خاص: إعداد – سماح عادل
“محمد حسين هيكل” شاعر وأديب وسياسي مصري كبير، ولد في 20 أغسطس 1888ـ في قرية كفر غنام في مدينة المنصورة، مصر.
حياته..
وُلد “محمد حسين هيكل” في 20 أغسطس 1888، في قرية كفر غنام إحدى قرى مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية، ونشأ في أسرة على جانب من الجاه والثراء، والتحق بكتاب القرية، حيث حفظ القرآن الكريم، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة. التحق بمدرسة الجمالية الابتدائية بالقاهرة، وظلَّ بها حتى أتم دراسته بها، ثم انتقل إلى المدرسة الخديوية، وأتم دراسته بها، ثم التحق بمدرسة الحقوق الخديوية، اهتم بقراءة الأدب العربي القديم، في أمهاته المعروفة كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، والبيان والتبيين للجاحظ، وطالع عيون كتب الأدب الإنجليزي، وبعد تخرجه في مدرسة الحقوق سنة 1909 سافر على نفقته الخاصة إلى باريس؛ ليتم دراسته في الحقوق، ويحصل على إجازة الدكتوراه. واغتنم هيكل فرصة وجوده في فرنسا، فالتحق بمدرسة العلوم الاجتماعية العالية، وحصل فيها على دراسات مختلفة، وظلَّ هيكل في باريس ثلاث سنوات حصل في نهايتها على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة باريس 1912 عن دَيّن مصر العام. عاد هيكل من باريس، واشتغل بالمحاماة في مدينة المنصورة فترة قصيرة، ثم تركها بعد اختياره للتدريس في الجامعة سنة 1917، ولم ينقطع طوال عمله عن ممارسة العمل الصحفي، وكتابة المقالات السياسية والفصول الأدبية في جريدة الأهرام، وجريدة الجريدة صحيفة حزب. اتصل ب”أحمد لطفي السيد” وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، كما تأثر ب”الشيخ محمد عبده” و”قاسم أمين” وغيرهم.
كان “محمد حسين هيكل” عضوا في لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923، أول دستور صدر في مصر المستقلة وفقاً لتصريح 28 فبراير 1922. لما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم “السياسة الأسبوعية” عُيِّن “هيكل” في رئاسة تحريرها سنة 1926. اختير وزيراً للمعارف في الوزارة التي شكلها “محمد محمود” عام 1938، ولكن تلك الحكومة استقالت بعد مدة، إلا أنه عاد وزيراً للمعارف مرة ثانية سنة 1940 في وزارة “حسين سري”، وظل بها حتى عام 1942، ثم عاد وتولى هذا المنصب مرة أخرى في عام 1944، وأضيفت إليه وزارة الشؤون الاجتماعية سنة 1945.
اختير “محمد حسين هيكل” سنة 1941 نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943، وظلَّ رئيساً له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952. تولى رئاسة مجلس الشيوخ سنة 1945 وظل يمارس رئاسة هذا المجلس التشريعي حتى يونيو 1950، حيث أصدرت حكومة الوفد المراسيم الشهيرة التي أدت إلى إخراج “هيكل” وكثير من أعضاء المعارضة من المجلس نتيجة الاستجوابات التي قدمت في المجلس وناقشت اتهامات وجهت ل”كريم ثابت” أحد مستشاري الملك فاروق. تولى أيضاً تمثيل السعودية في التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية عام 1945، كما رأس وفد مصر في الأمم المتحدة أكثر من مرة.
الأدب والكتابة..
شهدت الحياة الفكرية ل”هيكل” العديد من التغيرات، ولكن التحول الكبير من العقلية الغربية إلى معاداة الغرب هو أكبر معالم التغيرات في حياة “محمد حسين هيكل” الفكرية، وكتابه “ثورة الأدب” كان أكثر كتبه تعبيراً عن هذه المرحلة وطبيعتها.
ألف “محمد حسين هيكل” رواية “زَيّنَبْ” والتي عدها بعض النقاد أول رواية عربية غير أن الأمر غير ذلك، وكتب في التاريخ الإسلامي، وكتب أيضًا أدب الرحلة، وسجَّل خواطره وما يجول في نفسه في كتابه الرائع “في منزل الوحي”.
و مؤلفاته هي: (رواية زينب 1914- سير حياة شخصيات مصرية وغربية 1929- حياة محمد 1933- في منزل الوحى 1939- الفاروق عمر 1944 / 1945- مذكرات في السياسة المصرية 1951 / 1953- الصديق أبو بكر- ولدي- عشرة أيام في السودان- يوميات باريس- الإمبراطورية الإسلامية والأماكن المقدسة 1964).
وكتبه كانت تحمل قيما فكرية وأدبية جليلة:
رواية “زينب”..
“زينب” وهى أول رواية كتبها “محمد حسين هيكل”، وتدور أحداثها حول بؤس الحياة في الريف والذي ينشئ من إنكار أهل الريف لمتطلبات القلب البشرى ووقوفهم أمام علاقة الحب وعدم اعترافهم بها وبشرعيتها ويتمثل هذا في شخصية “زينب” والتي نبعت مأساتها من نفس المنبع الذي نبعت منه مأساة “حامد” فهي فتاة رائعة الجمال يجعل منها المؤلف كزهرة متفتحة وكأنها لوحة من لوحات الطبيعة، وتلك الزهرة لا ينقصها إلا أن تجد من يقاسمها سعادتها، كما ترصد الرواية التعبير عن حب المؤلف لوطنه وإعجابه الكبير بجمال ريف بلاده ويتمثل هذا الجزء في الرواية في وصف الطبيعة، التي تشغل المساحة الأكبر ونظرا لأن هيكل متأثر بموقف الرومانسيين فقد حرص على وصف الريف وصفا مستوعبا شاملا وبأسلوب جميل وشاعري.
رواية “هكذا خلقت”..
رواية واقعية ل”محمد حسين هيكل”، عبر فيها عن فكرته بقوة ومهارة فائقتين، كتب هذه الرواية في أواخر عمره، لذا فهي تمثل آخر ما وصل إليه فكره وإبداعه، فبدأها بمقدمة قال فيها إن البطلة موضوع المأساة قد وضعت بين يديه مخطوطة، تتناول فيها أحداث حياتها، وتناقش الرواية أمورا أخرى مهمة وأن تطرح قضايا ما زالت موضع الاهتمام حتى اليوم، والتي تتصل بحياة المرأة في المجتمع مثل الحجاب والسفور أو بقاؤها في البيت وعنايتها بتربية أولادها أو انقطاعها عن الدراسة، بالإضافة لمشاركتها في الحياة العملية وغيرها من القضايا التي أسهب المؤلف في شرحها على لسان البطلة أو غيرها من الأشخاص.
“مذكرات في السياسة المصرية”..
أودع “هيكل” الأجزاء الثلاثة من مذكراته في السياسة المصرية خلاصة تجربته السياسية على مدى أربعين عاما “1912 -1952” شارك في معظمها في صنع السياسة المصرية ومعالجة قضاياها، والكتاب يتألف من عشرة فصول تتضافر فيما بينها في رسم صورة رائعة لمصر ما قبل يوليو بعيدا عن الضبابية والتعتيم التي غلبت على سير أخرى كثيرة تناولت هذه الفترة، فهو في هذه المذكرات لا يروى سيرته كشخصية فذة فحسب، بل يروى كذلك مسيرة وطن.
“الإيمان والمعرفة والفلسفة”..
يستعرض فيه المؤلف الاستقطاب التاريخي القائم بين رجال العلم والدين، حيث يرجع الخلاف التقليدي بين هذين الفريقين إلى منطلقات منهج النظر، فالفريق الأول ينطلق من أسس تجريبية حسية، بينما الفريق الثاني ينطلق من أسس ميتافيزيقية غيبية، ويحاول “هيكل” من خلال هذا العمل تجاوز التعارض القائم بين الفريقين، فالدين والعلم متكاملان، فعلى الرغم من أن العلم يوسع من رقعة المعلوم إلا أنه يزيد في المقابل من رقعة المجهول أضعافًا مضاعفة، لذلك يبقى العلم قاصرًا عن الوصول للرؤية الكلية والنهائية التي يمدنا بها الدين.
“في منزل الوحي”..
قدم “محمد حسين هيكل” من خلال كتابه وثيقة تاريخية وأدبية فريدة في أسلوبها، عظيمة في أثرها، غنية ووفيره بما تحمله من معانٍ كثيرة، وروحانيات عالية، تسمو بالنفس لتطوف بها حيث طاف النبي وصحبه، ويحمل لنا كثيرًا من المعاني التي جاشت في خاطره أثناء زيارته لمهبط الوحي وموطن الرسالة المُحمدية، فكانت خواطر مليئة بالإيمان تبحر بنا في أعماق الماضي بصورة حديثة.
“مذكرات الشباب”..
هذا الكتاب هو صفحاتٌ خُطَّت بسطورٍ تحملُ افكارا من شباب “محمد حسين هيكل” وتُجلي لنا بداية التعدد في اهتماماته الفكرية، والسياسة، والاجتماعية، والأدبية، فقد عَبَّرَت هذه المذكرات عن جانبٍ مهمٍ من الروافد الثقافية التي استفاد منها الكاتب عَبْرَ أسفاره المتعددة إلى فرنسا، وإيطاليا، وسويسرا، وفلسطين، ولبنان، كما تناولت العديد من القضايا الفكرية والاجتماعية كقضية فكرة إصلاح القوانين الشخصية، والاقتصاد السياسي وقواعد الأخلاق، ولم تكن هذه القضايا ذات صبغة نظريةٍ خالصة، بل كانت تَمَسُ حياة الناس، وتنطقُ بلسان حالهم حيث تجاذب “هيكل” أطراف الحديث مع إخوانه المصريين حول العديد من القضايا السياسية والاجتماعية كقضايا المرأة وغيرها.
“ولدي”..
شكلت كلمة “الموت” المِفْصَل في تعامل المؤلف مع كتابه، فجعلته يُهديه إلى ولده “ممدوح” الذي اختَطفه الموت، كما جعلته يُبدل عنوانه إلى “ولدي” بدلًا من «خلال أوروبا» الذي كان يعتزِم تسمية الكتاب به أملًا في تقديمه ككتابٍ سياحي يُهديه إلى زوجته احتفَاءً بزيارتهما لأقطار أوروبا شرقًا وغربًا. وقد تجلت ملكات “محمد حسين هيكل” الإبداعية حينما أشرك البلدان التي زارها في استحضار مأساة ولده، فيذكر مدينة ميلانو التي اسْتَرعَت انتباهه قبورها التي عُدَّت معلمًا فنيًا يبرهن على وجهٍ من وجوه الإبداع الإيطالي، ثم يعرض لنا مشاهد أخرى لبلدانٍ زارها وكأنه يتجول بعين السائح المستكشف، وقلب الأب الجريح، وقلم الأديب المبدع.
“شرق وغرب”..
يتميز أدب الرحلات عند “محمد حسين هيكل” عن غيره من المهتمين بذات النوع من الأدب، أنه أدب يتجاوز مجرد كونه رصدًا باردًا للأماكن أو وصفًا أجوفًا للطبيعة، إذ ينصرف اهتمامه إلى الموقع السياسي والاجتماعي والثقافي للأمم. إن هذا الطراز الفريد من الكتابة يعكس رؤية إنسانية حضارية، إذ أن “هيكل” لا يبدي فقط اهتمامه بعالم الأشياء بل ينصرف إلى عالم الأشخاص والأفكار، ليقدم للقارئ صورة متكاملة غير مختزلة عن الحياة الإنسانية، بكل ما فيها من تراكيب وبنى.
قصص مصرية..
يجسِّدُ “محمد حسين” هيكل في هذه الأُقْصُوصَاتِ تطوُّر الحياة المصرية الحديثة في شتَّى مظاهرها، وكأن تلك الحياة تَقُومُ عنده مقام الفتاةِ المُلهمة التي تُعطي الطاقة الإبداعية لوحي قلمه كي ينسج من ملامح الواقع المصري صورًا وأقصوصاتٍ أدبية تنطقُ بلسانِ حالِ المجتمع المصري سياسيًّا، واقتصاديًّا، وثقافيًّا، وعَقَديًّا في تلك الفترة، فبالنسبة له شكَّلت الحياة المصرية خير مُلهِم لفنانٍ يريدُ أن يرسم صورًا وَطَرائِقَ للأدب القومي.
“ثورة الأدب”..
هذا الكتاب يحوي مجموعة من الفصول تهدف إلى إبراز الثورة العارمة التي حدثت في الأدب، حيث يتحدث فيه المؤلف عن الثورات المتصلة التي شهدها مجال الكتابة والأدب القومي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما يتناول بالشرح المجهودات المتوالية لأصحاب المدارس الفكرية المختلفة التي ساهمت في إحياء الأدب العربي، والخروج به من حالة الركود إلى حالة الثورة. ويعد هذا الكتاب من أوائل الكتب التي كتبها محمد حسين هيكل في المجال الأدبي والفكري.
يجمع كثير من المعاصرين ل “محمد حسين هيكل” على أنه كان وديع النفس، جم الأدب، يميل إلى الدعابة في مجالسه، حاضر البديهة والمنطق الأدبي السليم، مثالاً للتواضع، لم تغير المناصب شيئًا من أخلاقه.
وفاته..
توفي”محمد حسين هيكل” يوم السبت 8 ديسمبر 1956 عن عمر يناهز 68 عامًا.