خاص: إعداد- سماح عادل
“محمد كريم” مخرج مصري بدأ حياته ممثلا، أخرج للسينما فيلمين كلاهما يحمل اسم “زينب”، لكن الفيلم الأول فيلم صامت أُنتج عام 1930، والثاني فيلم ناطق أنتج عام 1952. ارتبط اسمه مع “محمد عبد الوهاب” حيث أخرج له الأفلام السبعة التي قام ببطولتها من “الوردة البيضاء” حتى “لست ملاكاً”. كما أخرج فيلم “دليلة” من بطولة “عبد الحليم حافظ” عام 1956، وهو أول فيلم مصري يظهر بطريقة سينما سكوب. أخرج فيلم “أولاد الذوات” عام 1932، وهو في رأي البعض أول فيلم عربي ناطق.
حياته..
ولد “محمد كريم” في حي عابدين بالقاهرة بمصر في 1896، بدأ عشقه للسينما في سن العاشرة، عندما كان يتردد على سينما “أمبير” التي كانت من أوائل دور العرض السينمائي في القاهرة، بهره هذا الفن الجديد والغريب الوافد من الخارج، وملك عليه كل مشاعره، خصوصاَ بعد أن شاهد فيلمي “أسرار نيويورك وفانتوماس”.
كبر “كريم” وكبرت معه هوايته للسينما والتمثيل، فاشترى من مصروفه الخاص كاميرا فوتوغرافية، وحول سطح المنزل الذي يسكنه في حارة الهدارة إلى أستوديو، كان في البدء يعشق التمثيل، وكان شديد الحرص على تقليد الممثلين في الأفلام الأجنبية التي يشاهدها، حيث كان يقف أمام كاميرته ويصور نفسه في حالات متعددة، بعد أن يضع المكياج لوجهه ليستطيع التعبير عن الشخصية التي يمثلها.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، كتب “محمد كريم” مقالات عن السينما في الصحف المصرية، وكان تفكيره في الكتابة منصب على تمصير السينما، كما قام أيضاً بترجمة ونشر الأخبار الفنية من بعض المجلات السينمائية الأجنبية التي كانت تصله من الخارج، حيث كان يراسل أكثر من خمس عشرة شركة سينمائية أوروبية.
وفي “برلين” استطاع أن يلتحق باستوديوهات “أوفا” السينمائية، حيث عمل في قسم المونتاج، وفي خلال سنة ونصف فقط أصبح أحد مساعدي المخرج الألماني “فريتز لانج”، مما أكسبه خبرة ودراية بفن الإخراج السينمائي. وعاد “محمد كريم” إلى القاهرة بعد غياب دام سبع سنوات، ومعه زوجته الألمانية “نعمة اللّه” الذي كان قد تزوجها أثناء عمله في ألمانيا، والتي أصبحت فيما بعد مساعدته في جميع أفلامه.
بعد عودته من ألمانيا، وقبل عمله مع “طلعت حرب”، وقف “محمد كريم” على خشبة مسرح رمسيس مع “يوسف وهبي” ليؤدي دور ضابط في مسرحية “تحت العلم” بالرغم من أنه قام بمحاولات لإقناع “يوسف وهبي” بإنتاج فيلم سينمائي يقوم هو بإخراجه.
وفي عام 1928 أخرج فيلماً تسجيلياً عن حدائق الحيوان لشركة مصر للتياترو والسينما، وظل يفكر في أول فيلم سيقدمه كمخرج، خاصة أنه كان لا يريد أن يكون فيلمه الأول مشابهاً لكل الأفلام السينمائية التي كانت سائدة في ذلك الوقت والتي لم تكن تتميز بالحبكة السينمائية ولا بالحرفية اللازمة.
السينما..
يعتبر “محمد كريم” أول من صور أفلاماً سينمائية لبعض المناظر الخارجية التي تقع في بعض مسرحيات “يوسف وهبي”، ودمجها في المسرحية أثناء العرض، وفعلاً نجحت هذه التجربة الرائدة، ونجحت بالتالي محاولات “محمد كريم” في إقناع صديقه بدخول مجال السينما. فنشأت فكرة “رمسيس فيلم” وكان الاتفاق مع “كريم” على إخراج فيلم يكون باكورة إنتاج هذه الشركة. فاختار “محمد كريم” رواية “زينب” ل “محمد حسين هيكل” لتكون بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية، وكان الفيلم صامتاً لأن السينما المصرية لم تكن قد نطقت بعد. ولهذا فقد أعاد كريم إخراج هذا الفيلم ناطقاً في عام 1952. اكتفى “يوسف وهبي” بإنتاج الفيلم، فيما قام بالبطولة “بهيجة حافظ”، و”سراج منير”، و”زكي رستم”، وعُرض في 14 يوليو 1930، وحقق نجاحاً جماهيرياً هائلاً، واعتبره النقاد البداية الحقيقية للسينما المصرية.
وبعد أن نطقت السينما العالمية، أقدم “محمد كريم” على إخراج مسرحية رمسيس الناجحة “أولاد الذوات” في فيلم سينمائي من إنتاج وبطولة “يوسف وهبي” مع أفراد فرقته المسرحية، وصورت أغلب مشاهد الفيلم في باريس، لأنه لم تكن قد أقيمت بعد استوديوهات مجهزة بمعدات الصوت أو حتى الإضاءة، أما بقية المشاهد فقد صورت صامتة في أستوديو رمسيس، وأدخلت عليها مؤثرات صوتية فيما بعد، ولم تكن صناعة السينما في مصر قد عرفت فن المونتاج إلا عندما أُخرج هذا الفيلم، حيث تم عمل مونتاجه في باريس وتحت إشراف “كريم” نفسه.
لم يكتف “محمد كريم” بأفلامه التي قدمها في بداياته مع “يوسف وهبي” أو “محمد عبد الوهاب”، بل قدم أفلاماً أخرى حتى بلغ رصيده السينمائي ما يقرب من 30 فيلماً، منها “وخز الضمير”، و”جنون الحب”، و”دنيا”، و”قلب من دهب”.
ومن الجديد الذي كان يشغله دائماً، تأسيسه لمعهد السينما في مصر من أجل تدريس فن السينما وتخريج جيل سينمائي مثقف مسلح بالعلم والثقافة السينمائية، وبالفعل كان أول عميد لمعهد السينما عام 1959، وهذا المعهد تابع حالياً لأكاديمية الفنون المصرية وفيه تخرج كبار مخرجي السينما وفنانيهم.
الإخراج..
أهم ما امتاز به أسلوب “محمد كريم” في الإخراج عموماً فهو العناية الدقيقة بالمنظر ولوازمه ومحتوياته، واهتمامه بأدق تفاصيل كل مشهد، فهو يدقق في اختيار الموضوع والممثلين والفنيين، ويميل دائما إلى تصوير الطبيعة، وعند تصويره للبيئة المصرية، كان يجعلها في صورة ما ينبغي أن تكون، حتى قال عنه المؤرخ “جورج سادول” في فبراير 1965: “إن خير رواد السينما الأوائل هو محمد كريم، وتمتاز أفلامه بالعناية والاهتمام بأصغر التفاصيل”.
كان “محمد كريم” مثالاً للفنان الملتزم بفنه، وهو أيضاً صاحب مبادئ لم يحيد عنها طوال حياته، إنه فنان يحترم فنه ويرفض أن يخلط بين الفن والتجارة، فقد أخذ على نفسه عهداً بعدم الابتذال منذ بداية مشواره السينمائي، فقد عاش طوال حياته فقيراً بالرغم من مكانته الرفيعة فنياً.
كان أسلوب “محمد كريم” في الإخراج يمتاز بالعناية الفائقة في المشهد، يهتم بكل صغيرة وكبيرة فيه، يدقق في اختياره للموضوع والممثلين والفنيين ويميل إلى تصوير الطبيعة الراقية، أي إنه يحاول كثيراً تجميل الواقع، أو إنه يقدمه كما يجب أن يكون، وكان عصبي المزاج يثور لأقل الأشياء، لكنه في نفس الوقت يحمل قلب فنان كبير.
يعود الفضل الفني ل”محمد كريم” في اكتشاف العشرات من الفنانين، كما اكتشف وقدم النجمات مثل (سميرة خلوصي، ونجاة علي، وسميحة سميح، ورجاء عبده، وليلى مراد، وراقية إبراهيم، وإلهام حسين، وزوزو ماضي)، كما أنه المخرج الوحيد الذي سجل طفولة “فاتن حمامة” على الشاشة، حيث ظهرت وهي في الثامنة من عمرها في “يوم سعيد”، وفي الحادية عشرة في “رصاصة في القلب” وفي الرابعة عشرة في فيلم “دنيا”، كذلك اكتشف “بهيجة حافظ” في الفيلم الصامت “زينب” و”مديحة يسري” التي ظهرت في فيلم “ممنوع الحب” لمدة ثوان.
قبل وفاته بأربع سنوات، قدمت له الدولة منحة تفرغ لكتابة تاريخ السينما المصرية، حيث عكف على البحث والدراسة معتمداً في ذلك على ذكرياته وذكريات أصدقائه المقربين إليه، ومات قبل أن يكمل كتابة هذا التاريخ الذي عُهد بتكملته إلى المخرج “أحمد كامل مرسي”.
نال “محمد كريم” جوائز تقديرية عديدة من الدولة، ففي عام 1955 نال جائزة الدولة في الإنتاج والإخراج والسيناريو عن فيلم “جنون الحب”، وهو الفيلم الذي اضطره لبيع أثاث منزله ليقوم بإنتاجه، كما حصل على وسام الدولة في الفنون من الدرجة الأولى عام 1963، وبعد رحيله نال اسمه جائزة الدولة التشجيعية في الفنون.