19 ديسمبر، 2024 3:55 ص

مسامحة النفس.. الغرق في المشاعر السلبية كتعويض عن أخطاء الماضي

مسامحة النفس.. الغرق في المشاعر السلبية كتعويض عن أخطاء الماضي

خاص: إعداد- سماح عادل

قد تعاني عندما تتذكر إساءة وجّهها إليك أحدهم، لكن لو أنت المخطئ، تحضرنا ذكريات لمواقف تنمر فيها شخص آخر علينا، أو أخطأ في زميل في العمل، أو أنهى علاقة مع صديق بطريقة لم يهتم فيها بمشاعر الآخر.

الندم..

عالم النفس المتخصص بمجال الشخصية الاجتماعية لدى برنامج ازدهار الإنسان التابع لمعهد هارفارد للعلوم الاجتماعية الكمَية “ريتشارد كاودن” يقول أن: « مع تقدم العمر وتعرض البعض لخسارة شخصية أو أزمة حياتية، يبدأ الإنسان في الشعور بالندم، تكرار حضور تلك الذكريات في الذهن، يعد دليلا علي ضرورة تعامل الإنسان مع هذه المشاعر، لا كبتها. لأن تلك المشاعر لها تأُثير قوي قد لا يتم ادراكه. مما يعني ضرورة استعراض الإنسان لأخطائه السابقة والتقدم في طريق مسامحة النفس». العقبة الأهم التي تواجه الإنسان في مسامحته لنفسه، الظن أن هذه المسامحة دليل علي الضعف، رغم أنها واقعيا تحتاج قدر كبير من الشجاعة.

يقول “كاودن”: «مسامحة النفس تصل إلي أعلي مراحلها في تنمية الذات self – growth. عندما يتكرر ظهور ذكريات عن مواقف نندم على فعلها، يمكن التعامل مع هذا الندم كفرصة للتعرف علي  أنفسنا  أكثر وتنمية ذواتنا بشكل إيجابي». ومسامحة النفس لها عدد من المميزات والفوائد الصحية، ذكرت دراسات أن هناك علاقة بين مسامحة النفس والتقليل من الشعور بالذنب والإحساس بالعار والاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات، مع زيادة درجة تقدير الذات والرضا عن الحياة. وواصل “كاودن”: «نكون قاسيين بشدة على أنفسنا أكثر من الآخرين، لكن عندما  تسامح نفسك وتنجو من العقاب الذاتي، وقتها تستطيع البدء في التشافي وتغيير سلوكك بشكل إيجابي».

عناصر مسامحة النفس..

هناك أربعة عناصر تتضمنها عملية مسامحة النفس هي الشعور بالمسؤولية والندم وإعادة التوجيه والتجديد. وهناك طرق للتعاطي مع كل عنصر.

* الشعور بالمسؤولية responsibility..

مواجهة الذات بما قامت به هو العنصر الأكثر صعوبة في عملية مسامحة الذات. يقول “كاودن”: “لا يرضي الإنسان عندما يعترف بأنه ارتكب خطأً، وطبيعي أن يحافظ الإنسان علي تقديره لذاته عن طريق عدم قبول ما جري منه أو البحث عن التبريرات لسلوكه».

– ما يمكنك الإنسان فعله؛ يكتب رسالة باستخدام القلم والورق أو لوحة مفاتيح الكومبيوتر، يحدد الخطوط العريضة لأخطائه ويعترف بمخاوفه. شرح “كاودن”: «لست مجبرا علي إرسال الرسالة إلى الشخص الذي تضرر من الفعل الخطأ، ولكن التعبير عن الذات وكتابة ما يدور في الذهن يساعد الإنسان  في معالجة مشاعره حول سلوكه في الموقف القديم».

* الندم remorse..

عندما تتحمل مسؤولية  ماضيك، قد تحضر لديك أحاسيس سلبية، مثل الشعور بالذنب. ويقول “كاودن” أن: «هذا أمر طبيعي، لذا لا تحاول كبت هذه المشاعر».

– ما يمكن للإنسان عمله حكي الموقف، وتذكر أنه ليس وحده، وأن الآخرين يعانون من مشكلات مشابهة. وشرح “كاودن” أنه: « يساعدك تشارك مشاعرك مع صديق تثق فيه على التعامل مع تلك المشاعر وامتلاك نظرة عميقة، ويمكنك رد الجميل».

* إعادة التوجهات reorientation..

أهم عناصر مسامحة الذات تكمن في التعويض عنما فات amends لو كان هذا ممكناً، وعمل ما تستطيعه حتى لا تكرر الأخطاء.

– ما يمكن الإنسان فعله؛ يعتذر.  تقديم اعتذار إذا احتاج الموقف،أو يرسل تلك الرسالة، إذا كان ذلك متاحا. يستخدم جمل تعبر عن الأسف مثل «أتمنى لو أن بمقدوري العودة بالزمن» أو «أتمنى لو كنت أكثر عقلانية». وهناك طريقة آخري وهي أن يسأل الشخص الذي أخطأ بحقه عن ما يقوم به للتعويض عنه. إذا صعب الاتصال بذلك الشخص، يجري محادثة متخيلة معه أو معها أو يشارك اعتذاره مع شخص، مشترك بين الطرفين. يقول “كاودن”: «يمكن أن يساعدك هذا التمرين على الالتزام بعدم الانخراط في نفس السلوك في المستقبل».

* التجديد renewal..

هذه تعتبر مرحلة الشفاء الذاتي، لأنه يحدث فيها التخلى عن السلوك الخطأ الذي ارتكبه الإنسان ويمضي في الدروس التي تعلمها.

– ما يمكن الإنسان عمله، يتواصل مع جانبه الروحي. إذا كان ينتمي لممارسة دينية أو روحية ، أو يفكر في العودة إلى ممارسة ما، فهذه فرصة للتعرف علي عملية مسامحة الذات من خلال الصلاة أو التأمل. يقول “كاودن”: «ييسر هذا غالباً التفكير الداخلي، الذي يمكن أن يساعدك على إدراك أن الجميع يسقطون في أخطاء، وأنك ما تزال قابلاً للإصلاح».

التسامح مع الذات أمر صعب ومعقد، يحتاج وقت وجهد مضاعفين، لكنها مع ذلك عملية تستحق العناء، يقول “كاودن”: «مسامحة الذات تحررك من أخطائك الماضية، وتعينك على العيش بشكل كامل في الحاضر. قد تتفاجأ بمدى تحسن شعورك إذا تمكنت من مسامحة نفسك».

السكينة..

تمنحنا مسامحة الذات السكينة لقبول الأمور التي يمكن تغييرها، والشجاعة لتغيير تلك التي نقدر على تغييرها. يوضح المختصون أن مسامحة الذات قرار مدروس بالتخلي عن مشاعر الاستياء والغضب وترك الرغبة في الانتقام نحو شخص ما تعرضنا للإهانة منه، إن أكثر قيمة أخلاقية مرتبطة بالسماح هي السخاء، لأننا حين نسامح ذواتنا أو الآخرين نُعبر عن سخائنا وقدرتنا على المنح عن طريق السماح، سخاءنا نحو الآخرين يجعلنا ننسي أن نكون كرماء نحو ذواتنا أيضا، من المألوف أن يستطيع الإنسان مسامحة الآخرين دون أن تكون لديه القدرة علي مسامحة ذاته.

تظهر القسوة علي الذات في صورة صراعات داخلية، يجترّ عقلك كل تلك الاحتمالات الأخرى التي كانت ممكنة، ويستحضر الإجابات عن السؤال الهام: كيف كان بالإمكان تجنب ما حدث؟ ترى كل البدائل التي كانت أمامك في الماضي، فتشعر بالحسرة، وتفكر: “لم يكن عليّ أن أفعل أو أن أقول ذلك”، أو تردد في داخلك: “لو أنني فقط لم أتفوه بتلك العبارة”، وتتساءل بشكل متكرر: “لماذا غفلنا عن الحقائق؟”، و ربما يتضح كم كنا أنانيين ومندفعين أو لسنا ناضجين كفاية، فتزداد كراهية الذات، خاصة كلما قارنا قراراتنا بغيرنا التي تبدو أكثر عقلانية .

تقول الدكتورة “فينيسيا ليونداكي” أن من أسباب السعي إلي العلاج النفسي  الرغبة في المساعدة على مسامحة الذات، والوقوف أمام الصوت النقدي في أذهاننا الذي اعتدنا عليه لدرجة عدم ملاحظته، وعلى تخطي الإحساس بالعار. ترتبط مسامحة الذات بالصحة العقلية، بسبب أنها جزءا هاما من الشفاء من جروح الماضي والخيانات وأشباح الطفولة وكافة أنواع المعاناة. لا يرتبط السماح بالغرق في الذات والتغاضي عن أخطاء الماضي، ولكن بشجاعة الاعتراف بهذه الأخطاء وتحمل المسؤولية والتعلم منها والاستعداد لتجاوزها وتجاوز آلامنا المرتبطة بها.

علماء النفس يصفون الندم بأنه عاطفة طبيعية يعرفها كل واحد منا، وكأنها آلة زمن تجلب مشاعر مضت في حاضرنا، وإن لم نستطع تجاوزها سنظل ندور في حلقة لا نهاية لها داخل رؤوسنا دون إحداث تغيير، هنا يعد التسامح الذاتي أمر هام وضروري يعطينا السكينة لقبول الأشياء التي لا نملك تغييرها، والشجاعة لتغيير الأمور التي نقدر على تغييرها. ربما نستخدم مشاعرنا السلبية كدرع لتفادي الاعتذار، ولاعتقادنا أننا إذا ما أغرقنا أنفسنا في تلك المشاعر فإننا بذلك نقدم تعويضا كافيا عن كل ما فعلناه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة