إعداد/ إيهاب إبراهيم أبو عيش
إن الحديث عن تفعيل الدور المصري في أفريقيا بصفة عامة يستدعي كلمات الدكتور جمال حمدان الذي شدد على ضرورة ألا تترك مصر فراغًا سياسيًّا في أفريقيا؛ حتى لا يشغله الاستعمار الجديد أو القوى العظمى، ويحاصرها به من الخلف، وكذا لمواجهة النفوذ الإسرائيلي في أفريقيا، ومحاصرة أخطبوطه؛ حتى لا يضمها إلى جانبه، أو يؤلِّب دولها ضد مصر والدول العربية(1).
ومن ثَمَّ تحاول مصر القيام بدور إقليمي فاعل على الساحة الأفريقية؛ بحكم العديد من الإعتبارات، منها الإيمان بالانتماء الأفريقي لمصر الذي تحكمه عوامل الجغرافيا والتاريخ والثقافة، وارتباط مصالحها المصيرية -التي يأتي النيل في مقدمتها- ببعض دول القارة، والتي تعد عمق مصر الإستراتيجي. وتشكل أفريقيا بمساحتها الشاسعة وثرواتها المتنوعة وكثافتها السكانية سوقًا واسعة للمنتجات المصرية، تلك القارة التي تشكِّل أمن مصر القومي بمعناه الواسع.
يمثل تعزيز المصالح الوطنية المصرية في جنوب السودان بصفة خاصة أولوية متقدمة في سياسة مصر الخارجية تجاه قارة أفريقيا، تلك المصالح ذات الأبعاد الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والمائية، كما أن تفعيل الدور المصري تجاه مختلف القضايا التي تواجه علاقاتها مع دولة جنوب السودان هو في حقيقة الأمر تعزيز للمصالح القومية المصرية(2).
وتبذل مصر مساعيها لمعالجة القضايا والأزمات السياسية التي تعاني منها دولة جنوب السودان، وتسعى لتنمية علاقاتها السياسية والدبلوماسية، وتعزيز علاقاتها الاقتصادية معها من خلال إقامة المشروعات التنموية المختلفة، وخاصة في مجالات البنية الأساسية. ويضطلع الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا التابع لوزارة الخارجية المصرية بدور ملموس في تخطيط وتنفيذ تلك المشروعات، بالإضافة إلى توطيد تواجدها الثقافي بجنوب السودان من خلال المشاركة في إقامة الندوات والمنتديات الحوارية، وتقديم المنح للمتدربين.
وتمثل المستجدات الحالية في المنطقة بعد قيام ثوره 25 يناير و30 يونيو المصريتين، وما أحدثته من تغيرات جذرية في الدبلوماسية المصرية، والتأثيرات الإيجابية للآلية الجديدة التي اتبعتها مصر، وتصارع الدبلوماسية المصرية من أجل إيجاد آلية ومنهجية ملائمة تحقق التقارب في المصالح بين مصر وجنوب السودان، وذلك من أجل دعم الموقف المصري مع دول حوض النيل، ومنع استقطاب دول المنبع لجنوب السودان، خاصةً في ظل اقترابها من دول شرق أفريقيا.
كما يتحتم بناء إستراتيجية مقترحة لتنمية علاقات مصر بدولة جنوب السودان في ظل الظروف والمعطيات الدولية والإقليمية المحيطة بالدولتين، وكذا المحلية، مما يستلزم التعرض بالدراسة والتحليل للمحددات التي يمكن أن تقوم عليها تلك العلاقات، بما أن الجوانب الاجتماعية والثقافية تعتبر أساسًا لبناء المصالح السياسية والاقتصادية التي يمكن أن تصل إلى حد التعاون الأمني والعسكري.
إن تقوية العلاقات مع الجنوب ليس على حساب تقوية العلاقات مع شمال السودان، وإنما في إطار التعاون الثنائي والثلاثي الذي يحقق الأمن والاستقرار والنفع لكل الأطراف
أولاً: تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان سياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا
إن الانتماء الأفريقي للدولة المصرية يربطها بجنوب السودان جغرافيًّا وتاريخيًّا وبشريًّا. فلقد أصبحت دولة جنوب السودان بعد استقلالها إحدى دول المنبع الهامة لحوض النيل، ومن ثَمَّ تبرز أهمية تدعيم التعاون معها في كافة المجالات المتاحة، خاصة أنها أيضًا دولة حديثة تحتاج للمساعدات، والجهود الخارجية الصديقة لاستكمال بناء مؤسساتها المختلفة، كما تحتاج إلى الاستثمارات والخبرات المصرية في مجالات التعليم، والصحة، والبنية الأساسية، والاستثمار. وتجدر الإشارة هنا إلى أن العلاقة بينهما ينبغي أن يحكمها عدد من المحددات الأساسية وهي كالآتي(3):
1. تقوية العلاقات مع الجنوب، ليس على حساب تقوية العلاقات مع شمال السودان، وإنما في إطار التعاون الثنائي والثلاثي الذي يحقق الأمن والاستقرار والنفع لكل الأطراف. ولهذا تبرز أهمية الدور المصري في تسوية القضايا العالقة بين الشمال والجنوب، خاصةً ترسيم الحدود، ومنطقه “أبيي”، ووقف كل صور التوتر بينهما، وتحويل العلاقة بين الشمال والجنوب من علاقة صراع إلى علاقة تعاون وتكامل؛ لأن تجربة الحرب واستمرار التوتر يعيق الاستقرار داخل كل منهما، ويعرقل مشروعات التنمية وتوظيف الموارد.
2. علاقة مصر بالجنوب لا تُختزَل فقط في قضية مياه النيل، وإنما يجب أن تكون العلاقة شاملة ومتكاملة، تحقق مصالح الطرفين في كافة المجالات. فالجنوب لا يحتاج إلى المياه بقدر ما يحتاج إلى الطاقة اللازمة للتنمية، وتوظيف موارد النفط، والقضاء على مشكلات الفقر والبطالة والأمية وغيرها، وهو ما يمكن أن تساهم فيه مصر بشكل كبير. ومصر تحتاج إلى المياه، وكذلك إقامة المشروعات، والاستثمارات في الجنوب، بل والتعاون مع كل دول الحوض؛ لتعظيم موارد النهر وتقليل المهدر منها.
3. علاقة مصر مع الجنوب تقوم على الاحترام المتبادل، والتعاون المشترك دون التدخل في الشأن الداخلي لكلٍّ من الدولتين، واستبدال ثقافة التنافس بمنهج التكامل لخدمة مصالح الشعبين الشقيقين. فمثلاً، زيارة رئيس الوزراء المصري الأسبق عصام شرف لجوبا عام 2011، وافتتاح عدد من المشروعات المصرية الصحية والتعليمية في بعض مدن الجنوب وفي العاصمة هو منهج جديد في السياسة المصرية يرتكز على خطة واضحة، ومؤسسات واقعية تضمن التراكمية والاستمرارية في التعاون، ووضع آليات محددة للمتابعة، والتغلب على العقبات التي تواجهها. كما يجب ألا يقتصر التعاون على الجانب الرسمي، وإنما يمتد إلى تعظيم دور القطاع الخاص والجانب الشعبي في تقوية العلاقات. كذلك من المهم أن يشمل التعاون الجانب الثقافي والتعليمي والاجتماعي، إضافة للجوانب الاقتصادية والسياسية.
لابد أن تقوم علاقة مصر مع الجنوب على الاحترام المتبادل والتعاون المشترك دون التدخل في الشأن الداخلي لكل من الدولتين، واستبدال ثقافة التنافس بمنهج التكامل لخدمة مصالح الشعبين الشقيق
(أ): المحددات الاجتماعية والثقافية(4):
1. التحديات الاجتماعية المشتركة التي تواجه دول حوض النيل، في ضوء أن معظمهم من الدول النامية حيث (الفقر– البطالة– التحدي الزراعي- ارتفاع الأسعار– انتشار الأمية– انتشار الأوبئة والأمراض المتوطنة)، وهي تحديات مشتركة، ومن الأهمية بمكان التعاون لمواجهة ذلك معًا.
2. ضعف الدعم المصري خاصة في المجالات التي تتميز بها نسبيًّا (التعليم- الخدمات الصحية- الإعلام وغيرها) التي تحتاج إلى قدرات مادية.
3. التباين الثقافي واللغوي والديني والعرقي والعادات والتقاليد مع معظم شعوب دول الحوض، خاصة جنوب السودان، مع عدم وجود قواعد مؤسسية اجتماعية مدنية ورسمية تجمع بين مصر وشعوب هذه الدول (منظمات المجتمع المدني، علاقات، معلومات).
4. عدم الاستقرار السياسي والأمني والنزاعات العرقية في جنوب السودان.
(ب): الإستراتيجية المقترحة في المجال الاجتماعي والثقافي(5):
1. اهتمام الجامعات المصرية بالعلاقات الثقافية مع نظيراتها الأفريقية، وخاصة جنوب السودان، من خلال عقد الاتفاقات العلمية التي تحقق تفعيل تبادل الأساتذة والطلاب، وتوفير المنح التعليمية، وتوفير فرص سفر الباحثين المصريين إليها.
2. زيادة الدور المصري في التعليم، وتنمية المهارات والقدرات للكوادر البشرية في جنوب السودان في المجالات المختلفة من خلال ما تملكه مصر من خبرات بشرية وتعليمية(6).
3. إعادة الاتصال ثقافيًّا واجتماعيًّا بالجنوبيين الذين تعلموا بالمدارس والجامعات المصرية؛ حتى يكون هناك تأثير إيجابي على تطور العلاقات المصرية مع جنوب السودان.
4. إعادة صياغة الدور الإعلامي المصري حيال دولة جنوب السودان من خلال بث قناة تليفزيونية توجه للجنوب بلغاتها المحلية المختلفة، وإرسال الإذاعات الموجهة إليها بزيادة قدرتها الفنية، وزيادة ساعات إرسالها، مع حسن اختيار توقيت الإرسال وموضوعاته، إضافةً إلى زيادة اهتمام الصحف المصرية بجنوب السودان عن طريق توفير مراسلين صحفيين بها، والاهتمام بتأهيل كوادر إعلامية جنوب سودانية.
5. قيام وزارة الثقافة بأنشطة ثقافية تنمي العلاقات الثقافية بين الدولتين، وإبرازها من خلال إنشاء مركز ثقافي تابع للسفارة المصرية في جوبا، هدفه التبادل المعرفي بين مصر وجنوب السودان في مجال التاريخ والعادات والفن والأدب…. إلخ، مع إقامة المعارض الثقافية المتنقلة، والمشاركة في الأنشطة الثقافية المحلية بالجنوب.
6. تدعيم الدور الثقافي لكلٍّ من الأزهر والكنيسة المصرية الكاثوليكية والإنجيلية في جنوب السودان؛ للمكانة الرفيعة لكل منهم على الصعيد الروحي والديني العالمي، وما تمتلكه كل منهم من قدرات تربوية وتعليمية.
7. زيادة دور مصر في أعمال الإغاثة الإنسانية للبشر في مناطق الصراع والكوارث بجنوب السودان، وذلك عبر القنوات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني، وتتم عن طريق إرسال القوافل الطبية، وتوفير مواد الإغاثة المادية والعينية والمالية، وهو دور تمتلك قدرات القيام به نقابات وجمعيات أهلية متعددة في مصر(7).
8. ضرورة قيام مصر بدور فاعل في مجال الصحة من خلال معاونة جنوب السودان في إقامة المنشآت الطبية من مستشفيات ومراكز رعاية صحية، مع تعميق ذلك الدور أيضًا ليشمل الفنيين في المجال الصحي، وأنشطة المعامل والأطباء، وإيفاد القوافل الطبية، وتبادل الخبرات الطبية، وعقد ورش العمل والدراسات في المجال الطبي, وفتح مجال المنح للتعليم الطبي والعلمي عمومًا بالجامعات المصرية الحكومية والخاصة, مع ضرورة تسيير قوافل طبية لجنوب السودان لنشر الوعي الصحي بين الجنوبيين، وإجراء الجراحات العاجلة لهم وجراحات اليوم الواحد.
9. ضرورة عقد بروتوكول تعاون بين الدولتين يسمح لمصر بأن يكون لها دور في مكافحة الهجرات غير الشرعية والاتجار بالبشر من خلال تفعيل الاتفاقات الدولية والثنائية في هذا المجال, خاصة بعد أن أصبحت مصر معبرًا مهمًّا لتدفقات للهجرة غير الشرعية، وطالبي اللجوء من الجنوبيين للحصول على فرصة عمل، أو الحصول على حق اللجوء السياسي، بعيدًا عن الصراعات الدائرة في بلادهم.
10. ضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني كأحد الأدوات الفاعلة بكافة مستوياتها، انطلاقًا من كونها تعبر عن الإرادة الشعبية في التواصل مع شعوب دول الحوض، وتساعد على تغيير الصورة الذهنية المتبادلة في الدولتين، من خلال تنشيط حرية الاتصالات الشعبية بين البلدين عن طريق الأحزاب والنقابات المهنية والجمعيات.
11. أن ينشئ المجتمع المدني المصري بعض الجمعيات المتخصصة في مجال التنمية البشرية، وينقل الخبرة المصرية في مجال تنمية الحرف والمهارات لشباب جنوب السودان.
أن الدور الإقليمي لمصر يرتبط بقوتها أو ضعفها في الداخل
(ج): المحددات السياسية وتتمثل في الآتي(8):
1. توافر الرغبة والإرادة السياسية في تطوير المصالح المشتركة بين مصر وجمهورية جنوب السودان.
2. إدراك القيادة السياسية لأهمية الدور الإقليمي لمصر، ولأهمية مصالحها الإستراتيجية بالقارة الأفريقية، وتأثيرها على الأمن القومي المصري، وهو ما ينعكس بالتبعية على وجود آلية صناعة الدور، وهي مؤسسات الدولة المنوط بها ترجمة هذا الدور، وذلك عبر دينامية صنع السياسة الخارجية بعامة وتجاه جنوب السودان بخاصة، والتي تضمن استمرارية وجود الدولة المصرية في نطاق عمقها الإستراتيجي.
3. انتهاج مبدأ الحيادية، وعدم الاصطدام بالمصالح الإستراتيجية للقوى الكبرى حول المناطق الحيوية بالقارة بعامة، وجنوب السودان بخاصة.
4. تطوير العلاقات المتعددة الأطراف بين مصر والسودان، وباقي دول حوض النيل؛ بهدف خلق مجالات للتعاون تزيد من الروابط والمصالح المشتركة.
5. يواجه الدور المصري في دولة جنوب السودان تحديًا هامًّا، وهو أن هذه الأخيرة تتكون من العديد من الجماعات العرقية والقبلية المختلفة والمتنافسة، وما ينتج عن ذلك من عدم الاستقرار السياسي المعوق للأداء المصري.
6. رغبة القوى الفاعلة الكبرى وبعض القوى الإقليمية في منطقة حوض النيل في تهميش الدور المصري لحل القضايا السياسية والأمنية لدول الحوض، واستقطاب جنوب السودان في صفها، وبالتالي يجب أن يكون التعامل المصري معها بعيدًا عن التنافس، أو التعارض، أو الصدام مع تلك القوى.
7. بناء سياسة جديدة أو دور إقليمي قوى لمصر مستقبلاً مع جنوب وشمال السودان وباقي دول حوض النيل، تستند إلى الشرعية الدولية، سواءً بما أقره ميثاق الأمم المتحدة، أو ميثاق الإتحاد الأفريقي من أهداف ومبادئ، فضلًا عن الأعراف والتقاليد التي تحكم العلاقات الدولية بوجه عام.
8. يراعى عدم التدخل في الشئون الداخلية لجنوب السودان، أو التحيز والدعم لنظام الحكم في مواجهة المعارضة إلا من خلال الوسائل السلمية؛ بهدف تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
(د): الإستراتيجية المقترحة في المجال السياسي(9):
1. تعزيز قوة مصر الداخلية، حيث أثبتت الخبرة أن الدور الإقليمي لمصر يرتبط بقوتها أو ضعفها في الداخل.
2. ضرورة وضوح الرؤية والهدف لدور مصر الأفريقي، وإعادة النظر في السياسة الخارجية المصرية تجاه جنوب السودان؛ لتخرج بالدور المصري من عباءة وزارة واحدة أو جهاز وحيد، وذلك لصالح تنامي مساحات العمل الشعبي والأهلي؛ لتخرج من إرادة سلطة وحيدة ومؤقتة إلى إرادة شعبية عريضة ثابتة، تعكس الروابط التاريخية والثقافية العميقة بين الشعبين.
3. إعادة النظر في المبادئ والرؤى المصرية تجاه شطري السودان وقضاياهما التي تتصل بالقناعة المصرية التي سادت طوال حقبة الرئيس الأسبق حسني مبارك بأهمية عدم انغماس الدولة المصرية في مستنقع المشكلات السودانية، والسعي للقيام بدور غير مكلف في الأساس، مقتصرًا على سياسات رد الفعل، أو ما يسميه بعض الباحثين بمستوى “سياسة الحد الأدنى”.
4. مشاركة مصر في فض النزاعات، وتحقيق السلم والأمن في شمال وجنوب السودان، مع زيادة دورها في أعمال الإغاثة الإنسانية في مواقع الصراع والكوارث.
5. تعيين وزير دولة للشئون الأفريقية يتبع رئيس الوزراء وليس وزارة الخارجية، ويرأس المجلس الأعلى للشئون الأفريقية الذي يشكَّل من خبراء أكاديميين ومهنيين مهتمين بالشئون الأفريقية في المجالات المختلفة تكون مهمته تفعيل العلاقات المصرية مع دول القارة بصفة عامة، والدول ذات الأهمية الإستراتيجية مثل جنوب السودان بصفة خاصة من خلال وضع إستراتيجية متكاملة للعمل المصري، ومتابعة ومراقبة تنفيذها في إطار خطط تفصيلية تقوم بها الوزارات والأجهزة التي تعمل في الشئون الأفريقية(10).
6. تفعيل دور الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، مع إعطاء السودان وجنوب السودان اهتمامًا خاصًّا، وتطوير أدائه، وتقييم إنجازاته خلال الفترة السابقة، ووضع تصور جديد يقوم على فهم الواقع الأفريقي بتفصيلاته، واستكمال ما بدأه الصندوق من إنجازات في المجالات المختلفة.
7. تفعيل الوجود المصري في إطار التنظيمات الإقليمية الأفريقية، وذلك من خلال رفع مستوى التمثيل المصري فيها إلى المستوى الرئاسي كلما أمكن، وطرح المبادرات العملية لدعم التعاون الأفريقي، وتعزيز المواقف الأفريقية في المفاوضات بشأن القضايا الدولية، وتسوية الصراعات، وإقامة علاقات متميزة مع دول حوض النيل وخاصة دولتي السودان.
8. تنشيط الدور السياسي المصري الهادئ القائم على الحوار والتفاهم والتفاوض، والقوة والشفافية والاستمرارية الكافية المطلوبة، بعد أن ابتعدت مصر إلى حد كبير عن دول الحوض لفترة طويلة، الذي انعكس على أدائها الذي تلعبه هناك في الفترة الأخيرة، مما ساعد على بلورته في مسئوليات وواجبات محددة منها أزمة التفاوض مع دول الحوض للتوقيع النهائي على الإطار القانوني والمؤسسي لمبادرة حوض النيل في مؤتمر وزراء الموارد المائية في شرم الشيخ في أبريل 2010م، ومن ثم فالعلاقات السياسية مع دول الحوض تحتاج إلى تجديد شامل؛ حيث لم يعد كافيًا أن يكون سند هذه العلاقات الدور المهم الذي لعبته مصر في إحياء ومساندة حركات التحرير في منتصف القرن الماضي في ظل تغيير الأنظمة والأجيال التي حكمت هذه الدول إبان تلك الفترة، وأيضًا في إطار المنافسة والتسابق الدولي والإقليمي للتعامل مع دول الحوض عامة، وجنوب السودان خاصة لتحقيق المصالح المشتركة.
9. ضرورة تفهم صانعي السياسة المصرية الأوضاع الاجتماعية والثقافية لقبائل جنوب السودان، وعدم الإقدام على أخذ أي قرار سياسي دون فهم هذه التكوينات؛ حتى لا تأتي بنتائج عكسية، وعدم التعالي عليهم في مختلف الأوضاع والمحافل الدولية.
10. تعميق وتوازن الروابط والعلاقات السياسية مع الدول الفاعلة الكبرى (الصين– الولايات المتحدة– الإتحاد الأوروبي) والمؤسسات الدولية المانحة؛ حتى لا يحدث صدام أو سوء فهم لمصالح مصر مع مصالح تلك القوى، بل استثمارها لجانب المصالح المصرية.
11. بذل الجهود والسعي المستمر لإقناع الدول العربية ذات الاهتمام الخاص بالسودان بضرورة التنسيق والعمل المشترك على احتواء جنوب السودان، وعدم تركه عرضة للاستقطاب من قوى غير عربية؛ حفاظًا على عدم اختراق الأمن العربي وتهديد دوله، بما ينعكس ويهدد مصر من الاتجاه الإستراتيجي الجنوبي. ويأتي التحرك المصري من خلال الدائرة العربية للتعاون السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع جنوب السودان، مع توفير الدعم السياسي لها في قضاياها المختلفة كالاستثمار العربي، والمنح، والمساعدات وغيرها(11).
12. أهمية التركيز على قيام وتوقيع شراكة إستراتيجية مصرية مع دول الحوض، وفي مقدمتهم دولة جنوب السودان والسودان وإثيوبيا، بعد حل مشكلة المياه، ومبادرة حوض النيل، وسد النهضة؛ حتى تكون الشراكة على أرضية سليمة، وربما أكثرها تأثيرًا على باقي دول الحوض شراكة لا تختزل العلاقة في المجال المائي وحده، وإنما تضم المجال التنموي الشامل بجميع مجالاته. شراكة تحقق خطوات ناجحة وسريعة تبنى على عناصر الثقة، وتؤكد هوية مصر الأفريقية بوضوح لهذه الدول. شراكة تضم المؤسسات السياسية الرسمية الحكومية وغير الحكومية.(12)
13. استغلال مصر للظروف الراهنة بعد ثورة 30 يونيو؛ من أجل تنمية العلاقات الثنائية الشعبية المتعددة مع جنوب السودان، خاصة بعد تعاظم دور الدبلوماسية الشعبية باتجاه تفعيل الدور المصري كقوة إقليمية مؤثرة في القارة الأفريقية((13)تراعي العمل على إبعاد النفوذ الأجنبي عنها بمزيد من التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري معها، في ظل تنافس القوى الدولية، وأبرزها الولايات المتحدة والصين، وقوى إقليمية، ومنها إسرائيل وأثيوبيا، وحاجة جنوب السودان للدعم.
14. متابعة تنامي العلاقات الإسرائيلية مع جنوب السودان في المجالات المختلفة، وذلك من خلال رصد النشاط الإسرائيلي وتحليله ووضع الخطط التفصيلية. بما يحقق المصالح الحيوية المشتركة لكل من مصر وجنوب السودان.
– يعتبر موضوع مياه النيل هو المحدد الرئيسي في العلاقات مع جمهورية جنوب السودان في إطار المحاولات الإثيوبية المستمرة لإقامة مشروعاتها المائية المستقبلية.
ثانياً: تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان اقتصاديًّا ومائيًّا
تكتسب العلاقات الاقتصادية المصرية الأفريقية أهمية بالغة؛ لارتباطها بالبعد الإستراتيجي للعلاقات التاريخية التي تربط مصر بأشقائها الأفارقة، كما أن العلاقات الاقتصادية التي تدعم المصالح المشتركة، وتسهم في إحداث التنمية الشاملة لكل الأطراف تلعب دورًا مؤثرًا في دعم هذه العلاقات، وأن التبادل التجاري والاستثمار المشترك من الأدوات المهمة المطلوب تعظيمها وتكثيفها، مع دراسة للواقع والظروف التي تحدد طبيعة وأساليب التعامل مع السوق الأفريقية، حيث يوجد عدد من العوامل المؤثرة التي يمكن أن تسهم في تدعيم العلاقات الاقتصادية بين مصر وأفريقيا عامة وجنوب السودان خاصة. هذا لو تم أخذها بالاعتبار من قِبَل صانعي القرار.
ويمثل الدور المصري المتنامي تجاه دائرة حوض النيل، وزيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري، وإزالة الصعوبات التي تعترضها، بالإضافة إلى تشجيع القطاع الخاص المصري للدخول في شراكات مع نظيره الجنوب سوداني، وإعطائه الأولوية لمجالات “الزراعة- التصنيع الزراعي- الصحة- التشييد والبناء والمقاولات- الكهرباء والطاقة والبتروكيماويات”.
(أ): المحددات الاقتصادية وتتمثل في الآتي(14):
1. تذليل العقبات أمام تنمية العلاقات الثنائية بين مصر وجنوب السودان، والمتعددة مع دول حوض النيل، والبحث في إمكانية تطويرها، بالإضافة إلى ضرورة تفعيل العمل المشترك في التجمعات الإقليمية والقارية التي تشترك فيها مصر ودول حوض النيل؛ بهدف تنسيق وتفعيل التعاون الاقتصادي.
2. قصور وسائل النقل والمواصلات، سواء البحري أو النهري أو البرى أو الجوى التي تخدم حركة التجارة مع جنوب السودان خاصة، وأنها دولة حبيسة تعاني من عدم وجود موانئ بحرية والطرق الممهدة، وكذلك النقل النهري والسكك الحديدية.
3. يعاني جنوب السودان من مشاكل اقتصادية واجتماعية، مثل حجم الديون، والبطالة، والفقر، والأمية، وانخفاض الدخل القومي، ووجود فوارق كبيرة في الدخل بين طبقات المجتمع نتيجة الخلل في التوزيع.
4. عدم توفر قاعدة بيانات اقتصادية دقيقة لاحتياجات جنوب السودان والدول المجاورة لها وإمكاناتها المختلفة. كذلك عدم توافر المعلومات الحديثة والدقيقة لمتطلبات واحتياجات كل من الأسواق المصرية لدى المصدر الجنوب سوداني التي يتوقف عليها الأسلوب الصحيح لإقامة علاقات تجارية، أو مشروعات صناعية تقوم على التكامل وتبادل المنفعة.
5. غياب التنظيم المؤسسي لرجال الأعمال (غرف تجارية- توكيلات تجارية- بيوت خبرة- شركات تسويق- أفرع للبنوك الوطنية في كلا الدولتين) التي تعمل على إيجاد علاقة بين عناصر الإنتاج، وأماكن التسويق في الدولتين.
6. محورية العلاقات المصرية الاقتصادية مع جنوب السودان ما زالت في إطار حكومي رسمي دون اشتراك باقي المؤسسات.
7. محدودية القدرات المادية المصرية التي يمكن من خلالها تقديم الدعم والمساعدات والمنح المقدَّمة لدول الحوض خاصة عند المقارنة بها حاليًّا، وما كانت تقدمه إبان فترة التحرير في عقد الستينيات من القرن الماضي.
8. يعتبر موضوع مياه النيل هو المحدد الرئيسي في العلاقات مع جمهورية جنوب السودان، في إطار المحاولات الإثيوبية المستمرة لإقامة مشروعاتها المائية المستقبلية التي تؤثر على حصة مصر من المياه، ورفضها المستمر الدخول أو الاشتراك في مشروعات التعاون المائي المشترك مع دول الحوض إلا بشرط إعادة النظر في اتفاقات 1959 وتعديلها.
9. حالة الرفض والتنصل التي تتزعمها بعض دول الحوض في عدم الاعتراف بالاتفاقات المائية المبرمة، وطلبها إعادة تحديد الحصص المائية لدول الحوض، واتهام مصر بزيادة حصتها المائية مقارنة بباقي دول الحوض.
10. تواجه مصر منافسة لقوى إقليمية وعالمية “الولايات المتحدة، أوربا، إسرائيل، الصين” في تقديم المعونات والخبرات والمنح والقروض؛ لحل الأزمات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري لفتح أسواق جديدة لهم داخل جنوب السودان(15).
يعتبر التبادل التجاري هو الأساس في تشكيل العلاقات بين أي بلدين ويتحدد حجمه ونوعيته تبعاً للمميزات النسبية التي يتمتع بها كل من البلدين في إنتاج السلع والخدمات المتبادلة
(ب): الإستراتيجية المقترحة في المجال الاقتصادي(16):
التبادل التجاري هو الأساس في تشكيل العلاقات بين أي بلدين. ويتحدد حجمه وتتكيف نوعيته تبعًا للمميزات النسبية التي يتمتع بها كل من البلدين في إنتاج السلع والخدمات المتبادلة؛ نتيجة لاختلاف العوامل الإنتاجية وخاصة رأس المال والعمل بين البلدين، مما يساعد على زيادة الكفاءة الاقتصادية للوحدات الإنتاجية فيها.
(ج): الاستراتيجية المقترحة في مجال التعاون المائي(17):
لا شك أن قضية الأمن المائي المصري من أهم القضايا في الآونة الأخيرة، حيث إن نهر النيل هو المصدر الرئيس للمياه بخلاف بعض الدول الأفريقية، خاصة دول حوض النيل الأخرى التي تعتمد على عدة أنهار. لذلك يجب أن تعمل جميع الأجهزة والوزارات على تنمية العلاقات المائية مع جنوب السودان من خلال الآتي:
1. وضع تصور عن حقيقة العلاقات بين مصر وجنوب السودان، يتناول كيفية تنمية هذه العلاقات، وإزالة ما يقابلها من عقبات، وأن تكلفة مد الجسور مهما كان عبؤها لا يساوي قطرة واحدة من ماء النيل، ولا شك أن عودة الدور الفاعل لمصر سيمهد الطريق لتواجد عربي فاعل في مواجهة التغلغل والتمدد الإسرائيلي في إفريقيا ككل.
2. تحتوى دولة جنوب السودان على مساحات هائلة من المستنقعات الناشئة نتيجة لانخفاض معامل انحدار المياه، الأمر الذي يجعلها تنتشر بشكل أفقي، ويؤدي إلى فقدان كميات هائلة من المياه تقدر بعشرات المليارات من الأمتار المكعبة. ومن المعروف أن أكبر هدر للمياه هو ذلك الذي يتم عبر مشروعات استقطاب الفاقد في جنوب السودان.
3. هذه الزيادة في تدفقات مياه النيل أصبحت تتوقف على الإرادة السياسية، وتوجهات الدولة الجديدة في الجنوب، وبالنظر إلى عدم الاستقرار الأمني والسياسي لدولة جنوب السودان، لذلك يجب التحرك المصري السريع نحو الدولة الوليدة لتحقيق الاستقرار بها أولاً، ثم تنفيذ تلك المشاريع في المدى القريب، وخاصة أن مشروع قناة “جونجلي” الذي توقف العمل به بعد نشوب الحرب الأهلية بجنوب السودان عام 1983، وباكتمال هذا المشروع، سوف يساهم في زيادة حصة مصر المائية والبالغة الآن (55.5) مليار م3.
4. ضرورة التعاون فيما يخص تحسين معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، من خلال الانتفاع العادل، والاستفادة المنصفة بالموارد المائية المشتركة لحوض نهر النيل، واستنادًا إلى هذا الهدف العام يتم وضع مجموعة من الأهداف الأولية للتعاون المشترك(18). كما ينبغي أن تحرص مصر على تبني أحدث المناهج التعليمية، والاتجاهات الدولية الجديدة في تعاملها مع قضية ندرة المياه.
وخلاصة القول إن تحقيق أمن مصر المائي وضمانه لن يمكن أبدًا تحقيقه، استنادًا إلى المداخل القانونية أو الدبلوماسية أو حتى العسكرية منفردة، بل إن السياسة المصرية يلزمها تطوير ووضع رؤية شاملة تراعي مصالح دولة جنوب السودان، وربط تلك المصالح بالمصلحة المصرية وتحقيق التكامل بينهما(19).
ثالثاً: تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان أمنيًّا وعسكريًّا
رغم أن القارة الأفريقية تعتبر منطقة المناورات، والدعم الفني والإداري للقوات لتنفيذ مهامها؛ لإعادة التمركز والانتشار بين مختلف مسارح العمليات، وذلك من المنظور الجيوستراتيجي، خاصة وأن هذا البعد يكتسب أسبقية متقدمة في خطط القوى الدولية؛ لإعادة صياغة الترتيبات الأمنية للنظام العالمي، وما يطلق عليه الحرب ضد الإرهاب.
إلا أن تراجع الدور المصرى على الساحة الأفريقية في المجال الأمني والعسكري وباقي المجالات أتاح الظروف المناسبة لعودة القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية، للصراع على مناطق النفوذ بالتركيز على منطقة القرن الأفريقي التي تحولت قاعدة للمناورة الأساسية للقوات في منطقة العمليات الرئيسية لتلك القوى بين مسرحي الشرق الأوسط وآسيا، كذلك منطقة الساحل الصحراوي الأفريقي في إطار الحرب ضد الإرهاب.
ومن الواضح أن الأزمات التي تعرض لها الدور الإقليمي المصري والسياسة المصرية في أفريقيا منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي، التي تمثلت أهم مظاهرها في تراجع الاهتمام بالدائرة الأفريقية بالتوازي مع تصاعد الوزن النسبي لدور المنافسين الإقليميين كإسرائيل وإيران، وكذا بعض الدول الأفريقية مثل جنوب أفريقيا ونيجيريا وأثيوبيا، ترتب عليها جمود الحركة المصرية الفاعلة في منطقة المصالح الحيوية لمصر.
وقد برز في نهاية التسعينيات بداية جديدة للدور المصري اتسمت في مجملها بالنشاط، وارتبط ذلك بالحديث عن أهمية إصلاح الأمم المتحدة، وتوسيع العضوية بمجلس الأمن الدولي، الأمر الذي دفع مصر لتنشيط دورها في أفريقيا خاصة في مجال الأمن وحفظ السلام.
إن التحولات الجذرية التي شهدتها مصر باندلاع ثورتي 25 يناير و30 يونيو قد أفرزت مناخًا جديدًا يتيح إمكانية استعادة الدور المصري على الساحة الأفريقية مرة أخرى وفقًا لإستراتيجية ترتكز على تحقيق الأهداف والمصالح المصرية، خاصة بمناطق الاهتمام الرئيسية، وتتسم بالثبات والإيجابية في كافة مجالات التعاون، وتتحول من رد الفعل إلى الرغبة الحقيقية في تحقيق المصالح المشتركة دون الاصطدام بالقوى الدولية والإقليمية الفاعلة. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال حوار جاد ،معها يلبي مصالح كافة الأطراف.
ولعل الزيارات التي نفذتها مصر على المستويين الرسمي والشعبي لبعض دول حوض النيل إبان ثورتي 25 يناير و30 يونيو تمثل مدخلًا مناسبًا يلزم استثماره وتطويره خلال المرحلة المقبلة؛ حفاظًا على مصالح مصر الإستراتيجية داخل القارة عامة، وجنوب السودان خاصة.
وارتباطًا بالأهداف المصرية في جنوب السودان، فإن الأهداف الأمنية والعسكرية تهدف بشكل أساسي إلى تأمين المصالح المصرية في كافة المجالات إلى جانب المساهمة في خدمة الأهداف القومية.
إن التحولات الجذرية التي شهدتها مصر باندلاع ثورتي 25 يناير2011 و30 يونيو 2013، قد أفرزت مناخاً جديداً يتيح إمكانية استعادة الدور المصري على الساحة الأفريقية
رابعًا: آليات ومسارات التحرك المصري لتنمية العلاقات مع جنوب السودان
من خلال دراسة المحددات وإستراتيجية تنمية العلاقات المصرية مع جمهورية جنوب السودان، يرى الباحث أن الإستراتيجية المقترحة تهدف إلى تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان في المجالات المختلفة (السياسية– الاقتصادية– الأمنية والعسكرية– الاجتماعية)، وبتفعيل الدور المصري في معاونة جمهورية جنوب السودان على استكمال البنية التحتية في إطار زمني ومراحل متتالية ومحددة، ومن خلال سياسات وأسس وركائز وآليات كالآتي:
(أ): سياسات تنفيذ الإستراتيجية المقترحة والأسس الواجب مراعاتها(20):
تحتاج العلاقات المصرية مع جمهورية جنوب السودان نظرة جديدة لهذه العلاقات، خاصة أن جنوب السودان طوال تاريخه من خلال صراعه مع شمال السودان يدرك بأن السياسة المصرية تميل بتوجهاتها لشمال السودان، وترسخ لديهم في مراحل تاريخية مختلفة أن مصر لا تدعم استقلال جنوب السودان عن شماله، وبالتالي يستوجب أن يكون هناك حزمة من السياسات الجديدة لها أسس يجب مراعاتها في رسم إطار التعامل مع جنوب السودان في المجالات المختلفة. وفيما يلي أهم هذه الأسس:
1. محاولة تحييد العلاقات الإسرائيلية مع جنوب السودان وتقوية العلاقات المصرية معها، على الرغم من صعوبة إقناع الجنوب بضرورة الاستغناء عن العون الإسرائيلي.
2. أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين مصر وكلٍ من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والصين وروسيا لتأمين العلاقات، والتعاون في مجالات تعامل هذه الدول مع جنوب السودان ودول الجوار المباشر لها، ويشمل هذا التنسيق المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
3. العمل على تنمية الموارد المائية الحالية بالتعاون مع دول الحوض، ووضع إستراتيجية قومية متكاملة واضحة إزاء دول الحوض تضم عددًا من السياسات والبرامج الزمنية المحددة، وليس التصرف وفق منهج المواجهة، أو حل الأزمات، أو رد الفعل.
4. تجاوز التعامل المصري مع دول الحوض للإطار الرسمي وصولاً لآفاق الجهد الشعبي، والتواصل مع الشعوب وقوى المجتمع المدني. ولا شك أن التفاعل مع الرأي العام في دول الحوض يجب أن يكون إحدى الوسائل الأساسية لتنمية العلاقات بين الشعوب. والحقيقة المؤسفة التي لا يمكن إنكارها هي أن التوجه الشعبي السائد في تلك الدول بشكل عام لا يتعاطف مع مطالب ومصالح كل من مصر والسودان. وتتبدى الحقيقة في كثير من المواقف الشائعة مثل (المطالبة ببيع المياه لمصر- الإعلان عن رفض الاتفاقات الموقعة التي تنتقص من سيادة هذه الدول–مصر تسرق مياه النيل- حصة مصر أكبر من حصة دول الحوض، وغيرها من المواقف).
5. تشمل الإستراتيجية أهمية تطوير العمل والتعاون من منظور تنموي شامل، وليس فقط في المجال المائي.
6. رسم إستراتيجية مصرية ترتبط بخصوصية مع السودان، على الرغم من غموض الموقف السوداني خاصة بعد رحيل نظام حكم الإخوان في مصر، وبتحديات السياسة والتوجهات الإسرائيلية في دول الحوض.
7. مراعاة الاستراتيجية للعواقب التي ترتبت على تطور الأوضاع في السودان بعد انفصال الجنوب عن الشمال.
8. كل تحرك إسرائيلي في دول حوض النيل لا يشترط أن يكون موجهًا ضد سياسة ومصلحة مصر المائية فقط. وعلى سبيل المثال فإن مواجهة امتداد النفوذ الإيراني بالقطع هو أحد الأسباب الأخرى لجولة وزير الخارجية الإسرائيلي في مارس 2010 لثلاث دول نيلية. وإن كان لا بد من عدم التهويل أو التهوين منها، حيث ستظل مواجهة مصر للعواقب السلبية للوجود أو النفوذ الإسرائيلي في دول الحوض تشمل جزءًا من إستراتيجيتها للتعامل مع إسرائيل في إطار عملية الصراع العربي- الإسرائيلي، وأمن مصر القومي بما تتيحه من رفض للضغوط والمساومات، وما تفرضه من قيود ومخاطر.
9. الإستراتيجية المقترحة يجب أن توازن في تقسيم الجهد المصري دبلوماسيًّا وسياسيًّا، والمساومات وما تفرضه من قيود ومخاطر.
10. الإستراتيجية المقترحة يجب أن توازن في تقسيم الجهد المصري دبلوماسيًّا وسياسيًّا للقضية الفلسطينية مع قضاياها مع الجنوب على أي الاتجاهين.
11. تعتمد الإستراتيجية في توجهاتها على ترشيد استخدامات المياه المتوفرة حاليًّا، واستمرار التعاون مع دول الحوض، والمحافظة على حقوقها التاريخية المكتسبة.
لا بد من محاولة تحييد العلاقات الإسرائيلية مع جنوب السودان وتقوية العلاقات المصرية معها
(ب):ركائز استراتيجية تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان(21):
إن تنامي العلاقات المصرية مع جنوب السودان تستند على عدة اعتبارات تمثل الركائز الأساسية للإستراتيجية المصرية في التحرك لتنمية العلاقات بين البلدين، وتتحدد في الآتي:
1. جنوب السودان تعد أحد ضروريات الأمن القومي المصري، فهي حزام الأمان المائي لمصر في ظل انخفاض نصيب الفرد من المياه. فبعد أن كان متوسط نصيب الفرد عام 1950 حوالي (2700م3) سنويًّا، انخفض إلى (858) م3 عام 2000، أي أقل من خط الفقر العالمي (1000م3 للفرد) سنويًّا. ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي (534م3) سنويًّا بحلول عام 2030(22).
2. تنمية العلاقات المصرية مع جنوب السودان يجب ألا يؤثر على علاقات مصر بشمال السودان، رغم ما يطرأ من تطورات أو متغيرات إقليمية ودولية تستهدف إقامة الحواجز؛ لفصل السودان عن مصر، باعتبار أن هناك دورًا تاريخيًّا لمصر تجاه السودان، يرتكز على العديد من المقومات بحكم الجوار الجغرافي، والمصالح الإستراتيجية المشتركة.
3. الإستراتيجية المصرية تجاه جنوب السودان يجب أن ترتكز على تحقيق المصالح الإستراتيجية لكلا الدولتين، وتلبي متطلبات الأمن القومي المصري، مع إعطاء أولوية للبعد الاقتصادي في العلاقات الثنائية بين الدولتين، بدلًا من الاستمرار في حصر هذه العلاقة في إطار أمني بمفهومه الضيق.
4. عدم اقتصار الدور المصري على النظام الحاكم، أو الزعامات السياسية التقليدية في جنوب السودان، بل يلزم شمول هذا التحرك لقوى المعارضة؛ حتى تكتسب مصر القاعدة السياسية اللازمة لتنفيذ إستراتيجيتها الهادفة لتحقيق مصلحة الشعب المصري والجنوبي على السواء ودون تفرقة.
5. تمتلك مصر قوة إقليمية مؤثرة لها القدرة على أن تقوم بدور محوري على صعيد تنمية العلاقات العربية مع جنوب السودان، وبما يحد من استغلال أطراف دولية وإقليمية لما يجرى فيها؛ بهدف التأثير على استقرار الموقف الأمني في السودان، أو مصر، أو المنطقة العربية ككل.
6. يكتسب التعاون الاقتصادي مع جنوب السودان أهميته؛ منطلقًا من الاحتياجات المتبادلة والملحة بين الطرفين. ففي الوقت الذي يحتاج فيه الجنوبيون إلى استثمارات خارجية تدفع مستوى التنمية الاقتصادية ببلادهم، تركز مصر على الاستثمارات الزراعية لسد الفجوة الغذائية بها.
7. ضرورة أن تبنى الإستراتيجية الأمنية لكلا الدولتين على فهم راسخ للمصالح والأهداف القومية المشتركة في إطار التعامل الحقيقي مع كافة القوى الدولية والإقيليمة الأخرى التي لها تأثير على أمن المنطقة بصفة عامة، وأمن مصر وجنوب السودان بصفة خاصة.
8. نظرًا لارتباط جنوب السودان بشكل مباشر بالأمن القومي المصري، وخاصة الأمن المائي، فيجب أن تتحرك السياسة المصرية بشكل مستقل للدفاع عن مصالحها وتأمينها، مع مراعاة عدم تعارضها والأهداف والمصالح للقوى الكبرى الدولية والإقليمية.
9. تنسيق الإستراتيجية تجاه جنوب السودان ودول جوارها الجغرافي؛ حتى تكون إستراتيجية شاملة يمكن من خلالها الحفاظ على المصالح المصرية والعربية، مع التركيز على الجانب الاقتصادي والاجتماعي اللذين يحدثان آثارًا إيجابية ملموسة على الشعوب.
10. تهدف الإستراتيجية إلى دعم جنوب السودان في إقامة البنية الأساسية والمشروعات التنموية بالتنسيق مع المؤسسات العلمية، واشتراك مؤسسات الدولة والقطاع الخاص المصري في هذه المشروعات.
11. تخدم هذه الإستراتيجية الغاية القومية من توفير حياة كريمة ورفاهية للمواطنين، من خلال الحفاظ على موارد مصر المائية، والعمل على تنميتها بوضع خطط شاملة للتعاون المائي بين دول حوض النيل.
12. تركز الإستراتيجية على مبدأ التعاون “العربي– العربي” لتقديم المساعدات لكل من جنوب السودان ودول حوض النيل، وبما يمكِّن من تقليص الدور الإسرائيلي على وجه الخصوص، والتدخل الأجنبي على وجه العموم في هذه المنطقة.
13. يجب أن تكون الإستراتيجية مرحلية، أي يتم تنفيذها على مراحل، وكل مرحلة تبنى على الإمكانات المتاحة، وبما يمكِّن من تنفيذ تلك المرحلة بنجاح، مع مراجعة وتقييم أداء كل مرحلة قبل بدء المرحلة التالية.
14. تبنى الإستراتيجية على تحقيق المبادأة، وألا تأتي كردود أفعال، وأن تكون موقوتة لتحقيق الهدف منها، مع اتباع منهج متوازن في التعاون مع المشاكل العالقة بين السودان وجنوب السودان.
المراجع
1. د. جمال حمدان، “نحن وأبعادنا الأربعة”، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1993)، ص ص 64– 65.
2. نهال سرحان وآخرون،”مصر ودول حوض النيل..علاقات ممتدة”، سلسلة تقارير معلوماتية، العدد 25، (القاهرة: مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، يناير 2009)، ص14.
3. بهجت محمد فريد، مرجع سابق، ص ص 64-65.
4. http://www.ashorooq.net/index.php?option=com_content&view=article&id=18688
5. عزيزة محمد على بدر،”نحو إستراتيجية جديدة لمصر تجاه أفريقيا فى مجالي التعليم والصحة”، ورقة عمل مبدئية مقدمة إلى ورشة العمل الخاصة بمراكز الأبحاث والخبراء ضمن مشروع “نحو استراتيجية جديدة لمصر تجاه أفريقيا 21-23 أبريل 2008، (القاهرة : المجلس المصري للشئون الأفريقية، 2008).
6. مقابلة مع السفير د.أحمد درويش، الأمين العام للصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا، وزارة الخارجية المصرية، القاهرة، 11 ديسمبر 2013.
7. عزيزة محمد على بدر، مرجع سابق، ص 95.
8. مقابلة مع د.أحمد القاضي ، مستشار بمركز الدراسات الإستراتيجية ق.م ، القاهرة :20 نوفمبر 2013م.
– د.أحمد القاضي،”سياسات الإدارة الأمريكية في أوباما وتأثريها على الدور المصري في أفريقيا”،القاهرة:الهيئة العامة للاستعلامات ،مجلة آفاق أفريقية،العدد 29 ،صيف 2009 .
9. أيمن السيد شبانة، “تفعيل الدور المصري في المجال السياسي والدبلوماسي”، ورقة مقدمة إلى مركز الدراسات الإستراتيجية ضمن البحث الرئيسي بعنوان “تفعيل الدور المصري في القارة الأفريقية في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية الراهنة”، القاهرة، سبتمبر 2012، ص ص 60- 64.
10. تم إجراء مقابلة مع : السفير/ مؤيد الضلعي ، مدير إدارة السودان ، وزارة الخارجية المصرية ،القاهرة : 3 ديسمبر 2013م .
11. يوسف سرى محمد،”حماية الأمن المائي”، جريدة الجمهورية، الأحد، مايو2010، ص15.
12. تم إجراء مقابلة مع: السفير د.أحمد درويش، الأمين العام للصندوق المصري للتعاون الفني مع إفريقيا، وزارة الخارجية المصرية ، القاهرة ،11 ديسمبر 2013.
13. ([1]) أدياب على محمد،”دور مصر في تعزيز العلاقات التجارية العربية الأفريقية”، وزارة التجارة والصناعة، القاهرة:2010، ص 2.
14. أنظر :
– محمود أبو العينين،”محددات الدور المصري في أفريقيا”،القاهرة: ورقة مقدمة لمؤتمر جمعية الملتقى الأفريقي،المؤسسة المصرية للدعاية والإعلان إيجاب ،2006م، ص ص 17-19 .
– تم إجراء مقابلات مع :
– عبد العزيز الديب،رئيس الإدارة المركزية للتدريب والمشرف العام علي الكوميسا،وزارة الزراعية واستصلاح الأراضي،القاهرة،17 نوفمبر 2013م .
– سمية عبد العليم الغيطاني، مدير عام الإدارة الأفريقية للعلاقات الزراعية الخارجية،وزارة الزراعية واستصلاح الأراضي،القاهرة،18 نوفمبر 2013م .
15. “سر تعاون إسرائيل وجنوب السودان” ،12/12/2011م ،على الرابط:
http://aljazeera.net/news/pages/4fdce48f-210b-4f93-b6a8-ff4179fb62f4.
16. تم إجراء مقابلات مع:
– عبد العزيز الديب، رئيس الإدارة المركزية للتدريب والمشرف العام علي الكوميسا، وزارة الزراعية واستصلاح الأراضي، القاهرة، 17 نوفمبر 2013.
– سمية عبد العليم الغيطاني، مدير عام الإدارة الأفريقية للعلاقات الزراعية الخارجية، وزارة الزراعية واستصلاح الأراضي، القاهرة، 18 نوفمبر 2013.
17. لمزيد من التفاصيل أنظر :
– أيمن السيد عبد الوهاب، “المائدة المستديرة:مصر وقضية مياه النيل..ما العمل؟”
18. http:www.siyassa.org.eg/news/content16/152/3130
– محمود أبوزيد، “مفاوضات مياه النيل”، جريدة الأهرام، العدد 45086، الأحد 16 مايو 2010، ص 6.
أيمن السيد عبد الوهاب، “العولمة والتعاون المائي في منطقة حوض النيل”، القاهرة: السياسة الدولية،العدد 150،أكتوبر 2002، ص ص 57-58 .
19. ([1]) يوسف سرى محمد، مرجع سابق ،ص15.
20. ([1]) أنظر:
– د . م ، “جنوب السودان ما بعد الانفصال” ، مرجع سابق ، ص 62 .
– تم إجراء مقابلة مع:أ.د/السيد فليفل، مدير معهد البحوث والدراسات الأفريقية الأسبق، القاهرة: 13 نوفمبر 2013م .
– تم إجراء مقابلة مع لواء أ ح/ سعيد الصالحي، مستشار بكلية الدفاع الوطني، أكاديمية ناصر العسكرية العليا، القاهرة: ديسمبر 2013.
21. أنظر:
– د .م، “جنوب السودان ما بعد الانفصال”، مرجع سابق، ص 56 .
– تم إجراء مقابلة مع:أ.د/ السيد فليفل، مدير معهد البحوث والدراسات الأفريقية الأسبق، القاهرة: 13 نوفمبر 2013م.
22. أشرف كشك،”السياسة المائية المصرية تجاه دول حوض النيل”، القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،جامعة القاهرة،برنامج الدراسات المصرية الأفريقية،2006م،ص 54.
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات