9 أكتوبر، 2024 2:21 ص
Search
Close this search box.

محمد فوزي.. تميز بألحانه وأنشأ أول شركة مصرية للاسطوانات

محمد فوزي.. تميز بألحانه وأنشأ أول شركة مصرية للاسطوانات

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد فوزي” مطرب وممثل وملحن مصري، أسس أول مصنع أسطوانات موسيقية في الشرق الأوسط (مصر فون)، واستطاع التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات.

حياته..

ولد “محمد فوزي” في قرية كفر أبو جندي التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية، في 1918، وهو الابن الحادي والعشرين من أصل خمسة وعشرين ولدا وبنتا، منهم المطربتين “هدى سلطان”، و”هند علام”. درس “محمد فوزي” الابتدائية من مدرسة طنطا عام 1931، مال “محمد فوزي” إلى الموسيقى والغناء منذ كان تلميذاً في مدرسة طنطا الابتدائية، وكان قد تعلم أصول الموسيقى في ذلك الوقت على يدي أحد رجال المطافئ “محمد الخربتلي” وهو من أصدقاء والده، وكان يصحبه للغناء في الموالد والليالي والأفراح.

تأثر “محمد فوزي” بأغاني “محمد عبد الوهاب” و”أم كلثوم”، وصار يغني أغانيهما على الناس في حديقة المنتزه، وفي احتفالات المدينة بمولد السيد البدوي. التحق بعد نيله الشهادة الإعدادية بمعهد فؤاد الأول للموسيقي في القاهرة، وبعد عامين على ذلك تخلى عن الدراسة ليعمل في ملهى الشقيقتين “رتيبة وإنصاف رشدي” قبل أن تغريه “بديعة مصابني” بالعمل في صالتها. حيث تعرف على “فريد الأطرش”، و”محمد عبد المطلب”، و”محمود الشريف”، وارتبط بصداقة متينة معهم، واشترك معهم في تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها فساعدته فيما بعد في أعماله السينمائية.

تقدم وهو في العشرين من عمره، إلى امتحان الإذاعة كمطرب وملحن أسوة ب”فريد الأطرش” الذي سبقه إلى ذلك بعامين، فرسب مطرباً ونجح ملحناً مثل “محمود الشريف” الذي سبقه إلى النجاح ملحناً.

حضر “محمد فوزي” إلى القاهرة عام 1938، واضطربت حياته فيها لفترة قبل العمل في فرقة “بديعة مصابني” ثم فرقة “فاطمة رشدي” ثم الفرقة القومية للمسرح.

كان الغناء هاجس “محمد فوزي”، لذا قرر إحياء أعمال “سيد درويش” لينطلق منها إلى ألحانه، وقد سنحت له الفرصة عندما تعاقدت معه الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى ممثلاً ومغنياً بديلاً من المطرب “إبراهيم حمودة” في مسرحية “شهرزاد” ل”سيد درويش”، ولكنه أخفق عند عرضه الأول على الرغم من إرشادات المخرج “زكي طليمات”، وقيادة “محمد حسن الشجاعي” الموسيقية، الأمر الذي أصابه بالإحباط، ولاسيما أمام الجمهور الذي لم يرحمه، فتوارى زمناً إلى أن عرضت عليه الممثلة “فاطمة رشدي”، التي كانت تميل إليه وتؤمن بموهبته، العمـل في فرقتها ممثلاً وملحناً ومغنياً فلبى عرضها شاكراً.

وفي عام 1944 طلبه “يوسف وهبي” ليمثل دورا صغيرا في فيلم «سيف الجلاد» يغني فيه من ألحانه أغنيتين، واشترط عليه أن يكتفي من اسمه “محمد فوزي حبس عبد العال الحو” ب”محمد فوزي” فقط، فوافق من دون تردد. شاهد المخرج “محمد كريم” فيلم «سيف الجلاد»، وكان يبحث عن وجه جديد ليسند إليه دور البطولة في فيلم “أصحاب السعادة” أمام “سليمان نجيب” والمطربة “رجاء عبده”، فوجد ضالته في “محمد فوزي”، واشترط عليه أن يجري جراحة تجميلية لشفته العليا المفلطحة قليلا، فخضع لطلبه، واكتشف بعدئذ أن “محمد كريم” كان على حق في هذا الأمر. وكان نجاحه في فيلم «أصحاب السعادة» كبيرا وغير متوقع، وساعده هذا النجاح على تأسيس شركته السينمائية التي حملت اسم “أفلام محمد فوزي” في عام 1947. وخلال ثلاث سنوات استطاع “محمد فوزي” التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات.

دأبت الإذاعة المصرية التي رفضته مطرباً، على إذاعة أغانيه السينمائية من دون أن تفكر بالتعاقد معه. وبعد ثورة يوليو 1952 دخل الإذاعة بقوة بأغانيه الوطنية كأغنية «بلدي أحببتك يا بلدي»، والدينية من مثل: «يا تواب يا غفور»، و«إلهي ما أعدلك». وأغاني الأطفال مثل «ماما زمانها جاية» و«ذهب الليل»، والتي غنّاها في فيلم «معجزة السماء». كذلك اشترك مع (مديحة يسري، عماد حمدي، شادية، فريد شوقي وهدى سلطان) في رحلات قطار الرحمة التي أمرت بتسييره الثورة عام 1953 بين مديريات الوجه البحري والآخر القبلي، وقدَّم جانباً من فنه مع الفنانين الآخرين لمواساة المرضى في المستشفيات، وفي مراكز الرعاية الاجتماعية.

مصر فون..

عام 1958 استطاع “محمد فوزي” تأسيس شركة “مصرفون” لإنتاج الاسطوانات، وفرغ نفسه لإدارتها، حيث كانت تعتبر ضربة قاصمة لشركات الاسطوانات الأجنبية التي كانت تبيع الاسطوانة بتسعين قرشا، بينما كانت شركة “محمد فوزي” تبيعها بخمسة وثلاثين قرشا، وأنتجت شركته أغاني كبار المطربين في ذلك العصر مثل “أم كلثوم” و”محمد عبد الوهاب” وغيرهما.

دفع تفوق شركة “محمد فوزي” وجودة إنتاجها الحكومة إلي تأميمها سنة 1961 وتعيينه مديرا لها بمرتب 100جنيه، الأمر الذي أصابه باكتئاب حاد كان مقدمة رحلة مرضه الطويلة التي انتهت برحيله بمرض سرطان العظام في 20 أكتوبر 1966.

و”محمد فوزي” هو صاحب لحن النشيد الوطني للجزائر قسما الذي نظمه شاعر الثورة الجزائرية “مفدي زكريا”

غنى “محمد فوزي” العديد من الأغاني ضمن هذه الأفلام وكانت كلها من ألحانه، كما لحن للعديد من مطربي عصره أمثال (محمد عبد المطلب وليلى مراد ونازك وهدى سلطان أخته ونجاح سلام)، وغيرهم الكثير.

مثل “محمد فوزي” 36 فيلماً بالإضافة إلى  ظهور آخر له في فيلم “ليالي القاهرة” عام 1939، وهو بذلك أكثر المطربين الذكور تمثيلا. كما أنه كان يسمح لملحنين آخرين بالتلحين في الأفلام التي يمثلها مثل أفلام(قبلني يا أبي، ونرجس، وليلى بنت الشاطئ)، في حين احتكر “محمد عبد الوهاب”، و”فريد الأطرش” تلحين كل الأغاني في الأفلام التي مثلوها.

وقد بلغ رصيد “محمد فوزي” من الأغنيات 400 أغنية منها حوالي 300 في الأفلام من أشهرها “حبيبي وعينيه”، و”شحات الغرام”، و”تملي في قلبي”، و”وحشونا الحبايب”، و”اللي يهواك اهواه”، و”مال القمر ماله”، ومجموعة من أجمل أغنيات الأطفال التي أشهرها “ماما زمانها جاية” و”ذهب الليل طلع الفجر” والأغنية الوطنية الشهيرة “بلدي أحببتك يا بلدي” وأغاني المناسبات “هاتوا الفوانيس يا ولاد” الخاصة برمضان وأغنية “انتي يا أمي” الخاصة بعيد الأم, وغيرها من الأغاني وله لحن خاص واسمه “يا مصطفى” والذي أصبح أيقونة في الموسيقى العالمية حيث تم استخدامه في أغاني عالمية كثيرة.

الأغنية الخفيفة..

يذكر كتاب “الأغاني الحلوة والمرة أساليب التلحين العربي”  ل”محمد قبيل” أن: “ألحان الموسيقار المبدع محمد فوزي كانت تصنف كثير منها  ضمن الألحان الزخرفية الشعبية، والتي كانت تتسم بالبساطة والصدق والتي كان كثير منها يتسم بالطابع الشعبي المرتبط بطفولته التي قضاها في قرية كفر جندي  بمدينة طنطا، ومن بين هذه الأغنيات “أنا قلبي ضاع يا بنات” للفنانة شادية، و”يا أعز من عيني” للفنانة ليلى مراد، و”صلوا على النبي” لشكوكو، كما غنى بصوته “الشوق الشوق”، و”طير بينا يا قلبي”، و”مال القمر ماله”. وقدم فوزي أول أغنية بدون أوركسترا وموسيقى، معتمدًا على أصوات  الكورال فقط وهي أغنية «كلمني» بما يعرف بفن “الأكابلا” الذي كان يعرف في أوروبا. يعتبر محمد فوزي أول من اهتم بأغاني الأطفال، فقدم العديد من الأغاني منها “ذهب الليل”، و”ماما زمانها جايه” التي صورها للتليفزيون. كما يعد محمد فوزي رائدا للأغنية الخفيفة السريعة، كما ابتكر نوعا من الغناء الخفيف ذو طابع كوميدي استعراضي إضافة إلى البساطة في تركيبه للجملة اللحنية الغنائية جعلت الغناء من حق الجميع ويعتبر استكمالاً لمدرسة سيد درويش”.

الغناء لوطنه..

كشف الإعلامي “محمود سعد” في حديث عن “محمد فوزي” ببرنامج “باب الخلق”، الكثير من الوقائع التي استقاها من زوجته “مديحة يسري”، ناقلا عنها واقعة تقول فيها: “بعد التضييق على محمد فوزي ومصادرة ممتلكاته لرفضه الغناء لجمال عبد الناصر، طالبه مقربون منه باتقاء شر النظام والغناء لعبد ناصر وجاءت الفرصة ل”محمد فوزي” للمشاركة بالغناء في حفل عيد الثورة أمام عبد الناصر سنة 1963، وغنى في الحفل كلا من عبد الحليم حافظ، وأم كلثوم، أغاني وطنية فيها اسم الرئيس ناصر، ولكن محمد فوزي لم يستطيع تقديم هذا النوع من الأغاني، وقرر الغناء للوطن، وقدم أغنيته الشهيرة “بلدي أحببتك يا بلدي”، وكانت بصوت حزين لما تعرض له من مآسي. وبعد انتهاء الحفل، تعرض “فوزي” لحالة هجوم شديدة من أصدقائه، لعدم انتهاز الفرصة والغناء لعبد الناصر، إلا أنه أخبرهم بعدم قدرته على الغناء لشخص وإيمانه بالغناء للوطن فقط وتأييده لثورة 23 يوليو، ثم تمكن المرض من محمد فوزي”.

وقال الإعلامي محمود سعد، إن الراحلة “مديحة يسري” أخبرته أن الإذاعة المصرية عقب وقوع نكسة 5 يونيو 1967 كانت في ورطة وتريد دار الإذاعة تشغيل الأغاني الوطنية لمواكبة الحدث المفزع، فلم تستطع إذاعة أغاني عبد الحليم وأم كلثوم، لما تحتويه من إشادة بجمال عبد الناصر، ولم تجد أمامها سوى أغنية “بلدي أحببتك يا بلدي” ل”محمد فوزي”، لينتصر على بطش نظام عبد الناصر بعد وفاته”.

وفي حكاية أخرى على لسان “فاروق إبراهيم” وهو مصور صحفي، أن التأميم تسبب في قتل “محمد فوزي”، حينما ذهب إلى الشركة، فوجد أنه تم تخصيص مكتب الساعي له، ليعمل به مديرا للشركة براتب 100 جنيه، فعاد إلى البيت وفاجأه المرض، وتم تشخيصه على أنه مرض نادر، ولم يجد له علاج في أوروبا، ومات على أثره، ويضيف إبراهيم، أن علاقة عبد الناصر بعبد الحليم حافظ كانت السبب في تأميم شركة “محمد فوزي”.

تزوج “محمد فوزي” عام 1943 بزوجته الأولى السيدة هداية وأنجب منها ثلاث أبناء وانفصل عنها عام 1952، تزوج عام 1952 بالفنانة “مديحة يسري” وأنجب منها ابنه “عمرو” عام 1955، وأنفصل عنها عام 1959، تزوج عام 1960 بزوجته الثالثة كريمة وأنجب منها ابنته الصغرى إيمان عام 1961وظلت معه حتى وفاته.

مرضه ووفاته..

في أوائل الستينات بدأ مرضه الذي احتار أطباء العالم في تشخيصه وقرر السفر للعلاج بالخارج وبالفعل سافر إلى لندن في أوائل العام 1965، ثم عاد إلى مصر ولكنه سافر مرة أخرى إلى ألمانيا بعدها بشهرين إلا أن المستشفى الألماني أصدر بيانا قال فيه أنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقي ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض حيث وصل وزنة إلي 36 كيلو. (المرض هو تليف الغشاء البريتونى الخلفي) والذي اكتشف فيما بعد وأطلق على هذا المرض وقتها (مرض فوزي) هكذا سماه الدكتور الالماني باسم “محمد فوزي”. وهكذا دخل “محمد فوزي” دوامة طويلة مع المرض الذي أودى بحياته إلى أن توفي في 20 أكتوبر عام 1966.

وقبيل رحيله في 20 أكتوبر 1966، كتب “محمد فوزي” رسالة عن أيامه الأخيرة مع المرض وختمها قائلًا: “.. إن الموت علينا حق وإذا لم نمت اليوم سنموت غدا وأحمد الله أنني مؤمن بربي فلا أخاف الموت الذي قد يريحني من هذه الآلام التي أعانيها، فقد أديت واجبي نحو بلدي وكنت أتمنى أن أؤدي الكثير ولكن إرادة الله فوق كل إرادة البشر والأعمار بيد الله لن يطيلها الطب ولكنى لجأت إلى العلاج حتى لا أكون مقصرا في حق نفسي وفي حق مستقبل أولادي الذين ما يزالون يطلبون العلم في القاهرة.. تحياتي إلى كل إنسان أحبني ورفع يده إلى السماء من أجلى.. تحياتي لكل طفل أسعدته ألحاني.. تحياتي لبلدي.. أخيرا تحياتي لأولادي وأسرتي”.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة