7 أبريل، 2024 10:00 م
Search
Close this search box.

“محمد شكري” .. حينما يكون الشقاء الشخصي طريقاً إلى العالمية

Facebook
Twitter
LinkedIn

كتبت – سماح عادل :

“محمد شكري” كاتب مغربي ولد سنة 1934 بقرية “بني شيكر” بالريف.. عندما ضرب الجفاف مناطق الريف المغربي في بداية الأربعينيات في وقت الحرب العالمية الثانية هاجرت أسرة “محمد شكري” إلى “طنجة” إحدى مدن الشمال عام 1942 وكان عمره وقتها سبع سنوات.

في كتاب حسن بيريش “المعيش قبل المتخيل.. حوارات مع محمد شكري”.. سنحاول التعرف على الكاتب المغربي الشهير من خلال كلماته هو.

طفولته..

يقول “شكري”: “أذكر أنني اضطررت لإخفاء لكنتي الريفية من دارجتي المغربية بل اضطررت إلى إلغاء أصلي الريفي لأتفادى احتقار أطفال الحي الذي سكنا فيه، ووجدت ترحيباً عند الغجر الإسبان الذين يسكنون في نفس الحي، ويمارسون أعمالاً وضيعة وفي الغالب يسرقون، وكانوا أقل بؤساً من أسرتي، وبواسطة أطفال الغجر تعلمت الدفاع عن نفسي، وكنا نغير على الأطفال المغاربة الشرسين وكانت عراكتنا تصل إلى حد الإدماء”.

عن بؤس طفولته يقول: “طفولتي مثال حي للبؤس، بدءاً من السابعة كنت أعمل، كنت أعاني الجوع فاضطر إلى أكل ما أعثر عليه من مخلفات الطعام وسط قمامة النصارى الغنية، ذلك أن قمامة المغاربة كانت جد فقيرة وزبل المرفهين كان موجوداً في الأحياء الأوروبية، لا أعتقد أنني تخلصت من عقد طفولتي ومهما عالج الإنسان نفسه سواء بالكتابة كما فعلت أنا أو بالتحليل النفسي فإنه لا يتخلص منها”.

أعمال كثيرة..

عن عمله يقول: “لم أترك مهنة إلا وزاولتها بدأت ماسح أحذية، ثم صبي مقهى، وفي مطعم أغسل الصحون، وزورقي، وبائع سمك، ومرشد سياحي، وسمسار، ونشال، وموسيقي مقلد المطربين المشهورين أمثال محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأم كلثوم، وبائع جرائد وخضروات وسجائر مهربة.. عرفت جميع أنواع التشرد والتجأت للنوم في المقابر، لم يكن ممكناً أن أنام على عتبات البيوت لأنني لم أكن أتوفر على أوراق تثبت هويتي إذا ما فاجأني رجال الشرطة”.

تعلم القراءة والكتابة..

عن تعلمه القراءة والكتابة يقول: “ذات صيف عام 1956، وكنت أبلغ 20 عاماً، أنهيت عملي كزورقي بميناء طنجة وذهبت إلى مقهى “سي موح” لأدخن وأشرب كعادتي، كان رواد المقهى يتكلمون عن الملك فاروق واللواء محمد نجيب وثورة 23 تموز/يوليو المصرية، أردت التدخل في الحديث فنهرني أحدهم “اسكت أيها الأمي”.. طبعاً أحسست بالإهانة وقررت أن أتعلم القراءة والكتابة، اشتريت كتاباً لتعلم الأبجدية من مكتبة بحي “واد أحرضان” وساعدني في تعلم المبادئ الأولية للقراءة والكتابة نفس الشخص الذي عيرني بالأمية في المقهى، وتمكنت من الدخول إلى مدرسة ابتدائية وحصلت على الشهادة الابتدائية، وواصلت الدراسة حتى تخرجت من مدرسة المعلمين بتطوان 1961، وعنيت في مدرسة “الحي الجديد” بطنجة واشتغلت في التعليم أكثر من 21 عاماً”.

الكتابة..

عن بداية الكتابة يقول: “أثناء دراستي بمدرسة المعلمين بتطوان 1961 كنت أتردد على مقهى “كونتيننطال” وكان مشهوراً، يتردد عليه مجموعة من الكتاب المغاربة مثل محمد الصباغ والمهدي الدليرو وأحمد عبد السلام البقالي ومحمد العربي الخطابي.. في يوم لاحظت أن رواد المقهى يحيطون بشخص أنيق باحترام وتقدير بالغين، سألت عن هذا الشخص قيل لي أنه الأديب المغربي المعروف محمد الصباغ، ولم أكن قد قرأت له شئ، فكرت أن الكتابة امتياز وقلت لنفسي: أنا استطيع أن أكتب أيضاً، لماذا لا أصبح كاتباً حتى يحترمني الناس ؟، في الغد اشتريت كتب محمد الصباغ وقرأتها ثم كتبت خربشات سميتها “حديقة العار” وقدمتها لمحمد الصباغ قرأها وقال لي مشجعاً “لغتك لا بأس بها ولكن ينقصك الأسلوب الأدبي  استمر في الكتابة ولا تنقطع عن القراءة”.. ثم كتب لي قائمة بعناوين بعض الكتب وطلب مني أن أقرأها، وقد وجهني كثيراً في قراءاتي الشعرية والنثرية باللغة الإسبانية، وفيما بعد تجذر الوعي بالكتابة عندي ولم تعد الرغبة في الكتابة نابعة من فراغ، وإنما أصبحت حاجة أساسية ووسيلة للاحتجاج على القبح والانتصار لكل ما هو جميل في الإنسان والحياة”.

ويواصل: “لم اكتسب القدرة على الكتابة الأدبية الوازنة إلا بعد 1966، لقد كانت تلك السنوات بمثابة تدريب لاكتساب أسلوبي الخاص أما الموهبة فكانت موجودة”.

عن الروافد التي ساهمت في تكوينه الثقافي والأدبي يقول: “تكويني الأدبي أساسه حصيلة هامة من القراءات المتشعبة في شتى حقول المعرفة، اعتقد أنني ربما أكون قد قرأت أكثر من 4000 كتاب بدءاً من 1957، قد لا أكون كاتباً جيداً وكبيراً ولكن بالتأكيد أنا قارئ جيد وكبير”.

عن اكتساب ملكة الكتابة يقول: “اكتسبت ملكة الكتابة من خلال مخزون القراءات من جهة، ومن خلال استعمال القواميس من جهة أخرى، أنا أملك أكثر من ستين قاموساً في مختلف اللغات، وليس عندي عقدة السؤال، لقد بذلت مجهوداً كبيراً في تعلم اللغة العربية وقواعد النحو والإعراب”.

عن قراءة الأدب العربي يقول: “بصراحة أنا لست قارئاً جيداً للأدب العربي لأنه لا يحررني ولا يستجيب لطبيعتي المغامرة، الأدب الغربي أكثر تمرداً وأكثر تحرراً في التعبير عن إشكاليات الإنسان في الحياة والوجود، في حين أن الأدب العربي لم يملك الحرية الحقيقية بعد في الكتابة والتعبير”.

طقوس الكتاب..

عن طقوس الكتابة يقول: “الطقوس التي كنت أكتب بها في الستينيات والسبعينيات ليست هي نفسها التي أكتب بها اليوم.. من قبل لم يكن لي مسكن خاص كنت أسكن في فنادق صغيرة ولذلك كنت أكتب في المقاهي، المطاعم، الحدائق، والحانات.. ولأنني لم أكن مشهوراً آنذاك فقد كنت أكتب دون أي إزعاج، وعندما عرفت الاستقرار في منزل خاص بي منذ ثلاثين عاماً بدأت أعود نفسي على الكتابة داخل المنزل، واخترت طريقة محددة هي أن أكتب في الليل وأنقح في النهار، أكتب في ذاكرتي قبل أن أكتب على الورق، وعندي ذاكرتان ذاكرة الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون ولذلك يقوون ذاكرتهم، وذاكرة المتعلمين الذين يدونون الملاحظات، وإذا أخطأت في أحدهما تسعفني الأخرى”.

أما عن موضوع الكتابة يؤكد “شكري” على ان: “المواضيع كانت موجودة ومطبوخة جيداً في ذهني، وكنت أبحث لها عن صيغة وأعثر على هذه الأخيرة في قراءتي لأحد الكتب، حيث يوحي لي بخيط أريان أو بالخيط الرابط فانطلق، يحدث أحيانا أن أقرأ جملة، صفحة، أو مشهد من رواية فتوحي لي بالكيفية التي ينبغي أن أكتب بها موضوعاً كان يختمر في ذهني كتجربة”.

المهمشون..

عن انحيازه لفئة اجتماعية معينة أو حياديته يقول: “ليست هناك كتابة حيادية مطلقة أو كتابة انحيازية مطلقة، هناك دائماً التزاوج.. بالنسبة لي أنا لست محامياً عن كل القضايا، والفئة التي أدافع عنها وأشجب الظلم الذي تتعرض له هي فئة المهمشين الكادحين والمسحوقين الذين لا طبقة لهم، البعض يعتقد أنني أتعاطف مع الطبقة المهمشة مثل بعض الكتاب البرجوازييين الذين تعاطفوا مع هذه الطبقة وكتبوا عن معاناتها، أمثال فيكتور هوجو في “البوساء”، وإميل زولا في “لوموسان” و”غيرمينا”، وهذا غير صحيح أنا أصلاً واحد من الكادحين ومن نفس بيئتهم ووسطهم الاجتماعي، وعانيت مثلهم كل صنوف الفقر والبؤس والتشرد، ولكني لست محامياً للطبقة البائسة ولم أوقع عقداً مع البؤس”.

وعن موقف المهمشين من كتابات “محمد شكري” يقول: “طبعاً لم يرضوا عن كتاباتي وشتموني، لأنهم اعتقدوا أنني كشفت الستار عن واقعهم وعريت حياتهم كلها للأجانب.. حتى إخوتي قاطعوني وتعرضت لغضبهم وسخطهم منذ صدور روايتي “الخبز الحافي” و”زمن الاخطاء”، فقد اعتبروني منبوذاً لأنني كتبت أشياء مشينة عن الأسرة وشوهت صورتها كما يقولون، ولست نادماً بالتأكيد أنني اعتز وافتخر بكل ما كتبته حتى الآن”.

التوقف عن الكتابة..

عن توقفه عن الكتابة مدة 19 عاماً من (1973 : 1992) يقول: “كان موقف الناشرين معي هو سبب الإحباط الذي أصبت به، لقد حوصرت برقابة شديدة ولم أجد ناشراً يقبل كتاباتي كما هي، وكنت أرفض تعديل كتاباتي نزولاً على رغبات وأهواء بعض الناشرين ورؤساء تحرير الصحف والمجلات، الذين كانوا يرون في كتاباتي جرأة أو خلاعة لا تتلاءم مع الأخلاق العامة، وكان من الصعب أن أنشر شيئاً لا داخل المغرب ولا خارجه في العالم العربي، وحتى بعض المجلات التي كانت تتطوع للنشر لي كانت تفعل ذلك بعد ممارسة أكبر قدر من التشويه لما أكتب، وهكذا كانت تخرج كتاباتي مبتورة مشوهة ورديئة بسبب التصرف فيها بالحذف، ونتيجة لهذا الإحباط أصبت بلعنة الكتابة فهجرتها، ولم استعد رغبتي في الكتابة إلا عندما بدأت كتبي تترجم، حيث وفرت مبلغاً مالياً وبدأت أنشر ما اختزنته في أدراجي من قصص وروايات من عام 1966 إلى عام 1973، أثناء توقفي عن الكتابة شعرت بالندم لأني لم أدرب نفسي على الكتابة باللغة الفرنسية أو الإسبانية أو الانكليزية لأن الكتابة بهذه اللغات تحظى بحرية أكثر وأكبر”.

عن أفضال الكتابة يقول: “أفضال الكتابة عليا كثيرة جداً، فقد أعادت لي الاعتبار مع أسرتي.. مع أبي بالخصوص ومع أخوتي الذين يكرهون ما اكتب، وأيضاً مع بعض الأشخاص الذين كانوا يشتمونني في المقاهي والشوارع، كما أغنتني بالحرية ووفرت لي المال”.

الخبز الحافي..

عن كتابه الشهير (الخبز الحافي) يقول: “في صيف 1971 حل بطنجة الناشر الانكليزي “بيتر أوين” الذي كان يزور طنجة كل صيف مع صديقه “بول بوولز”، وكان “بوولز” قد أطلع “أوين” على شذرات من حياتي وقدم له بعض القصص القصيرة التي ترجمها لي، ونشرت في مجلتي “انتيوس” الأميركية و”ترانس اتلانتيك” الانكليزية.. وفي منزل “بول بوولز” اقترح عليَ “بيتر أوين” كتابة سيرتي الذاتية ليترجمها “بوولز” إلى الانكليزية.. قلت له أن سيرتي الذاتية مكتوبة منذ فترة طويلة, ولم أكن قد كتبت جملة واحدة فيها، كانت مكتوبة ومصاغة بأحداثها ومشاهدها في ذهني فقط، وبنوع من التحدي وقعنا “بوولز” وأنا عقداً مع الناشر “بيتر أوين”، وشرعت في كتابة (الخبز الحافي) في تلك الليلة بالذات، وفي مساء اليوم التالي جئت إلى شقة “بوولز” وأنا أحمل معي الفصل الأول مكتوباً باللغة الفصحى.. كنا نترجم فصلاً بعد فصل وكان الفصل الواحد تستغرق ترجمته إلى اللغة الانكليزية ما بين يومين أو ثلاثة، وقبل أن ينتهي “بول بوولز” من ترجمة فصل أكون أنا كتبت الفصل الذي يليه بالعربية الفصحى طبعاً، واللغة التي استخدمناها في الترجمة هي اللغة الإسبانية التي يجيدها “بوولز”، كنت أملي عليه بالإسبانية ويترجم إلى الانكليزية مباشرة، وتأخر صدور النص العربي للخبر الحافي لأنني لم أجد ناشراً.. أعطيت النسخة الأصلية بالعربية لناشر فرفضها، ومن خلال العائدات التي استلمتها من ماسبير وليس من النسخة الانكليزية، لأنني لم استلم من “بيتر أوين” سوى 100 جنيه فقط، وفرت مبلغاً مالياً ودفعت الرواية إلى دار نشر، وقد نجحت (الخبز الحافي) وحققت مبيعات تجاوزت 20 ألف نسخة في مدى سنة ونصف، إلى جانب ترجمتها إلى أزيد من عشرين لغة آخرها اللغة العبرية سنة 2000″.

ويضيف: “نجاح سيرتي الذاتية (الخبز الحافي) لا يعود فقط إلى تناولي ما يعرف بالطابو, هذه السيرة الذاتية هي وثيقة اجتماعية تؤرخ ما لا يؤرخ له التاريخ الرسمي أو التأريخ المأجور”.

عن الشهرة يقول: “لم أكن أحلم بالشهرة التي وصلت لها على الإطلاق، عندما بدأت الكتابة لم أكن أسعى إلى أكثر من الشهرة المحلية، أما الشهرة العالمية فلم ألح قط في البحث عنها أو الإصرار عليها، ربما وجودي في طنجة وكتابتي عنها ساهما في هذه الشهرة فلو أنني عشت في مدينة غير طنجة لما كتبت ما كتبت”.

 

  • تم هذا الحوار مع الكاتب (محمد شكري)، بين صيف 1998 وشتاء 2001، واستغرق حوالي 15 جلسة عمل ونشر في عام 2013.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب