قصة قصيرة
مصر
خاص : بقلم – ماجدة جادو :
تغمرني رائحتها دومًا في مثل هذا الوقت من العام. أنساب مع الرائحة، تتسربل نفسي داخلها، فتأخذني إلى عوالم من الأسى والشجن، من البهجة والسرور، من الوجد والنشوة. أطوف معها في عوالم سحرية من ذكريات وآمال وأحلام وعمر مضى. بعضه حلو وأغلبه مر.
تتسرب ببطء في حناياي، في عالم الأحلام حين كان كل شيء ممكنًا، تأمره كن فيكون، حين كانت الأمنيات تطرح زهور الياسمين فتبدو كبقع ضوء بيضاء متناثرة على شجرة الحياة ملتفة على سيقانها اليانعة منتشرة في كل مكان، حين كنا لا نعبيء بالسنين، لا نلتفت إليها، ولا نعدها، كم مر ؟ وكم بقي ؟.
حين كانت شهوات الجسد تأخذنا إلى عالم الأساطير، لحظات التقارب والتلامس، المتعة واللذة، انفجارات الرغبة والحاحها، ونبضات القلب المتواترة التي تتدفق تطلب المزيدا.
حين كان الحب يملأ شقوق الروح فتطير وتحلق وتملك الدنيا بكلتا يديك، ولا تكف عن التناثر والانشطار، التلعثم والارتباك، الحنين والاشتياق، التغلغل في الآخر ومحاولة اختراقه، والذوبان داخلة في محاولات مستمرة للهروب من واقع قاسٍ متغول متوحش يريد أن يفتك بك.
حين كانت تجمعات الأهل والأصدقاء تغنيك عن العالم وما به وما حوله تجد فيها الصحبة والضحكة واللمسة الحنون التي تزيح عن كاهلك مشقة وعبء الأيام.
حين كنت لا تستدير لما تعتبره تفاهات من غدر الزمن وصفعاته المتكررة وتهب واقفًا نافضًا عن كاهلك كل المآسي والنكبات والانكسارات وانهزام الروح وإحباطات الزمن وخيبات الآمال.
حين كنت لا تستطيع التفرقة بين من خانك ومن ذمك ومن أساء إليك، ومن كان صادقًا عطوفًا حنونًا يمنحك الحب والدفء بلا مقابل.
حين كان العقل ينفتح على أزاهير الحياة، وسر الكون، ويتوغل في سلم المعرفة، ويتعلم الإجابة على أعصى التساؤلات، ويجد متعته في تعلم الجديد المفارق المخالف، يرفض ويقاوم ويرتب ويتعلم ويثور وينتفض ويغضب.
تأخذني رائحة مسك الليل إلى عوالم بعيدة لم تطأها أقدام بعد، إلى الماضي الذي لن يعود، والحاضر الساكن الضامر المستفز، وإلى مستقبل مجهول غامض الهوية، عصي على التوقع أو الاستنتاج.
تتنفس الصعداء، وينفتح قلبك المدفون تحت الركام الجليدي ورائحة الإحتراق مازالت تملأ الكون، تزيحها عنك رائحة المسك الزكية المتوغلة داخل حواسك، وسماع شقشقات عصافير الصباح، ورود حمراء لزهور شجرة البوانسيانا، معزوفة موسيقية لتشايكوفسكي، و… رواية لماركيز.