15 نوفمبر، 2024 10:31 م
Search
Close this search box.

“محمود سالم” .. مغامراته وألغازه سعت لتنمية عقول الأطفال في العالم العربي

“محمود سالم” .. مغامراته وألغازه سعت لتنمية عقول الأطفال في العالم العربي

خاص : كتبت – سماح عادل :

“محمود سالم”؛ كاتب مصري.. من أهم المؤسسين لأدب المغامرات والروايات البوليسية في مصر والعالم العربي. ولد في الإسكندرية عام 1929، وعندما بلغ التاسعة أصيب والده، الضابط البحري، بشظية في عينيه أثناء أحداث الحرب العالمية الثانية، واضطر الطفل “محمود” إلى مساعدته والقيام بقراءة الصحف له يوميًّا، ليبدأ شغفه مع القراءة. أثناء طفولته في عدة مدن ساحلية كالإسكندرية والمنزلة وبلطيم وغيرها، إلى أن حصل على شهادة الثانوية العامة متنقلاً بين المنصورة ودمياط وبني سويف.

حياته..

بعد حصوله على الثانوية العامة، أنضم إلى “الكلية الحربية”، غير أن إنضمامه إلى “حركة حدتو”، التي كانت إحدى المجموعات اليسارية السريّة في مصر، حال دون أن يستكمل دراسته فيها، رغم أنه لم يكن عضوًا ناشطًاً في الحركة.

إنتقل “سالم” بعد ذلك إلى “كلية الحقوق” ثم “كلية الآداب”، ولكنه لم يستكمل دراسته؛ إذ استغرقت القراءة العامة، بالإضافة إلى هوايته الآثيرة، “صيد السمك”، كل وقته. إلى أن ساعده أحد أقاربه وتوسّط لتعيينه موظفًا في “وزارة الشؤون الاجتماعية”.

بدأت رحلته مع الصحافة عند تعرفه على الصحافيين “صبري موسى”، و”جمال سليم”، اللذين كانا يعملان في مجلة (الرسالة الجديدة)، التي كانت تصدر عن دار «التحرير». عمل بعد ذلك مراسلاً عسكريًا لصحيفة (الجمهورية)، أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، وبعد أن حقق نجاحًا في تغطيته الصحافية للحرب، استقال من وظيفته الحكومية وتفرغ للعمل الصحافي، حتى أصبح رئيسًا لقسم الحوادث في (الجمهورية) قبل أن ينتقل للعمل في “دار الهلال”.

الكتابة..

بدأ “محمود سالم” عام ١٩٦٠ في كتابة الرواية.. من خلال تعاونه مع “نادية نشأت”، حفيدة “جورجي زيدان” مؤسس (دار الهلال)، حيث طلبت من “محمود سالم” صياغة تقرير صحافي عن مدينة “ديزني لاند”، لإعادة نشره في مجلة (سمير)، فقدمه لها في شكل قصة، ومن هنا طلبت منه أن يتحول إلى كتابة الألغاز للأطفال، وبفضله إرتفع توزيع المجلة بشكل كبير، وسرعان ما أممت “دار الهلال” مع الثورة، ورحلت “نادية نشأت” إلى لبنان، لكنها عادت من جديد إلى مصر عام 1968، لتبدأ عن طريقها رحلة روائي الألغاز مع (المغامرون الخمسة)، فعندما عادت حفيدة “جورجي زيدان” إلى العمل في “دار المعارف”؛ أعطت، “سالم”، سلسلة مغامرات للأطفال تصدر في بريطانيا، حملت اسم (The five)، وطلبت منه تلخيص مغامرة (لغز الكوخ المحترق)، لينجح الأخير من جديد في تمصيرها، ويصل توزيعها إلى 100 ألف نسخة، ويتوقف إصدارها عند العدد (100).

منُع “محمود سالم” من الكتابة، عام 1972، بسبب إنتمائه للفكر الناصري، وفي عام ١٩٧٤، حيث كانت مقيمة في ذلك الوقت في لبنان، طلبت “نشأت” منه السفر إليها لمواصلة شغفه في كتابة الروايات البوليسية؛ لتبدأ هناك سلسلة (الشياطين الـ 13)، التي حققت نجاحًا كبيرًا ضاهى نجاح (المغامرون الخمسة)، رغم أنها صدرت خارج أرض مصر، وأختتمت سلسلتها عند العدد (250).

ووفقًا لبيانات “دار المعارف” فإن التاريخ لم يعرف كاتبًا وزع (20 مليون) نسخة من أعماله؛ مثل “محمود سالم”، ليبقى علامة بارزة في التاريخ الروائي للأطفال.

عاد “سالم” إلى مصر في ثمانينيات القرن الماضي، واستمرت سلسلة (الشياطين الـ 13) تصدر من القاهرة عن “دار الهلال”، حتى منتصف التسعينيات. في عام 2007 تحولت إحدى مغامرات (الشياطين الـ 13)، إلى فيلم سينمائي، بعنوان (الشياطين)، من إخراج “أحمد أبوزيد”. كما تحولت سلسلة (المغامرين الخمسة) إلى مسلسل رسوم متحركة للأطفال.

لم يتوقف “سالم” عن الكتابة حتى الشهور الأخيرة من حياته، إذ واظب على كتابة حلقات جديدة من (المغامرين الخمسة)، بدءًا من عام 2010، صدرت عن «دار الشروق».

نهم القراءة..

في حوار أجرته معه، “منى أبوالنصر”، يقول “محمود سالم”: “القراءة عندي هي قصة حياة، كنت أنا وأخي نشتري روايات الجيب بـ 2 مليم، وكانت أمي تشتري الطماطم بداخل صفحة جريدة، فكنت آخذ هذه الصفحة وأغسلها وأنشرها على الحبل حتى تجف وأقوم بقراءتها آنذاك !!”.

المغامرون الخمسة..

يقول “محمود سالم” عن تراث (المغامرون الخمسة)، وعشرات الألغاز التي صاغها: “أرجو أن يتم جمع هذه الألغاز وتجليد كل مجموعة منها في جزء منفصل، حتى يتم الإحتفاظ بها في مجموعات وأجزاء حفظاً لها من الضياع، أتمنى أن تقوم بذلك «دار المعارف»، التي أعادت طبع ألغازي أكثر من 17 مرة، أو أي دار نشر تتحمس لهذا الطلب”.

وعن  ذكريات الكتابة؛ يستطرد: “الحاجة كانت تدفعني إلى العمل.. كنت أحتاج إلى المال في مقتبل حياتي، فكنت أنكب على الكتابة، وأذكر أنني كنت أكتب اللغز أحياناً في يوم واحد من الساعة الخامسة صباحاً وحتى التاسعة مساء”.

أما عن ثورة (كانون ثان) يناير، يقول “محمود سالم”: “الثورة جعلت مصر تخضع لأكبر عملية جراحية في تاريخها، ولذلك هي في حاجة لوقت كي تتعافى، فالثورة الفرنسية احتاجت لسنوات حتى تحصد نتائجها، لذلك علينا بالصبر”.

الصحافة واليسار والوظيفة..

عبر حوار آخر مع “محمود سالم”، يحكي عن حياته: “عندما دخلت الكلية الحربية فصلت منها، لأنهم اتهموني بالشيوعية، عام 1945 كان هناك إستقطاب للطلبة بين الشيوعيين والإخوان المسلمين، عندما كنت شاباً كنت أميل للمعارضة والتمرد ففضلت الإنضمام إلى الشيوعيين. كان معي وقتها في المنصورة رفعت السعيد رئيس حزب التجمع. دفعت إشتراك الإنضمام للحزب 25 قرشاً، وأخذت إيصالاً فأصبحت عضواً في حركة حدتو، عندما كنت طالباً كنت مسؤولاً عن تحرير مجلة اسمها (الجماهير)، كانت مجلة يصدرها الطلبة اليساريون. قالوا لي إن أفضل مطبعة يمكن أن نطبع فيها المجلة يملكها صيدلي اسمه خميس، لنكتشف بعد ذلك أن خميس هذا من أقطاب الإخوان المسلمين، وطبع لنا بالفعل هذا الإخواني مجلة شعارها المطرقة والمنجل. عندما ذهبت له بالأصول أخذ مني خمسة جنيهات كمقدم، ولكن في هذه الليلة هاجم البوليس مطبعة الإخوان المسلمين وصادر كل ما فيها من أوراق وضمنها مجلة يصدرها طلبة شيوعيون”.

ويواصل: “بعد حرب 1948 طلب الجيش المصري مجموعة من الطيارين بشهادة الثقافة، وهي الشهادة التي كان يحصل عليها الطلبة قبل الثانوية العامة، بحسب النظام التعليمي القديم. تقدمت واجتزت الاختبارات الطبية، ولكن عندما وجد الأمن اسمي ضمن أعضاء حدتو، وكنت وقتها في مطار الدخيلة، بعد أن وجدوا اسمي طردت إلى جانب ستة من زملائي لأننا شيوعيون. بعد فصلي من الحربية استكملت دراسة الثانوية والتحقت بكلية الحقوق، لم أكن طالباً مجتهداً، بعد فشلي في الحقوق، انتقلت إلى كلية الآداب إلا أنني مكثت فيها تيرماً واحداً، في هذا الوقت عينني أحد أقاربنا موظفاً في وزارة الشؤون الاجتماعية، في مصلحة الضمان الاجتماعي، في وقت كان فيه التعيين في الحكومة أمراً صعباً. أصبحت موظفاً بالثانوية العامة على الدرجة الثامنة، لم أكن بعد أعرف ماذا أريد، كنت أقرأ كثيراً وأختزن قدراً من المعلومات دون أن أعرف كيف يمكنني أن أستغل كل ذلك.. الحاجة هي المحرك الأساس لكل حركة يقوم بها الإنسان. وهكذا بدأت قصتي مع الكتابة، كان مرتبي 11 جنيهاً، ولم يكن يكفي بطبيعة الحال. وأنا في القاهرة تعرفت على جمال سليم  وصبري موسى اللذين يعملان في مجلة (الرسالة الجديدة) التي تصدر عن مؤسسة دار التحرير، (الجمهورية). كان رئيس تحرير الرسالة الجديدة طه حسين، ورئيس تحريرها الفعلي يوسف السباعي. كان جمال سليم وصبري موسى يعلمان أنني أكتب جيداً، لأن جمال كان معي في المدرسة. عرضوا عليَ العمل في الرسالة الجديدة كـ “ديسك”، تأتي إليَ الأخبار فأقوم بإعادة صياغتها بأسلوب صحافي. وبدأت بالفعل في هذا العمل”.

ويضيف “محمود سالم”: “ولكن البداية الحقيقية كانت عملي كمراسل أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، بعدها استقلت من الحكومة وبدأت أعمل في الصحافة، بعد ثلاثة شهور من العمل الميداني صرت أعمل كـ”ديسك” في قسم الحوادث، أراجع الموضوعات التي يأتي بها المحررون وأعيد صياغتها. بعد ذلك عملت في جريدة (وطني)، كانت في طور التأسيس وعملت فيها بعد الظهر إلى جانب عملي في مؤسسة “دار التحرير”. جريدة (وطني)، التي كانت قبطية، أسسها خمسة من المسلمين. في جريدة (وطني) تعرفت هناك علي محيي فرحات، الذي أثر في مراحل طفولتي الأولى، أصبح أبي الروحي ونمت بيننا علاقة تتجاوز علاقة العمل، كان أبنائي وهم أطفال يعتبرونه جدهم”.

الألغاز..

عن التفرغ للألغاز، يقول “محمود سالم”: “تفرغت تماماً للألغاز، تركت الصحافة بعد أن كنت رئيس تحرير مجلة (الإذاعة والتليفزيون)، فصلت منها لأنني ناصري، لم أكن أعمل في السياسة، ولكني كنت متعاطفاً مع عبدالناصر، التعاطف الذي لا يتجاوز تعليق صورة له في مكتبي. بعدها منع نشر اسمي في مصر، كنت قد سلمت “دار المعارفة” خمسة ألغاز، وكان هذا في عام 1972، نشروا باسم “رجاء عبدالله”، وهي صديقة وكاتبة قصص بوليسية أيضاً. إتصلت بيَ “نادية نشأت”، وكانت وقتها قد تركت “دار المعارف” وإنتقلت إلى بيروت، طلبت مني أن أحضر إلى بيروت، حصلت بصعوبة على تصريح السفر، هناك بدأت كتابة (الشياطين الـ 13)، كان العديد من العرب يعتبون عليَ، «طب ما أحنا عندنا ناس كويسة.. مش بس تختخ يعني». من هنا قررت أن أكتب شيئاً جديداً، وكانت فكرة الشياطين هذه. (الشياطين الـ 13) هي سلسلة مغامرات يقوم بها 13 شاباً وفتاة من مختلف الدول العربية، كل منهم له رقم، وهناك رقم صفر، مؤسس هذه المجموعة، لا أحد يعلم حقيقته.. إذا أردت النجاح أفعل ما هو غير تقليدي، ولهذا كان “تختخ” سميناً، البطل يكون عادة طويلاً مفتول العضلات، ولكنني قررت أن أصنع بطلاً غير تقليدي. بقية الشخصيات كانت مزجاً من الخيال والحقيقة والواقع، “محب” كان الشقيق الأكبر لصديق طفولة، وكان اسمه أيضا “محب”، أيضاً المفتش “سامي” كان شخصاً حقيقياً يعمل لواءً في المباحث الجنائية، وتعرفت عليه عندما كان محرراً في قسم الحوادث بصحيفة (الجمهورية). (المغامرون الخمسة) وأغلب أبطال السلسلة كانوا جزءاً من ذكرياتي. أشخاص التقيتهم في مراحل طفولتي، لقد إنتقلت في أربع مدارس ثانوية نظراً لظروف عائلتي التي تنقلت كثيراً، “المنصورة الثانوية” ثم “دمياط” ثم “الفيوم” ثم “بني سويف الثانوية”. وفي كل مكان من هذه الأمكنة كنت ألتقي بأشخاص مختلفين وأمَر بتجارب عديدة. كل هذه التجارب إحتفظت بها في ذهني إلى أن استخدمتها وأنا كاتب أطفال”.

وفاته..

رحل “محمود سالم”؛ عن عمر تجاوز الـ84 عاماً.

https://www.youtube.com/watch?v=_UvmMQS8bHE

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة