25 فبراير، 2025 7:57 ص

مشكلة إبراهيم عيسى ليست مع الإسلام .. ولكن مع خطاب وهابي متطرف رعته الدولة حتى هيمن وساد !

مشكلة إبراهيم عيسى ليست مع الإسلام .. ولكن مع خطاب وهابي متطرف رعته الدولة حتى هيمن وساد !

خاص : بقلم – د. كمال مغيث :

وعيت على الدنيا في “الباجور” منوفية؛ وفيها ثلاث من رجال الأعمال اليونانيين، صاحب وابور الطحين، وصاحب مكنة اللبن والجبن، وصاحب الخمارة، يتجولون بحرية وأريحية وسط الناس يدخلون البيوت ويجلسون على المقاهي، منهم من كان يتداخل مع الناس فيحضر مناسباتهم وتدور بينه وبينهم معاملات مالية، ومنهم من يقتصر ويكتفي بالضروري من التعامل، وكانت خمارة: “الخواجة سفوكليس بابانايوتي”؛ أمام بيتنا مباشرة تربطنا بها أصول الجيرة المصرية التقليدية، فلابد أن تحملني أمي أربعة أرغفة مع كل خبزة على صينية صغيرة مغطاة بقماش إلى الخوجاية: “سيراجيوس”، أو طبق كحك وبسكويت، وبالتالي كانت الخواجاية تناديني لأحمل لأمي طبق من المكسرات أو الرنجة أو غيرها، وكان مرتادي الخمارة من الزبائن الذين يأخذون طلباتهم ومعها ما يُلزمها من جبنة رومي وبسطرمة وغيرها، أو من الموظفين المرموقين والمعروفين في البلد الذين يدخلونها بعد العصر ليشربوا على مجموعة من الموائد القليلة، ولم أجد من يهتم بمعرفة عقائد هؤلاء الخواجات ولم أسمع في طفولتي عن هؤلاء الخواجات ما يُشين أو ما يدعو للغضب ولم أجد مجموعة من الغوغاء يقذفونها بالطوب، أو يتجمهرون مطالبين بطردهم، فقد كان الناس في ظل ثقافة إنسانية وهيمنة قانون، يقول لها لسان حالها: “كل واحد متعلق من عرقوبه”.

أما إذا انتقلنا إلى عالم المسلمين، فسنجد هناك أصنافًا شتى منهم؛ فهناك الأزهريون الذين يشيعون خطابًا وسطيًا معتدلاً بالفعل، يُركز على الجانب الأخلاقي السمح في الإسلام، ولا تشغلهم قضايا حجاب المرأة ولا صوتها العورة ولا خروجها من البيت في مدينة ريفية تعمل فيها النساء مع الرجال كتفًا بكتف، ولا يدعون لهدم ضريح ولا تكفير صوفي أو مسيحي ولا يُكفرون فنانًا أو من يدخلوا السينما أو يستمعوا للغناء، وهناك المسلمون البسطاء من الفلاحين الأميين وهؤلاء لم تكن تشغلهم عقائد الناس ولا أفكارهم ولا مناقشاتهم، وإنما يعرفوا فرائض دينهم من صلاة وزكاة وصوم وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا، فيؤدونها في بساطة وإسماح، ومن هؤلاء من كان صوفيًا عتيدًا فلا يرى تناقضًا بين إسلامه البسيط وبين إيمانه اليقيني بشفاعة الأولياء وكراماتهم التي تتجاوز الخوارق والمعجزات بل وحتى علاقتهم برب العزة والتي تتجاوز كل ما هو معقول.

أما في وسط المثقفين المسلمين فقد كانوا يعرفون أن الإختلاف حول قضايا الدين هو السمة الغالبة في التراث الإسلامي، ويعرفون أن المتكلمين من مختلف المدارس الإسلامية قد اختلفوا في ذات الله وصفاته وتجسيده، واختلفوا في كون الإنسان مُجبر مسيًر أم مختار حر، وفي كون مرتكب الكبيرة: كافر هو ؟ أم مؤمن شاب إيمانه شائب ؟ واختلفوا في القضاء والقدر وكسب الإنسان لنتائج أفعاله، واختلفوا في القصص القرآني: أهو رمزي معنوي للعبرة والدرس فقط ؟ أم هو واقع تاريخي تجسد وتحقق، واختلفوا في الأخذ بفكرة الناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، واعتبار أسباب النزول أو إهدارها، واختلفوا في آيات القرآن حول الأخذ بفكرة خصوص السبب أو عموم المعنى.. وهكذا لا تكاد توجد قضية دينية كبيرة أو صغيرة إلا اختلف حولها المسلمين أنفسهم.

ومع كل هذا التنوع في الناس وعقائدهم، ومع كل هذه الاختلافات بين المتكلمين والفقهاء، لم يكن هناك معنى لتكفير مسلم يؤمن بهذا الجانب أو ذاك من القضايا الخلافية التي أشرت إليها.

وظلت “مصر” والتدين الإسلامي فيها بخير وإسماح، حتى فتحت الدولة الباب على مصراعية في الإعلام وفي المساجد وفي الشارع للخطاب الوهابي الحنبلي؛ الذي يُكفر الناس على كلمة أو رأي أو موقف باعتبار أن الحقيقة واحدة، وأنه هو من يملك تلك الحقيقة المطلقة..

ولهذا حديث آخر…

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة