16 نوفمبر، 2024 4:03 م
Search
Close this search box.

مسرحيات الحمير.. سخر فيها توفيق الحكيم من انحراف اشتراكية 1952   

مسرحيات الحمير.. سخر فيها توفيق الحكيم من انحراف اشتراكية 1952   

خاص: كتبت- سماح عادل

ألف الكاتب الكبير “توفيق الحكيم” أربع مسرحيات في السبعينات، اعتمدت جميعها على استخدام الحمار كرمز يستطيع من خلال السخرية من الأوضاع السائدة في ذلك العهد، لم ينتقد الحكيم الأوضاع الاجتماعية والسياسية في فترة السبعينات فقط وإنما استهدف بمسرحياته تلك انتقاد فترة الحكم بعد أحداث 1952، رغم أن الحكيم كان من مؤيدي حركة الجيش في 1952 إلا إنه راجع موقفه بعد هزيمة 1967 وبدأ في انتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية التي ساءت.

اللصوصية البيروقراطية..

يقول “توفيق الحكيم” في مقدمة كتابه “الحمير” الذي يضم المسرحيات الأربع “لما جاءت ثورة يوليو 1952 ووضعنا فيها أملنا في هذا التصحيح والتوجيه، وجدنا أن هذا يحدث في إطار الحكم المطلق, ومع ذلك رضينا بهذه الاشتراكية بديلا عن الديمقراطية. أي عن الحرية الليبرالية.. ولكن مع مرور الوقت اتضح لنا شيئا فشيئا أن تطبيق الاشتراكية عندنا أصبح مماثلا لتطبيق الديمقراطية, وأن ما وضعناه قبل الثورة من انحراف وزيف للديمقراطية بدأ يقابله انحراف وزيف للاشتراكية, إذ لا يمكن أن يكون التطبيق السليم للاشتراكية مؤديا إلى هذا المستوى الاجتماعي السيئ للشعب, وإلا كانت الاشتراكية نفسها مخيبة لآمال الشعوب, وإذا كانت الديمقراطية عندنا قد انحرفت إلى نوع من الانتهازية السياسية, فإن الاشتراكية عندنا قد انحرفت هي الأخرى إلى نوع من اللصوصية البيروقراطية”.

منع نشر المسرحيات..

ويفسر الحكيم كتابته لتلك المسرحيات ومنعها عن النشر يقول “لهذا كتبت هذه الصورة في كتاب “الحمير” التي قد تماثل من حيث التناول الفني الكاريكاتوري تلك الصور السابقة في كتاب “شجرة الحكم”، ولعل أولئك الذين قد يسألون لماذا لم تظهر هذه الصور كلها من كتاب “الحمير” في عهد سابق, أقول لهم مؤكدا أنها أرسلت بالفعل للنشر في جريدة الأهرام في ذلك العهد السابق أمام شهود قرئت عليهم, ولكن رئيس التحرير المسئول للأهرام وقتذاك وجد حرجا شديدا في النشر, وحبس المسرحيتين الأولى والثانية, أي “الحمار يفكر” و”الحمار يؤلف” حبسا طويلا في مكتبه دون أن يرى أنه من الممكن نشرهما على الإطلاق, إذن فالوعي قد وجد, والقلم قد كتب, ولكن النشر قد منع, وهذا ما لم يكن يحدث في مصر من قبل, فلقد نشرت صور “شجرة الحكم” بما فيها من سخرية بحكام في كراسي السلطة دون أن يجرؤ أحد منهم على منع النشر”.

نشر الوعي..

يؤكد توفيق الحكيم أن هدفه من كتابة هذه المسرحيات ومن نشرها توعية الناس يقول “ما الذي يريده مثلي الآن من نشر هذا الكتاب؟ كل ما أريد هو أن يظل نبض الحياة في أمتنا قائما بوظيفته الحيوية. ولا قيمة لحياة بدون وعي, وكما أن الوعي عندنا قبل الثورة قد جعلنا نفحص الديمقراطية لنتبين فيها مواضع الزيف, كذلك يجب علينا إذا كان نبض الحياة فينا لم يقف أن نفحص الاشتراكية لنتبين فيها مواضع الزيف.. وإذا كانت الاشتراكية عندنا قد انحرفت أو زيفت كما انحرفت الديمقراطية من قبل أو زيفت، فلماذا قبلنا محاكمة الديمقراطية المنحرفة ولم نقبل فكرة المحاكمة للاشتراكية المنحرفة؟ وإذا كانت ثورة يوليو 1952 قد حاكمت الديمقراطية المنحرفة لأنها أدت إلى هزيمة حرب 1948 فلماذا لا تحاكم الاشتراكية المنحرفة التي أدت إلى هزيمة حرب 1967؟”.

الحمار يفكر..

المسرحية الأولى هي مسرحية “الحمار يفكر”، حيث يدور حوار بين المؤلف والحمار يغلب عليه استخدام اللغة الدارجة، يستخدم فيها “الحكيم” الرموز لكنها واضحة للعيان، حيث يحكي الحمار للمؤلف حكاية اللصوص الذين ينهبون متخفيين وراء ألقاب أخرى، ومتسترين وراء مبدأ وهو الأخذ من الأغنياء لإعطاء الفقراء، لكنهم في الواقع لا يعطون الفقراء شيئا، فاللصوص أصبح أسمهم “أعضاء حزب” و”شيخ المنسر” أصبح  اسمه “زعيم حزب” والسرقة أصبحت “جباية” والحرامي اسمه “محصل”، ويشير الكاتب إلى “الملك شهريار” الذي كان ينهب هو أيضا الشعب، لكن اللصوص الجدد سوف يحلون محله، وينهبون لكن وفق مبادئ وشعارات رنانة يخدرون بها الناس، ويعدونهم بتوزيع ثروات الأغنياء عليهم، يتضح الانتقاد الحاد لفكرة الاشتراكية الجوفاء وشعاراتها البارقة، والتي لم تنفذ فعلا على ار الواقع وإنما نهب اللصوص الجدد ثروات الأغنياء لأنفسهم وتركوا الفقراء في فقرهم .

وفي المسرحية الثانية بعنوان “الحمار يؤلف” يسخر الكاتب من الأغنياء الذين يستغلون العاملين لديهم في حين يتبجحون بأنهم يهتمون لأمر الفقراء، ينهبون بخفة ويراكمون أموالهم بلعب النص والاحتيال على الناس، في حين أن العامل لا يعرف ما هو التفاح وما هو الديك الرومي، يستطيع بالكاد أن يأكل الفول، الأغنياء متمثلون في شخصية المليونير يدعون أنهم يهتمون لأمر الفقراء وأنهم يسعون إلى توفير الطعام لهم والرفاهية أيضا في حين أن كل ما يسعون إليه نهب أموال أكثر، وأكثر ما يخيفهم مفتشوا الضرائب فيهربون منهم فزعين.

بطالة وتكتيم أفواه..

أما المسرحية الثالثة التي بعنوان “سوق الحمير” فإن أبطالها اثنين من العاطلين ورجل فلاح وزوجته، يقوم العاطلين بحيلة على الفلاح ويسلبوا منه الحمار حتى يستطيع العاطل الثاني أن ينال طعاما ومكان لينام فيه بدلا من الحمار، الذي لديه حظ أكثر من العاطل، فهو على الأقل له ثمن كما أنه يجد عملا بسهولة، ويستطيع أن يأكل وينام دون أن يحمل هما لذلك، يقنع العاطل الرجل الفلاح أنه كان حمارا حيث سخط بسبب غضب أبيه منه، ثم فكت اللعنة عنه، وحين يبدأ في المجادلة وفي إبداء رأيه في شئون الفلاح وزوجته، وشئون أعمال الزراعة تغضب زوجة الفلاح رغم أن آرائه صائبة وسوف تؤدي إلى تنظيم عمل الفلاح أكثر، لكن زوجة الفلاح تقول لزوجها أن على الرجل الذي كان حمارا أن يسكت وأن يكتفي بالصمت فالحمار بالنسبة لها أفضل من البني آدم لأنه على الأقل يمكن ركوبه بسهولة، ويجد العاطلان عملا فيتركوا الحمار للفلاح أمام بيته، ويفرح الفلاح وزوجته برجوع الرجل إلى هيئة الحمار.

المسرحية تشير إلى البطالة التي يبدو أنها كانت ظاهرة في تلك الأيام، كما تشير إلى أن الأفضل أن يكون الإنسان حمارا حتى يسهل ركوبه فالتفكير يجعله مشاكسا وغير محبوب.

المسرحية الرابعة “حصحص الحبوب” ترتفع فيها نسبة السخرية وتنتقد هذه المرة مديري شركات القطاع العام الذين خربوا البلد بحموريتهم، أولا تتحدث عن التعليم الذي أصبح خربا من خلال شخصية الناظر الذي يسعى فقط إلى تحصيل الأموال من أولياء الأمور ولا يهتم بالتعليم نفسه لدرجة أنه يقبل بحمار ليكون تلميذا في مدرسته، لأن صاحبه غني وسيسدد مصروفات كبيرة، ويبيع الناظر الحمار ويراوغ صاحب الحمار ويماطله حتى لا يكشف له عن الحقيقة، وفي النهاية يرسله إلى مدير شركة العلف والمبيدات التي تقع بجوار المدرسة، انتقاما من هذا المدير الذي يريد أخذ المدرسة ليحولها إلى مخزن للعلف، ويقول الناظر للصاحب الحمار أن حماره أصبح مديرا لشركة.

أما مدير شركة العلف والمبيدات فهو كما يصوره الكاتب يسعى إلى تصدير العلف والمبيدات الحشرية إلى الخارج، وحين يسأله أحد الصحفيين لماذا يصدر بدلا من توفير العلف والمبيدات للاستخدام المحلي يقول لأن ذلك يجلب عملة صعبة كثيرة والناس في الداخل عليهم بأكل اللحوم المستوردة، كما أنه لا داعي لمحاربة دودة القطن لأن دودة القطن نفسها أهم من القطن لأنها تتحول إلى دودة تصنع الحرير، يسخر الكاتب في مرارة من مديرين شركات القطاع العام الذين خربوا الاقتصاد عمدا، وهدموا الزراعة بحثا عن العملة الصعبة التي كانوا ينهبونها ليتركوا البلاد خرابة، واصفا مدير شركة العلف والمبيدات الحشرية بالحمار صراحة، كان “توفيق الحكيم” جريئا في هذه المسرحيات والتي كان الرمز فيها واضحا لأي شخص يقرأ، وهذا يحسب له ككاتب لم يخاف من نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية في بلاده حين رأي أنها تسوء.

الكاتب..

“توفيق الحكيم” هو أديب ومفكر مصري، هو أحد مؤسسي فن المسرحية والرواية والقصة في الأدب العربي الحديث. ولد في الإسكندرية في 1898 وكان والده مصري يعمل في سلك القضاء ووالدته تركية، ألتحق بمدرسة حكومية وبعد حصوله على الشهادة الابتدائية ذهب إلى  القاهرة ليكمل تعليمه الثانوي، وبدأ يهتم بمجالات أخرى إلى جانب تعليمه مثل الموسيقى والتمثيل، وكان  يتردد على فرقة “جورج أبيض” مما جعله شغوفا بفن المسرح.

التحق “توفيق الحكيم” بكلية الحقوق تنفيذا لرغبة والده الذي كان يحلم أن يصبح ابنه قاضيا أو محاميا كبيرا. وفي فترة  دراسته اتجه إلى التأليف المسرحي، وكتب أولى مسرحياته مثل مسرحية “الضيف الثقيل” و”المرأة الجديدة” ، لكن والده اعترض على ذلك وخاف على مستقبل ابنه فأرسله إلى باريس للحصول على شهادة الدكتوراه.

رجع “توفيق الحكيم”  في 1928 إلى مصر وعمل في سلك القضاء، حيث التحق بوظيفة وكيل للنائب العام في المحاكم المختلطة بالإسكندرية ثم في المحاكم الأهلية. وفي 1934 انتقل من السلك القضائي ليعمل مديرا للتحقيقات بوزارة المعارف ثم مديرا لمصلحة الإرشاد الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية، وفي 1934 استقال “توفيق الحكيم” من الوظيفة وعمل في جريدة “أخبار اليوم” حيث نشر فيها عدد من مسرحياته، وظل يعمل في هذه الصحيفة حتى عاد من جديد إلى الوظيفة في 1951، حيث قبل بمنصب مدير لدار الكتب الوطنية، وعندما أُنشئ المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب عين فيه عضو متفرغ، وفي 1959 قصد باريس ليمثل بلاده بمنظمة اليونسكو لكن فترة إقامته هناك لم تدم، إذ فضل العودة إلى القاهرة في أوائل سنة 1960 ليستأنف وظيفته السابقة بالمجلس الأعلى للفنون والآداب.

فاز “توفيق الحكيم  بأكبر وسام وهو “قلادة الجمهورية” بسبب إنتاجه الغزير والراقي في الآداب والفنون، كما حاز على جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1961ومات توفيق الحكيم عام 1987 في القاهرة.

ألف “توفيق الحكيم” ما يزيد على السبعين كتابا، ومن أشهر أعماله “عودة الروح”، و”يوميات نائب في الأرياف”، و”عصفور من الشرق”، و”الرباط المقدس”.. وفى المسرح “أهل الكهف”، و”السلطان الحائر”، و”شهر زاد”، و”بجماليون”، كما سجل سيرته الذاتية وذكرياته الفنية في أكثر من كتاب، أشهرها “سجن العمر” و”زهرة العمر”.

حوار مع توفيق الحكيم

توفيق الحكيم في أحد البرامج

https://www.youtube.com/watch?v=J0JJvhGJsjY

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة