خاص: إعداد- سماح عادل
هو شاعر مصري، وهو رائد مدرسة “البعث والإحياء” في الشعر العربي الحديث، وهو أحد زعماء الثورة العرابية. ولقد تولى وزارة الحربية ثم رئاسة الوزراء باختيار الثوار لهُ، ولقب ب”رب السيف والقلم”.
حياته..
هو “محمود سامي بن حسن حسين بن عبد الله البارودي المصري”، ولد عام 1838، لأبوين من أصل شركسي، وكان أجداده ملتزمي إقطاعية إيتاي البارود بمحافظة البحيرة ويجمعون الضرائب من أهلها. أبوه كان ضابطا في الجيش المصري برتبة لواء، وعُين مديرا لمدينتي بربر ودنقلة في السودان، ومات هناك وكان محمود سامي حينئذ في السابعة من عمره.
تلقى “البارودي” دروسه الأولى فتعلم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن الكريم، تعلم مبادئ النحو والصرف ودرس شيئا من الفقه والتاريخ والحساب، حتى أتم دراسته الابتدائية حيث لم يكن هناك في هذه المرحلة سوى مدرسة واحدة لتدريس المرحلة الابتدائية، وهي مدرسة المبتديان وكانت خاصة بالأسر المرموقة وأولاد الأكابر. ومع أنه كان من أسرة مرموقة، فإن والدته قد جلبت له المعلمين لتعليمه في البيت. التحق وهو في الثانية عشرة من عمره بالمدرسة الحربية سنة، فالتحق بالمرحلة التجهيزية من المدرسة الحربية المفروزة وانتظم فيها يدرس فنون الحرب، وعلوم الدين واللغة والحساب والجبر، بدأ يظهر شغفًا بالشعر العربي وشعرائه الفحول، حتى تخرج من المدرسة المفروزة عام برتبة “باشجاويش” ولم يستطع استكمال دراسته العليا، والتحق بالجيش السلطاني.
السلك العسكري..
نشأ “محمود سامي البارودي” طموحا تبوأ مناصب مهمة بعد أن التحق بالسلك العسكري، وقد ثقف نفسه بالاطلاع على التراث العربي، فقرأ دواوين الشعراء وحفظ شعرهم وهو في مقتبل عمره. أُعجب بالشعراء المُجددين مثل “أبي تمام والبحتري والشريف الرضي والمتنبي” وغيرهم.
عمل بعد ذلك بوزارة الخارجية وسافر إلى الأستانة عام حيث تمكن في أثناء إقامته هناك من إتقان التركية والفارسية ومطالعة آدابهما، وحفظ كثيرا من أشعارهما، وأعانته إجادته للغة التركية والفارسية على الالتحاق بقلم كتابة السر بنظارة الخارجية التركية وظل هناك نحو سبع سنوات 1857-1863. ولما سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية بعد توليه العرش ليقدم آيات الشكر للخلافة، ألحق البارودي بحاشيته، فعاد إلى مصر في فبراير 1863،عينه الخديوي إسماعيل معينا لأحمد خيري باشا على إدارة المكاتبات بين مصر والأستانة.
ضاق البارودي برتابة العمل الديواني وحن إلى حياة الجندية، فنجح في يوليو عام 1863 بالانتقال من معية الخديوي إلى الجيش برتبة بكباشي. أُلحقَ بآلاي الحرس الخديوي وعين قائد الكتيبتين من فرسانه، وأثبت كفاءة عالية في عملهِ. في أثناء ذلك اشترك في الحملة العسكرية التي خرجت سنة 1865 لمساندة الجيش العثماني في إخماد الفتنة التي نشبت في جزيرة كريت، واستمر في تلك المهمة لمدة عامين حيث أبلى البارودي بلاء حسنا، وقد جرى الشعر على لسانه يتغنى ببلده الذي فارقه، ويصف جانبا من الحرب التي خاضها.
بعد عودة “البارودي” من حرب كريت تم نقله إلى المعية الخديوية وعين بمنصب المرافق الشخصي ياور الخاص للخديوي إسماعيل، وقد ظل في هذا المنصب ثمانية أعوام، ثم تم تعيينه كبيرًا لياوران ولي العهد “توفيق بن إسماعيل” في، ومكث في منصبهِ سنتين ونصف السنة، عاد بعدها إلى معية الخديوي إسماعيل سكرتيرا، ثم ترك منصبه في القصر وعاد إلى الجيش.
ولما استنجدت الدولة العثمانية بمصر في حربها ضد روسيا ورومانيا وبلغاريا والصرب، كان البارودي ضمن قادة الحملة الضخمة التي بعثتها مصر، ونزلت الحملة في “وارنة” أحد ثغور البحر الأسود، وحاربت في أوكرانيا ببسالة وشجاعة، غير أن الهزيمة لحقت بالعثمانيين، وألجأتهم إلى عقد معاهدة سان ستيفانو 1878، وعادت الحملة إلى مصر، وكان الإنعام على”البارودي” برتبة “اللواء” والنيشان المجيدي من الدرجة الثالثة، ونيشان الشرف، لِمَا قدمه من ضروب الشجاعة وألوان البطولة.
تم تعيينه مديرا لمحافظة الشرقية في 1878، وسرعان ما نقل محافظا للقاهرة، وكانت مصر في هذه الفترة تمر بمرحلة حرجة من تاريخها، بعد أن غرقت البلاد في الديون، وتدخلت إنجلترا وفرنسا في توجيه السياسة المصرية، بعد أن صار لهما وزيران في الحكومة المصرية، ونتيجة لذلك نشطت الحركة الوطنية وتحركت الصحافة، وظهر تيار الوعي الذي يقوده “جمال الدين الأفغاني” لإنقاذ العالم الإسلامي من الاستعمار، وفي هذه الأجواء المشتعلة تنطلق قيثارة البارودي بقصيدة ثائرة تصرخ في أمته، توقظ النائم وتنبه الغافل.
الحربية..
ثم تولى “البارودي” نظارة الحربية في 1881 في الوزارة التي شكلها شريف باشا عقب الثورة العرابية خلفًا لعثمان رفقي باشا إلى جانب وزارته للأوقاف، بعد مطالبة حركة الجيش الوطنية بقيادة عرابي بعزل رفقي، وبدأ البارودي في إصلاح القوانين العسكرية مع زيادة رواتب الضباط والجند، لكنه لم يستمر في المنصب طويلا، فخرج من الوزارة بعد تقديم استقالته في 22 أغسطس 1881 نظرًا لسوء العلاقة بينه وبين رياض باشا رئيس الوزراء، الذي دس له عند الخديوي.
تولى رئاسة النظارة إلى جانب نظارة الداخلية في 4 فبراير 1882 – 17 يونيو 1882، وكان أول رئيس وزراء في تاريخ مصر لم يعينه الخديوي بل ينتخبه مجلس النواب، ومن أجل ذلك أطلقت على وزارته اسم “وزارة الثورة” أو الوزارة الوطنية.
دخل الإنجليز مصر، وقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشتركين بها، وحُكِم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم خُفف، في 3 ديسمبر 1882، إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سريلانكا.
المنفى..
ظل في المنفى بمدينة كولومبو عاصمة سيريلانكا حاليا أكثر من سبعة عشر عاماً يعاني الوحدة والمرض والغربة عن وطنه، فسجّل كل ذلك في شعره النابع من ألمه وحنينه. وفي المنفى شغل البارودي نفسه بتعلم الإنجليزية حتى أتقنها، وانصرف إلى تعليم أهل الجزيرة اللغة العربية. وطوال هذه الفترة نظم قصائده الخالدة، التي يسكب فيها آلامه وحنينه إلى الوطن، ويرثي من مات من أهله وأحبابه وأصدقائه، ويتذكر أيام شبابه ولهوه وما آل إليه حاله، فساءت صحته، بعد أن بلغ الستين من عمره اشتد عليه المرض وضعف بصره فقرر عودته إلى وطنه للعلاج، فعاد في سبتمبر 1899.
بعد عودته إلى القاهرة ترك العمل السياسي، وفتح بيته للأدباء والشعراء، يستمع إليهم، ويسمعون منه، وكان على رأسهم شوقي وحافظ ومطران، وإسماعيل صبري، وقد تأثروا به ونسجوا على منواله، فخطوا بالشعر خطوات واسعة، وأُطلق عليهم “مدرسة النهضة” أو “مدرسة الإحياء”.
في مقالة بعنوان (الرجل الثاني.. هل ظلم شوقي وعرابي الشاعر والمناضل محمود سامي البارودي؟) يقول “محمد عبد الرحمن” :” كان زعيما وشاعرا ومناضلا وصاحب بصمة واضحة في كل ما عمل به، ورغم إسهاماته الواضحة كان مظلوما حيا وميتا، فكما تم نفيه وسحب أملاكه، نسيته الأجيال المتعاقبة ونسيت مجهوداته في الشعر وفى الثورة العرابية، مجال آخر ظلم فيه محمود سامي الباوردي، رائد مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث، والذي كان صاحب التأثير الكبير على شعراء بقيمة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، إلا أن الكثيرين ينسبون لـ”شوقي” فقط عودة أمجاد الشعر العربي”.
ويواصل “ويقول الدكتور “محمد كامل عويضة” في كتابه “محمود سامي البارودي إمام الشعراء في العصر الحديث”: “فإنه في الوقت الذي بدأ الشعر العربي يفقد روحه الخاصة وتفسد الأذواق وعمت التعبيرات الركيكة المبتذلة والمعاني السقيمة المرددة والأساليب المتلوية الشعر، فإذا بالبارودي يخلصه من كل هذه الأعشاب الذي طغت عليه، ونحو أصبح البارودي مهوى أفئدة العرب من الخليج إلى المحيط، إذ أسس الرجل مدرسة البعث أو المدرسة الكلاسيكية الجديدة، وهى مدرسة حافظ بقوة على تقاليد الشعر العربي، وكل ما يتصل بشخصيته ومقوماته بحيث ثبتت فيه روحنا العربية ثبوتا خصبا ولم تحل هذه المحافظة بينها وبين بث عناصر جديدة في أشعارها بل وأخذت تزدهر هذه العناصر وتوفق بفضل ما حديث بينها ونبين العناصر القديمة من تزاوج مما ساهم أن ينمو الشعر بالذوق العربي الأصل. وقد أثرت هذه المدرسة وأشعار البارودي، في الكثير من الشعراء من أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم وإسماعيل صبري، وخليل مطران. ويرى المؤلف أن شوقي كان أهم من تأثروا بالبارودي وكأنما كان هديته إلى وطنه إذا تمثل طريقته تمثلا دقيقا وكأنه شرب روحه، ويؤكد أن البارودي ألهمه في بدايته في أن يتجه بشعره وجهة جديدة فيصبح شاعر الوطنية المصرية والنزعة الفرعونية والإسلام والعرب جميعا”.
وفاته..
توفي “البارودي” في 12 ديسمبر 1904 بعد سلسلة من الكفاح والنضال من أجل استقلال مصر وحريتها وعزتها.
https://youtu.be/7vV4D2T3Dps