12 مارس، 2024 10:30 م
Search
Close this search box.

“محمد سالم الكبير”.. كان عذب الصوت يغني بدون مساعد

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد سالم الكبير” (العجوز)، من كبار مطربي عصر النهضة الموسيقية في مصر أواخر القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين.

حياته..

واسمه “محمد بن الشيخ سالم المصري” ولد سنة 1804 وعني والده بتعليمه القرآن الكريم فحفظه ترتيلا وتجويدا. اشتغل بالتجارة فكان يبنى البيوت ويبيعها وقد جمع ثروة طائلة بددها في الإسراف وكثرة تعدد الزوجات.

“محمد سالم الكبير” عمل قبل احترافه الغناء في الاهتمام بشؤون الفرق الموسيقية، كحمل أغراض الموسيقيين الشخصية، وترتيب مكان جلوسهم، وتهيئة مكان الحفل لاستقبال المدعوين، وذات ليلة ساق القدر إليه المطرب الكبير “عبده الحامولي” قبل موعد الحفل بدقائق فوجد بالصدفة “محمد سالم” يسلي نفسه بالغناء، فأرهف أذنيه مذهولا وناداه قائلا: “مكانك مش هنا يا سي محمد، مكانك وسطنا”، ومن يومها وهو مذهبجي في تخت “عبده الحامولي” وفرد من بطانته، حتى أنه كان يرسله في بعض الأحيان عوضا عنه إلى الحفلات لكي يأخذ نصيبا من الشهرة التي يستحقها.

و”محمد سالم” يعد من أوائل المطربين الذين سجلوا أصواتهم على اسطوانات، وذلك في حملة التسجيل الأولى لصالح شركة “غرامافون” الانكليزية عام ،1903ومن بواكير تسجيلاته الرائعة دور (أنا السبب في اللي جرى) على اسطوانات شركة “أوديون الألمانية”، وجه واحد، قياس 35 سم وهو من أندر قياسات الاسطوانات،كلمات “علي الليئي” ولحن “عبده الحامولي” مقام بياتي، ودور (سلمت روحك يافؤادي) لصالح شركة “غرامافون” 1906 كلمات الشيخ “أحمد عاشور” ولحن الموسيقار “ديفيد حاييم ليفي” المعروف ب”داوود حسني” مقام بياتي شوري (قارجيغار)

سجل “محمد سالم الكبير” أدوار لم يسجلها أحد غيره على اسطوانات مثل دور (يابو العيون النعسانة) المسجل لشركة “أوديون” الألمانية 1904 ودور تجربة لم ينشر على اسطوانات شركة “غرامافون” وجه واحد (الله عالدمنهوري) وهو من كلمات الشيخ “خليل محرم” مقام بياتي، وموال (أهل الجمال) لصالح شركة “بيضافون” 1912 وهو يرتجله على مقام السيكاه.

وكان صوته مكوناً من ثلاثة دواوين كاملة وهي موهبة عزّ نظيرها في غيره من المطربين، ولم يستطع أحدا من معاصريه مجاراته، وقد اعترف له المرحوم “عبده الحامولي” فقال” “أحسن الأصوات في مصر صوتان (سالم) في الرجال و(ألمظ) في النساء”. وكان ويغني بصوته الرخيم الأدوار بدون مساعد، فكان منشداً جاوز حد الإبداع.

أخذ أكثر ألحانه عن الشيخ “محمد المسلوب” وكاد يبذه لولا ما نقله “الحامولي” من الألحان التركية التي لعبت دورها في نبوغه، ولكنه فاق “الحامولي” في تلحين القصائد، وقد غنى في أفراح الأمراء.وكان يجيد العزف على العود، عليماً بقوافي الأوزان ويضرب على الرق، وكان يطلق على الموسيقى في أواخر عهده عصر الموسيقى الذهبي.

كانت له شهرة عظيمة وبقدر ما كسب من مال، فقد صرفه بلا حساب ولم يفكر بمصير شيخوخته، حتى لقد اضطر في آخر أيامه أن يطوف بالمقاهي مستجدياً، وساءت حالته لدرجة إن رتب له “بنك مصر” راتباً يستعين به على تأمين إعاشته، وقد أشفق به أحد معارفه من الكبراء، فأقام له حفلة ليساعده بدخلها، وقد غنى “محمد سالم” بنفسه في هذه الحفلة، كما غنت فيها المطربة “أم كلثوم” وكانت قد بدأت تأخذ مكانتها في عالم الطرب.

نبغ في الغناء كبيراً، فعلى الرغم من أنّه يكبُر “عبده الحامولي” بما يزيد عن ١٥ سنة على قول بعض المحدّثين، إلا أنّه لم يُعرف كمطربٍ إلّا في أخريات أيّام “عبده الحامولي”، ويُقال أنّه هو الذي قدّمه للناس مُطربا جديداً، لكن المؤكّد أنّه شجّعهُ وساعده ليكون في الصفّ الأوّل بين مطربي عصر النهضة.

ذاعت شهرة “محمد سالم الكبير” في أخريات أيّام “عبده الحامولي”، واستمرّ بعد وفاته على أنّه لم يبلغ شهرة الشيخ “يوسف المنيلاوي” و”عبد الحيّ حلمي”، وعلى الرغم من هذا فإن “محمد سالم الكبير” نال احترام السمّيعة وأهل الفنّ على حدٍّ سواء حتّى لُقِّب ب”الكبير”.

ويشرح “كامل الخُلَعِي” هذا في ترجمته ل”محمد سالم الكبير” فيقول أنّه كبير المقام ليس فقط بحلاوة صوته وإتقان غناْه وقد بلغ في هذا مبلغاً كبيراً، لكن بدماثة خلقه ورحابة صدره، وقد لقّبه الحاسدون بالعجوز لكبر سنّه على أنّ في طلاوة صوته ما يفوق أولائك الحاسدين وزاد الكثير ونصح أكابر القوم أن يأتوا به في حفلاتهم وسهراتهم، فهو عذب الصوت أنيسُ المجلس وليس فيه عربدة أولئك المنتسبون خطأ للنغم.

تتميّز تسجيلات “محمد سالم الكبير” أنّ فيها الكثير من غرائب الألحان التي لم يسجلها أحد سواه، وهي ألحان مجهولة النسب أغلبها على شكلِ أدوار ما قبل “الحامولي” وبعضها لا يمكن مقاربتها بالموشّح، فله تسجيلٌ عظيمٌ لدور “يا حليوة يا مسلّيني” والمنسوب للشيخ “محمد عبد الرحيم المسلوب”، وله تسجيلٌ لشيءٍ أشبه ما يكون بموشّح عنوانه “يا دان يا ويلدان”، وهو عملٌ يغنى بأشكال متعدّدة في الحجاز خاصّةً الجزء المطل منه على ساحل البحر الأحمر ك”ينبُع” ومقابله في مصر في منطقة “القلزم” المعروفة الآن “بالسويس”، تقع جنوب شرق مصر وهاتان المنطقتان تشتركان في تراث شبه موحد من الغناء الشعبي وحتى الآلات وطريقة الغناء.

نستمع من تلك الأعمال الغريبة إلى دور “يابو العيون النعسانة”، وهو في المعلّق أحد أفرع مقام “الراست” وفي لحنه شيء غير مألوف لآذان المستمعين هذه الأيام لكن شيء جميل وعذب في كيفيّة القفلة على فرع غير فرع البداية، ولكن هذا سير المعلق وهو منتشر في الكثير من التقاليد الشعبيّة في ساحل البحر الأحمر المذكور آنذاك واليمن وصعيد مصر.

يقول أحد محدّثي مدينة السويس أن “محمد سالم الكبير” قد ذهب إلى القاهرة كبيرا وأنه كان يعمل في الغناء للبحارة وللعمال في السويس ويضيف أنه ذهب عدة مرات مع محمل الكسوة والحجيج، على أن مثل هذه المعلومات لم تذكر في أي كتاب من كتب التأريخ الموسيقي، لكن إن صحت فهي تبرير منتقي جدا لفكرة حفظه العديد من النماذج المشتركة بين “القلزم” و”الحجاز” والتي يطلق عليها سكان طرفي الساحل (الأدوار). على أن “محمد سالم الكبير” لم يكتف بهذا، بل كان مواكبا لعصره فبعد إتقانه أدوار “الحامولي” و”عثمان” حفظ أدوار الجيل اللاحق لهما، والذي يعد في عمر أحفاده، ومن هذه النماذج نستمع بصوت “محمد سالم الكبير” إلى دور “سلّمت روحك” نظم الشيخ “أحمد عاشور” ولحن “داود حسني”، سجّله لشركة “الجراموفون” حوالي عام 1907 على 4 أوجهٍ قياس 25 سم، يُصاحبه على الكمان “إبراهيم سهلون” وعلى القانون “محمد إبراهيم”.

يتميّز أداء “محمد سالم” بالبساطة والثبات على المقام واللعب على إيقاع الجملة الوزنيّ وإذا أردنا كشف ذلك فلا بد لنا أن نستمع إلى عمل ليس فيه دورة إيقاعية، والموال خير نموذجٍ لعمل لا توجد فيه دورة إيقاعية، فالاعتماد في الأصل على إيقاع وزن الجملة، وفي معظم الأحيان يكون الموال مرتعا للتصرّفات اللحنية والانتقالات النغمية، على أن محمد سالم هو خير نموذج على نوعٍ آخر من التصرف وهو اللعب على وزن الكلمة في توزيع اللحن، مثل موّال “أهل الجمال” والذي يرتجله من مقام “السيكاه”، الموّال مسجّل على وجه واحد قياس 27 سم لشركة “بيضافون” حولي عام 1912 ومعه على القانون “عبد الحميد أفندي القضّابي”. آخر تسجيلاته كانت على اسطوانات شركة “بوليفون” الألمانية عام 1924.ومن أهم أعماله (دور ياحليوة يامسليني- دور شربت الصبر- دور يامن أسرني بالجمال- دور ياحليوة ياحبيبي- وموال أهل الجمال والصفا)

وفاته..

يعتبر من المعمرين إذ مات عن 118 سنة، وتوفى “محمد سالم الكبير” عام 1927.

https://www.youtube.com/watch?v=QK5Fk4Q4zHU

https://www.youtube.com/watch?v=xlFnk7H6Znk

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب