“محمد غني حكمت”.. شيخ النحاتين الذي استعاد الأعمال المنهوبة

“محمد غني حكمت”.. شيخ النحاتين الذي استعاد الأعمال المنهوبة

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد غني حكمت”  نحات عراقي، ملقب بشيخ النحاتين، عضو مبكر في المجموعات الفنية العراقية الأولى من القرن العشرين، بما في ذلك مجموعة الرواد ومجموعة بغداد للفن الحَديث، مجموعات ساعدت على سد الفجوة بين التقاليد والفن الحديث. كما كان له دور فعال في استعادة العديد من الأعمال الفنية العراقية المفقودة، والتي نهبت بعد غزو 2003.

 حياته..

ولد في الكرخ ببغداد عام 1929، وسط أسرة محافظة شجعته على ممارسة ما يحب. وعندما كان طفلا كان يذهب إلى ضفاف نهر دجلة ليصنع من الطين أشكالا لحيوانات وزخارف وقباب شبيهة بتلك التي تزين ضريح الإمام موسى الكاظم في بغداد. وانصب اهتمامه على إدخال الأساطير البابلية والسومرية والأشورية في أعماله حتى إنه عّر عن ذلك في مقدمة أحد كتبه عام 1994 قائلا: «من المحتمل أن أكون نسخة أخرى لروح نحات سومري أو بابلي أو آشوري أو عباسي، كان يحب بلده».

 تعليمه..

تخرج من معهد الفنون الجميلة 1953، حصل على دبلوم النحت من أكاديمية الفنون الجميلة في روما 1959، وحصل على دبلوم الميداليات من مدرسة الزكا في روما أيضا 1957، حصل على الاختصاص في صب البرونزفلورنسا عام 1961.

أنجز حكمت منذ تخرجه في كلية الفنون الجميلة بروما 1959 عشرات الأنصاب في بغداد أبرزها حمورابي وشهريار وشهرزاد وكهرمانة والأربعين حرامي والمتنبي وبساط الريح والخليفة أبو جعفر المنصور والجنية والصياد، إضافة إلى أعمال أخرى لا تحصى منها 14 لوحة جدارية في إحدى كنائس بغداد تمثل درب الآلام للسيد المسيح.

كما أنجز في ثمانينات القرن الماضي إحدى بوابات منظمة اليونيسيف في باريس وثلاث بوابات خشبية لكنيسة «تيستا دي ليبرا» في روما ليكون بذلك أول نحات عربي مسلم ينحت أبواب كنائس في العالم. فضلا عن إنجازه جدارية الثورة العربية الكبرى في عمان وأعمال مختلفة في البحرين تتضمن خمسة أبواب لمسجد قديم وتماثيل كبيرة ونوافير.

نصب “قوس النصر ببغداد، يرمز إلى قبضتَي صدام. وكان فكرة خالد الرحال الذي مات قبل أن ينجز النصب، فأكمله محمد غني حكمت.

كما ساعد حكمت في عمل «نُصب الحرية» الذي كان من تصميم أستاذه النحات العراقي المعروف جواد سليم الذي وافاه الأجل في سن الثانية والأربعين قبل اكتمال هذا العمل الذي يرمز إلى مسيرة الشعب العراقي من زمن الاحتلال البريطاني إلى العهد الملكي ثم الجمهوري.

وتم إنجاز النصب البرونزي بطول 50 مترا ويضم 25 شخصية بالإضافة إلى الثور والحصان، ويعد أحد أكبر الأنصاب في العالم، خلال عامين في فلورنسا بإيطاليا ونقل إلى بغداد عام 1961 بطائرة.

وتتحدث موضوعات الأنصاب عن المآسي التي مرت بالعراق، منها أم تبكي على ولدها وجندي يكسر قضبان السجن وأحلام ما سوف قد يأتي من حرية وثورة صناعية وزراعية.

ورغم أن هذا النصب الذي أُزيحَ عنه الستار في 14 يوليو 1961، قد تم إنشاؤه بعد سقوط الملكية في العراق (1958) ومجيء الزعيم عبد الكريم قاسم إلى السلطة فإن حكمت يؤكد أن «العراق لم يشهد استقرارا أمنيا فعليا منذ ذلك الحين». وكان حكمت الذي عمل 37 عاما أستاذا في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد يأمل بأن يعود إلى بغداد يوما لإنجاز ثلاثة أعمال برونزية: الأول تمثال لسندباد البحري عائم وسط نهر دجلة، والثاني نافورة مصباح علاء الدين السحري في ساحة الخلاني، والثالث لحرامي بغداد تلك الشخصية التي اشتهرت في العصر العباسي عندما كان يتلثم بالليل ليسرق أغنياء بغداد ويوزع بعد ذلك المال على الفقراء.

ويقول: «أنا أكملت كل المخططات وأعددت المجسمات الصغيرة وآمل أن تستتب الأوضاع في بغداد حتى أتمكن من إنجاز هذه الأعمال». وانتقد حكمت الاحتلال الأميركي للعراق وما رافقه من عملية تدمير وسلب ونهب لإرث الفن العراقي، ويقول: «لقد أدى ذلك الاحتلال البشع إلى تدمير ستة آلاف عمل فني من مجموع ثمانية آلاف عمل كانت تمثل أرشيف الفن العراقي.

كان الطابق الثالث من متحف صدام للفنون يضم 150 تمثالا من أعمالي البرونزية والخشبية والحجرية التي تمثل كل مسيرة حياتي بالإضافة إلى فاترينة (واجهة) تضم 300 وسام وميدالية مختلفة من الذهب والفضة والنحاس.

كنت حينها في البحرين وبسبب الحرب لم أتمكن من العودة إلى بغداد إلا بعد ثلاثة أشهر لأرى أن كل شيء قد سرق ونهب وما تبقى هو حطام لا يمكن أن يكون من فعل إنسان عاقل».

وحول نصب «قوس النصر» في ساحة الاحتفالات الكبرى ببغداد الذي يرمز إلى قبضتَي صدام تمسكان بالسيف والذي أنجزه خلال الحرب العراقية ـ الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، يقول حكمت إن «الحكومة في ذلك الحين أعدت مسابقة شارك فيها الكثير من النحاتين العراقيين، أنا شخصيا لم أشارك، فاز بها خالد الرحال لكنه مات قبل أن ينجز النصب».

بعدها اتصل بي محمد فاضل وزير الإسكان، وقال لي (محمد، تقرر تكليفك بتنفيذ هذا العمل). اعتذرت بلا جدوى، لذلك تم تنفيذه من قِبلي لكني لست صاحب الفكرة. أنا لم أحب السياسة يوما، لأني ببساطة فنان كل مصيبته أنه يهوى العراق».

المعارض الفنية..

معارض شخصية للنحت في روما، سان ريمو، بيروت، لندن وبغداد منذ عام 1958.

معارض مشتركة متجولة خارج العراق منذ 1951.

المعارض التي أقيمت لجمعية التشكيليين ونقابة الفنانين داخل وخارج العراق.

قام بتدريس النحت في أكاديمية الفنون الجميلة ببغداد منذ 1962 وما يزال.

ساهم في عضوية جمعية أصدقاء الفن في بغداد عام 1952.

ساهم في عضوية جماعة بغداد للفن الحديث منذ عام 1953.

ساهم في عضوية جماعة الزاوية عام 1967.

ساهم في عضوية جمعية الفنانين التشكيليين العراقية منذ تأسيسها .

أنجز وسام الشهيد.

أنجز وسام المشاركة في قادسية صدام.

أنجز وسام المتبرعين لدعم قادسية صدام.

أنجز وسام المتبرعات لدعم قادسية صدام.

أسلوبه..

تظهر في تجربة النحات “محمد غني حكمت” سمات أسلوبية ناتجة عن تأثره بالنحت السومري والأختام الأسطوانية السومرية بما تتركه من تعاقب الأشكال المستطيلة المستدقة في الطين الذي تطبع فيه وهو أمر ظاهر في العديد من أشكاله” لدى “محمد غني” نبرة تعبيرية تذكرنا بالنحت الآشوري أو البابلي أو الأكدي ومنذ منتصف الستينيات تحول “محمد غني” في نحته إلى فن العمارة الزخرفية ثم أعتمد على نظام تكراري يتشكل بوحدة نظامية أساسها الحرف العربي واتجه كليا إلى نماذج وتشكيلات وتكوينات جاءت نتيجة متابعة تجريدية لأشكال تشخيصية سبق أن عالجها.

راعي الفنون..

أثناء حرب 2003، وإسقاط حكومة البعث، غادر حكمت بغداد متوجها إلى عمان في الأردن، حيث واصل العمل. بعد عدة سنوات، بعد عودته إلى بغداد، وجد متحف بغداد للفن الحديث في حالة خراب. وتم نهب حوالي 8500 لوحة ومنحوتة. بالإضافة إلى ذلك، تمت سرقة حوالي 150 عملا فنيا من الأستوديو الخاص بحكمت. وتعرضت المعالم العامة مثل الملكة شهرزاد، الواقعة على ضفاف نهر دجلة، للتخريب الشديد. وأصرت قوات الاحتلال على العودة الطوعية للأعمال الفنية المَسروقة، الأمر الذي أدى إلى إعادة القليل من الأعمال الفنية. اشترت عدد قليل من المَعارض المستقلة الأعمال الفنية بهدف إعادتها بمجرد إنشاء متحف وطني مناسب، لكن التقدم في استعادة الأصول الثقافية كان بطيئا.

في حوالي عام 2007، أنشأ حكمت لجنة، ضم أعضاؤها العديد من الفنانين العراقيين المُحترمين، بهدف استعادة الأعمال الفنية المسروقة. لم يترأس حكمت اللجنة فحسب، بل قام بتمويلها شخصيا أيضا. استخدم شبكة اتصالاته لتأمين تمويل إضافي وناشد المواطنين العاديين لإعادة الأعمال الفنية التي كانت محفوظة في مجموعات خاصة. بحلول عام 2010، تمت إعادة حوالي 1500 عمل من أهم الأعمال، وكانت لجنة حِكمت مسئولة بشكل مباشر عن استعادة 150 من الأعمال الأكثر أهمية. بالإضافة إلى ذلك، تمت إعادة تمثال «الأمومة» للنَحات الكبير جواد سليم، الذي سرق من أستوديو حكمت الخاص.

في عام 2010، كلف أمين بغداد حِكمت باستكمال سلسلة من المعالم الأثرية للمدينة. بدأ الفنان العمل على أربع مَنحوتات جَديدة ستقام في مواقع مختلفة حول بَغداد. ومع ذلك، سيكون هذا هو مَشروعه الأخير، لأن النحات مات قبل اكتماله. أشرف نجل حِكمت على إنجاز المشروع. كانَت هَذه الأعمال الجديدة: «نصب أشعار بغداد» نافورة تحتوي على خَط برونزي لقصيدة لمصطفى جمال الدين. «نَـصِـب إنـقـاذ الـثَـقـافـة» ختم اسطواني سومري في يد مواطن عراقي. «الفانوس السحري»، نافورة بها مصباح من ألف ليلة وليلة، و«نصب بغداد»، نصب تذكاري للمدينة كفتاة جميلة، جالسة ترتدي الزي العَباسي التقليدي.

وفاته..

توفي “محمد غني حكمت” في 17 سبتمبر 2011 في عمان، الأردن، بعد إصابته بجلطة وتوقف عمل الكليتين عن عمر يناهز 82 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة