خاص: إعداد- سماح عادل
“محمد خير عبد الله”، هو كاتب وقاص وروائي سوداني، وهو رئيس نادي القصة السوداني.
حياته..
ولد “محمد خير عبد الله” في ولاية النيل الأبيض بمدينة الفشاشوية في 1946، درس الابتدائي في الفشاشوية ثم الثانوي بمدينة كوستي، ونال الدبلوم تعليم بمنظمة سولو ودبلوم تصوير فوتوغرافي بوزارة الثقافة.
في بداية الثمانينيات من القرن الماضي عمل موظفا بالإعلام الزراعي في وزارة الزراعة والثروة الحيوانية، وعند انقلاب عمر البشير على السلطة في عام 1989، قام بفصل الآلاف من العاملين الذين لا ينتمون لتنظيم الجبهة الإسلامية القومية، فيما يعرف بسياسة التمكين، صار كاتبا صحفيا بكل من صحيفة “الخبر والصحافة ودنيا وصحيفة الرأي العام وصحيفة القرار”.
أعماله..
قصص:
«حنيميات» (مجموعة قصصية) صدرت في عام 1999.
«هذا هذا» (مجموعة قصصية) أيضا صدرت في عام 1999.
الروايات:
لعنة الحنيماب 2005.
هذيان كهل 2001.
ليلة قتلني الرئيس 2011.
شجن الروح شغف الجسد صدرت في عام 2016.
المانوس صدرت في عام 2016.
حيثيات وصل الأمانة.
انتفاخ رئاسي.
عرس عبد.
جوائز..
الجائزة مركز عبد الكريم ميرغني (جائزة الطيب صالح).
الجائزة الأولى للرواية العربية التي أطلقتها دار الفكر العربي بالدمام.
منع..
رواية “سيرة قذرة” 2014 منعت من النشر في فترة حكم الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، عبر المصنفات الأدبية التي تتبع لوزارة الثقافة والإعلام التي كانت تعمل على التضييق على الكتاب والروائيين. وفي المجال العام أنشأ نادي القصة السوداني وأندية اليونيسكو وصار نائبا لرئيس الاتحاد ورئيس نادي القصة السوداني ومدير عام مجلة سرديات ومدير عام لصحيفة القصة السودانية ولديه أكثر من سبعة مخطوطات في الرواية.
مع أبي ذر..
في عام 2019 صدر للكاتب كتاب تحت عنوان “أيام مع أبي ذر” أو “حينما كانت الخرطوم في قبضة الأصدقاء”، يتناول الكتاب حياة الكتاب والمثقفين في السودان إبان حقبة الثمانينات، وأن الكاتب والصادق الرضي أصدقاء، يرتكز الكتاب بشكل أدق حول حياة الشاعر الفذ أبي ذر الغفاري السوداني وهو الصديق الحميم للكتاب الذي اختفي في ظروف غامضة.
أسس “محمد خير عبد الله”، ضمن كوكبة من كتاب القصة الشباب في بداية الألفية الجديد، نادي القصة السوداني، واستطاع النادي عبر أنشطته الدورية أن يبرز العديد من الأصوات الجديدة في السرد السوداني، التي أصبحت بعد ذلك ذات بصمة واضحة في الكتابة الروائية والقصصية في السودان.
ترأس “محمد خير عبد الله”، نادي القصة السوداني، وتميزت فترة رأسته للنادي بتعدد الأنشطة الثقافية، فإلى جانب المنتدى الأسبوعي للقراءات القصصية والنقدية بمباني اليونسكو في الخرطوم، تمكن النادي من إصدار مجلة “سرديات” الشهرية، وصحيفة أسبوعية باسم “القصة السودانية”، إضافة إلى إصدار سلسلة قصصية بعنوان “أفق جديد”، وثقت نصوصا قصصية لعدد كبير من كتاب القصة الجدد والقدامى.
إلى جانب كتابة القصة القصيرة، التي كان يوليها اهتمامه من حيث الترويج والتدريب ومساعدة الكتاب الشباب، عرف “محمد خير عبد الله”، برواياته الساخرة والمختلفة من حيث الموضوعات والأساليب البنائية. وآخر أعماله الروائية صدرت أواخر العام الماضي وحملت عنوان “مذكرات شاعر ميت”.
قالوا عنه..
في تقرير لـ”الترا سودان” عن إسهامات محمد خير عبد الله الأدبية، قال الشاعر والكاتب “الأصمعي باشري”: “كان الراحل المبدع محمد خير عبد الله كاتبا جريئا، ومباشرا ينفذ من خلال إبداعه لنقد الواقع وفضح تشوهاته مما أكسبه عداوات وسط المثقفين، لكنه كان مؤمنا برسالته ولا يلتفت أبدا، كان شعلة من النشاط الثقافي، والكتابي، عشت معه تجربة ثرة بصحيفة القرار، كان يحرر صفحة ساخرة يلونها بتعليقاته الطريفة، ويملك كنزا من الذكريات وسط الكتاب والصحفيين منذ بداية ثمانينيات القرن المنصرم”.
وعن علاقته بالكتابة والحياة قال الكاتب والناقد “حامد بخيت” لـ”الترا سودان”: “الروائي محمد خير عبد الله من القلائل الذين فهموا الدنيا، عاش فيها زاهدا في كل شيء ومحبا لكل من فيها، أول لقائي به كان في 2004 وكنت أجالسه لساعات طوال أمام صحيفة الصحافة ومركز السودان القومي للغات. تعلمت منه الإصرار والمثابرة، ظل يحرضني على الكتابة كلما جلسنا وكان دائما ما يردد علي: “أكتب يا حامد، عندك ذاكرة غنية ومليانة صور، لو لقوها ناس تانين كان ملوا الدنيا ضجيج، أكتب لأنه لو داير تغير واقع السودان ده ما بتغير إلا بالكتابة والكتابة اليومية”.
ويضيف “حامد بخيت”: “عرفت منه إنه يكتب يوميا على طريقة (الورد) عند المتصوفة، يقول أنا أكتب كل يوم ألف كلمة، لا يهم إلى ماذا تؤدي، المهم أن أكتبها ثم أنظر فيها بعد حين لأرى ما فيها، فإن كان فيها ما يفيد طورتها وإلا فهي تمرين يومي على الكتابة. كان يكتفي من الزاد بالقليل ولا يعطي المحبة إلا وهي كاملة مبرأة من الرياء”.
الأدب السوداني يعاني الوحدة..
في حوار معه أجريته ونشر في موقع كتابات أقدم هذا المقتطف منه:
** في رواية “عرس عبد” تناولت إشكالية الزواج بين العبد أو الذي تعرض للعبودية وبين الحرة من عدة جوانب هل هذه مشكلة اجتماعية ممتدة إلى الوقت الحالي؟
– في السودان نصف بعضنا بأننا أولاد عرب، وهذه الجملة هي اختصار لمقولة عن تاريخ دخول العرب إلى السودان، ربما يتفق بعض السودانيين أن العرب حين دخولهم السودان لم يصطحبوا معهم زوجاتهم فتزوجوا بالنساء السودانيات، والنتيجة أن وسمنا أنفسنا بأننا أولاد عرب. وبعض مثقفينا يطلقون علينا المستعربين، جميع هذه الأوصاف لم تؤثر في النسيج الاجتماعي لدينا، بالرغم من إدعاء البعض بوجود عنصرية في السودان.
لو اتفقنا معهم ربما تكون عنصرية ثقافية، وهي شيء طبيعي بين دولة تجمع أعداد كبيرة من القبائل، ورغم ذلك تجد أن كلمة عربي، شتيمة مثل كلمة عبد وكلمة حلبي، والحلبي هو الإنسان الأبيض، هي كلمات يتم تبادلها بين الأصدقاء ولا تحمل شحنة عداوة، والظروف الاقتصادية ونشوء المدن خفف من هذه العنصرية الثقافية وجعل أمر الزواج بين جميع القبائل أمر طبيعي.
** متى انتهت العبودية رسميا في السودان وهل مازالت هناك وصمة عبودية يواجهها بعض البشر؟
– العبودية في السودان وهي نتيجة لتجارة الرقيق انتهت منذ قرن تقريبا وصارت أحاديث بين الناس حين يتقدم أحد للزواج من فتاة، يطلب أهلها منه الانتظار حتى يتم التشاور بين الأهل ربما رفض لأنه إحدى جداته كانت سرية، بمعنى خادم. وكثيرا ما نسمع أن فلان جدته كانت رقيق، قد يحدث أن أحد السود أراد الزواج من فتاة من قبيلة تزعم أنها عربية ولكنه رفض وتم زواجهما عبر المحكمة الشرعية وهنا قصص كثيرة في هذا المجال.
** في رواية “الأغلف” أيضا تناولت العنصرية التي يتعرض إليها الإنسان الذي يطلقون عليه لقب عبد.. هل فكرت أن تواجه بأدبك وتتناول قضايا هامة تدور في المجتمع؟
– أنا مشروعي هو المحاولة القبض على لحظة دخول أول إنسان أبيض إفريقيا، لا أريد أن أدين أحدا ولست ضد أحد، لكن يبدو إن دخول الإنسان الأبيض واختلاطه بالسود، السكان الأصليين، ترك أثرا جماعيا وتمظهر سياسياً في حركات التحرر التي انتشرت في إفريقيا، لا أقول أن الأبيض هو الجرثومة التي غزت النعرات. ولا أزعم أن الأسود إنسان طاهر. لكن هذا الاختلاط ترك أثرا، وأيضا ازدياد الهجرات إلى السودان من أناس يحملون ديناً مختلفاً وعادات مختلفة ومذاهب مختلفة، بعضها استقبله السكان وبعضها رفض، لذا تجد في الوطن السوداني شيء من التشيع وهو حب أهل البيت رغم تبني الحكومات للمذهب المالكي.
قصة “تختار مصيرها”..
“محمد خير عبد الله”
هرول الكاتب نحو الغرفة حين داهمته قصة ذلك الصباح، إمتدت يده ونفضت الغبار عن سطح الطاولة، جلس وأدواته أمامه، أوراق وقلم، أشعل سيجارة يتيمة هذا ما يطلقه على آخر واحدة تختبئ في صندوقها وفكرة القصة قد امتلكته ونالت إعجابه، يزعم مؤلف هذه القصة أنها ليست قصة واحدة وإنما أربع ثلاثتهن عن شخصيات فقيرة تسكن الحي الطرفي الذي يستقر به الكاتب الآن ويستطرد عُرِفَ عن هذا الكاتب غرامه بالكتابة عن الفقراء ويعلن بفخر أنه نصيرهم، وهذا لا يعجب النقاد ويغضب ناقداً شاباً أتخذ من ما بعد الحداثة ديناً _مسح الكاتب جبهته_ يقول المؤلف إنه عصرها حتى تلبكت يداه بعرقها، وهذا لا يعني أن الوقت كان صيفاً، وانشغل بصياغتها وترتيبها، هنا أحس أن القصص اشتبكت وتزاحمت؛ كل واحدة تريد أن تخرج أولاً، صفق بيديه متعجباً وانشرح صدره واسترخى على الكرسي في انتظار حسم العراك.
رأى “ناهد” تقف في أول الصف، وبعدها قصة ذلك الموظف الذي يقسم راتبه على جيرانه ويتسولهم بقية الشهر، تليها قصة سكينة بائعة الطعمية في ظل السور القديم، وهي جارة الكاتب في العقد الرابع من عمرها تعول عدداً من الأطفال مات أبوهم قبل سنوات، أما الرابعة، فتحكي قصة عبد الجبار التاجر الوحيد بالحي، همهم الكاتب: صبراً، ستخرجن جميعاً، تمتم: حتى تكتمل مجموعتي التي وعدت بها دار النشر. وانكفأ لداخله فهدأت المعركة وقال: الآن جاء دوري، سأحيل الموظف للصالح العام، وألصق به تهمة الرشوة وأقتل سكينة بطريقة غامضة وأعلن أنها فاسدة في نفسها مفسدة لغيرها، ترتكب الرذيلة ولها علاقات مشبوهة، وأنها راودتني عن نفسي فامتنعت. أما عبد الجبار، فسيصبح عندي تاجراً في أشياء يُهمَس بها همساً. أما ناهد…، هنا رفع الكاتب القلم ووضعه بين شفتيه ونفسه تحدثه بأن يجعل منها فتاة لعوباً ودميمة وأن يمطر عليها لعنات أهل الحي وأن يقتلها بطريقة واضحة _حادث حركة مثلاً_ إنفرجت شفتاه عن ابتسامة رضى _كاد القلم يقع_ هتف هاتف به: إنها لا تستحق اسم ناهد، وجد نفسه يردد: نعم، وشرع في البحث عن اسم يلصقه بها. مررت ذاكرته شريط ما يريد من أسماء، وفمه يمج السيجارة التي ذاب نصفها في جو الغرفة. تنهد قائلاً: سأنتقم منها، وأضيف أنها قبل موتها تزوجت من مدمن سجون. هنا عادت إلى فمه البسمة، تحرك في الغرفة وعقله يعيد ترتيب القصة، يبعد مفردة لتحتل مكانها أخرى، والبسمة تزداد اتساعاً، وحيناً تنمو فتصبح قهقهة ولسانه يردد: تستاهل… تستاهل. يجهل المؤلف السببَ الذي جعل الكاتب يصب كامل غضبه على ناهد، ولماذا أراد تشويه القصص الأخرى.
حين اكتملت القصة في رأسه كما يتمنى بلغ رضاه منتهاه. همس: هكذا سيكون انتقامي . جلس وأمسك بالقلم وهَمَّ بان يكتبها فباغتته نوبة قلبية ساقته معها إلى الحياة الأخرى.
تضايقت ناهد لتأخر خروجها وظنت أن الكاتب أراد وأدها كما فعل مع قصص أخرى تعرفها جيداً؛ بالذات قصة تلك الفتاة المشلولة التي تبكي صباح مساء وتدق على جبهة الكاتب ليخرجها لكن هيهات ودموعها سالت وملأت الجمجمة ونزَّت عرقاً اشتهر به الكاتب، قال عنه البعض: من فرط السمنة، وبدأت في البحث عن مخرج بإصرار أدهش جثة الكاتب، بعد جهد وجدته. يقول المؤلف إنه لا يعرفه؛ لأنه لحظة خروجها كانت عيناه معلقتين بفتاة جميلة مرت من أمامه. أول ما أوْلته اهتمامها: مشاهدة الكاتب من الخارج ولماذا أرادها دميمة؛ لأنها أقسمت للمؤلف أنها لم ترتكب شيئاً يُغضِب الكاتب فصدَّقَها، أما أنا فليس لدي الرغبة في تكذيبها. هالها ما رأت، كانت تظنه في ريعان الشباب متهندماً وسيماً معتدل المزاج والقوام، فوجدت رأساً أصلع وشعيرات غطاها الشيب وشفاهاً جافة وقميصاً قُدَّ من قبل ومن دبر ومن جنب وكرشاً كلها طيات وترهل، جلست على الرأس وقلبته ذات اليمين وذات الشمال. مر عليها زمن، حضر فيه الموظف وسكينة وعبد الجبار، وقفوا خلفها وقلوبهم قد اجتمعت على الإنتقام من الكاتب ليفسحوا المجال للقصص الأخرى لتخرج، امتدت الأيادي تعبث بتلافيف الدماغ فوجدوا بعض القصص تغط في نوم عميق لا تدري ما حدث، وأخريات في لهو، وبعضهن عرفن ما حدث للكاتب فعشن في هرج ومرج، حتى تلك القصة التي أجمعوا على تسميتها “بنت الحرام” لأن الكاتب سرقها من مجلة قديمة، نعم أحدث عليها بعض التعديلات، ولكن لخوفه من النقاد لم يخرجها؛ حتى هي خرجت.
وحين أفرِغت الجمجمة من القصص التفتت ناهد إليها فرأت أعداداً كبيرة من النمل فوقها وتحتها وعليها وحولها فابتسمت وركضت بعيداً عنها.
وفاته..
توفي يوم السبت 22 شباط/ فبراير 2025 في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، بعد عمر حافل في إثراء المشهد السردي في السودان.