7 أبريل، 2024 4:09 م
Search
Close this search box.

محمد يونس القاضي.. مؤلف نشيد بلادي وأغاني استقرت في الوجدان

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد يونس القاضي” صحفي وكاتب مسرحي ومؤلف أغاني وزجَّال مصري، وهو شيخ المؤلفين المصريين،  تجاوزت أعماله المسرحية 58 عملا مسرحيا متعدد الأوجه.

حياته..

ولد “محمد يونس القاضي” في الأول من يوليو عام 1888 لأبوين من أسرة عريقة بقرية النخيلة التابعة لمركز أبو تيج، فوالده هو القاضي “يونس أحمد” الشهير باسم “يونس القاضي” ووالدته هي السيدة “عائشة الحريري” من أعيان القاهرة الفاطمية.

ارتبط “محمد يونس القاضي” وطنيا وروحيا ب”مصطفى كامل” وقد استمد كلمات نشيد “بلادي بلادي لك حبي وفؤادي” من خطبة له وقد كان “مصطفى كامل” يرعى “محمد يونس القاضي” ثقافيا ومعنويا، وقد تربي ونشا في ظلال مدرسة “مصطفى كامل” وقد تعرف إليه عام 1905 حين كتب مقالة في “جريدة اللواء” يهاجم فيها الإنجليز، وعن ذلك اللقاء يقول القاضي: “خرجت من عنده وأنا متحمس جدا وبدأت قي تأليف الجمعيات الوطنية بالأزهر”، وقد قال له “مصطفى كامل”: “يا شيخ يونس أنا بخطب بالفصحى والفرنسية والإنجليزية ولكن الناس قي حاجة لمن يحدثهم بلغتهم وأنت الوحيد الذي يستطيع ذلك”، وقد ترجم “القاضي” هذه الكلمات في أعماله الفنية وفي نشاطاته السياسية الوطنية، حيث كان يقوم بشرح خطب “كامل” التي كان يلقيها بالعربية الفصحى وكان يترجم أيضا محتويات خطبه بالإنجليزية والفرنسية إلى اللغة العامية لأبناء قريته النخيلة.

بسبب أغانيه ومسرحياته الوطنية تعرض”يونس القاضي”  للاعتقال 19 مرة، وقد اعتقله الإنجليز ذات مرة حين رأوا الجماهير تردد أغاني مسرحياته في المظاهرات، وكما يروي في أحاديثه الصحفية أن وكيل الداخلية آنذاك ويدعى “نجيب باشا” قال له بعد أن أمسك الجبة والقفطان الذي يرتديه القاضي: “بدل ما تقول الكلام الفارغ ده دور ازاي تصنع جبة في بلدك الأول” ويعلق “القاضي” علي هذا الحادث قائلا: “هذا الكلام ظل في رأسي إلى أن بدأت أنادى في الروايات والمسرحيات التي أكتبها بإنشاء المصانع ومنها أغنية اهو ده اللي صار.. ما لكش حق تلوم علىّ” لذلك لم يكن غريبا عليه إبداع مثل هذا النشيد العبقري “بلادي بلادي” الذي ما يزال يعيش في وجدان الأجيال،القاضي له دوره الكبير والرائد في نشر الثقافة الوطنية وبالإضافة إلى كتبه السياسية كان له السبق والباع الطويل في تأليف الأغاني الوطنية.

تجلت عبقرية “القاضي” في الأغنيات الوطنية عند التقائه بالشيخ “سيد درويش” عام 1917 حين كان “درويش” هاربا بعد أن حطم ضلوع زوجته “جليلة” ومن طرائف اللقاء أن “القاضي” بادر “درويش” بعد أن دله أحدهم عليه بعد رحلة عناء: “أنا كنت فاكر الشيخ سيد ضرير وعجوز مهكع” وأجابه “درويش”على الفور: “وحياة النبي أنا كنت فاكرك أعمى وأقرع ونزهى” وامتدت صداقتهما بعد هذا اللقاء وأثمرت باقة من الأغاني المهمة منها العاطفي والوطني.

مكتشف المواهب..

وتمتد علاقات “القاضي” بأعلام الطرب والموسيقى فيقول في أحد حواراته الصحفية عن علاقته ب “محمد عبد الوهاب”: “عرفت عبد الوهاب قبل أن أقدمه إلى الشيخ سيد درويش ببضع سنوات وكان يعمل في محل الترزى أحمد يوسف وكان شقيقه محمد يوسف فنانا قديرا فلفت أنظارنا إلى الصبي الصغير الذي يرتدى الجاكيته فوق الجلباب، وكنت وقتئذ أعد رواية لفوزي الجزايرلي وهو على صلة بالشيخ حسن عبد الوهاب شقيق محمد، وطلبنا منه أن يأتي لنا بشقيقه ليغنى بين فصول الرواية، وجاء عبد الوهاب وغنى بثلاثة قروش صاغ في الليلة”، ويضيف “القاضي”: “ولكن كان هناك أجرا أدفعه أنا لعبد الوهاب سواء غنى أو لم يغن وكان يرفض الغناء إلا إذا تناول طبق العاشورة”.. ويقول: “وحين توفى الشيخ سلامة حجازي عام 1916 انفسح المجال لعبد الوهاب وأتيحت له فرصة الغناء والتمثيل في المسرحيات مثل شهوزاد المعروفة باسم شهرزاد وبعدها غنى بدلا من سيد درويش في رواية الباروكة ورحب به سيد وحياه قائلا : “ولد عال ولازم يكون حاجة كبيرة قي المستقبل”.

الشيخ “يونس القاضي” هو مكتشف “أم كلثوم” فقد سافر إليها في قريتها طماى الزهايرة بالمنصورة وأقنع والدها “الشيخ إبراهيم” بالرحيل إلى القاهرة والتحول إلى غناء القصائد والأغاني العاطفية والوطنية بجانب الإنشاد الديني، ولكن والدها “الشيخ إبراهيم” لم يرض، ومرت الأيام والتقاهم “القاضي” في مولد الحسين وكان معه الشيخ “سيد درويش” الذي عرض أن يقدم لها الألحان مجانا إلا أن والدها رفض رفضا باتا.. وظل “القاضي” يلح على والدها إلى أن وافق أن تغنى قصائد “عبده الحامولي” ومنها أغنية “وحقك أنت المنى والطلب” وبعدها لحن لها “عبد الوهاب” أغنية خفيفة من تأليف الشيخ “يونس القاضي” مطلعها “قال إيه حلف ما يكلمنيش “، وسرعان ما اشتهرت بها حتى أصبحت تنافس الست “منيرة المهدية” سلطانة الطرب في زمانها وصارت فيما بعد سيدة الغناء الأولى في العالم العربي.

تحدي الاحتلال..

عام 1919 نفى “سعد زغلول” وزملاءه إلى جزيرة مالطة بالبحر الأبيض المتوسط وقد صدرت تصريحات بمنع ذكر أسماءهم.. في هذا الوقت كان الشيخ “يونس القاضي” يشغل رئيس تحرير جريدة “مصر” السعدية وبذكائه وطريقته كتب مسرحيات تشعل الشعور الوطني حتى لا تضيع القضية وأصحابها.. وقد حكى الشيخ “القاضي ” لأسرته خاصة أنه ألف في هذه الفترة مئات الأغاني سواء أدوار أو طقاطيق، كما كتب أزجال صحفية عديدة.. وكانت أهم أغاني هذه المرحلة وأكثرها انتشاراً الأغاني التالية: “يا بلح زغلول”- “أهو دا اللي صار وآدى اللي كان”- “شال الحمام حط الحمام”.. وغيرها. كما كان في مسرحياته يحاول وضع اسم “سعد زغلول” في النصوص سواء التي تغنى أو الممثلة للتذكير بشكل مستمر بالقضية المصرية. كانت السلطـات الإنجليزية قد أصدرت قرار بجلد من يكتب أو يذكر اسم هؤلاء الزعماء المناضلين كما تم إصدار قرار بالحبس لكل من يثبت عليه ذلك..

يا بلح زغلول يا بلح زغلول يا بلح زغلول

يا زرع بلدي يا بخت سعدي

عليك أنادى قصدي مرادي

الله أكبر يا جابر أجبر

ماعنتش أبكى مين بس ينكر

يا روح بلادك تعاصون بلادك

سعد وقال لي وراجع لوطني

يا حليوه يا بلح

عليك يا وعدى زغلول يا بلح

في كل وادي زغلول يا بلح

عليك يا سكر زغلول يا بلح

وفيه مدبر زغلول يا بلح

ليه طال بعادك زغلول يا بلح

ربى نصرني زغلول يا بلح

“يا عزيز عيني” لابد من التنويه أن هناك أكثر من نص تحت هذا العنوان.. أشهرهم نص الشيخ “يونس القاضي” وهو في بساطته ما جعله موجـود للآن وأحيانا ينسب للفولكلور وهذا خطأ تماماً لأنها أغنية ولها ملحن ومغن معروفين.. أما عن قصة الأغنية فهي كانت بسبب إجبار أبناء الشعب على الخدمة العسكرية الإنجليزية في بداية القرن العشرين 1915 وإبان الحرب العالمية الأولى كما ترددت أثناءه مشاكل “عزيز بك المصري” مع السلطات المصرية التابعة للملك حيث كان “عزيز المصري” موالى للألمان ضد الإنجليز وذلك أثناء الحرب العالمية الثانية.. وقد اشتهرت جمل شعبية رددها الشعب عن “عزيز المصري” مثل (يا عزيز يا عزيز كُبة تاخد الإنجليز) وهى لمؤازرة هذا البطل في محنته، أما كلمات “يونس القاضي” فهي..

يا عزيز عيني يا حكيمباشي

أنا بدي أروح بلدي تعالى اكشف على ولدى

هذه هي الكلمات الأصلية التي كانت قبل عام 1914 أما بعد هذا التاريخ فقد عدلها إلى: يا عزيز عيني بلدي يا بلدي

أنا بدي أروح بلدي والسلطة خدت ولدى.

فور اكتشاف مقبرة “توت عنخ آمون” غنت “منيرة المهدية” للشيخ “يونس القاضي” أغنية “توت عنخ آمون” وهو ضمن ملوك الأسرة (18) بالدولة الحديثة الفرعونية وتقع مقبرته في البر الغربي بوادى الملوك بالأقصر وقد كانت أهم مقبرة وقت اكتشافها نظراً لأنها وجدت كما تركها الفراعنة كاملة دون أن يدخلها أحد منذ وقت وفاة الملك.. أبدع الشيخ “يونس القاضي” هذه الأغنية التي اشتهرت وذاعت حتى صار اسم “توت عنخ آمون” داخل كل منزل لأن انتشار كلمات “يونس” وصوت “منيرة” كان في أوج أوقاته حين ذاك، وقد لحنها الأستاذ “محمد القصبجى”.

يذكر الشيخ “يونس القاضي” في حديث إذاعي أجراه في عام 1962 أن أول زجل سياسي كتبه في حياته نشر له عام 1911 في جريدة “السيف” ونصه: يا ست مصر صباح الخير فين العدالة يا مونشير

يسعد صباحك يا عنيه وبس فين الحرية

نشيد بلادي..

و لم يسلم “القاضي” من منغصات الحياة سواء من أهل الفن أو التجاهل الإعلامي وكما يروى عنه “حسين عثمان” في حكاياته وذكريات من الذاكرة بمجلة الكواكب عام 1979 أن: “الكثيرين يظنون أن “سيد درويش” هو مؤلف نشيد “بلادي بلادي”.. وقد روى لي القاضي أنا وبعض الزملاء عن استيائه من إدعاء البعض ملكيته للنشيد حتى أنني ذكرته بحكايته لي أنه كان قد سجل هذا النشيد مع عشرة أناشيد أخري في المحكمة المختلطة عام 1923قبل أن تكون هناك جمعية للمؤلفين والملحنين، وقد غنت هذا النشيد الست “تودد “على إسطوانة مسجلة لشركة “ميشيان” تحت رقم 923، وكذلك “محمد بهجت” لنفس الشركة تحت رقم 942 وقد اختاره الموسيقار “عبد الوهاب” عام 1978 عقب توقيع معاهدة السلام ليكون النشيد الوطني للبلاد.. وبعدها تحرك هو وأبنائه لإثبات حقوق الأداء عن النشيد لدى شركات التسجيلات. ويذكر أن نشيد “بلادي بلادي” كتبه “القاضي” لترجمة مشاعر الشعب المصري بعد نفى “سعد زغلول” ورفاقه.

من أعماله: (زورونى كل سنة مرة- اهو ده اللى صار- أنا هويته وانتهيت-يابلح زغلول- خفيف الروح بيتعاجب- يا عزيز عيني- يمامه حلوه وأغنيات مثيرة للجدل مثل: «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة»، «تعالى يا شاطر نروح القناطر»)

خلال الفترة بين عامي 1905 و1942، كتب “يونس” آلاف المقالات الصحفية، وما يزيد على ألفى دور وطقطوقة وموشح، سجل أغلبها على أسطوانات بأصوات كبار مطربي ذلك العصر، مثل: “منيرة المهدية” و”زكى مراد” و”عبد اللطيف البنا”، إلى جانب أعماله المسرحية التي تعدت ٥٨ مسرحية غنائية اجتماعية وفكاهية، ذات محتوى سياسي، كانت تؤدى في الكثير من الأحيان إلى خروج الجمهور في مظاهرة ضد الإنجليز بعد العرض، ووصل الأمر إلى أن أوقف الإنجليز عرض مسرحيته “كلها يومين” ١٧ مرة، لأنها تحمل عبارات عنيفة ضد بريطانيا، كما تم اعتقاله ١٩ مرة.

وفاته..

عاش “يونس القاضي” حوالي ٨٠ سنة وفي عام 1969، توفى  بعد معاناة طويلة من المرض.

https://www.youtube.com/watch?v=kOKIKkm7gYw

https://www.youtube.com/watch?v=YODHAqM9z9g

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب