13 أبريل، 2024 8:57 ص
Search
Close this search box.

مراقبة الإنترنت وصحافة المواطن بالمغرب: حالة “مامفاكينش” نموذجًا

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ سامية الرزوقي
مقدمة

وقت متأخر من ظهيرة يوم 13 يوليو/تموز 2012، تلقى أفراد من موقع “مامفاكينش”، الذي يمثِّل صحافة المواطن الجماعية الرائدة، رسالة عبر البريد الإلكتروني ثبت فيما بعد أنها جاءت في لحظة فارقة من العلاقة المضطربة بين الدولة وعالم صحافة المواطن(1)؛ وورد فيها بالفرنسية ما معناه: “الرجاء عدم ذكر اسمي أو أي شيء على وجه الإطلاق، فأنا في غنى عن المشاكل”. وأعقب الرسالة رابط إلكتروني يؤدي إلى وثيقة باسم “scandale.doc” (أي: فضيحة). فتح البعض الرابط فوجد تحية بوثيقة فارغة! بعد قليل أدرك أعضاء “مامفاكينش” أنهم بمجرد النقر على الرابط قد سمحوا “لطرف خارجي” بالوصول إلى كامل كاميرات الويب ومكبرات الصوت ونقرات ألواح المفاتيح التابعة لهم؛ ليتضح بعد ذلك أن ذلك “الطرف” هو الحكومة المغربية.

إن حالة موقع “مامفاكينش” -وهي كلمة بالعامية المغربية تعني “لن نتنازل أو لن نكف”- تقدم مثالًا مفيدًا لإماطة اللثام عن أوجه التدافع التي تشوب عالم الإعلام الإلكتروني في لحظة تسود فيها معالم التحول والتجاذب السياسيين. ومن ثمَّ، تفسر هذه الدراسة كيف أضحت مراقبة الإنترنت وصحافة المواطن من الوسائل التي تنخرط بها السلطة، والفاعلون في أوساط المجتمع المدني، في الصراع كأسلوب يؤكد عبره الطرف الأول سطوته ويؤكد الطرف الثاني استتباعه. أما الأسئلة الرئيسة لهذه الدراسة فهي:

– كيف تطورت صحافة المواطن في سياق التحول السياسي في المغرب؟

– وكيف تجاوبت ممارسات الدولة مع تلك التغيرات؟

– ما الذي تكشف عنه ممارسات رقابة الدولة بشأن خصوصيات الممارسات التسلطية؟

تستهل الدراسة مقاربة هذا الحقل الاستفهامي بتقديم نبذة عامة عن المشهد العام لصحافة المواطن في المغرب، والتنويه بأهم اللحظات التي أفرزت المساحة التي شغلها موقع “مامفاكينش” عندما ظهر لأول مرة في 2011. وتقترن تلك النبذة التاريخية العامة باستقصاء تطور وكالات الدولة وسياساتها بغية السيطرة على فضاء صحافة المواطن وتنظيم نموها. وستكون حالة “مامفاكينش” محور ذلك الاستقصاء.

مدخل نظري: صراعات مفاهيم المجال والتباري وسطوة الاستجابة

تعتمد الدراسة في جانبها النظري اعتمادًا كبيرًا على مفهوم بيير بورديو (Pierre Bourdieu) عن “المجال” وأفكاره بشأن “الاستجابة الارتدادية” لدى تأطير فضاء الصحافة الإلكترونية والوقوف على الفاعلين والتفاعلات والأحداث التي شكَّلته على امتداد تجربة “مامفاكينش” من الصعود إلى الهبوط. وفي هذا السياق، يعرِّف بورديو المجال بـ”شبكة أو تراصف من العلاقات الموضوعية بين مراكز معينة. وتلك المراكز تتحدد وفق معايير موضوعية -من حيث وجودها والتحديدات التي تفرضها على شاغليها أو وكلائها أو مؤسساتها- تعريفًا مرتهنًا بموقفها (أي: محل اصطفافها) الراهن والمرتقب ضمن هيكل توزيع مكونات القوة (أو رأس المال) التي تكفل حيازتها الاستفادةَ من مكاسب محددة من الثابت أنها في مهب الريح في المجال، وهو التعريف المرتهن أيضًا بعلاقة تلك المراكز الموضوعية بمراكز أخرى (من حيث الهيمنة والاستتباع والتناظر… إلخ)(2).

ساق بورديو في إحدى المقابلات تشبيهًا للمجال بـ”التباري” في لعبة أو مباراة، وهو تشبيه مفيد في الإطار النظري للدراسة(3). من جانب آخر، بحثت كارين فيركه (Karin Fierke) في أعمالها أسبابَ اتخاذ أفراد قرارهم بالتحول إلى مفجرين انتحاريين، وهنا قدمت تعريفًا لمفهوم “التباري” بالإشارة إلى الشطرنج كمثال، فقررت أنه بالنظر في: “المعضلة باستعارة مفاهيم التباري هي أننا سنجد أن المعضلة أقل ارتباطًا بسبب قرار لاعب الشطرنج تحريك الحصان بدلاً من الطابية، بل الأولى هو النظر في دلالة حركات الحصان وأثرها ضمن منظومة القواعد في لعبة الشطرنج”(4).

من هذا المنطلق، تبحث الدراسة في عالم الصحافة الإلكترونية باعتبارها “مجالًا” يخضع فيه “المتبارون” لنطاق حركة محدود من خلال تغيير المراكز والتحالفات؛ وباعتباره أيضًا “مباراة” مُؤَلَّفَة من “مجموعة قواعد” خاصة بالمجال؛ تتشكَّل حسب التدافعات والتجاذبات بين صحافة المواطن والدولة. ومن ثمَّ، فإن طرفي التباري في هذا السياق هما صحافة المواطن والدولة، فيما يمكن النظر إلى استراتيجيات صحافة المواطن وسياسات الدولة باعتبارها “تحركات” كلا الطرفين في إطار “التباري”. أما رهانات التباري فهي تختلف باختلاف الطرف: فالفاعلون في صحافة المواطن يراهنون على إرساء صوت ناقد والسعي إلى انتزاع مساحة “حرة” لعرض المعلومة والتعبير؛ فيما تراهن الدولة على استبقاء التوازن بين صحافة المواطن والتنظيم القانوني، مع تعزيز مفهوم المساحة الحرة لعرض المعلومات والتعبير.

تنظر هذه الدراسة أيضًا في نهج ميشيل فوكو (Michel Foucault) إزاء علاقات القوة، لاسيما صراعات المقاومة/القوة التي تحدد شكل التفاعل بين الفاعلين الأقوياء والضعفاء(5). وهنا يرى فوكو أن فهم طبيعة علاقات القوة ينبغي أن “يتألف من ربط صور المقاومة بمختلف صور القوة باعتبار ذلك نقطة البداية”(6). ثم يمضي فوكو مقررًا: “ينبغي لنا استقصاء صور المقاومة والسعي إلى فك الارتباط بين تلك العلاقات… حتى يتسنى لنا فهم دلالة علاقات القوة وأسسها…”(7). وخلاصة القول: إن هذه الدراسة ستأخذ بالنهج النظري الذي مفاده أن القوة تصوغ شكل المقاومة على غرار ما تفعل المقاومة أيضًا بالقوة.

منهجيًّا، تعتمد الدراسة على تحليل الخطاب لتقارير الدولة وما يصدر عنها من خطابات وقوانين وأيضًا مراسلات “مامفاكينش”، عن طريق استخدام البريد الإلكتروني والمقابلات مع أشخاص ذوي خبرة في التنصت. أما استخدام رسائل البريد الإلكتروني فيُعلِّله ما بها من تبصير بشأن كيفية وموعد إحداث التحول في الاستراتيجيات الداخلية لموقع “مامفاكينش”، لاسيما فيما يتعلق برد الفعل على الأساليب الرقابية للدولة. ولعل المدة التي انقضت منذ التعليق “الاختياري” لعمل “مامفاكينش”، في 2014، تشكِّل فرصة فريدة لتقييم مدى أهمية حالة “مامفاكينش” وإمكانية انتقالها إلى مناطق أخرى ليس داخل المغرب فحسب، بل وخارجه أيضًا. غير أن محور هذا الطرح لا يزال متمثلًا في حقيقة مفادها أن الصراع السياسي يجعل الفاعلين في كلا الجانبين متفاعلين بأساليب كاشفة وارتدادية بما يؤدي إلى صياغة العمليات والهياكل التي تحكم الفضاء الإعلامي الإلكتروني.

نبذة تاريخية عن صحافة المواطن في المغرب

ظهر موقع “مامفاكينش” في العام 2011 ضمن سياق بروز حركة 20 فبراير؛ وهي حركة الاحتجاج الرئيسة في المغرب خلال موجة “الربيع العربي”، غير أن تحركات سابقة قد شكَّلت فضاء صحافة المواطن في المغرب. تواكب مع ذلك إرساء أسس صحافة المواطن في المغرب -في مستهل الألفية الثانية- حتى صار مصطلح “صحافة المواطن” نفسه يتشكل في عالم الاتصال، وهو المصطلح الذي يُنسب في الغالب إلى كليمانسيا رودريغيز (Clemencia Rodriguez) التي تمردت على نموذج وسائل الإعلام المهمين بفكرة العلاقة أحادية الاتجاه التي يُنتَج فيها المحتوى الإعلامي في جانب ليُستهلك في جانب آخر. وجاء هذا التمرد عندما أكدت رودريغيز ظهور صحافة المواطن بوصفها عملية إعلامية أكثر تفاعلية، لأن المواطن ينتج فيها المحتوى الإعلامي لمواطنين مثله مُتَحَرِّرًا في سبيل ذلك من قيود المصالح السياسية والتجارية (8). وفي هذا الصدد، تحدد رودريغيز خمس نقاط رئيسة تعرِّف صحافة المواطن وتصوغ شكلها، وهو التعريف الذي تعتمده هذه الدراسة:

أولًا: صحافة المواطن قادرة على إظهار صوت من لا صوت له؛ فالقدرة على الاستفادة من وسائل الإعلام أتاحت للتجمعات البشرية التي سُلبت حرية التعبير في السابق أن تكسر ثقافة الصمت وتسترد حريتها في التعبير. ثانيًا: صحافة المواطن قادرة على إذكاء فكرة التمكين؛ فالهياكل الاجتماعية القائمة على عدم المساواة والظلم تفضي إلى مجتمعات يسودها عدم التمكين واستلاب الإرادة؛ ومن ثم فإن الانخراط في مشاريع صحافة المواطن يعزز شعور الشعب بالثقة في النفس والثقة في قدراتهم على التصرف في العالم من حولهم. ثالثًا: يمكن لصحافة المواطن تحقيق الربط بين التجمعات البشرية المعزولة؛ ذلك أن تقريب شبكات الاتصال البديل يتيح لصحافة المواطن ربط التجمعات السكانية التي يمكنها حصد الكثير جرَّاء تضافر قواها في مشاريع موجَّهة للتحرك الجماعي. رابعًا: يمكن لصحافة المواطن إذكاء “التوعية” [وهي صورة من صور الوعي السياسي الناقد للأوضاع السائدة]. […] خامسًا: يمكن لصحافة المواطن النهوض بدور المصادر البديلة للمعلومات؛ فعلى النقيض من معظم وسائل الإعلام التي عادة ما تتقيد بقيود اقتصادية أو سياسية، بات بمقدور صحافة المواطن الاحتفاظ بوضع مستقل عند تجميع المعلومات ومعالجتها وبثها(9).

يفيد استقراء الواقع بأن الغرض من منصة “مامفاكينش” ورسالتها يندرجان ضمن توصيف كليمانسيا رودريغيز لصحافة المواطن؛ فبالإشارة إلى النقطة الأولى، أسمعت “مامفاكينش” “صوت من لا صوت لهم” من خلال إتاحة منصة إعلامية إلكترونية لحركة 20 فبراير في خضم بيئة إعلامية تخضع لسيطرة صارمة. وثانيًا: أذكت هذه المنصة “مفهوم التمكين”؛ إذ أتاحت لمؤيدي حركة 20 فبراير مستوى من الوكالة في تحديد السرديات الإخبارية المحيطة بالحركة والتحقق منها. وثالثًا: حققت “مامفاكينش” الربط بين “التجمعات السكانية المنعزلة” بأن وفرت جسرًا ممتدًا للمغاربة بين جاليات المهجر والمواطنين في الدولة ممن تلاقت اهتماماتهم على مشروع سياسي مشترك. ورابعًا: عزَّزت “مامفاكينش” مفهوم “التوعية” من خلال التشكيك في خطاب الدولة وسياساتها، لاسيما ما اتصل منها بالإصلاحات السياسية (سيتناولها التحليل لاحقًا). وأخيرًا، وهي النقطة الأهم، وفرت منصة “مامفاكينش” “مصدرًا بديلًا للمعلومات” المتعلقة بحركة 20 فبراير في بيئة وتوقيت لم يكن يتوفر فيهما سوى المعلومات المستقاة من وسائل الإعلام المغربية ذات الارتباط الشديد بالدولة؛ مثل القناة التليفزيونية الثانية (2M) ووكالة المغرب العربي للأنباء (MAP) التابعة للدولة، وهي منصات إعلامية دأبت في غالب الأحيان على تجاهل التغطية الإخبارية للحركة إلا بمقدار ما يتماهى مع أهداف الدولة. كما أن قدرة “مامفاكينش” على ترسيخ وجودها عندما أرادت (أي في فبراير/شباط 2011) إنما تعزى في جُلها إلى (أ) الفضاء المنفتح حديثًا في المغرب أمام صحافة المواطن، وهو فضاء وُجد بشق الأنفس بفضل مزيج من الإصدارات الإعلامية الجديدة ذات النقد اللاذع (مثل صحيفة “لو جورنال” (Le Journal))، و(ب) اتساع نطاق التعاطي مع التقنية في أوساط الشعب، ونشأة قطاع إعلامي متحرر حديثًا في أواخر تسعينات القرن المنصرم؛ و(ج) النافذة السياسية التي تشكَّلت من جهود الحشد الجماهيري في الدول المجاورة خلال أحداث “الربيع العربي”.

حققت “مامفاكينش” نجاحًا كبيرًا في ترسيخ وجودها بفضل الفضاء الإعلامي الناقد الذي تشكَّل بفعل الإصدارات الإعلامية التي يمكن اقتفاء ظهورها مع بداية “لو جورنال” (Le Journal Hebdomadaire)؛ وهي مجلة أسبوعية مستقلة أسسها أبو بكر الجامعي في العام 1997، وقد ظهرت إبَّان شروع الحكومة المغربية في تدشين مسار تحرري على المستويين السياسي والاقتصادي(10).

وفي حين كان للصحافة روابطها بالقصر من خلال مسارات غير مباشرة أفضت إلى شائعات بخصوص استغلال المجلة باعتبارها “مشروعًا مدلَّلًا”، وهو ما تجلى في سهولة الاتصال واللقاء المتكرر بصديق الطفولة للملك محمد السادس ومستشاره فيما بعد، فؤاد عالي الهمة، إلا أن ذلك لم يمنع أفول نجم الصحيفة في العام 2010 بعد سلسلة من القضايا الناقدة المدوية التي اعتُبرت وقتها “تجاوزًا للخطوط الحمراء” التي تحيط بوسائل الإعلام المغربية (انظر الصورة رقم 1). وتشمل تلك “الخطوط الحمراء” انتقاد ادعاءات المغرب بشأن الصحراء، والانتقاص من الملك والعائلة المالكة، وتشويه صورة الإسلام(11). ولئن كانت “لو جورنال” لا تندرج ضمن التصنيف الدقيق لمفهوم “صحافة المواطن”، فإن تلك الصحيفة كانت مهمة -من حيث انطباق هذا الطرح- لعدد من الأسباب، أولها: أن الصحيفة انتزعت بنفسها ولوحدها مساحة لوسائل الإعلام المستقلة في المغرب في وقت كان فيه جُل وسائل الإعلام إما مرتبطًا بالدولة أو الأحزاب السياسية أو ذوي النفوذ الذين تراوحت انتماءاتهم بين القطاع الخاص والحكومة؛ علمًا بأنه وبالرغم من أداء “لو جورنال” وجهودها فقد ثبت أن مسار التحرر الذي أقدم المغرب على المضي فيه بحذر إنما انطوى أيضًا على موضوعات اعتُبرت من المحظورات. وثانيها: أن الصحيفة أُغلقت بالتزامن مع انطلاق الصحافة الإلكترونية، لاسيما منصات التواصل الاجتماعي. وبالرغم من تصادف الإغلاق مع الانطلاق على الوجه المذكور، فإن توقيت المصادفة كان حاسمًا؛ لأن إغلاق الصحيفة أعقبه ظهور عدد من المدونين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي المغاربة الذين اكتسبوا شهرة بفضل المنهج النقدي الذي سلكوه. وثالث تلك الأسباب أن كثيرًا من المعنيين بصحيفة “لو جورنال” -من قبيل الكتاب والمحررين وغيرهم- وكما ثبت من المقابلات الشخصية التي أجرتها الباحثة مع العديد من الموظفين السابقين على مدار عامي 2015 و2016- اتجهوا إلى حمل مشعل الصحافة المستقلة في المغرب لسنوات تالية، سواء أكانت صحافة مندرجة ضمن مفهوم صحافة المواطن أم الصحافة المطبوعة التقليدية والصحافة الإلكترونية.

كان هناك فضاء صحفي إلكتروني جديد قَيْدَ التشكُّل قبيل إقدام السلطات المغربية على إغلاق “لو جورنال”، وجاء ميلاد أول موقع إلكتروني باسم “توك موروكو” (Talk Morocco) في العام 2009.

صورة رقم (1) تظهر غلاف الإصدار الأخير من “لو جورنال” بعد إغلاق السلطات مقر المجلة

المصدر: “غلوبال فويسز” [Global Voices]

قدَّم موقع “توك موروكو” نفسه على أنه “منتدى تحريري يهدف إلى تشجيع الحوار الذكي المنفتح الأمين بشأن القضايا المتعلقة بالمغرب وأبناء المهجر”(12). أسَّس ذلك الموقع الإلكتروني مدونان، هما: جيليان يورك (Jillian C. York) وهشام المرآة، علمًا بأن الأخير أصبح فيما بعد عضوًا مؤسسًا لمنصة “مامفاكينش”. استمرت منصة “توك موروكو” لثلاثة أعوام، أي حتى 2012، تناولت خلالها عددًا من الموضوعات الجدلية مثل دور القصر في السياسة المغربية، وقانون الأحوال الشخصية المغربي، والعلاقة بين الدولة المغربية والإسلام، وموضوعات أخرى. بدأ “توك موروكو” بالانخراط فيما تسميه كليمانسيا رودريغيز “صحافة المواطن”، بل وقطع شوطًا كبيرًا حتى بات يقر بأنه منصة للمدونين “الذين تناولوا موضوعات تعذر على الصحفيين التطرق إليها”(13). ونظرًا لأن الموقع كان في أغلبه بالإنجليزية المصحوبة -أحيانًا- بمناقشات بالفرنسية والعربية، فقد كان معظم جمهوره من المغاربة ممن يتحدثون الإنجليزية من داخل الدولة ومن المهجر، علاوة على أفراد مهتمين بالشأن المغربي سواء أكانوا من فئات الباحثين أو الصحفيين. وكان من بين ضيوف “توك موروكو” أسماء لامعة من المدونين والنشطاء والصحفيين وعامة المغاربة المهتمين بالمشاركة في المناقشات. ونظرًا لأن محتوى الموقع بالكامل يكاد يكون بالإنجليزية، فإن تأثيره المباشر في الجمهور المغربي كان محدودًا للغاية، وهو ما حدا بالسلطات إلى تجاهله بدرجة كبيرة. ثم دخل الموقع في حالة اختيارية هادئة من تعليق نشاطه في 2012 بسبب عدم التدفق السلس للمحتوى، وهو ما يُعزى على الأرجح إلى الالتزامات المهنية للمساهمين فيه؛ إذ كانت آخر مناقشة مفتوحة عليه في الذكرى السنوية الأولى لقيام حركة 20 فبراير. وبحسب الباحثة، أنَّا جاكوبس (Anna Jacobs)، فإن “تسييق تجربة “لو جورنال” في التاريخ السياسي المغربي إنما يسلط الضوء على استمرار الاتجاهات المهمة التي أسهمت في تعزيز السلطوية في المغرب”(14). وهذا الأمر مفيد بصفة خاصة عند النظر في كيفية تعامل الحكومة مع “لو جورنال”، حيث أفضى ذلك إلى تشكيل سابقة أرست مجموعة من القواعد ورتبت أوضاع عالم الصحافة المستقلة، وهو ترتيب أفرز في وقت لاحق القواعد الحاكمة لمساحة صحافة المواطن.

تزامن أفول “لو جورنال” و”توك موروكو” مع ظهور “مامفاكينش” بصحبة منصات إعلامية إلكترونية أخرى، من بينها مدونات شخصية، مثل (Larbi.org) و(IbnKafka)، ومواقع إلكترونية إخبارية مستقلة، مثل “لكم” و”فبراير”. ويمكن عزو ظهور تلك المنصات الجديدة إلى مجموعة كبيرة من العوامل، من بينها انتشار استخدام شبكة الإنترنت وزيادة الطلب على المصادر البديلة للمعلومات، لكن الحقيقة الساطعة تظل قائمة: ألا وهي أن موت “لو جورنال” أفضى إلى فراغ وجب ملؤه في وقت لاحت فيه أمارات عدم اليقين والتخبط في المستقبل السياسي المغربي، وذلك بالتزامن مع نداءات التغيير التي عمَّت المنطقة بأسرها.

السياق السياسي لمنصة “مامفاكينش”

تشكَّلت منصة “مامفاكينش”(15) من اثني عشر عضوًا موزعين في جميع أنحاء العالم، واستهلت نشر موادها الإعلامية في مطلع فبراير/شباط 2011 بخطاب مفتوح إلى الملك، محمد السادس، وإلى الشعب المغربي بعنوان “الدرس التونسي والمصري في المغرب: بيان من أجل إصلاح سياسي ديمقراطي”. كان عدد من مؤسسي “مامفاكينش” على اتصال فعلي ببعضهم البعض من ذي قبل، فأرسوا روابط فيما بينهم على أسس الأفكار السياسية المشتركة فيما بينهم؛ علمًا بأن جميعهم كانوا من الرجال المغاربة متوسطي العمر من ذوي المسيرات المهنية المستقرة، ومن بينهم متخصصون في القانون والطب. اتُّخذ القرار بإنشاء المنصة على وقع الإطاحة بابن علي في تونس ودعوات تغيير النظام في مصر وليبيا. وبالفعل، بدأ المغاربة يومها بالوجود المكثف على منصات التواصل الاجتماعي داعين لاحتجاجات تعمُّ الوطن في 20 فبراير/شباط 2011، يحدوهم في ذلك مقطع فيديو انتشر كالنار في الهشيم يُظهر عددًا من النشطاء يشرحون سبب مشاركتهم في الاحتجاجات، داعين الناس إلى المشاركة (“حملة المغرب #feb20 #morocco،” 16 من فبراير/شباط 2011).

بعد ذلك توسعت “مامفاكينش” لتضم مجلس تحرير يضم 12 فردًا من الرجال والنساء في أوائل العشرينات من العمر. وكان من بين هؤلاء الأعضاء صحفيون ونشطاء وموظفون عاديون لا صلة لهم بالإعلام أو السياسة. تمثَّل هدف “مامفاكينش” في تضخيم دعوات حركة 20 فبراير الداعية إلى إصلاحات دستورية والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان. وفي غضون أشهر حاز “مامفاكينش” شهرة واسعة كأكثر المواقع الإلكترونية الإعلامية استقلالًا وتنظيمًا في المغرب من بين كل مواقع صحافة المواطن، فيما سعت مدونات أخرى متناثرة وغير منظمة إلى السيطرة على فضاء صحافة المواطن. بدأ “مامفاكينش” في استقبال مئات الآلف من الآراء شهريًّا، حسب الإحصاء الداخلي للمنصة الذي دققته “وورد بريس” (WordPress). واشتهرت المنصة أكثر بتنظيمها حدثًا أسبوعيًّا تضمن التغطية المباشرة لاحتجاجات حركة 20 فبراير حال تنفيذها في شتى أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تغطية الاحتجاجات المنبثقة عن ذلك الحراك على المستوى الدولي في أوروبا وغيرها. واشتملت تلك التغطية الحية على بث مباشر مربوط بموقع “تويتر” ما أتاح للمتظاهرين إدخال وسوم (هاشتاغات) في تغريداتهم كيما يبثوا تلك التغريدات تلقائيًّا على منصة “مامفاكينش”، وهي تغريدات حملت في الغالب صورًا ومقاطع فيديو، علمًا بأنها خضعت للفرز وفق خريطة محددة المعالم استضافتها خدمة “غوغل للخرائط” (Google Maps) (انظر الصورة رقم 2).

أما داخل منصة “مامفاكينش” فكان المعنيون يديرون ذلك المحتوى الوارد من خلال تجميعه وترجمته حتى تصدر منه نسخ بالفرنسية والعربية والإنجليزية. ومن ثم، بات “مامفاكينش” -بالأساس- السجل الرائد والمفتوح لاحتجاجات حركة 20 فبراير/شباط في وقت كانت الاحتجاجات تُنظَّم فيه بصفة أسبوعية تقريبًا. وترتب على ذلك أن اعتمدت وسائل الإعلام الوطنية والدولية، مثل: “سليت” (Slate) والجزيرة و”بي بي سي” (BBC) و”سي إن إن” (CNN) وغيرها، على محتوى “مامفاكينش” لتحديد مصادر مقالاتها بخصوص الأنشطة اليومية لحركة 20 فبراير، لاسيما حال ممارسة العنف عند تفرقة الشرطة للاحتجاجات ووقوع اعتداءات.

خلال الفترة ما بين فبراير/شباط ونوفمبر/تشرين الثاني 2011، حافظت منصة “مامفاكينش” على أداء ثابت نسبيًّا من حيث المحتوى الذي تجاوز التغطية الحية للاحتجاجات، لكنه اشتمل في الوقت ذاته على مقالات رأي وبيانات تناولت طيفًا واسعًا من الموضوعات -بدءًا من العدالة الاجتماعية وانتهاءً بحقوق الإنسان. جاء التدفق الثابت للمحتوى المعروض على “مامفاكينش” متوازيًا مع أنشطة حركة 20 فبراير والزخم الذي أحدثته؛ حيث اتحدت العقيدة الفكرية لكل من الحركة و”مامفاكينش”، فكان ذلك الرابط الحي فيما بينها، كما شارك بعض أعضاء “مامفاكينش” في احتجاجات حركة 20 فبراير. وفي غضون الأشهر التسعة التي شهدت الحراك الأقوى للحركة، عرف المغرب ما يمكن اعتباره المنعطف السياسي الأشد اضطرابًا منذ احتجاجات الخبز في ثمانينات القرن العشرين.

صورة رقم (2) تبرز مواقع احتجاجات حركة 20 فبراير داخل المغرب وخارجه

المصدر: غوغل للخرائط [Google Maps]

خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من أول خروج للحركة إلى الشوارع وترديد هتافاتها التي تطالب بالإصلاح الدستوري، أُعلن عن كلمة سيلقيها الملك محمد السادس للأمة في مطلع مارس/آذار 2011. وفي حين حازت الحركة تأييدًا متواضعًا في أسابيعها الأولى، تضاعف ذلك التأييد خلال الأسابيع والأشهر اللاحقة بعد إلقاء الملك محمد السادس خطابه في التاسع من شهر مارس/آذار؛ إذ رأى فيه المحتجون ردًّا لا يرقى لمستوى الاحتجاجات القائمة. قال الملك في خطابه إنه بصدد تشكيل لجنة بقيادة عبد اللطيف المنوني لمراجعة الدستور، كما أعلن عزمه “إجراء” تعديلات دستورية تشمل دمج الهوية الأمازيغية في التعريف الأعم لمفهوم الهوية الوطنية المغربية، واستحداث تدابير قانونية لحماية حقوق الإنسان، والحرص على استقلال القضاء، والفصل بين السلطات.

في اليوم التالي لخطاب الملك، نشرت منصة “مامفاكينش”(16) مقالًا مطولًا اشتمل على تحليل سياسي ناقد مشفوعٍ ببيان كامل لحركة 20 فبراير أعلنت فيه الاستمرار في الاحتجاجات بالرغم من وعود الملك بالإصلاح الدستوري. أما المسوغ لاستمرار الاحتجاج، حسب ما ورد في البيان، فكان هو التعويل المبسط على أن إصلاحات الملك وخططه للإشراف على الإجراءات الإصلاحية إنما تعني عدم كفاية تلك الإجراءات؛ ومع ذلك جاء في البيان أنه “من المهم التسليم بأن جوانب بعينها من خطابه اشتملت على جوانب إيجابية […]”. ومع ذلك، رأت منصة “مامفاكينش” أن مجيء الإصلاحات من قمة السلطة لا من القاعدة الشعبية كان يكفي للارتياب فيها، ولذا أصدرت ردًّا على الخطاب جاء فيه أنه “يجب ألا ننسى أن الكلمة النهائية ستكون للملك، بل إنه قال بنفسه: إن اللجنة “ستقدم نتائج عملها إلى مقامنا السامي في شهر يونيو/حزيران”. تطرق المقال أيضًا إلى استمرار وزارة الداخلية في إصدار أوامر بفض الاحتجاجات بالقوة، ووصفت ذلك بأنه “مناقض لروح خطاب الملك الذي أعلى من شأن الخيار الديمقراطي للمغرب ووسع مجال الحريات العامة”. واختتم المقال بالقول: “ولتلك الأسباب ستستمر حركة 20 فبراير في نضالها من أجل مغرب ديمقراطي، ومن أجل الكرامة”.

صدر بيان كامل ممهور بتوقيع حركة 20 فبراير متضمنًا خلاصة ما ورد في هذا المقال؛ ولعل الجانب الأشد نقدًا في ذلك المقال يتجلى في أسلوب عرضه طبيعة العلاقة بين “مامفاكينش” والحركة؛ حيث استعرض كيفية تقديم “مامفاكينش” نفسها كمنصة للفكر والتحليل على نحو عزز جهود حركة 20 فبراير وأوصل صوتها. استمر الأساس الذي قامت عليه العلاقة بين “مامفاكينش” والحركة لأشهر طويلة(17)؛ غير أن المساحة التي تحكم هذه العلاقة أتاحت لمنصة “مامفاكينش” القدرة على المناورة في مجال الصحافة الإلكترونية عبر اعتماد درجة من المرونة، وذلك بالرغم من تلاقي الأفكار والأهداف مع حركة 20 فبراير على صعيد الاحتجاجات. بيد أن ذلك الوضع اكتسى أهمية خاصة لأن حضور الحركة في الإعلام المغربي تراجع مقارنة بحضور المدافعين على الملكية. وترتيبًا على ذلك، عندما ألقى القصر الملكي بأوراقه من خلال السعي إلى سلخ مقومات القوة عن الحركة واستباق مطالبها، بدأت “مامفاكينش” في تغيير القواعد من خلال استغلال منصتها لمجابهة تحركات القصر، وارتكزت في ذلك على نافذتها التي حازت جمهورًا دوليًّا بات يتابع الأحداث في المغرب متابعة وثيقة ضمن السياق الإقليمي الأعم لأحداث “الربيع العربي”. إلى ذلك، عوَّلت “مامفاكينش” على قراءتها للمنظومة الإخبارية الدولية التي تغطي أحداث “الربيع العربي” وما أوجدته من طلب غير مسبوق على الأصوات الناقدة، وتمت مخالفة قواعد اللعبة التي ركزت في جانبها الأكبر على الشعب المغربي باعتباره الجمهور الرئيس. وبناء على ذلك، لم تكتف “مامفاكينش” أثناء إلقاء الملك محمد السادس خطابه للشعب المغربي بالإنصات والتحليل، بل اتخذت عدة خطوات إضافية لم تخاطب بها الجمهور المغربي فحسب، بل استهدفت غيره بنشر موادها الإعلامية بالفرنسية والإنجليزية لمخاطبة الجمهور العالمي الذي أمكنه النهوض بدور أكبر في التأثير في سياسات الدولة المغربية. وفي السياق ذاته، أفسحت “مامفاكينش” المجال لآراء وأصوات عاملها الإعلام العالمي على قدم المساواة مع آراء الدولة المغربية وأصواتها، وهو ما اضطر مسؤولي الحكومة المغربية إلى اتخاذ إجراءات من بينها الدخول في مناظرات مع نشطاء حركة 20 فبراير في برامج تليفزيونية مباشرة. ونتيجة لذلك، كانت قواعد التباري قيد التغيير والتحول في ظل اتساع مجال التباري إثر ارتفاع سقف المطالبات والاحتمالات.

استمرت حركة 20 فبراير في حشد الجمهور والاحتجاج بشتى أرجاء المغرب؛ إذ شهدت تلك الفترة تضخمًا هائلًا في أعضاء الحركة، وقد تواكب ذلك مع انتشار هائل لـ”مامفاكينش” كمصدر للمعلومات. وبعد خطاب التاسع من مارس/آذار لم تبرز “مامفاكينش” بوصفها منصة لتضخيم صوت الحركة فحسب، بل بكونها أيضًا منصة لرؤية سياسية بديلة في المغرب. كان ذلك الموقف حاسمًا بصفة خاصة نظرًا لما شهدته تلك الفترة من تدخلات تُعَدُّ الأعنف من جانب الشرطة لفض الاحتجاجات، علاوة على نزول المتظاهرين إلى الشوارع بأعداد كثيفة وغير مسبوقة. أما القصر فقد اكتفى بإعلان الإصلاحات الدستورية على لسان الملك، كما أنه لم ير أن الاحتجاجات عقيمة المآل فحسب، بل ومعوقة للإصلاح السياسي، وهي رؤية واجهتها السلطات بفض عنيف للاحتجاجات من قبل عناصر الأمن. ومع ذلك، لم يزد العنف حركة 20 فبراير إلا قوة واستبسالًا، بل إنها وظفته لاستقطاب التعاطف لصالحها من خلال التركيز على طرح مفاده أن أية إصلاحات من قمة هرم السلطة ستكون تجميلًا لصورتها؛ بما يعني أنها ستخفق في التجاوب مع مطالب الممارسة الفعلية للديمقراطية السياسية.

استمر عمل “مامفاكينش” حتى شهر يونيو/حزيران 2011 عندما ألقى الملك محمد السادس خطابه الثاني؛ فأعلن في 17 يونيو/حزيران إصلاحات دستورية محددة وافق عليها، وضرب موعدًا بعد أسبوعين للاستفتاء الدستوري على التعديلات. غير أن باعث الرفض الأهم في أوساط مناصري حركة 20 فبراير وحلفائها كان هو تأكيد الملك على تصويته بـ”نعم” على الإصلاحات الدستورية في الاستفتاء المقرر، ملمحًا إلى أن التصويت ضدها يخالف جوهر الوطنية؛ وبذلك قوَّض الملك (في رأي هؤلاء المناصرين والحلفاء) الركن الركين للممارسة الديمقراطية بشأن إجراء الاستفتاء. وقد جاء في خطاب الملك محمد السادس ما يلي: “ومن هذا المنطلق، فإن خديمك الأول عندما سيقوم بواجبه الوطني بالتصويت بنعم لمشروع الدستور الجديد المعروض على الاستفتاء الشعبي، إنما لاقتناعي الراسخ بأن مشروع هذا الدستور يعتمد كل المؤسسات والمبادئ الديمقراطية والتنموية، وآليات الحكامة الجيدة، ولأنه يصون كرامة كل المغاربة وحقوقهم، في إطار المساواة وسمو القانون”(18).

جوهر الأمر أن الملك عرض -بصراحة وجلاء- الأوراق التي كان بصدد إلقائها، فأرسى بذلك درجة من الشفافية في مجال التباري. ومع ذلك، كانت القواعد السالفة لا تزال سارية؛ فالملك كان يخطط لاستباق أي تحركات مضادة على غرار ما حدث في الإصلاحات الدستورية السابقة. هنا ردت منصة “مامفاكينش” سريعًا بإصدار بيان مشترك مع حركة 20 فبراير دعيتا فيه إلى مقاطعة الاستفتاء ضمن حملة سميت بالعامية المغربية “مامصوتينش” (أي: لن نصوِّت). ورفض البيان ما أسماه المهلة غير الواقعية التي أعطيت للشعب المغربي كي يقرأ الدستور بأكمله وينتهي إلى اقتناعات سليمة خلال أسبوعين فقط (19). في ظل التحركات المتعارضة من الطرفين، بدت حالة “التباري” على وشك الوصول إلى نقطة جمود أهم مقوماتها خطاب ملكي يتبعه بيان مضاد، وهكذا دواليك. وفي حين كان اختلال توازن القوة فادحًا بين الطرفين، إلا أن الحالة انطوت على درجة من المعاملة بالمثل بين الفاعلين في معسكر القوة والفاعلين في معسكر المقاومة. ومن ثمَّ، لم يُفضِ “التباري” حتى تلك اللحظة إلى أي حلحلة في الأمور، وبات الطرفان يبحثان عن انفراجة لتحويل المسار في مجال التباري من جديد.

أصدرت “مامفاكينش” عشية الاستفتاء بيانًا موجهًا إلى أعضاء حركة 20 فبراير تدعوهم بمقتضاه إلى توثيق أية مخالفات أو ممارسات فاسدة أثناء التصويت؛ كالتزوير مثلًا. وحدد البيان للنشطاء رابطًا إلى عنوان بريد إلكتروني كي يرسلوا إليه المواد التي ستُنشر بعد ذلك على الموقع الإلكتروني للمنصة (20). رسخت “مامفاكينش” حضورها في هذا الصدد بوصفها مجمعًا مكتمل الأركان لصحافة المواطن حيث المحتوى الذي يقدم معظمه مواطنون ذوو توجهات سياسية متماثلة، كما أن مصدره الحركة الميدانية، والمعلومات المعروضة التي كانت ستغيب عن المجال العام ووسائل الإعلام في المغرب لولا بثها على المنصة. وفي الأول من يوليو/تموز قدمت المنصة تغطية حصرية وآنية للاستفتاء الدستوري، ونشرت الكثير من ادعاءات المخالفات التي وردت من عشرات القرَّاء (21). ثم أعلنت وزارة الداخلية المغربية نتائج الاستفتاء بموافقة أغلبية ساحقة بنسبة بلغت 98.49%، وبنسبة مشاركة تجاوزت 70% من إجمالي قاعدة الناخبين المغاربة البالغ عددهم 13 مليونًا(22). وفي الأيام التي أعقبت الإعلان عن نتيجة الاستفتاء، كرست “مامفاكينش” حصة كبيرة من تغطيتها للاحتجاجات الأسبوعية على مدار شهر يوليو/تموز طعنًا على نتائج الاستفتاء.

استمر حراك “مامفاكينش” حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني عندما نُظمت انتخابات برلمانية وأسفرت نتائجها عن تشكيل حكومة ائتلافية بقيادة حزب العدالة والتنمية. عندئذ، نشرت “مامفاكينش” سلسلة من المقالات المؤيدة لمقاطعة الانتخابات، معلِّلة ذلك بأن سلطة الحكومة المنتخبة لا تعدو كونها سلطة رمزية في مقابل سلطة الملك، كما عمدت المنصة إلى تسييس الاحتجاجات اللاحقة التي نُظمت للطعن في نتائج الانتخابات، مع النظر إلى حزب العدالة والتنمية الفائز باعتباره مجرد حزب سياسي آخر لن يملك إلا الانحناء أمام إرادة القصر(23). ومن أبرز مقالات المنصة تلك التي أيدت مقاطعة الانتخابات، وجاء فيها إدانة “لعدم جدوى الانتخابات في نظام تسلطي”(24). وقد ثبت ذلك أيضًا من التحول في خطاب رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، من النقد اللاذع لمستشاري البلاط الملكي إلى وصف الملك بأنه “رأس الحكومة”.

إن السبب من وراء إبراز تسلسل تلك الأحداث السياسية هو استعراض السياق الذي أفضى إلى شهرة منصة “مامفاكينش” وتعضيد قوتها بجانب حركة 20 فبراير(25). بدأ خفوت الحركة عقب إجراء الانتخابات البرلمانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011، وقد كان من أول أسبابها انسحاب حركة “العدل والإحسان” الإسلامية منها(26)؛ وهي الحركة التي تأسست في منتصف ثمانينات القرن العشرين (ولم تحظ باعتراف رسمي قانوني)، واشتهرت بقدرتها على حشد أعداد كبيرة في التظاهرات بسبب نضوج حركتها وحسن تنظيمها على مستوى القاعدة الشعبية. غير أن هذا العضو (حركة العدل والإحسان) في حركة 20 فبراير انسحب بعد أن قرر أن الوقت لم يعد مناسبًا لإحداث تغيير كبير في المغرب بعد فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات (27).

كانت حركة “العدل والإحسان” مكونًا من مكونات عديدة ومتنوعة في حركة 20 فبراير، لكن انسحابها أثر أيما تأثير في نفوذ الأخيرة وعديدها. وجاء خفوت الحركة ليعني أن منصة “مامفاكينش” لم يعد لديها ذلك التدفق المستمر للمحتوى الإعلامي والمعلوماتي بما يلزم للنشر، فانتقلت عدوى الخفوت إلى المنصة أيضًا. وعلى غرار ما أصاب حركة 20 فبراير من شقاق داخلي، كشفت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لدى “مامفاكينش” عن اتجاه مماثل لتعاظم التوترات بداخلها، وهو ما أفضى -أحيانًا- إلى استبعاد أعضاء من مختلف المشارب أو انسحابهم من المنصة التي تمثل مظلة لصحافة المواطن (28). ومع ذلك، جاء يوليو/تموز 2012 ليشهد -بعد طول مقاومة- استقبال “مامفاكينش” برمجية تجسس برعاية من الدولة حازت بعدها المنصة ظهورًا قويًّا ووجيزًا على المستوى العالمي أعقبه تراجع سريع، فأضحت بذلك حالة فريدة من حالات الرقابة الحكومية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (انظر الصورة رقم 3).

صورة رقم (3) توضح تعليق عمل موقع “مامفاكينش”

المادة المعروضة عبارة عن بيان يفيد تعليق عمل الموقع تعليقًا اختياريًّا، وذلك في مقال بعنوان: “مامفاكينش فكرة مبدعة سنة 2011 لم تعد كذلك في 2014 ووجب تجديدها”

تغيير الأساليب الحكومية

دأبت الحكومة المغربية -قبل ظهور “مامفاكينش” -على النظر في تنظيم مجال الفضاء الإعلامي الإلكتروني من خلال عدد من المؤسسات والسياسات؛ فلما بدأت شبكة الإنترنت في الظهور وأدركت الدولة أهمية هذا الفضاء الجديد، عمدت إلى إنشاء كيانات تُعنى بتنظيمه ورقابته وإنْ بصورة نسبية- فقد كانت ترأس تلك الكيانات لجان يسيطر على معظمها ممثلون للملك. في بادئ الأمر، أسست الدولة الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات (ANRT) في العام 1998، بهدف إدارة صناعة الاتصالات في القطاعين العام والخاص. ورغم تركيز الجانب الأكبر من جهود الوكالة الناشئة على التلفزة والإذاعة فإن دورها الرئيس في التعامل مع الإعلام الإلكتروني تمثَّل في إقرار أسماء المواقع وفق امتداد (___.ma). ثم جاء إنشاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (HACA) في العام 2002 بموجب مرسوم ملكي (“الظهير رقم 1 فبراير/شباط 212 المؤرخ في 22 جمادى الأولى 1423 موافق 31 أغسطس/آب 2002)، وتمثَّلت مهمة الهيئة الوليدة في “ضمان حرية الاتصال السمعي-البصري، وحرية العمل السمعي-البصري”. وتركز عمل الهيئة أيضًا على منح التراخيص في مجالي الإذاعة والتلفزة. ثم شهد العام 2009 إنشاء اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي (CNDP) بهدف التحقق من خصوصية البيانات الشخصية. وتتألف اللجنة المذكورة من مجلس حاكم يعين الملك أعضاءه ورئيسه. ومن ثمَّ، أسست الحكومة المغربية -من خلال الوكالة والهيئة المذكورتين آنفًا، ومعهما وزارة الاتصالات ووزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي- عددًا من المؤسسات التي أُنيط بها تقنين الفضاء الإعلامي الإلكتروني وإدارته.

بالإشارة في هذا المقام إلى طرح بيير بورديو عن مفهوم “المجال”، يتبيَّن أن الدولة أمَّنت مباعث قلقها في مجال “التباري” الأوسع نطاقًا في مواجهة قطاعات صحافة المواطن الناقدة. وانطلاقًا من الصفة المؤسسية، عمدت الوكالة والهيئة إلى تقديم شكل من أشكال الإيهام بالاستقلال المؤسسي من حيث رؤية الحكومة لهما وتحديد موقعهما بالنسبة إلى الكيانات العامة الرسمية؛ مثل وزارة الصناعة والتجارة والاستثمار والاقتصاد الرقمي. أما الجانب العملي لذلك الأسلوب فكان هو اختصاص الملك، ومعه الحكومة المنتخبة، بتعيين الأفراد المعنيين بقيادة تلك المؤسسات، وهو ما يعني أن “هيكل توزيع أنماط القوة”، حسب تعريف “بورديو”، أضحى أكثر رسوخًا وتشتتًا. وترتيبًا على ذلك، أعطت تلك المؤسسات الجديدة للحكومة -من بعد الملك- سطوة أكبر على “المجال”. وخلاصة القول: إن الدولة أدركت ضعف جاهزيتها لتأمين مصالحها في مجال “التباري” المتمثل في الصحافة الإلكترونية، فما كان منها إلا أن شرعت في مسار قائم على “الاستراتيجيات” و”التحركات” لتعزيز حضورها وتمكين أدواتها بمختلف جوانب “المجال” معلنة بذلك عن ردة فعل مباشرة للاستراتيجيات والتحركات المناظرة في صحافة المواطن. كشف ذلك “التباري” بين الدولة وصحافة المواطن الناقدة أيضًا عن تحقق مفهوم ميشيل فوكو بشأن العلاقة بين القوة والمقاومة، وهو ما ظهر في الاعتماد المتواصل على التجاذب والتحركات المحسوبة التي اتخذها كل طرف في الرد على الآخر.

باشرت تلك المؤسسات أعمالها على مدار سنوات عديدة، لكن ذلك تواكب مع احتدام الجدل بشأن القوانين الحقيقية الحاكمة للفضاء الإعلامي الإلكتروني، علمًا بأن أحدث جهودها تجلت في ديسمبر/كانون الأول 2013 عندما كاد المغرب يشهد تمرير قانون لتنظيم الفضاء الرقمي، لكنه سرعان ما سُحب بعد معارضة قوية وواسعة النطاق للتدابير التي جرمت مشاركة المحتوى السمعي البصري الذي اعتبره القانون “غير أخلاقي” أو “مسيئًا”(29). يضاف إلى ذلك أن قانون الصحافة الجديد الذي أقره البرلمان في يوليو/تموز 2016 أخفق في تحقيق إجماع عام في الأوساط الإعلامية؛ فقد ألغى هذا القانون عقوبة السجن بحق الصحفيين، بيد أنه يتعارض مع مقتضيات قانون العقوبات الذي يجرم توجيه ما قد يعتبر سبًّا للملك والنيل من الموقف المغربي حيال الصحراء والإساءة للدين الإسلامي(30). كما أن سجن الصحفيين يعني أن قانون العقوبات يجُبُّ قانون الصحافة، وهو ما أتاح للبلاط الملكي أن يظهر بمظهر المؤيد لحرية الإعلام حسب التصور الوارد في قانون الصحافة، ولكن مع ممارسة صلاحية تحديد ما إذا كان الصحفي مفتئتًا على المصلحة الوطنية بما يستوجب إنزال عقوبة السجن به ترتيبًا على ذلك وفق أحكام قانون العقوبات.

صحيح أن عددًا من القوانين والأنظمة السارية تتعارض نصوصها مع بعضها البعض في أحيان كثيرة، إلا أنها لم تتطرق لمسألة الخصوصية والمراقبة في المغرب إلا لمامًا؛ فاستنادًا إلى تقرير منظمة الخصوصية الدولية بشأن المراقبة في المغرب، فإن القانون رقم 08-09 والمادة رقم 24 من الدستور يرخصان للدولة ممارسة المراقبة “متى صدر أمر قضائي بذلك”. ورغم ذلك، فإن التقرير يشير إلى أن “القانون لا يحدد بوضوح الظروف والأحوال التي يمكن صدور أوامر قضائية فيها لهذه الغاية”(31)، ومع استحداث أجهزة أمنية جديدة، مثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية (المعروف أيضًا بالاختصار الفرنسي (BCIJ) في مطلع العام 2015، فإن الاستخدام الشائع للصور المقننة من المراقبة كان لأغراض توقيف إرهابيين مشتبه بهم ومقاضاتهم(32).

بيد أن قوة تلك القوانين والمؤسسات وُضعت موضع الاختبار في العام 2012؛ فقد حصلت منصة “مامفاكينش” على “جائزة اجتياز الحدود” (Breaking Borders Award) بقيمة 10 آلاف دولار في يوليو/تموز 2012 من شركة “غوغل” ومؤسسة “غلوبال فويسز” (Global Voices)، وهي جائزة تحتفي بمن يُحدثون تأثيرًا عميقًا في مجتمعاتهم في سبيل الدفاع عن حرية حقوق التعبير وإذكائها على شبكة الإنترنت”(33). بعد أسبوع من نيل الجائزة -التي جعلت منصة صحافة المواطن المكرَّمة محطَّ الأنظار العالمية- استقبل أعضاء “مامفاكينش” ما اكتشفوا لاحقًا أنه برمجية تجسس جاءتهم برعاية من الدولة، وهي برمجية معروفة باسم “نظام التحكم عن بعد” (RCS اختصارًا) عبر رسالة بالبريد الإلكتروني. أُنتجت البرمجية بمعرفة شركة برمجيات في إيطاليا تحمل اسم “هاكينغ تيم” (Hacking Team)، وقُدرت قيمة البرمجية بأكثر من 200 ألف دولار. تلقى أعضاء “مامفاكينش” تلك الرسالة بتاريخ 13 يوليو/تموز 2012 من عنوان بريد إلكتروني مريب هو [email protected]. وكما سلف بيانه، فإن رسالة البريد اشتملت على المحتوى المذكور آنفًا باللغة الفرنسية في الأصل، وكان نصها: “الرجاء عدم ذكر اسمي أو أي شيء على وجه الإطلاق، فأنا في غنى عن المشاكل” (انظر الصورة رقم 4)، متبوعًا برابط إلى وثيقة تحمل اسم “فضيحة”، وهي وثيقة ظن أعضاء المنصة أنها مشتملة على تفاصيل فضيحة جديرة بالنظر فيها لتقييمها من حيث إمكانية النشر. أرسلت الرسالة بادئ الأمر إلى البريدي الإلكتروني العام لـ”مامفاكينش”، وهو حساب يديره أحد أعضاء المنصة، وقد أحاله إلى بقية المجموعة.

جاء أول رد بريدي إلكتروني معمم من أحد أعضاء المنصة متسائلًا: “هل تمكن أحد من فتح الوثيقة؟ هل هي جديرة بالاهتمام؟”(34).

رد عضو آخر قائلًا: “لا أستطيع فتحها على هاتفي”.

ثم رد عضو ثالث بأنه تلقى تنبيهًا بوجود فيروس إلكتروني على حاسوبه بعد أن حاول فتح الوثيقة، فكان ذلك تحذيرًا لمن لم يفتح الوثيقة بعد من بقية الأعضاء.

رد عضو رابع بالبريد الإلكتروني قائلًا: “اللعنة، لقد فتحتها!” بعدها قرر الأعضاء إرسال المرفق البريدي لتحليله على أيدي متخصصين، لاسيما بعد تعاظم الشكوك حوله.

أرسلت الوثيقة إلى مختبر “سيتزن لاب” (Citizen Lab) التابع لجامعة تورنتو، وذلك بحكم علاقة بعض أعضاء المنصة بالمختبر المذكور. انتهت الفحوص إلى أن الوثيقة كانت وسيطًا إلكترونيًّا يحمل برمجية التجسس (RCS) التابعة لشركة “هاكينغ تيم”. كان لدى تلك البرمجية القدرة على تسجيل ما يصل إلى مكبر الصوت وكاميرا الويب للشخص المتعرض للقرصنة الإلكترونية، فضلًا عن تسجيل نقرات الأصابع على لوحة المفاتيح(35). واستنادًا إلى بعض التقارير، فقد باعت شركة “هاكينغ تيم” “برمجيتها التجسسية الخاصة بنظام التحكم عن بعد إلى نحو 21 دولة، من بينها أذربيجان ومصر وإثيوبيا وكازاخستان والسعودية والسودان”(36).

صورة رقم (4) تظهر نسخة من البريد الإلكتروني الذي يحتوي على برمجية التجسس المرسلة إلى “مامفاكينش”

تاريخ التقاط الصورة: نوفمبر/تشرين الثاني 2015

بعد ذلك بوقت قصير أعلن أعضاء المنصة عما لحق بهم من خلال إجراء مقابلات خاصة مع مؤسسات صحفية وغير صحفية؛ من بينها منظمة “الخصوصية الدولية”. كما بثَّ عدد من وسائل الإعلام العالمية أخبار المنصة، مثل صحيفة “نيويورك تايمز” و”هافينغتون بوست” و”وايرد” (Wired) و”مجلس العلاقات الخارجية”، وغيرها(37).

ولعل التحرك الأبرز في هذا الشأن كان من جانب منظمة “الخصوصية الدولية” الخيرية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرًّا لها؛ إذ أصدرت تقريرًا مطولًا عن المراقبة في المغرب أبرزت فيه تجربة ثلاثة أعضاء في منصة “مامفاكينش”(38). بعد ذلك بقليل أعلنت الحكومة المغربية رفع دعوى تختصم بها “كلَّ من وراء منظمة الخصوصية الدولية”، لكنها لم تبيِّن على وجه التحديد من ستقاضي ولا بنود الاتهام(39). بعد ذلك أضحى أحد مؤسسي “مامفاكينش”، هشام المرآة، متهمًا في قضية بدعوى “تهديد أمن الدولة الداخلي”(40).

في هذا الخصوص، قال المرآة: إن الشرطة استدعته إلى مخفر محلي في 15 سبتمبر/أيلول 2015 لاستجواب امتد إلى 14 ساعة بدءًا من 10 صباحًا وحتى منتصف الليل، ثم أطلقت سراحه بعد ذلك(41). تخلل الاستجواب سؤال الشرطة إياه عن دوره في تقرير منظمة “الخصوصية الدولية” وما إذا كان لديه دليل على ادعاءاته بتلقي برمجية تجسس. بالرغم من التعاون مع السلطات، قرَّر المرآة عدم الظهور على أمل عدم تصعيد الأمور. لكن الحكومة نجحت في تغيير قواعد “التباري”؛ إذ أعادت تشكيل مقومات قوتها على حساب مقاومة متراخية، وذلك بغية السيطرة على مساحة أكبر لـ”مجال التباري”.

اعتبارات تتجاوز “مامفاكينش” وصحافة المواطن

لم تكن حالة “مامفاكينش” الأولى ولا الوحيدة التي استعانت فيها الحكومة المغربية ببرمجية تجسس، فقد سبق لها استخدام برمجية “إيغل” (Eagle) التي أنتجتها شركة “أميسي بول” (Amesys Bull) الفرنسية كي “يتسنى للحكومة إنفاذ الرقابة والمتابعة الشاملة للحركة على شبكة الإنترنت”(42). من الوارد توجيه الرقابة ضد المنصات الإعلامية الإلكترونية على سبيل المثال، مع الاحتفاظ أيضًا بعين رقيب على الأنشطة الفردية على شبكة الإنترنت. ومن ثم، وعلى مستوى أشمل، عمدت الدولة إلى تنفيذ طرق أكثر تقليدية للمراقبة، مثل التنصت على الهواتف وتكليف عملاء بمراقبة الأفراد ميدانيًّا(43). وكان من المستهدفين بتلك الطرق عمر راضي، وهو صحفي مستقل كان يومًا عضوًا بهيئة التحرير في “مامفاكينش” قبل أن يلتحق بالموقع الإلكتروني “لكم”، إلى أن انضم حديثاً إلى الموقع الإلكتروني “لو ديسك” (Le Desk)، وهو أول موقع إلكتروني يتطلب اشتراكًا من المتابعين. كان عمر راضي عاكفًا على صياغة مقال في مطلع العام 2015 لصحيفة “لو موند” (Le Monde) بشأن تشييد قصر لأحد الأمراء الخليجيين في مدينة إفران شمال غربي المغرب(44). أشار راضي إلى أنه استشعر رقابة ممن يعتقد أنه عنصر أمني. وقد كان راضي يتواصل مع منسق معني بتيسير عقد اجتماعات الصحفيين مع المصادر عبر “فيسبوك”، فاتصل به المنسق وتناقشا في تفاصيل المقال. وفي نهاية اليوم نشر إصدار إلكتروني مغربي -معروف بصلاته بالقصر وأجهزة الاستخبارات- مقالًا ينطوي على تفاصيل بأن راضي صرح بأنه لم يتباحث مع منسقه سوى عبر الهاتف و”فيسبوك”(45). ومن ثمَّ، أضحت حالة راضي مثالًا لتحرك الدولة صوب تعزيز سطوتها على فضاء الإعلام الإلكتروني، فاعتمدت لأجل ذلك أساليب جديدة استبقت بها التحركات المقابلة من الصحفيين الناقدين من أمثال عمر راضي.

كشف الصحفي المغربي، هشام المنصوري، عن قصة مماثلة عندما أماط اللثام عن أسلوب مختلف تتبعه الدولة في المراقبة. كان المنصوري عاكفًا على كتابة تقرير يتعلق بمراقبة الإنترنت عندما تعرض للتوقيف والاتهام في مارس/آذار 2013 بتهمة “الخيانة الزوجية”؛ علمًا بأن هذه التهمة باتت شائعة في مواجهة من يجترئون على حدود حرية التعبير، أما الغاية منها فهي تشويه سمعة المستهدفين بها. ومن التهم المماثلة التي تستعملها السلطة السُّكْر وإدمان المخدرات، وهي تهم عادة ما تتصدر عناوين الصحف والمقالات لتدمير صورة الشخص والنيل من سمعته. وفي هذا الصدد، أدان الكثير من المنظمات الدولية المعروفة الاتهام الموجَّه للمنصوري، واصفة إياه بالكيدي(46).

وبعد قضاء المنصوري حكمًا بالسجن عشرة أشهر، أُفرج عنه بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 2016(47). وبذلك تكشف حالة المنصوري عن استخدام بديل لوسائل المراقبة، تهدف إلى إدانة من يخضع للمراقبة وتدميره اجتماعيًّا، وهذه الورقة تلعب بها السلطات مرارًا لفرض سطوتها في “مجال التباري”.

يرى ستيفن غرين (Stephen Green) أن الهدف من إنفاذ هذا التوجه الجديد هو “بناء إطار لفهم ساحة المراقبة التي ما زالت تضم الكثير من الأصوات وحالات المقاومة وأوجه الغموض”، وهذا طرح لا ينطبق انطباقًا دقيقًا على حالة “مامفاكينش” فحسب، بل وعلى المجال الأوسع نطاقًا للإعلام الإلكتروني في المغرب بوجه أعم(48).

بعيدًا عن حالة “مامفاكينش”، وعقب تعليق أنشطتها بشكل طوعي، ظهرت “أصوات وحالات مقاومة وأوجه غموض بديلة، ومن بينها موقع “لكم” لصاحبه علي أنوزلا، ثم خلفه “لكم 2″، و”لو جورنال” ثم “لو ديسك” لعلي عمار، وهما غيض من فيض.

لعل أبرز الظواهر خلال هذه الفترة هي ظاهرة التغيير في أساليب الحكومة المغربية عند التعامل مع صحافة المواطن والصحافة الإلكترونية؛ وهو مجال لم تنجح في تنظيمه بصورة رسمية فيما قبل. كما أخضعت الدولة تلك الأساليب لمزيد من التنقيح لتنفذها عند التعامل مع المصادر الإعلامية الإلكترونية الناقدة والمستقلة، مثل موقع “لكم”؛ ففي غياب قوانين صريحة ومؤسسات مستقلة أقدمت الحكومة على إجراءات وتدابير مدفوعة بالشهرة المتعاظمة لمنصة “مامفاكينش”. تجدر الإشارة هنا إلى أن الحكومة المغربية لم تعترف البتة بمسؤوليتها عن برمجية (RCS) التجسسية التي تم شراؤها من شركة “هاكينغ تيم”؛ بل انكشفت تلك المسؤولية من خلال التعاون بين “مختبر المواطنين” و”مامفاكينش”. وتعززت تلك النتيجة بادعاءات شركة “هاكينغ تيم” على موقعها الإلكتروني بشأن تخصصها في “التقنية الهجومية سهلة الاستخدام” المستحدثة لغرض أوحد هو “الاستفادة منها في أوساط قوى الأمن والاستخبارات بشتى أنحاء العالم” (Hacking Team).

ثمة عوامل أخرى أسهمت في تعزيز ادعاءات “مامفاكينش” بأن الحكومة المغربية هي المسؤولة عن برمجية التجسس، ومنها أن شركة “هاكينغ تيم” نفسها تعرضت للقرصنة في يوليو/تموز 2015 بمئات من رسائل البريد الإلكتروني التي فضحت عملاءها، وكان من بينهم عدد من أذرع أمنية وعسكرية واستخباراتية مغربية(49). نُشرت تلك الرسائل على موقع “ويكيليكس” (WikiLeaks) تحت عنوان “أرشيف هاكينغ تيم” (Hacking team Archives) بتاريخ 8 يوليو/تموز 2015. وبدأت الرسائل من مارس/آذار 2010 بمراسلات رتبت لزيارة من منسوبي شركة “هاكينغ تيم” إلى المغرب، وجاء في إحداها بتاريخ 21 مارس/آذار 2011 والموجهة إلى عميل الشركة المغربي: “آمل أنكم قدَّرتم قرارنا السريع بالمجيء إلى المغرب، وقدَّرتم جهودنا للتعامل مع هذا الموقف الحساس وحلِّه […] نحن على دراية بالصعوبات التي تواجهونها في إدارة هذا الكم الهائل من البيانات”(50). ومن ثمَّ، وثقت تلك الرسائل عبر البريد الإلكتروني المراسلات المتبادلة بين “هاكينغ تيم” وعملائها المغاربة طوال تلك الفترة وحتى عام 2015، شاملة مراسلات متبادلة بشأن أخبار تلقي “مامفاكينش” برمجية التجسس(51). وخلال الفترة بين مارس/آذار ويونيو/حزيران 2013، بدأت شركة “هاكينغ تيم” في نشر نقاط نقاش للرد على الاستفسارات الإعلامية بشأن تلقي “مامفاكينش” برمجية التجسس، ومن بين تلك النقاط عبارة مفادها أن “الناشط في عين البعض إرهابي وهو بطل في عين البعض الآخر”، وأخرى مفادها “لا يمكننا تأكيد أو نفي أن البرمجية المستخدمة من إنتاجنا”(52). وأكدت تلك الرسائل أيضًا أن عنوان متلقي برمجية التجسس في المغرب كان هو: المملكة المغربية، وزارة الداخلية، المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، الرباط، المغرب (وهذا مقر وكالة الاستخبارات المغربية)(53).

خاتمة

وفدت منصة “مامفاكينش” إلى صحافة المواطن في المغرب بهيكل وتنظيم غير مسبوقين؛ واقترن وجودها بنافذة سياسية مواتية وفضاء إلكتروني ناشئ شكَّله صحفيون ومدونون رواد بعد جهد جهيد، فتسنى للمنصة بذلك اقتحام مجال صحافة المواطن في المغرب. غير أن بزوغ نجم “مامفاكينش” كان وجيزًا؛ إذ آل النجم إلى أفول عندما جابهته الدولة. ولما تبيَّن للدولة أن المؤسسات الحالية والقوانين السارية ليست كافية للنهوض بتلك المجابهة، لجأت مرغمة إلى أساليب بديلة لتحقيق هدفها المتمثل في تقنين “مجال” صحافة المواطن وضبط مساره، فأدى ذلك إلى قمع ناجع للأصوات الناقدة، وإسكات تام لمنصة “مامفاكينش” باستخدام برمجية تجسس خفية.

فلما علم أعضاء المنصة أنهم وقعوا ضحية للمراقبة باستهداف من الدولة، انخرط هؤلاء الأعضاء في جهد ذي محورين: الأول هو المشاركة في حملة قوية معلنة لإلقاء اللوم على الدولة وتشنيع فعلتها، وذلك من خلال مقابلات شخصية وحملات إلكترونية؛ والثاني هو تجميع قواهم وإعادة هيكلة تنظيمهم الداخلي وطرق التأمين الإلكتروني بغية تخفيف وطأة التأثير الناجم عن الهجمة الإلكترونية، فضلًا عن اتخاذ تدابير استباقية لتجنب الوقوع في براثن المراقبة مجددًا على نحو ما كان. وتمثَّل المحور الثاني في عقد اجتماعات متفرقة بعضها إلكتروني والآخر شخصي، علاوة على التباحث عبر رسائل البريد الإلكتروني. واشتمل الجهد أيضًا على التحول نحو منصة أكثر أمنًا للبريد الإلكتروني، مع الشروع في تشفير المراسلات البريدية الإلكترونية والحد من تبادل المعلومات الحساسة عبر البريد الإلكتروني، فضلًا عن تدابير وقائية أخرى(54).

غير أن تلك الأساليب أسفرت عن تأثير سلبي على قوة “مامفاكينش”؛ ومن أمارات ذلك التأثير دخول الأعضاء في حالة من التحفز المفرط بشأن تأثير أعمالهم؛ فأدى ذلك إلى شعور أعتى من الخوف والقلق، وكان من تبعاته أن استقال عدد من الأعضاء، فيما عمد البعض الآخر إلى الحد كثيرًا من أنشطتهم. ومن تلك الأمارات أيضًا اتباع نهج سياسي أكثر حدة -أي فرض رقابة ذاتية اختيارية من أعضاء المنصة على منصتهم- فأدى ذلك إلى اجتناب ملموس لموضوعات معينة أو مجافاة “خطوط حمراء” محددة. وعلى غرار انهيار حركة 20 فبراير بسبب الشقاق السياسي داخل الحركة، فإن تلقي برمجية التجسس كان عاملًا محفزًا لانهيار مماثل في منصة “مامفاكينش”، وهو ما يمكن اعتباره واحدًا من الأهداف التي قصدتها السلطة من استعمال أدوات المراقبة. ومن التبعات الأخرى بالغة الأهمية اتخاذ قرار بتعليق نشاط المنصة لأجل غير مسمى؛ وهو القرار الصادر في 18 فبراير/شباط 2014، أي بعد أقل من عامين من استهداف المنصة ببرمجية التجسس. وجاءت رسائل البريد الإلكتروني الداخلية في هذا الشأن لتكشف عن شعور قوي بالرهاب والقلق في أوساط أعضاء المنصة، حتى إن أحدهم وصف جهود “مامفاكينش” المتواصلة لتغطية الاحتجاجات المحدودة بأنها “جهود تذهب سدى ولا تعدو كونها تلميحات بائسة”(55).

وانطلاقًا من التأطير البحثي وفق مفهوم “المجال” الذي طرحه بورديو، فقد ثبت أن الدولة وأعضاء عالم صحافة المواطن كانا طرفين منخرطين بقوة في المباراة بغية إنشاء مجال صحافة المواطن و/أو الهيمنة عليه. وبالرغم من ميزان القوة المرجوح بين طرفي التباري، فقد نجح كل منهما في إحداث تأثيرات معتبرة مهمة في الآخر (سواء اشتمل ذلك على توجيه أساليب الدولة أم لا) وصولًا إلى إدارة أزمة داخلية تفضي في نهاية المطاف إلى أفول منصة بأكملها تخصصت في صحافة المواطن وقامت على أكتاف اثني عشر شخصًا. الثابت إذًا هو أن تلكم العلاقة وذلكم التفاعل لم يصطبغا بصبغة أحادية، ولذلك سعت هذه الدراسة إلى استعراض وتبيان عملية تفاعلية ستكرر نفسها على الأرجح متى ظهر موقع آخر لصحافة المواطن الناقدة في المستقبل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*سامية الرزوقي، باحثة ميدانية في المغرب، برنامج الإعلام في مراحل الانتقال السياسي، جامعة كامبريدج.

تُعَدُّ الدراسة جزءًا من المشروع البحثي المشترك بين مركز الجزيرة للدراسات وجامعة كامبريدج، والذي يتناول “الإعلام في مراحل الانتقال السياسي: الحالة المغربية نموذجًا”. وتبحث الدراسة أساليب مراقبة الإنترنت وصحافة المواطن في سياق التحول السياسي بالمغرب الذي تميز بظهور حركة 20 فبراير وتأثيرها في مساراته.
مراجع
(1) بيان إخلاء المسؤولية: كنت عضوًا في “مامفاكينش” لنحو ثلاثة أعوام، بصفتي عضو المنصة الوحيد المقيم في الولايات المتحدة الأميركية. والغرض من كتابة هذا البحث هو الإضافة إلى الدراسة الحالية لصحافة المواطن من خلال منظور صاحب تجربة، وهو منظور مقترن بالنهج الأكاديمي البحثي.

(2) Bourdieu, P; and Loïc, W. An Invitation to Reflexive Sociology, (Polity Press, Cambridge, 1992), p. 97.

(3) Ibid. p. 98.

(4) Fierke, Karin, “Agents of Death: The Structural Logic of Suicide Terrorism and Martyrdom”, International Theory, (Vol 1, N 1, 2009), p. 158.

(5) Foucault, Michel, “The Subject and Power” Critical Inquiry, (Vol 8, N 4, 1982), p. 327.

(6) Ibid, p. 327.

(7) Ibid, p. 239.

(8) Rodriguez, Clemencia, “Civil Society and Citizens Media: Peace Architects for the New Millennium”, In Redeveloping Communication for Social Change, edited by Karin Gwinn Wilkins, Rowman & Littlefield Publishers, Lanham, 2000), p. 150.

(9) Ibid, p. 150.

(10)Jacobs, Anna, Print Media and Political Reform in Morocco: The Case of Le Journal 1997–2010, (M.A. Thesis, University of Oxford, 2015).

(11)Ksikes, Driss, “Chronique de liens contrastés entre Medias et Pouvoirs au Maroc”, Economia, 2014. https://bit.ly/2JFuXI6

(12) Talk Morocco.http://www.talkmorocco.net/about/

(13) Ibid.

(14) Jacobs, “Print Media and Political Reform in Morocco”, op, cit, p. 95.

(15) بالرغم من تعليق الموقع الإلكتروني أنشطته تعليقًا اختياريًّا منذ العام 2013، فإنه يمكن الاطلاع على أرشيفه عبر الرابط الآتي: http://www.mamfakinch.com

(16) مامفاكينش، 10 مارس/آذار 2011.

(17) من خلال مطالعة رسائل البريد الإلكتروني الداخلية لأعضاء منصة “مامفاكينش”، فإن نقطة من نقاط الخلاف داخل المنصة هي كيفية تمييز أنفسهم عن حركة 20 فبراير أو حساب أنفسهم عليها، لاسيما وأن المنصة سعت إلى الصمود في وجه العاصفة وتمييز هويتها، فقوبل ذلك برفض من الحركة. فمثلًا، ثمة سلسلة من المراسلات عبر البريد الإلكتروني استمرت لعدة أسابيع خلال يناير/كانون الثاني 2014 وركزت على صياغة بيان يحمل عنوان “من نحن؟”. تجادل أعضاء المنصة بشأن طبيعة “مامفاكينش”، فرآها البعض مجرد موقع إلكتروني، فيما رآه البعض الآخر منصة تعاونية قابلة للحياة بالاعتماد على نفسها، حتى وإن لم يعد للموقع الإلكتروني وجود.

(18) “Annonce des réformes constitutionnelles: Texte intégral du discours adressé par SM le Roi à la Nation”, June 2011.

(19) مامفاكينش، 25 يونيو/حزيران 2011.

(20) مامفاكينش، 29 يونيو/حزيران 2011.

(21) نشرت تلك الادعاءات على موقع mamfakinch.com، الذي عرض التغطية المباشرة للأحداث، لكنه أضحى غير متاح منذ ذلك الحين.

(22) Morocco Approves Constitutional Reforms, 1 July 2011.

(23) مامفاكينش، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

(24) المرجع السابق.

(25) حققت منصة “مامفاكينش” أكثر من 22 ألف متابع على موقعي “تويتر” و”فيسبوك”: http://www.facebook.com/MAMFAKINCH.Official/http://twitter.com/Mamfakinch

(26) Sakthivel, Vish, “Al-Adl wal-Ihsan: Inside Morocco’s Islamist Challenge”, The Washington Institute, August 2014.https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/al-adl-wal-ihsan-inside-moroccos-islamist-challenge

(27) Karam, Souhail, “Moroccan Islamists Quit Arab Spring Opposition”, Reuters, 19 December 2011.http://www.reuters.com/article/us-morocco-opposition-protestsidUSTRE7BI1WZ20111219

(28) بصفتي عضوًا في منصة “مامفاكينش”، استبعدت من رحلتي إلى معسكرات اللاجئين بالصحراء في تندوف بالجزائر، وهو ما اعتبره الأعضاء الآخرون “انحرافًا” عن أهداف المجموعة.

(29) Ait El Haj, Rime, “Le code numérique avorté!”, L’Economiste, 12 December 2013.https://www.leconomiste.com/article/914058-le-code-num-rique-avort

(30) El-Rifae, Yasmin, “Mission Journal: Morocco’s New Press Law Undermined by Draft Penal Code”, The Committee to Protect Journalists, 9 July 2016.https://cpj.org/blog/2016/07/mission-journal-moroccos-new-press-law-undermined-.php

(31) “State of Surveillance: Morocco”, 6 March 2016.

(32) “Country Reports on Terrorism 2015 – Morocco”, 2 June 2015.

(33) Sigal, Ivan, “Announcing the Winners of the Breaking Borders Awards”, Global Voices, 2 July 2012.https://summit2012.globalvoices.org/2012/07/announcing-thewinners-of-the-breaking-borders-awards/.

(34) سلسلة رسائل البريد الإلكتروني هذه محفوظة في الأرشيف الخاص بالمؤلفة.

(35) “أعينهم عليَّ: تجارب المراقبة في المغرب”، (بيان إخلاء المسؤولية: المؤلفة يشملها هذا التقرير).

(36) المرجع السابق.

(37) Zetter, Kim, “Researchers Find and Decode the Spy Tools Governments Use to Hijack Phones”, Wired, 24 June 2014.https://www.wired.com/2014/06/remote-controlsystem-phone-surveillance

(38) “أعينهم عليَّ: تجارب المراقبة في المغرب”، [ملحوظة: لم تكن الباحثة من المشار إليهم في التقرير].

(39)El Yaacoubi, Aziz, “Moroccan Government Sues Authors of Report Accusing it of Spying: state news agency”, Reuters, 9 May 2015.

(40) https://www.reuters.com/article/usmorocco-cybersecurity-rights-idUSKBN0NU0G220150509

(41) Editorial Board, “Free Speech Goes on Trial in Morocco”, Washington Post, 20 November 2015. https://www.washingtonpost.com/opinions/free-speech-goes-ontrial-in-morocco/2015/11/20/9eaea2d2-8f9e-11e5-af4-bdf37355da0c_story.html?utm_term =.5592f0b1ab41

مقابلة شخصية مع هشام المرآة عبر الإنترنت، يناير/كانون الثاني 2016.

(42) المرجع السابق.

(43) مقابلات شخصية مع صحفيين ونشطاء مغاربة، أجريت على مدار عامي 2015 و2016.

(44) مقابلة شخصية مع عمر راضي بتاريخ 13 من سبتمبر/أيلول 2016، الرباط.

(45) Alaoui, Mohammed Chakir, “L’autre “scoop” raté du journal Le Monde”, Le360, 10 February 2015. http://fr.le360.ma/medias/lautre-scoop-rate-du-journal-le-monde-32015

(46) “Morocco jails press freedom advocate Hicham Mansouri”, April 2015; “Morocco: Prison Terms for Adultery”, 2 June 2015.

(47) ملحوظات من مؤتمر صحفي عقده هشام المنصوري في مقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاريخ 17 من يناير/كانون الثاني 2016.

(48) Green, Stephen, “A Plague on the Panopticon: Surveillance and Power in the Global Information Economy”, Information, Communication & Society, 2 (1), 1999, p. 28.

(49) Hern, Alex, “Hacking Team Hacked: Firm Sold Spying Tools to Repressive Regimes, Documents Claim”, The Guardian, 6 July 2015.

https://www.theguardian.com/technology/2015/jul/06/hacking-team-hacked-firm-sold-spying-tools-to-repressiveregimes-documents-claim

(50) “Re: MAIL PER MAROCCO,” 8 July 2015.

(51) في رسالة مرسلة بالبريد الإلكتروني بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2013، نشر منسوبو “هاكينغ تيم” نقاطًا للحوار بشأن برمجية التجسس المرسلة إلى الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مشفوعة بعبارات من قبيل “الناشط في عين شخص هو إرهابي في عين آخر”، وأخرى مفادها “لا يمكننا تأكيد أو نفي أن البرمجية المستخدمة من إنتاجنا”.

(52) “The Hacking team Archives”, 8 July 2015.

(53) العنوان وارد في بريد إلكتروني مؤرخ في 5 ديسمبر/كانون الأول 2011، أي قبل أقل من عام من تاريخ تلقي “مامفاكينش” برمجية التجسس.

(54) جمعت هذه المعلومات من خلال مراسلات بريدية إلكترونية، وهي محفوظة في الأرشيف الشخصي للباحثة.

(55) المرجع السابق.
المصدر/ الجزيرة للدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب