19 ديسمبر، 2024 5:40 م

“محمد عارف مشة”.. انحاز للإنسان وقضاياه ومعاناته

“محمد عارف مشة”.. انحاز للإنسان وقضاياه ومعاناته

خاص: إعداد – سماح عادل

“محمد عارف مشة” قاص وشاعر وكاتب أردني

سقف السيل..

في مقالة بعنوان (الفانتازيا في مجموعة “سقف السيل” محمد عارف مشة) كتب “رائد الحواري”: “في هذه المجموعة يستخدم القاص أكثر من شكل في القص، فهناك قصص جاءت من خلال أنا القاص، وأخرى من خلال القص الخارجي، كما أنه أهمل ذكر المكان ولم يحدده، فمن لا يعرف أحياء عمان، بالتأكيد سيحتار أين يوجد “سقف السيل” وهذا يعود إلى أن المجموعة تتحدث عن حالة الإنسان في مدينة، المدينة المضغوطة التي تطحن الإنسان وتجعله في حالة صراع دائم مع الواقع، مع الحياة.

وبما أنه كاتب وأديب وقاص فقد تناول واقع الأديب/الكاتب في أكثر من قصة، كما تناول الأطفال وأثر الفقر عليهم، وأعتقد أن حجم القصص القصيرة، فالمجموعة مكونة من خمس وعشرين قصة جاءت في أقل من تسعين صفحة، وهذا الحجم يشير إلى أن القاص اعتمد على التكثيف وأخذ الزمن/العصر الذي يميل فيه القارئ إلى النصوص القصيرة، وهذا ما جعل المجموعة عصرية بكل معنى الكلمة”.

ويضيف: “من يتابع ما يكتبه محمد عارف مشة من قصص يجد أنه يعتمد على الحركة السريعة، وتتابع الأفعال، مما يجعل المتلقي يشعر أن هناك حدث مهم، لهذا القاص يسرع في سرد القصص، هذا على صعيد طريقة تقديم القصص، أما على مستوى اللغة فهو يستخدم لغة سلسة وسهلة مما يجعل القارئ ينسجم مع الأحداث وما يقص عليه، ولكي يكون القاص مقنع نجد “محمد عارف مشة” يعطي مساحة لشخصيات القصة لتتحدث بما تريد، واللافت في هذه اللغة أنها تنسجم مع طبيعة الشخصية، فالقاص لا يُنطق الشخصيات بل هي تتحدث بطبيعتها وحسب مستواها الثقافي”.

ويختتم المقالة: “هذه الثورة التي جاءت في خاتمة المجموعة تمثل دعوة من القاص للتمرد على كل ما هو كائن/ حاصل في الواقع، فمن خلال “عجوز المقهى” أعطانا دفعة للحركة، فمن قام بالتمرد هو عجوز، فما بالنا نحن الشباب نبقى ساكنين أمام هذا الظلم والقهر، وإذا علمنا أن من قام بالحركة كانت من شخصيات (جامدة) فكيف بنا نحن الذين نتحرك ونتنقل يومياّ؟. المجموعة من منشورات الآن ناشرون وموزعون، عمان، الأردن، الطبعة الأولى 2023″.

الانحياز للإنسان..

في حوار معه أجراه “أحمد طايل” يحكي “محمد عارف مشّه” عن نفسه: “محمد عارف مشّه” مواطن عربي، يحمل ما يحمله المواطن العربي من المحيط إلى الخليج، بكل ما يحمله هذا الإنسان من تبعات اقتصادية واجتماعية وفكرية، وما يعانيه هذا الإنسان العربي من حروب ومشكلات سياسية أو استعمارية، ففلسطين ما زالت محتلة ومستعمرة من الكيان الصهيوني، وما زال الإنسان الفلسطيني يعاني في وطنه قلّ مثيله في العالم إن لم نقل أن فلسطين هي الوحيدة المستعمرة والمحتلة من بقاع العالم من الكيان الصهيوني.

كذلك في سوريا الشقيقة وما يعانيه المواطن السوري من حروب ودمار وفقر وجوع ومرض وغيره، وبغض النظر عن سبب هذه الحروب، فالحرب حقيرة مهما كانت أسبابها، الحرب موت وقتل ودمار وجوع وقهر . كذلك في اليمن، وفي السودان، والقتل في العراق وليبيا، والكوارث الطبيعية وغير الطبيعية، تجدني منحازا للإنسان العربي أينما كان بشكل خاص، وللإنسان بشمولية الإنسان في العالم.

وعن الأدب يقول: “المراحل الإبداعية تراكمية إبداعية لا يمكن الفصل بينها بحد فاصل، فقد كنت معلما حين كان التعليم ضرورة، وكان الاحتكاك بالطلبة دور أساسي، ولربما في البدايات كتبت القصة، وبداياتي كانت القصة منذ عام 1983 في أول إصدار، في مجموعة قصصية بعنوان (حبك قدري)، لكنها لم تحدد ملامح محمد عارف مشّه الأدبية بوضوح، كونها كانت تتنازعها مشاعر إنسان يافع يؤمن بالحب وبالمرأة والوطن. أي باختصار كان عاشقا، وانتقلت للصحافة الورقية، ثم كتابة الدراما الإذاعية والتلفزيونية وإعداد البرامج، ثم العودة للصحافة، مجالات مهنية كثيرة ومتعددة أدبيا وفكريا مرتبطة بالتطور العقلي والعمر الزمني عند محمد عارف مشّه” .

عالم الكتابة..

ويقول عن النداء الداخلي لخوض عالم الكتابة: “هل نقول أن الكتابة مرض كامن داخل جسد الكاتب، يؤلمه أحيانا في البدايات، وسرعان ما تزول أعراض المرض وآلامه؟ لكن هذا المرض الأدبي يظل ساكنا أحيانا كثيرة، إلى أن تزداد أعراضه وآلامه، فتظهر الحقيقة التي لا مناص منها ويصعب علاجه والتراجع عن حرفة الأدب والكتابة .

لا أذكر حقيقة متى كان هذا النداء الخفي أو المرض الساكن. لكن كانت بداية ظهور هذا الداء وصعوبة العلاج، والعودة إلى الشفاء من حالة الكتابة والأرق، كانت بداية عام 1982، وقت الاجتياح الكيان الصهيوني لجنوب لبنان. وكانت أول قصة نشرت لي في صحيفة الدستور الأردنية، لأول مرة بعنوان حلما بانتصار، فوجدت صدى إيجابيا محفزا للكتابة.

وعن الأجناس الأدبية يقول: “لن أكرر مقولة أصبحت باهتة وهي كلهم أولادي ولا أفرق بين أحد منهم في مجال الأدب نعم أفرق بينهم . فابني البكر هو القصة القصيرة، والابن المدلل القصة القصيرة جدا. وما بينهما جاء أولاد في حالة انشغالي بالقصة والقصة القصيرة جدا، فكانت الرواية، وكانت قصيدة النثر، والدراما التلفزيونية قليلا .

أستطيع التأكيد على أني من رواد كتابة القصة القصيرة جدا منذ عام 1983 ـ 1984. وإن لم تكن بهذا الاسم أو المصطلح عليه الآن من شروط وخصائص وأركان وعناصر القصة القصيرة جدا . إلا أنه وفيما قبل التسعينات بدأت تظهر ملامح القصة القصيرة جدا، حيث نشرتُ في مجلة اليقظة الكويتية بين عامي 88 و 89 عددا من القصص تحت اسم قصص قصيرة جدا. إلى أن أصبحت القصة القصيرة جدا لا تتجاوز الثلاثة أسطر ومكتملة القصة القصيرة جدا بعناصرها، وأصبح هذا النوع أو الخاصية رياديتي بها من حيث النشأة والتطور أردنيا وأعتقد عربيا، من حيث عدد كلمات القصة وجملها، واكتمال عناصر القصة فيها .

ذق ماجرّعتني

نص “محمد عارف مشه”

فاليوم أمر

وغدا أمر

وقد ولى زمن الخمر

………………….

ذق ما أسقيتني

فأصبح الأمر لي

لكل جرح جرحتني

لكل دمعة أسقيتني

فأسكرتني

وأفقدتني حريتي

لكل صفعة صفعتني

لكل سهر الليالي

وجفوة الأيام جرّعتني

فذق ماجرعتني

من خيانات

نزوات

وبشهواتك دنستني

وبذيل شيطانك لوثتني

وتلك التي أجلستها

بين يديك دمية

خنتها كما خنتني

ذوّقتني مر الكلام

وبيديك جرعتني

بلسانك قتلتني

وغفرت ذنبا لي

لم تقترفه يدي

وأسمعتها الأغاني

التي أسمعتني

وبأصابعك المتسخة

على أكف يديها

عزفت

كما عزفت لي

أغانيك لم تكن لها

ولم تكن لي

وقلت لها

كما قلت لي

لا

لا لم تقل لي

أنا التي قلت لي

فصدقتني

وظننت أنك تحبني

ووعدتني

فابتسمت عيناك

لغدر خططت لي

فظنتها عيناي وادمعي

شوقا واشتياقا للمسة يدي

حين كنت تخونني

فذق ما أذقتني سيدي

وتجرع مرارة

ماجرعتني

فاليوم أمر

وغدا أمر

وغدا الأمر لي

فزمن خمرك قد انتهى

وانتهى زمن ما أسكرتني

وأفقدتني حريتي

فما عاد كلامك خمري

ولا أمست قصائدك مطمعي

أكل النساء قصائد؟

فذق واسكر بما

أسكرتني

حين صدقت

كل ماقلت لي

فقتلتني بكل نظرة

لامرأة أجمل مني

وبنظرتك أهنتني

ونسيت كل ماقلت لي

تمنيتني؟

فذق ما أذقتني

وتجرع عذابا به أهنتني.

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة