23 فبراير، 2025 11:40 ص

“محمد علي شمس الدين”.. مغامرة التخيل لديه مجازفة كبرى يتقدم فيها بثبات

“محمد علي شمس الدين”.. مغامرة التخيل لديه مجازفة كبرى يتقدم فيها بثبات

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد علي شمس الدين” شاعر من رواد الشعر اللبناني.

حياته..

ولد في بلدة ”بيت ياحون“،1942، وتأثر الشاعر بالموشحات الدينية والأثر الموروث من أجداده في تلك المنطقة، وبين في كثير من كتاباته حبه لجده من أبيه، الذي كان يؤذن في الناس للصلاة، وحفظ على يده الموشحات الدينية، وأشعار الشعراء العظام كالمتنبي والمعري، ومن خلال جده التفت للقراءة والقيمة المعرفية الموجودة في الكتب.

درس في بيروت، وحصل على إجازة الحقوق من ”الجامعة اللبنانية“ في 1963، وعمل مديرا للتفتيش والمراقبة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي اللبناني، ثم توجه إلى دراسة التاريخ حتى حصل على درجة الدكتوراه.

شعر..

تفتحت موهبة شمس الدين الشعرية باكرا، ويعدّ من طليعة شعراء الحداثة في العالم العربي منذ العام 1973، تنوعت قصائده ما بين قصيدة التفعيلة والقصيدة النثرية، بعدما انطلق مع درب ما بعد الحداثة الشعرية، لكنه بقي محافظا على هويته الخاصة خلال الشعر، عبر الدمج ما بين الشكلين، مع الحفاظ على الإيقاع الفني خلال شعره. وقد اهتم بالأسئلة الوجودية خلال قصائده واهتم بالصوت الذاتي حول الموت والحياة، متقافزا ما بين الظواهر التي تأتي بينهما. واشتغل على التفسيرات الميتافيزيقية الخاصة للكون والغيبيات التي رافقت الأحداث الإنسانية منذ بدء الكون.

حاز في العام 2012 على جائزة العويس الشعرية، وترجمت أشعاره إلى أكثر من لغة منها الإسبانية والفرنسية والإنجليزية.

مغامرة التخيل..

وتناول قصائده كثير من النقاد العرب والغرب، ومن بينهم المستشرق الإسباني “بدرو مونتابيس”. الذي تناول ”قصيدة غرناطة“، وقال عنه: ”يبدو لي أن محمد علي شمس الدين هو الاسم الأكثر أهمية، والأكثر وعدا في آخر ما كتب من الشعر اللبناني الحديث.

في هذا الشاعر شيء من المجازفة مكثف وصعب، لاسيما أنه عرضة لكل الإشراك. شيء ما يبعث على المجرد المطلق، المتحد الجوهر، اللاصق بالشعر في أثر شمس الدين، وقلة هم الشعراء الذين ينتصرون على مغامرة التخيل، ويتجاوزون إطار ما هو عام وعادي، وهؤلاء يعرفون أن مغامرتهم مجازفة كبرى، ولكنهم يتقدمون في طريقها“.

الشعر ورطة..

في حوار معه مع صحيفة «الراي» يقول “محمد علي شمس الدين” تعريفه للشعر: “يصادف أن يوجّه هذا السؤال إلي بعد صدور الأعمال الكاملة بجزأين عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وعلى أبواب ديوان جديد غير مضمّن في هذه الأعمال عنوانه «اليأس من الوردة».

في السؤال طلب لتعريف الشعر الآن، وفي بالي ما كتبته سابقاً وحاضراً من ألف «قصائد مهرّبة إلى حبيبتي آسيا» إلى ياء «اليأس من الوردة» ما يساعدني على استبطان التجربة، خصوصا أن ثمة دراسات وأطروحات كثيرة أكاديمية وحرّة، ركزت أضواؤها على هذه الأشعار وتقدّمت بخلاصات واجتهادات متنوّعة.

يرى الدارسون أنني صاحب تجربة شعرية حديثة ولكنها غير مدرسية (الدكتور بدرو مونتابيت رئيس جامعة الاتوتونوما في مدريد) وأن في هذه التجربة تبرز قوة الكلمات والتركيب الصوري والموسيقي المسيطر، والذي من خلال تنوعه تتقدم المعاني الغامضة والواضحة في الجنس والدين والحب والواقع والأسطورة.

اليوم، أرى أن الشعر ورطة وخلاص لي كالولادة والموت. هو قوة كونية مغناطيسية يحتشد فيها الله، وليس الشيطان بعيداً منها بحكم كونه الوجه الأسود للنهار، والشعر هو الميزان، والخلل في الميزان هو الوجود والكينونة بكل ما فيهما من سطوح وتفاصيل وأعماق وسطوع وغموض وغصص ومسرّات. الشعر في اختصار هو الكينونة ولا كينونة من دون شعر، لذلك أميل لاعتباره قريباً من النور بالمعنى الصوفي «الله نور السماوات والأرض» أما لناحية تقنية الكتابة الشعرية فهي في اختصار ما يشرشر من دم الشاعر في الكلمات، وهي ترجمة اللغة للجنون المندلع في قلب الشاعر”.

نداء باطني..

وعن الكتابة وهل هي ضرورية لإثبات الحضور: “إما ألا يكتب أحد شيئاً، فيبقى كل شيء داخله في عماء ولا يظهر إلى النور وبرغم أهمية العماء إلا أنه من غير النور مبهم وغير متكوّن، وإما أن يكتب الشاعر ثم يصمت، وقد يعود للكتابة من جديد وقد لا يعود. هنا يقاس عمق صمته بعمق كتابته. شخصياً، غالباً ما أصغي، كما أقول «لعويل الصمت»، أما متى؟ ولمن؟ فالكتابة استجابة لنداء باطني. حين يسكت هذا النداء تسكت الكتابة. لمن؟ لشخص افتراضي وغامض بين انه موجود أو غير موجود. أحيانا أخمن صورته وموقعه واستجابته، أحيانا لا أخمن. ولكن دائماً الكتابة نفسها، القصائد، تساعد كثيراً في رسم صورة من تتجه إليه. أي أنني أنا الذي اختار القارئ أكثر مما يختارني القارئ. فأنا أخاف من الآخر كثيراً وأحاول أن اعزل نفسي عنه. أعني شعري”.

وعن تصنيف تجربته يقول: “اعتقد أنها أثارت الأسئلة الشعرية العربية المرتبطة باللغة والغيب من منابع هذه اللغة حتى اليوم، كما أثارت الأسئلة الوجودية التي لا شعر من دونها، ولذلك ثمة اهتمام بها يتجاوز الثقافة العربية (بالاسبانية أساسا على سبيل المثال). وحيث أنها تجربة حرّة، فهي تأخذ كما ترفض، والعوالم التي صنعتها، مركّبة، من الحال إلى الخيال، ومن اليومي إلى الأسطوري، ومن الجسدي إلى الهيولي… وقد أغناها البعد الغيبي الديني والاشراقي ما جعل اليوميات والمحسومات والمعقولات جميعها طحيناً في مطحنة الحياة”.

النزعة الصوفية..

وفي حوار آخر مع صحيفة “النهار” يقول “محمد علي شمس الدين” عن النزعة الصوفية: ” في الأساس، كتبتُ قصائد عرفانية منذ “أناديكَ يا ملكي يا حبيبي”، و”ذكر ما حصل للنبي حين أحبّ”، ثم “يوميات الصمت”. وبعدما دُعيت دعوة رسمية عبر وزارة الثقافة الإيرانية إلى طهران، احتككتُ بعالم حافظ الشيرازي، شاعر مقدّس في تلك الديار، يغنّي الحبّ والخمرة. انعقاد الحبّ على الخمرة الصوفية شكّل كيمياء أثّرت بي. قرأته ثم نسيته، لكنّه انبثق في نفسي ذات ليلة من ليالي الألم، فكتبتُ ديواني “شيرازيات”، وهو قرين غزل حافظ الشيرازي”.

وعن مهنة الشاعر: “ليس ثمة من مهنة اسمها مهنة الشاعر إلا عند شعراء البلاط في التاريخ، واليوم في انكلترا عند شعراء الملكة. هذه مهنة بائدة. لكن هذا يختلف عن أنّ في الشعر جزءاً من الصنعة، أي من المعرفة الحرفية أو تقنيات الكتابة. وهذه ضرورية لكلّ شاعر على رغم أنّ الأساس هو البديهة. أي ما يشبه الجينات الشعرية”.

النرجسية..

ويسأله المحاور شعرك ينضح بالنرجسية الفاقعة. لا بدّ أنّك تعشق مراياك ويجيب عليه: “نعم. أنا كشاعر أعتقد أنني في ذروة من ذرى الشعر التي أعرفها ويعرفها الآخرون. النرجسية ذات معنيين: نرجسية ميثولوجية تعود إلى الأسطورة المعروفة لنرسيس الذي عشق ذاته في المرآة ومات في هذا العشق. رمى بنفسه في ماء نرجسه، وقد أسس عليه فرويد معنى النرجسية وهو معنى مرضي. أريد إضافة معنى جديد: نرجسيتي أنتروبولوجية. أنا شاعر أقنعة، مَن يقرأني يعرفني، أخذت قناع المسيح وقناع محمد وآسيا ومنيرفا والحلاج وجبران والمتنبّي وفان غوغ وسلفادور دالي. مئات الأقنعة. حين أكتب قصيدة قناع، هناك إثنان: الأنا والآخر الذي ألبس قناعه. القناع إما يتغلّب على أناي، فلا لزوم لأن أستعين بهؤلاء، أو أن أتغلّب في هذا الصراع الخفي على الأقنعة، فتظهر نرجسيتي وأناي في النصّ، هكذا أنا نرجسيّ مئة في المئة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة