ الحجارة ثانية

ونقيم الشبابيك من تعبي

وارتباك الأصابع

كفى تصافح كفك ثانية

تتذكر أنك خنثا محال أن أصافح كفك ثانية

وأضيف الجموع لهذي المسافة م بيننا

كأن حبا بريدا تأخر

عودا أردت أدو زنه بين عينيك

أنت أجرته

أنت خنت الطريق العريض

وخنت الزقاق

كيس رمل تعرض للنار من فئتين

وكتم حرصا على سمعة البندقية

والحب

والعمر

والكلمات الأخيرة من دفتر الشعر

لما رآك تخون مكانك

قال مكانك خان

مكانك خان الهوى

أنت أيضا مكانك أتلفني

كلمة الحب أتلفتها ودموعي

التفت أنت ماذا لا ولا تلفت

لم أعد ذلك اللغز بالأمس

صار الوداع وداعا

ولا يلتقي المتوازي بصاحبه

أصبح الخمر ماء بسيطا

رأيتهم يشترونك لم تفهم الحب

لم تفهم اللحظات التي

تستقيم النجوم إلى مركز اللّه

لم تفهم الربط بين الرصاصة

والحزن الأسود الدؤواي وقلبي

ولونت ثوبك بالأحمر القرمزي

تؤكد أنك منا محال

فإن القذارة لاتنتمي

وردة الشمع لا تنتمي للهوى

بالبنادق

دعني أريك الكثيرين خانوا

وهم يرفعون بنادقهم

يسقط الحرف والمجد لاحتراق

أتلفت القي حجاري حولي..شظاياي

أوراق شعري

بقايا تهدمت

حقا تهدمت

لكنني في المكان اخترت

ممتلئا بالحنان لنفسي و الحنين

لو عدت ثانية

صرت نفسي فاني ألوف

خلقت لنفسي أمين

أمطر الليل فأكثرت العين كحل الخريف

وامزجه الورق الرطب

وامتلأت راحتاي وراحة دهري

فلم تسعفيني بغير التغيب في جسدي

فرح الدم …صار يحس قميصي

وما بين سطر وسطر

وجدتك فاردتين من الياسمين

بمحض اللبانة كنا

ورق أعصابه الشوق بالصبوات الأنيقة

فب الروح

في النهد

في ثنية الخصر هذي التي أهلكتني

يدي … آه أين يدي

أي ضيف دخلت وأي شتاء

وغرفة عشق بها منقل وشراب عتيق

خذيني لغرفتك العربية هذي

لقد ثقل البرد سيدتي واشربيني

هذيني ننام سوية ..

فأن النجوم تنام سوية ..ناعمة البال مرصعة كاللؤلؤ

تذكرت وجهك انت التي تجلسين أمامي

تذكرت بيني وسجني وحضن عظامي

كان لنا طعم الحب

كانت لنا نكهة الزهر أحزان

حملت صرتي و ثيابي إلى الباب

ودعتهم فرفعت إلى أذني ياقتي

حزين

حزين تركنا لدى الماء آلامنا

وبنادقنا

وانسحبنا ….

حملنا الجروح التي ستشتعل

وتشتعل في غربة العمر نارا

وتسحب ساقية من البيوت البعيدة

للصبوة

لمن كل شيء بهم فرح وحنين

وددت أحب لا شيء إلا الهوى

واتاني لبريد فوزعته للذين يحبون بعدي

وقبل وصولي لقد غادروا

آه .. لقد غادروا..

كلهم غادروا في تتابع وانسدل الباب حائرا

إنهم يذهبون

صرخت وهم خارج الدهر

اسمعوني

اسمعوني

اسمعوني

تعبت من العمر من اللحظات التي سوف تأتي

من امرأة سكنت ثيابي الرقيقة

أو خرجت لهواها

من قناني الدواء المسائي

كيف يحتمل العمر من دون الدواء المسائي

تكتظ واحدة بعد واجدة في سلام

حتى مطلع الفجر والضائعين

أي ذل يذلون قلبي يدرسون في جرحه كلمات التبرع

زمن يطفئ النار لا بد شاهد شيئا

وراء الأمور وأوشك مما يبين بهم لا يبين

أيها الحب أشرب تذوق اختلافاتنا

أنت أهملتني … أنت علمتني الهمل يا مهملا

وانتظرت بزاوية العمر لم تتذكر

كيس رمل بتلك المتاريس قلبي

انقله حيثما حصلت ثغرة أو أوسده لجريح

ومتكأ لمقاتل يضعف القلب فيها

وبين الصخور الحزينة اتركه شاهدا

كلما الريح مرت أقول العراق

تركتني اشرب وحدي

حملت بها بالضباب بزهرة دفاي

على وحدتي تركتها

فملت بشباكها في الطريق بمن يعبرون

لقد كنت فوق الثمالة

لست أميز بين أوجه العابرين ملامحهم

كلهم وطني

وملابسهم وطني

تعالوا لقد أوحشتني السنين

وامسك طفلا بعينيه أثمار أيلول

أتعرفني أتطلع فيه

وفي ضحكة الورد في خده

أنت تعرف ماذا بقلبي

عشرين عاما من الانتظار المذل

لقد كنت طفلا كمثلك مثلك

عشرين عاما من الغرباء جرعتهم

كلنا وطن واحد

كنت آخذ هذا المسكن في الليل

وصار المسكين في حاجة للمسكين

عشرين عاما صرخت

لجأت إلى كل ما فيه دفء

فاني ارجف في الليل كاليليسان المريض

وتقتلني القشعريرة

عشرين عاما أخذوا وقتهم

وملابسهم

والرسائل

أم يتركوا لي سوى ألمي والبندقية

وذكريات تغيب

واعشقهم

حجزت الزمان لهم والبنادق والقلب

محتمل حضروا ..

سكنوا القلب من دون علمي

ومحتمل إنهم في المحطة

في الزمن الصعب

محتمل ان كل الهواتف معطوبة

ثم محتمل .. ثم محتمل ..

ثم محتمل .. محتمل كل شيء

سوى إنني مخطئ في غرامي بهم

والسؤال

أحبهم نكهة العمر …

ملح الطعام

تركتهم في البساتين

في المقبورات البعيدة

في غرفة العرس

في الحلم ذهبوا كلهم

ابق أنت طويلا

فأنت أخر من لا تغلف سهادي بالصمت

ستسهر كل الأماني المحيطة

أعمدة الكهرباء الطفو لي

لعب الصبا..نزواتنا

وآخر ثوب من العمر أخرجته

من تراب الصناديق

نفضته وكويت ماضيه

أفردت كل القصاصات

كل الرسائل

كل الجوار ير

كل الحكايات

كل الذي أنت في العشق

آه يا غربة النار

في بلد الثلج

ابق طويلا..طويلا..

أعطني فرصة للذهاب ولو مرة

دائما يذهبون إلى خارج الدهر

أما ذهابي فتيها

سأذهب آتيك بالحب

والخمر والخبز والصحب

كل الذي تشتهيه سوى لحظات الفراق

أريد ثيابي القديمة فكل ثياب الصبا لا تلائمني الآن

والثوب هذا الذي على جسمي

ليس ذوبي اضطررت لأستر جرحي

وأواري بذاءتي أمام الغريب

وهل ثم شيء ليس غريب

كلنا وطن واحد

ورفاقك السمر يوم الحصاد

ولكنني لا أقلب عنك الجوار ير

إذ أصبحت شيء غريب.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب