بقلم: أمين الساطي
هذه قصة حقيقية جرت أحداثها منذ أكثر من ثلاثة أعوام في دمشق، وإذا كان هناك بعض التعديلات فيها فهي غير مقصودة، ويعود ذلك إلى أن ذاكرتي بدأت تفقد بريقها مع تقدمي بالعمر.
كان مأمون يعمل طبيباً للأمراض الداخلية في مستشفى المجتهد الحكومي، وكان بالوقت نفسه يعمل بالمساء في عيادته الخاصة، إن علاقته مع زوجته الصغيرة الحسناء تسير إلى طريق مسدود، على الرغم من أن زوجته سلمى، حاولت في البداية أن تجعل أيام الزواج الأولى مملوءة بالتفاؤل والإيجابية، إلا أن فشلهما في ممارسة العلاقات الحميمة الناجحة، دفعهما ليتشاجرا على الكثير من الأمور الثانوية، فالعلاقة الجنسية الممتعة ركن أساسي للسعادة الزوجية، فهي تخفف من المشاكل اليومية، وتعطي الشعور بالرضي عن الذات.
أخذت تشعر سلمى مع مرور الأيام، بأن مأمون لا يهتم بها، ويسيء معاملتها، ناهيك عن أنه لا يتعاطف معها، فهو بارد وهادئ أكثر من اللزوم، ولعل فارق العمر الذي يزيد على ثلاثة عشر عاماً، ساعد في تباعدهما الفكري ونظرتهما إلى طريقة الحياة.. كل هذه العلامات كانت تنذرها بأن زواجها يقترب من نهايته، ما دفعها إلى التفكير في البحث عن مستقبلها مع رجل آخر، وتصورت بأن شكلها الجميل، قادرٌ على أن يوفر لها الأمان في الأيام الصعبة القادمة.
كان من الصعب على مأمون اتخاذ قرار إنهاء زواجه، على الرغم من إدراكه بأنه لا يوجد حل لمشاكله، ولكنه لم يكن يرغب في أن يكون الشخص الذي يقترح ذلك، ولاسيما أن عنده ابنتين، إحداهما في الثالثة من عمرها، والثانية ما زالت تحبو في سنتها الأولى، ما جعله يتردد في اتخاذ هذا القرار. كانت أخته التي تكره زوجته وتغار منها، تراقب الظروف التي يمرّ بها أخوها، فاستغلتها لتخبره بأن الناس في المجتمع المخملي، يتناقلون الشائعات عن علاقة زوجته بابن عمتها، وأنه قد آن الأوان لكي يتخذ خطوة عملية، توقف زوجته عند حدّها، لكن مأمون يعرف أن هناك أوقاتاً يكون فيها من الأفضل تقصّي الموضوع قبل حسمه.
إنه مطّلع بسبب مهنته على أن هناك دواء اسمه بنتوثال الصوديوم، يُعطى حقناً بالوريد، ويسمونه مصل الحقيقة، وهو يستخدم في المصحّات العقلية في أثناء التحليل النفسي، لإيقاف المريض عن الكذب، عندما يُحقن به الإنسان ينطق الحقيقة من دون ضغوط خارجية، ويجعله غير قادر على الكذب، لأنه يثبط عمل الجهاز العصبي المركزي، لذا قرر استخدام هذا العقار ليكتشف حقيقة ما يجري من وراء ظهره مع زوجته سلمى.
تمكن من إقناع سلمى بأن ترسل ابنتيها في مساء يوم الخميس إلى بيت أهلها، ليخلو لهما الجو، وليتمتعا بقضاء ليلة حمراء بعيداً عن أعين الصغيرتين. في المساء سكب لها كأساً من النبيذ، وفيه مسحوق مهدئ للأعصاب، من دون أن تلاحظ ذلك، لكي يتمكن من السيطرة عليها، بعدها أجلسها على الكنبة، وحقنها بإبرة في الوريد، فيها محلول بنتوثال الصوديوم، وأدار جهاز التسجيل، وبدأ يسألها أسئلة بسيطة يعرفها الجميع عن أحوالها العامة، ليستدرجها إلى الحديث عن حياتها الخاصة بعفوية تامة.
بعد أن بدأ تأثير الدواء شعرت بالتعب، وانتابها إحساس بالدوار والنعاس، فمدّدها على الكنبة لكي يمكنها من الاسترخاء، وليساعد المخدر الوريدي على تقليل نشاطها الحركي، فسألها عن علاقاتها العاطفية، فذكرت له بأنها كانت على علاقة مع ابن عمتها الذي يعمل في دكان أبيه لتجارة قطع غيار السيارات، وكانت مصممة على الزواج منه، على الرغم من معارضة أهلها، وأنه لمّا تقدم لخطبتها، فقد أقنعتها أمها بأن ابنةً بجمالها، تستأهل أن تكون زوجة لطبيب اختصاصي معروف، له مركز اجتماعي، بدلاً من أن تكون زوجة لصاحب دكان.
ولما كانت على علاقة جنسية مع قريبها، فلقد تدبرت أمها موضوع فقدانها لعذريّتها، وتمكنت من إيجاد طبيب قام بعيادته بإجراء عملية بسيطة لترقيع غشاء بكارتها بسرية تامة، منهياً قلقها، لتبدأ حياتها مع زوجها الطبيب من جديد.
حاولت سلمى في الشهور الأولى من حياتها الزوجية الجديدة، أن تقنع نفسها بأن هذا الفتور الذي تعيشه مع زوجها يعود إلى الملل والروتين الطبيعي في الحياة الزوجية، وتغاضت عن مقارنة الإثارة الجنسية التي تحصل عليها من زوجها مع المتعة الكبيرة التي كانت تتقاسمها مع حبيبها، فرُزقت بطفلتها الأولى، وانشغلت في بادئ الأمر بها، وتصورت أن جميع المتزوجات تسير حياتهن على وتيرة واحدة، لقلة التفاعل بين الزوجين، وأن عليها أن تتقبل هذا النمط السائد من الحياة، في مجتمعاتنا الشرقية المغلقة.
لم تعد تتابع أخبار ابن عمتها الذي سافر إلى السعودية، وافتتح محلاً لبيع قطع غيار السيارات، وجمع كثيراً من المال في فترة قصيرة، إلى أن ذهبت هي وعائلتها لحضور حفل زفافه في فندق الشيراتون، لقد تغير منظره، وظهرت آثار النعمة فجأة عليه، تكلفة الحفلة الفاخرة التي أقامها بمناسبة عرسه شاهدة على وضعه المالي الجديد الممتاز، عاودتها مشاعر الحب تجاه ابن عمتها، لم تنم في تلك الليلة، وهي تندب حظها الذي دفعها لمسايرة أمها، فتركت حبيبها لتتزوج من مأمون، فشعرت لأول مرة في تلك الليلة بكراهية غريبة نحو زوجها، وقررت التخلص منه.
أصبحت العلاقة مع زوجها أكثر برودة مع مرور الأيام، ما دفعها إلى التفكير بإعادة علاقتها مع ابنة عمتها الذي أصبح غنياً، وعلى الرغم من أنه متزوج، فإنها وجدت نفسها مشغولة بهذا الرجل، ولم تعد تعرف كيف يمكنها أن تتواصل معه بالسعودية، لتخبره بأنها مازالت تحبه، حصلت على رقم هاتفه الجوال من أخته، واتصلت به، وكانت مدمنة على كلماته، فقد كان خبيراً بالغزل، على عكس زوجها الهادئ، الذي لا يجيد النطق بالحب والغرام، أخبرها بأنه مشتاق إليها، وسيحضر في نهاية الأسبوع بالطائرة إلى دمشق خصيصاً لرؤيتها لبضع ساعات.
حين تتاح الفرصة للرجل لكي يقوم بعلاقة مع غير زوجته، فإنه يضعف أمام هذه الفرصة، ولا يفوّتها، كما أنه كان يشعر برغبة قوية لإقامة علاقة حميمة مع سلمى، ترضي خياله المريض، وتشبع رغباته الجامحة، وليقنع نفسه بأنه أفضل من الطبيب الذي اختارته سلمى زوجاً لها، إنه الانتقام من الطبيب الذي خطف سلمى منه، رغبة طائشة مندفعة لا يمكنه إيقافها تعيد إليه الثقة بنفسه، وتشعره بالانتصار بعد أن ذاق طعم الهزيمة، وتمرغ خصمه الطبيب في التراب، عاد إلى دمشق، وقضى مع سلمى عدة ساعات، استعاد فيها ذكريات الماضي، ثم سافر باليوم التالي إلى السعودية.
بدأت تتكرر زيارته في عطلة نهاية الأسبوع إلى دمشق، حيث يلتقي بسلمى في أحد الفنادق الراقية لبضع ساعات ليستمتع بها، إن عواقب الانتقام العاطفية تكون مختلطة، فهو يشعر بالخيانة لزوجته، ويشعر بالوقت نفسه بالسعادة، لأنه ينفذ العقاب على الطبيب الذي سرق حبيبته. أما سلمى فكانت تفكر أنها بمسايرته بإعطائه الجنس بالطريقة التي يرغب بها، فإنها تسيطر عليه، لكي تستعيده قبل فوات الأوان، وسوف تدفعه لينفصل عن زوجته، ليتزوجها بعد أن تطلق زوجها الطبيب.
لكي تورطه بطريقة لا يمكنه الرجوع عنها، فقد أخبرته بأنها حامل منه من ابنتها الثانية، على الرغم من أنها لم تكن متأكدة تماماً من ذلك، وتصورت أنها قيّدته بهذا الخبر، وبدأت تدفعه إلى الطريق الذي خططت له، أما بالنسبة لابن عمتها، فهو يعتبرها علاقة عابرة مثيرة لقطع نمط حياته الزوجية الروتينية، فهو يتمتع بحرّية جنسية مع علاقته معها، لأنها امرأة متزوجة.
عندما اجتمعت معه آخر مرة بالفندق، أخبرته برغبتها في استعادة حبهما الكبير، وأنها تفكر بأن يعودا لبعضهما ليشكلا أسرة واحدة، فهالها تعابير الاشمئزاز التي ظهرت على وجهه، بحيث رفع حاجبيه إلى الأعلى، فأصبح عاجزاً عن تزييف مشاعره الحقيقية. أخبرها بأن موضوع الحب قد انتهى، وأنهما يعيشان الآن علاقة جنسية عابرة، فيها الإثارة والمغامرة، فانخرطت في البكاء، وعبرت بدموعها عن ندمها على تورّطها بهذه اللقاءات، غادرت غرفة الفندق وهي تشعر بالقذارة وفقدان الاحترام لذاتها، لارتكابها الخيانة بحق زوجها وابنتيها، لم تعد لديها تطلعات بممارسة حياتها اليومية، بسب انعدام رغبتها في الحياة.
مع مرور الوقت، اعتبرت أن هذه علاقة عابرة، وحدثٌ بشعٌ في ماضيها، وأنها أخطأت التصرف، وقررت الانفصال عن الحادث، وإبعاده عن ذاكرتها، محاولةً نسيانه تماماً، عليها أن تبدأ من جديد، وتعود لتعيش حياتها العادية في بيتها مخلصة لزوجها وابنتيها. عندما وصلت إلى هذه النقطة، أطفأ زوجها جهاز التسجيل، وبدأ يفكر في خطوته الثانية بعد حصوله على اعترافاتها على شريط التسجيل.
في بادئ الأمر خطر له أن يعطي نسخة من الشريط إلى عائلة زوجته، لكي يعرفوا حقيقة ابنتهم، ولكنه تذكر بأن حماته وعمّه كانا من أوائل المساهمين في هذه اللعبة القذرة، ثم فكّر أن يعطي نسخة من هذا الشريط لأخته، لتنشره بين صديقاتها في المجتمع المخملي، لتلوك الألسن بعائلة أسرة زوجته، ولكنه فكر بالمستقبل الذي قد ينتظر ابنتيه، كما أن عليه قبل ذلك، أن يجري فحص الحمض النووي على طفلته الصغيرة، ليتأكد فعلاً من أنه أبوها البيولوجي. زحمة هذه الأفكار الرهيبة المتضاربة في رأسه، جعلته لا يتسرّع في اتخاذ قراره في هذه اللحظة، وذهب إلى فراشه محاولاً أن ينام.
بعد مضي نحو ساعتين، انتهى مفعول دواء بنتوثال الصوديوم، واستعادت سلمى وعيها، لتجد نفسها ممددة على الكنبة في غرفة الجلوس، تذكرت الإبرة والتجربة التي مرت بها بالتفاصيل الدقيقة، نظرت إلى جانبها، فوجدت آلة التسجيل القديمة على الطاولة، فأدارتها، فهالها أن تسمع بنفسها صوتها يروي مشاكلها وعلاقاتها الماضية. انتابها الشعور بالقرف من الجميع، وعاودتها الرغبة بعدم استمرارها في هذه الحياة، فاتجهت إلى البلكونة، وألقت بنفسها من الطابق الرابع.