26 ديسمبر، 2024 9:13 ص

فضائح العنف السياسى وعسكرة التنظيم المدني
عرض : رشا العشرى
مقدمة :
الأهمية العسكرية والأمنية ودورها في حفظ الأمن لدى الدول المتقدمة، ومراقبة الإرهابيين، والمتمرديين هو جوهر كتاب مدن تحت الحصار، فقد جعلت تلك الاستراتيجية الأمنية العديد من الدول في العالم تحت المراقبة والتهديد، إلا أن المبدأ الأساسي للتخطيط المدني العسكري الجديد هو التبادل النموذجي، الذي يجعل مساحات المدن العامة، والخاصة، وبناها التحتية بالترافق مع سكانها المدنيين، مصدراً للأهداف، والتهديدات، وهذا جلي في الاستعمال الواسع لكلمة حرب كاستعارة مهيمنة لوصف حال ثابتة ولا نهائية  في المجتمعات المدنية كالحرب على المخدرات، والجريمة، والرعب، وعلى انعدام الأمن نفسه، ويدمج هذا التطور من العسكرة المختلسة لمجموعة واسعة من المناظرات السياسية، والمواقع الحضرية، ودوائر البنية التحتية الحضرية ، كذلك أن التنظيم العسكري المدني الجديد يقوم على فكرة رئيسية وهي أنه يجب على التقنيات العسكرية  فى الملاحقة والاستهداف استعمار المواقع والمساحات في الأوطان المختلفة ، الأمر الذى يدفع الارهابيين والمتمردين إلى مواجهة القوى الدولية الأمنية والعسكرية والاستخبارية العالية والتكنولوجيا، حيث سعى كتاب ” مدن تحت الحصار ” إلى عرض كيف تؤبلس الأداءات المانوية المدن في عالمنا المتحضر على أنها أمكنة مهددة جوهرياً وتقويضها، وتمعن بالتفصيل في كيفية استعمار طرائق التفكير العسكرية الأخيرة مساحات حياة المدنية اليومية ومواقعها لتفرض نماذج تصور الحياة نفسها كأنها حرب داخل ساحة معركة غير محدودة .
الفصل الأول:
الحرب تدخل المدينة من جديد
يتناول الفصل الأول كيف عادت الحرب والعنف السياسى والتخيلات العسكرية والأمنية اليوم لتدخل المدن من جديد ويأتى هذا التطور بعد مرحلة طويلة ساد من خلالها الظن أن الجيوش الغربية كانت مشغولة بالتخطيط لمبادلات نووية بين القوى العظمى تشمل الكرة الأرضية أو تكثف معارك دباباتها عبر السهول الريفية، حيث يبحث الفصل عن الطرائق التى يسستخدمها المذهب العسكري والأمني الأخير لاستعمار المجالات اليومية للتجمعات السكانية الحديثة، واستقطاب العالم.
في التنظيمات المدنية العسكرية القديمة نجد أن معظم دول العالم نشأت أصلاً أقلية جزئياً كإنشاءات عسكرية  فلا يمكن الحديث عن تاريخ هذه المناطق الحضرية دون الأخذ في الاعتبار الدور الرئيسي لهذه الأمكنة كمواقع حساسة لعسكرة السلطة والمراقبة، ومنذ ذلك صارت المدن الوكيلات المركزية للضعف في أشكاله المختلفة، ومع التقدم انتقلت التقنيات والتكنولوجيات للحرب الحضرية الاستعمارية بين الحدود المستعمرة ومعاقل المدن الكبرى الأوروبية، ففى  الوقت التي تحارب فيه القوى الأوروبية الثورات والانتفاضات تقوم على حماية مدنها، فهذه الحرب الاستعمارية كان لها الدور في قمع المقاومة في المدن المحتلة عبر قوة عسكرية متفوقة تقوم بأعمال وحشية وعنف قاتل، كما حدث في قمع التمرد في الجزائر وتدمير أحياء بكاملها ليفسح المجال أمام شق الطرق الحديثة، كما حدث في فيتنام، وسيول، وأيرلندا الشمالية، وجنوب أفريقيا، وغيرها .
من هنا باتت الاستراتيجيات للهجوم المتعمد على الأنظمة والأماكن، التي تدعم الحياة الحضرية المدنية، أكثر تطوراً منذ الإبادة الحضرية الشاملة مروراً بحقبة مابعد الاستعمار، ومع إنتشار الحروب الدموية بين الدول في الكثير من أرجاء العالم أصبح سريان العنف السياسى المنظم داخل المدن، وأنظمتها، وعبرها معقد لأنه يعتزم تغيير الكثير من المناطق الحضرية، وذلك ينطوي على مستويات حربية من العنف وزعزعة الإستقرار والتهجير القسري، وإبادة السكان، ومن هنا يظهر الدور الأمريكي جليًا فى احتلالها للعراق، فقد استغلت التوترات الطائفية في العراق، وبتالي عززت برامج التطهير العرقي، وبتالي دلَّ هذا الفشل على مشكلة أوسع في ممارسة العسكرية الأمريكية .
الفصل الثانى:
العوالم المانوية
تعمل معاقل اليمين السياسى المتنوعة في شكل متزايد لأبلسة المدن من منطلق أنها جوهريًا أمكنة مهددة، أو شكلية، تتطلب عنفًا سياسيًا، ومراقبة عسكرية أو أمننة جذرية، حيث يحاول الكتاب أن يبرهن أن الحرب والإرهاب المعارضين تعديا اليوم نطاقهما بكثير ليتصارعا على المساحات، والرموز، والمعاني، والأنظمة الداعمة، وآليات السلطة للمدن، طالما كانت برامج العنف السياسى مشروعة ومدعومة عبر تركيبة الجغرافيا الخيالية وهو مصطلح يرمز إلى السبل التي بنت عليها المجتمعات الإمبريالية تعميمات ثنائية التركيب عبر الأقاليم الغربية المستعمرة، ومساحات الوطن، التى تقع في قلب الإمبراطورية.
من هنا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعدَّت حدود الأمكنة تبريرًا لما أسمته الحرب على الإرهاب نتيجة هجمات 11/9، حيث طبع البناء الاستطرادى للحرب على الإرهاب بإعادة العمل بالجغرافيا الخيالية، التي تفصل بين المدن المفترضة على أنها الوطن الأمريكى عن المدن العربية المزعومة أنها مصدر التهديدات الإرهابية ضد المصالح الأمريكية الوطنية، وبتالي تقسم الأماكن وفق تصنيفين حصريين ” إما معنا أو ضدنا “.
المرايا المانوية
تعكس التركيبات الأصولية والعنصرية للمكان الحضري صورة العنف من خلال خطب المدن المشحونة في شكل روتيني، والتى تنشرها مجموعات أصولية إسلامية مثل تنظيم القاعدة، ولأن الوصاية اللاهوتية تأتي من مصدر أخر من وجهة نظرهم تكون الأهداف مدن الكفرة والمسيحيين والصهيونيين في الغرب واسرائيل، وعليه ينبغى أن تطهر الأماكن المؤنسنة للوطن المسلم في عنف من الوجود الغربي بغية خلق مساحة إسلامية عابرة للحدود الوطنية قسراً أو ” أمة ” تستبعد منهجيًا كل التنوع والاختلاف عبر التدريب المتواصل للقوة القاتلة.
الحضرى الأخر الوحشى
رسَّخت الصورة الذهنية من خلال وسائل الإعلام والسينما والرواية أبلسة المدن المركزية وسكانها خاصة التى يسكنها الأفريقيون في بعض مدن الولايات المتحدة، الذين يتصفون بتجارة المخدرات والجريمة فهم يصنفون من الطبقة الدنيا أو كظلال أو وحوش كامنة وراء السكان البيض، ومع تفشي الفوضى عززت فكرة النفوس الضائعة في المدن الضائعة وساق هذا إلى استعارات عسكرية قائمة على “تعبئة جنود المسيح للانتصار على الشر وعلى العرق المعادي للمسيحيين من سكان المدينة المركزية كجزء من حرب الرسامة الروحية في شكل ثيوقراطى.
المشرقية والإرهاب
إن حقيقة تصنيف إرهابي تجرد الأفراد من حقوقهم في الحياة أو المعاملة الإنسانية فهناك استعارات استشراقية تصور غير الغربي بأنه بربريًا، حيث كانت قيمة المفاهيم الاستشراقية في التفاضلية العنصرية، التي ساهمت في تشكيل الجغرافيا الحقيقية والخيالية معًا للاستعمار العربي والأسس المهمة في الحرب على الإرهاب، وقد أتاحت هذه المفاهيم أن يكون بعض الأجسام البشرية عرضة في سهولة أكثر إلى الإذلال، والسعي والتكبيل والتجويع والتدمير أكثر من غيرها.
الفصل الثالث:
التنظيم المدنى العسكرى الجديد
فى هذا الفصل فصلت المزايا الخاصة للتنظيم المدني العسكري الجديد، وتم استعمال بعض أخر  الأبحاث لإلقاء الضوء على السمات الرئيسية للتقاطع العميق بين التنظيم المدني والعسكرة، ونجد أن جوهر بحث هذا الفصل ينصب على فكرة أن الأيدولوجيات العسكرية الجديدة لحرب دائمة ومحدودة تزيد جذريًا من عسكرة الحياة الحضرية.
جنود الريف / الحرب الحضرية
بدأت تظهر علاقات جديدة بين الدول والجنود والمواطنين خلًّفت أثارًا كبيرة في التحضر المعاصر للحرب حيث أشارت ” ديبورا كووين ” إلى أن الجيوش المحترفة العالية التكنولوجيا في الغرب كثيرًا ما تتألف اليوم من جنود ريفيين على نحو ساحق، ونجد أن المدى الذي بلغه التنظيم المدني العسكري لم يسبق له مثيل في إدماج التطبيقات المدنية والعسكرية لتكنولوجيا السيطرة، والمراقبة، والاتصالات، والمحاكاة، والاستهداف وطمسها، ووفق عبارات ” بول فيتربول ” باتت المدن اليوم معرضة جدًا لمجموعة واسعة من التهديدات الأمنية المحيطة، والمتنقلة العابرة للحدود، ومن هنا فإن انتشار الحرب تتطلب تعبئة، ووقاية دائمة، ومراقبة كلية داخل الحدود الإقليمية، وخارجها، حيث نتج عن ذلك توسع مجال الأمن ليمزج الممارسات التجارية، والعسكرية، والأمنية مع تزايد ثقافة الخوف من التنقل المدني، والمواطنة، والاستهلاك، وكما اقترح ” ويليام كونولي ” أنه لابد من مراقبة المطار، ومصافى الانترنت، وأجهزة تتبع جواز السفر، والاحتجاز القانوني من دون تهم جنائية، ومخيمات اعتقال أمنية، والمحاكمات السرية، والحمض النووي في الملفات الشخصية، وجدران الحدود، وأسوارها، مع تآكل الحد الفاصل بين الأمن الداخلي، والعمل العسكري الخارجي.
أخيرًا يذهب التخطيط المدني العسكري الجديد إلى ماهو أبعد من الاهتمام بالتكنولوجيات، والعقيدة، والتكتيكات العسكرية، والأمنية المطلوبة في محاولة للسيطرة على الأماكن، والشعوب المؤبلسة، وإعادة السلم إليها أو استغلالها، ويتم استخدام سلطات الدولة لإعادة تكوين الأماكن الحضرية في عنف، أومحوها بغية تبديد تهديدات مزعومة، ومسح مساحة جديدة لمقتضيات تشكيل المدنية العالمية.
الفصل الرابع:
الحدود الكلية والوجود
لم تعد الحدود الوطنية خطوطًا متواصلة على سطح الأرض، بل سارت سلسلة من الخطوط والنقاط غير المترابطة تقع داخل كل بلد.
ثنائيات وستيفالية وحروب إنفاذ الأمن
أسس هذا النظام الويستفالي العالمي من ناحية على مفهوم أن الدفاع الخارجي للدول القومية يتطلب نشر القوة العسكرية خارج حدودها ضد شخص العدو في أوقات الحرب، ومن ناحية أخرى تتبع الدول الويستفالية المنطق الداخلي في فرض النظام، وقد تم تحريك القانون الجنائي داخليًا لمعالجة الجناة والجهات الفاعلة، التي تعد تهديدًا للنظام الاجتماعي.
كما أطلق ” آلن فيلدمان ” “حروب إنفاذ الأمن” على أنها حروب لايحدها زمن أو غرض، ونُزعت إقيميتها على المخدرات، والجريمة، والإرهاب، والهجرة غير الشرعية، والتهديدات البيولوجية، والتي تهدف إلى الحفاظ على سيادة الدولة ليس عبر حروب خارجية تمتزج مع حفظ الأمن الداخلي، وإنما عبر رفع شبح التنقلات والتدفقات على أنها تلوث المجتمعات، وتهدد النظام الاجتماعي داخليًا وخارجيًا معًا، وتفرض حروب إنفاذ الأمن سياسات “السوية المعهودة الجديدة” التي ترتكز على ماسماه ” فيلدمان” تعايش الخوف المستلهم واعتداء الأخر الموجه، فهي تعيد تدوير الأبلسة في أيام الحرب الباردة، والعصر الطويل من الاستعمار العرقي، حيث تستدعي حروب كهذه في شكل حاسم سلسلة مترابطة من الحدود الضعيفة الشفافة والخطيرة.
الأوطان العالمية
يتجلى المظهر الأخير اللافت في استعمال تكنولوجيات السيطرة في محاولة لتحقيق الحدود الكلية الوجود في جهد الولايات المتحدة لبسط إنفاذ الأمن الوطني على المستوى العالمي.
من هنا ينتهى الباحث إلى ضرورة أن تنفتح مفاهيم الأمن العالمية على الاختلاف، وأن تُصنع في الوقع من خلاله، كما ينبغى أن تقف في وجه ترجمة الاختلاف المعتادة  صورة مادية وعنفًا ضد الأخر، كما ينبغى أن تؤكد إعادة حقوق دول التلقي كوسيلة للتغلب على السيادات القاتلة، التى تمارسها دول الاستثناء، والتى تتميز بها خصوصًا الرأسمالية الليبرالية الجديدة. وأخيرًا ينبغي أن ترفض سياساتنا المعارضة التحديد الكلي الوجودي للحركة والتداخل والحياة الاجتماعية داخل الحدود الإقليمية للدول الوطنية وخارجها معًا، كما ينبغى نبذ حرب إنفاذ الأمن.
وعلى الرغم من تعدد إجراءات الأمن مثل  قاعدة البيانات عن قزحية العين، والحمض النووي، وبصمات الأصابع، حيث تبنى على قاعدة البيانات الموجودة لصور جوازات السفر البيومترية إلا أن القلق الأبرز يأتي من أن تصبح قاعدة البيانات البيومترية الوطنية الشاملة وسيلة تشن من خلال حرب إنفاذ الأمن، وتجدد السلطوية، حيث تميل النزعة إلى تحديد المدن بيومتريًا لأن تكون أكثر تقدمًا، حيث تمر الحدود الدولية بين البلدان الغنية والفقيرة وتتشكل المجتمعات الحضرية.
من هنا ينتهى الباحث إلى ضرورة أن تنفتح مفاهيم الأمن العالمية على الاختلاف، وأن تصنع في الوقع من خلاله، كما ينبغى أن تقف في وجه ترجمة الاختلاف المعتادة  صورة مادية وعنفًا ضد الأخر، كما ينبغى أن تؤكد إعادة حقوق دول التلقي كوسيلة للتغلب على السيادات القاتلة، التى تمارسها دول الاستثناء، والتى تتميز بها خصوصًا الرأسمالية الليبرالية الجديدة، وأخيرًا ينبغي أن ترفض سياساتنا المعارضة التحديد الكلي الوجود للحركة والتداخل والحياة الاجتماعية، داخل الحدود الإقليمية للدول الوطنية وخارجها معًا، كما ينبغى في اختصار نبذ حرب إنفاذ الأمن.
الفصل الخامس:
أحلام حرب روبوتية
يأتي اعتماد عقيدة الحرب الحضرية في شكل واسع بين الجيوش الغربية بعد قرون امتثل في خلالها مخططوها لمقولة “سان “( منذ 3500 عام) بأن ” أسوأ سياسة تكون بمهاجمة المدن”، وقد تلاها أيضًا مرحلة الحرب الباردة التي أكد من خلالها أن مرحلة الحرب العسكرية الغربية تقوم على الإبادة الحضرية الكاملة من خلال استهداف الأعداء نوويًا، حيث خاضت القوات الغربية معارك كثيرة في مدن العالم النامي من خلال الحرب الباردة كجزء من صراعات أوسع ضد حرب الاستقلال أو حروب ساخنة بالوكالة، وقد مالت القوات العسكرية الأمريكية إلى الاقتراب من المنطقة الحضرية لهدم المدينة أو عزلها مستخدمة تكتيكات لم تتغير منذ الحرب العالمية الثانية، وهذا يعني أن الولايات المتحدة إما تجاهلت إبادة المدن المستهدفة منهجيًا، وإما سعت إليها، أما اليوم، وعلى نقيد ذلك، تعد المعارك التأسيسية التي تشن داخل الجيش الأمريكي ومؤسسات الأبحاث المرتبطة به، الطريقة الُمثلى للرد على عمليات مكافحة التمرد داخل المناطق الحضرية الواسعة بين الأهم في السياسة العسكرية الأمريكية حيث تتم اليوم وعلى شكل واسع معارضة المفاهيم السائدة في القتال العسكري الأمريكي التي تتجاهل تحضر الصراع وتناقش وتعالج المخاطر المتوقعة من المشاركة في عمليات عسكرية في المناطق الحضرية.
مشروع منهاتن الجديد
أطلق هذا الاسم لاستحضار الرمز الشهير، الذي استُعمل في الأربعينيات لوصف البرنامج الضخم لتطوير القنابل النووية، التي استُخدمت في تدمير هيروشيما وناجازاكي، فقد حث تقرير الدفاع العلمي على حشد مماثل للموارد العسكرية، ورفع التقرير تحديدًا إمكان استغلال تكنولوجيات الحوسبة الكلية الوجود لتطوير نظام رقابى ضخم، ومتكامل، وعالمي الامتداد يصمم لغزو تركيبة الحياة الحضرية وحركتها المتزايدة؛ فالغرض من مشروع منهاتن الجديد تحديد الأفراد، والأشياء، والنشاطات، وتنميطها وملاحقتها لإعطاء الولايات المتحدة التفوق نفسه في الحرب غير المتماثلة، ففي عام 2005 عززت أفكار مجلس الدفاع العلمي كوادر من ثمانية مجالات رئيسة من مجالات التنمية التي عرضت لها استراتيجية البنتاجون في الحرب الطويلة، وتجديد اللغة العسكرية ذات الصلة بمكافحة الارهاب.
الفصل السادس : ميدان الأرخبيل
يشيد سريعًا عبر العالم أرخبيل مخفي يضم ما بين ثمانين مدينة ومئة بعيدًا عن ممرات حاضرات الأرض الرئيسية الإنشاءات، التي تقوم على أطراف المدن غير الظاهرة تمامًا، وفى المناطق الريفية تتركز فى تصميم قواعد عسكرية وأراضى تدريب، وهناك مدن أخرى يصفها الباحث بالمدن المتدهورة، والمعجة بالفقر والتراجع، كالمدن العربية، فبدلاً من أن تكون هذه المدن مثالاً للدينامية والنمو تشكل ميادين لممارسة الدمار الحضرى، والمحو، والعنف الاستعماري، وقد أكد “إيال وايزمان” أن العقيدة الإسرائيلية والغربية تشدد على الحاجة ليس إلى دخول المناطق الحضرية الواسعة فحسب، ولا محاولة السيطرة عليها، وإنما أيضًا لإعادة تنظيم مساحات المدينة المستعمرة ماديًا كي تعمل الأسلحة العالية التقنية، وأنظمة المراقبة لمصلحة المحتلين، وسمي وايزمان ذلك ” التصميم بالتدمير” وعلى ما وصفه ” تنهك الحرب الحضرية المعاصرة نفسها داخل هندسة مشيدة حقيقية، أو خيالية، ومن خلال تدمير المساحة وبناءها وإعادة تنظيمها وتخريبها “، ومن هنا تتم إعادة تصميم المدن المخطط لها بالقوة فالغرض من مدن التدريب السماح للقوات الغربية والأمريكية والإسرائيلية بشحذ مهاراتها في تدمير المدن المصممة، وبعد تدريب كثيف في هذه المواقع انتشرت الوحدات في المدن الحقيقية في العراق وفلسطين ولبنان، وأمكنة أخرى للاضطلاع بما يسمى العمليات العسكرية في المنطقة الحضرية.
أحداث المجتمعات المغلقة
يشرح “غايليم” أن النموذج الإمبراطوري الأمريكي الجديد في استخدام الأراضي يعزز انتشار القواعد الأمريكية، حيث نُقلت القواعد إلى مجمعات معزولة ومجهزة تجهيزًا كاملاً، وصممت لتجنب الأرخبيل الشاسع الأمريكي من المعسكرات والقواعد، ويعد ربما كأحد مجموعة عابرة للحدود من المجتمعات المغلقة، ومثال على ذلك الموقع الالكتروني لجماعة ” فرقة العمل المشتركة فى غوانتانامو”، حيث نظم سبعة آلاف موظف عسكري قاعدة تحوي أشهر معسكر تعذيب سئ السمعة في الحرب على الإرهاب.
أخيرًا ووفق الخط العام للمواضيع الواسعة المعالجة في هذا الكتاب، نجد إعادة ترسيم خرائط الخطوط التقليدية بين ساحة المعركة والجبهة الداخلية، وأكثر الأجزاء إقلاقاً في هذا المسار، هو الطريقة التي يسد بها جيدًا إمكان الالتزام الديمقراطى، وشروط هذا التداول على ماكتب “ستال” يتوقف على الترسيم الواضح بين دور المواطن السياسي، ودور العسكري غير السياسي، وفيما يقوم دور المواطن على المناقشة، يقضي دور الجندي بتلقى الأوامر، إذ تعود الجنود والمواطنون مشاركة شخصية في ثقافة حرب دائمة ضد الأخر المشرقي الظاهري.
الفصل السابع:
دروس فى القتل الحضرى
في أمريكا تعد فلسطين وإسرائيل شأنًا محليًا، وليست شأنًا ذا علاقة بالسياسة الخارجية، حيث تستخدم عادة الأنظمة التوتاليتارية والمجموعات الإرهابية العنف وسيلة لهندسة سياسية واسعة النطاق، ويكون الأمر لافتًا أكثر عندما تفعل دول ديمقراطية من مثل إسرائيل وأمريكا ذلك، وعادة في تجاهل صارخ لدروس التاريخ المعاصر، في أبريل عام 2002، وفي تحول دراماتيكي في الاستراتيجية، جرف جيش الدفاع الاسرائيلي أربعة آلاف متر مكعب وسط مخيم اللاجئين في جنين شمال الضفة الغربية، حيث قدر تقرير الأمم المتحدة سقوط إثنين وخمسين قتيلاً فلسطينيًا في الهجوم نصفهم من المدنيين، وشملت “عملية الدرع الواقية، بالعبرية هومان ماغين” عمليات عسكرية رئيسية ضد المدن الفلسطينية الرئيسية إلى تدمير مساكن  لأسر متعددة، وتضرر، وتشرد ألاف من المدنيين، وإلى جانب التدمير في جنين نفذت في العملية أعمال هدم في نابلس، والخليل، ورام الله، وانتشرت أعمال تدمير البنية التحتية المادية، فضلاً عن المرافق الثقافية، والمادية، وقد قوًّض هذا كله الادعاءات الرسمية الإسرائيلية أن ” عملية الدرع الواقية ” صممت لتفكيك البنية التحتية الإرهابية، التي تقف وراء الهجمات الانتحارية الفلسطينية، والتى أدت إلى مقتل عشرات المدنيين في شوارع المدن الإسرائيلية، حيث أشارت الأدلة في المقابل إلى أن هدف الاجتياح الحقيقي هو الاستفادة من السياق المواتي في حرب أمريكا على الارهاب للإغارة على الأسس الحضرية للدولة الفلسطينية الأم.
مشرقيات متقارنة
يتردد صدى أبلسة الفلسطينيين، أى الأخرين الإرهابيين جوهريًا في الخطاب الإسرائيلي السياسي، والثقافي مع أبلسات مانوية مماثلة للعرب والمسلمين في الولايات المتحدة، وتستفيد الدولتان من الاستعارات الاستشراقية الراسخة، وهي تصور العرب على أنهم بدائيون، وأشرار، وغير متحضرين …..الخ، حيث ترتبط المحاكاة الأمريكية للممارسة الإسرائيلية في شكل وثيق بالوضع في قطاع غزة في مرحلة مابعد الانسحاب على أنها مختبر لتقنيات حضرية جديدة في السيطرة والتهدئة والحرب المضادة للتمرد من دون أن يحتلها الجيش الإسرائيلى، ونجد أنه لاشك في ان معاملة الولايات المتحدة لإسرائيل حافز قوي، بل أقوى الحوافز لتجنيد الإسلاميين، حيث يسهل الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل عمل المتطرفين، من مثل بن لادن، لحشد الدعم الشعبي، واجتذاب المجندين كما زعم “ميرشمر ووات”، كذلك جعل الولايات المتحدة شريكًا لابد منه في الجرائم المرتكبة ضد المدنيين الفلسطينيين من خلال الحصارات الاستعمارية الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، وبالتالي تواجه الولايات المتحدة معركة لايمكنها الفوز بها ضد الرأي العام في العالم العربي.
الفصل الثامن:
تعتيم المدن
يمضي قدمًا احتمال العنف الكارثي ضد المدن، والحياة الحضرية، بالترافق مع تحول الحياة الحضرية نحو اعتماد أكبر على البنية التحتية من الطرق السريعة، وقطارات الأنفاق، وشبكات الكمبيوتر، وأنظمة المياه، والصرف الصحي، وشبكات الكهرباء، والنقل الجوى، حيث يمكن الاعتداء بسهولة على هذه المنظومات، وتحويلها في لحظة إلى أدوات إرهاب أو تعطيلاً موهنًا، أو حتى نزع التحديث عنها تمامًا، ومن هنا يتهدد الحياة الحضرية اليومية، بالتالي خطر الانقطاع أى التعتيم، والانحباس في السير، وتوقف الاتصالات، والخلل الفني، واستحالة التداول، والإشعار بشبكات غير متوفرة، وفي ظروف كهذه، تُعد طبيعية إلى حد ما في مدن الجنوب العالمي، وإنما غير مألوفة في مدن الشمال العالمي.
تعتيم الأراضى المحتلة
ركزت الانتقادات في معظمها على السياسات الإسرائيلية في حصار الضفة الغربية وغزة على الوفيات المدنية، التى تسببها الغارات الجوية، والدبابات، والتدمير الجماعي للمنازل، وعلى ترسيم حدود ضيقة جدًا للجيوب الفلسطينية، وبناء الجدران على غرار التمييز العنصرى، وكمثل القصف الأمريكي للعراق عكست مبادرة هذه الإجراءات التغييرات في العقيدة العسكرية الإسرائيلية، وبدأ الاستهداف المنهجي للبنية التحتية للمدينة وسيلة لقهر الخصوم في حروب غير تقليدية ضد المتمردين والسكان المدنيين الداعمين لهم في المدن.
دولة الحرب الإلكترونية
وفق “وليام تشورتش” سيشمل الحد التالي لحرب الدولة البنيوية التحتية، تطوير القدرات لشن هجمات إرهاب إلكتروني منسقة، ويتمثل التحدي في اقتحام أنظمة الكمبيوتر، التي تتحكم في بنية البلد التحتية، ففى عام 2003، نفذت القوات الأمريكية خلال غزو العراق بعض هجمات شبكة الكمبيوتر، وفي عام 2007، أنشأت القوات الجوية وحدة سمتها “القيادة الإلكترونية”، حيث كلًّفت هذه القيادة بالدفاع عن الشبكة الإلكترونية في الولايات المتحدة، وإصابة الهدف الإلكتروني في المجتمعات المعادية، فضلاً عن السعي إلى عسكرة البنية التحتية الإلكترونية في العالم كله، ونتيجة لذلك، وعبر خلق جحيم حضري، فوضوي، قسرًا من خلال تعتيم المدن، وإخضاعها لنزع التحديث، نتج عنف الدولة في شكل معاكس ما، صوّره المستشرقون عالم حضري، فوضوي، ومقطع الأوصال.

الفصل التاسع:
سيارة الحروب
التقاء السياسة الخارجية والطريق
أدرجت الولايات المتحدة في ردها على أحداث 11/9 أن السيارة موقع جديد لقيادة الحرب، فقلما تجسد جوانب من الحياة الحضرية الصلات العميقة بين الأمن والسيطرة العسكرية في المدن الغنية المتقدمة تكنولوجيًا، والمدن النامية كما تفعل السيارة الموجودة في كل مكان واستخدامها، فنجد أن بناء المجتمع الأمريكي كنموذج أصلي للمجتمع المفرط في استخدام السيارة منذ ماقبل الحرب العالمية الثانية تغذى حرفيًا بوقود إمدادات نفط رخيصة ووافرة، حيث استمرت هذه الإمدادت أكثر من خمسة عقود بفضل التدخل الأمريكي العسكري المتحد بالدعم السياسي لمجموعة من الأنظمة الوكيلة والاستبدادية المشكوك فى صحتها في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن استخراج النفط التجاري ترافق منذ البدء مع عنف إمبراطوري لا يرحم مع حروب ومجازر تتكرر، مع خروج سافر على القانون، ومن هنا يبين هذا الفصل كيفية اعتماد الولايات المتحدة والدول الغربية على إمدادات الطاقة في مختلف أنحاء العالم، ومع التطور والابتكارات المتنامية في صناعة السيارات، والتى أصبح لها دور هام في ساحة المعركة الحضرية، وبالتالي هناك تحدي شاق لإيجاد سبل سريعة لبناء اقتصادات سياسية جديدة، وأنظمة دولة، وجغرافيات حضرية، وأساليب في الحركية والاستهلاك، بحيث يمكن فك عقدة الاعتماد على النفط من دول الاستيلاء على الأراضي الغذائية، والزراعية في العالم.
الفصل العاشر:
الجغرافيات المضادة
تتوخى المنظورية المصيرية المستخدمة هنا إعادة تأهيل المدن المستهدفة بالسكان، والكشف عنها على أنها أمكنة حية، ومدمجة، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمكنة والمدن الغربية، ولتعبئة الجغرافيات المضادة فلابد من تكوين المشاعات لاستعمال الجميع دون قيود، فهذه المشاعات تشمل وسائل الإعلام، والمساحة الجغرافية، معفاه من سيطرة السلطة  فهي تعتبر ناشئة في الحياة الحضرية المعاصرة العابرة للحدود، ومن هنا يجب أن تكون المشاعات العامة التي يمكن من خلالها تثبيت الجغرافيات المضادة أن تحقق في صورة مادية جماهير جديدة، وتخلق مساحات جغرافية مضادة جديدة، مستخدمة تكنولوجيات السيطرة، التى تستعملها الجيوش، والدول الأمنية، لتزوير الحدود الكلية الوجود، فمن خلال الجغرافيات المضادة يظهر المخفي وغير المرئي، فهي تظهر التفكير علنًا في عوالم السلطة السرية، وبالتالي ينبغى أن تظهر واقع التخطيط المدني العسكري الجديد القائم على العنف للتعتيم غالبًا على المحرم أو غير المرئي، فهناك مؤسسات نخبوية، وسياسية، واقتصادية، وتكنولوجية، وعسكرية، التي تنسق معًا الرأسمالية الليبرالية الجديدة تظهر خرائطها “أعلام الحرب النفسية” مثلاً، والتي تخطط صراحة جغرافيا تكتل السيطرة، والخصخصة في حركات وسائل الإعلام العابرة للحدود، وتربطها بإعلام وسائل الحرب، ومن هنا ارتكزت مهمة هذا الكتاب على رسم خريطة السيطرة العسكرية الجديدة التي تعمل في شكل مفسد جدًا لجعل الحياة المدنية الحضرية هدفها الرئيسي تمكين السيطرة على المدن، وحصارها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تأليف: ستيفن غراهام  / ترجمة : ميراى يونس

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة