“محمد جبريل”.. الكتابة لديه حلم بتغيير الواقع

“محمد جبريل”.. الكتابة لديه حلم بتغيير الواقع

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد جبريل”، روائي وقاص مصري.

ولد بالإسكندرية في 17 فبراير 1938 كان أبوه محاسبا ومترجما وله مكتبته الخاصة وقد أفاد “محمد جبريل” من مكتبة أبيه في قراءاته الأولى واعتبرها سببا أساسيا في حبه للأدب. بدأ حياته العملية سنة 1959 محررا بجريدة الجمهورية مع “رشدي صالح”. عمل في الفترة من يناير 1967 إلى يوليو 1968 مديرا لتحرير مجلة “الإصلاح الاجتماعي” الشهرية، وكانت تعنى بالقضايا الثقافية. عمل خبيرا ب”المركز العربي للدراسات الإعلامية للسكان والتنمية والتعمير”. عمل رئيسا لتحرير جريدة “الوطن” بسلطنة عمان تسع سنوات. عمل رئيسا للقسم الثقافي بجريدة “المساء”.

نشرت بعض قصصه القصيرة في ملحق الجمعة الأدبي بجريدة الأهرام المصرية. كما درست أعماله في جامعات السربون ولبنان والجزائر. رشحه بعض المثقفين المصريين لنيل جائزة نوبل في الأدب. وبلغ إنتاجه الأدبي 86 عملاً، منها 50 رواية، و12 مجموعة قصصية، وأكثر من 20 دراسة نقدية وأدبية.

جائزة الدولة التقديرية..

في حوار معه لجريدة “الوطن” يقول “محمد جبريل”: عن الفوز بجائزة الدولة التقديرية: “لا أنكر أنه شيء جميل، والكلام عن أنها تأخرت فأنا «مش زعلان» واعتدت عدم النظر إلى ما فات، لأن النظر إلى الوراء بمرارة لا يعود بنتيجة، فأنا تركيزي على اللحظة التي أعيشها، ولحظة الجائزة جميلة، وأظهرت حب الناس وثقة اللجنة التي اختارتني، وهو شيء طيب، ولم أكن أتوقع كل هذه الحفاوة من أصدقاء وتلاميذ وقراء، فكل هذا أسعدني وأنساني كل ما فات إذا كانت فيه أمور غير طيبة.

وعن الجهة التي رشحته للجائزة يواصل: “تم ترشيحي ثلاث مرات من قبل ولم يتم اختياري لأسباب لا أحب التطرق إليها، ورشحني هذه المرة نادي القصة، وبهذه المناسبة أحب أن أتحدث عن ضرورة استمرار نادي القصة في ظل مواجهة التهديد بالغلق، فالنادي دوره عظيم منذ أيام الدكتور طه حسين.

وعن المبدعين الذين يتأخر عنهم التقدير يقول: “بالنسبة لي لم أكن مهتما ولم أقف عند هذه النقطة، وكنت مشغولا بالكتابة نفسها لا بالجائزة، وأرجو ألا يكون الهدف من الكتابة هو الجائزة، بل تجويد الكتابة وهذا ما فعلته، وأنا ليس لي أي طموحات مادية سوى أن أجد الوقت الكافي للقراءة والكتابة والتأمل، وهذا نظام حياتي منذ أن بدأت الكتابة، وأعتبر أن التوقف عن الكتابة والقراءة، سيكون هو انتهاء لحياتي، وأعتقد أنى لا أستطيع ترك هذه المهنة إلا في آخر لحظة”.

الصالون الثقافي..

عن تجربة الصالون الثقافي يقول “محمد جبريل”: “أنا بحب الناس وانتبهت إلى محبة الناس لي من الحفاوة التي أُستقبل بها خبر ترشيحي وفوزي بالجائزة، والحب يساوى أشياء جميلة، وأنا وقتها عملت الصالون ندوة قضايا أدبية أو ندوة المساء، لأنه في 1985 كنت عائدا من رحلة عمل في الخليج بعد نحو ثماني سنوات ونصف، وأنا كنت صديقا لجيلي والأجيال الأكبر، وحين رجعت لمصر وجدت نفسي لست على معرفة بالأجيال الجديدة فنظمت ندوة لاجتذاب الأدباء الذين تحولوا إلى أصدقاء إلى الآن بعد ذلك، واستمر الصالون فوق الثلاثين سنة، وتوقفت حين تعرضت للأزمة الصحية السابقة التي كتبت عنها كتابين: «مقصدي البوح لا الشكوى»، «ما بقى من العمر»”.

الطفولة..

في حوار ثان معه أجراه “د. مصطفى عبد الوارث” يقول “محمد جبريل” عن الطفولة: “وأنا في السابعة تقريبا كان جارنا محمود أفندي يسكن شقة في الطابق الثالث في البيت المواجه لبيتنا، كان موظفا في الداخلية، وكان خادمه يأتي لي بالمجلات من الشقة لأقرأها، لأقراها وأنا جالس على بسطة بابه، وحين يصل أصحاب الشقة من الخارج ينبهني؛ فأصعد إلى الطابق الأعلى ثم أنزل عائدا إلى البيت. وأصبحت القراءة عادة، قرأت «اللطائف المصورة» و«المصور» و«الاثنين والدنيا» وغيرها.

وأذكر أنى قرأت «أيام» طه حسين وأنا في الثامنة، كان أخي الأكبر يريد أن يستأجر «بسكليت» والأجرة قرشان ونصف، وما معه قرشان، فقال لي هل أشترى لك كتابا بتعريفة؟ وأحضر لي «الأيام» من مكتبة أبى وأعطيته التعريفة. في قراءتي الأولى لها كان كل ما وعيته هو أن السياج هو آخر العالم. في القراءة الثانية تأثرت كثيرا بمحاولته الانتحار بعد أن تعرض للسخرية لما وقع العسل على ملابسه. في القراءة الثالثة وكنت قارئا نهما قرأت المنفلوطي والمازني والزيات وتيمور، وغيرهم، توقفت أمام وصف طه لزوجته بأنها ملاك وهو يكلم ابنته أمينة عن أمها، وسألت نفسي لماذا لا أكتب عن أمي؟ أمي توفيت وأنا في التاسعة  فكتبت: «الملاك»، وكانت توليفا من مجموع قراءاتي، طلب الناشر جنيها وظن أنى سأرفض؛ لأن الجنيه كان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت، لكنى قبلت. وذهبت إلى أكبر خطاط في مصر وقتها الفنان سيد إبراهيم، وطلبت منه أن يكتب العنوان بخطه، وافق، وبعد أن كتب أعطيته عشرة قروش”.

الأسوار..

وعن الفترة بين تاريخ نشر الرواية الأولى (الأسوار) 1972 والرواية التالية اثنا عشر عاما، وهل انقطع عن الإبداع في تلك الفترة يقول “محمد جبريل”: “مطلقا، لم أنقطع، كنت أكتب لكن لا أنشر، الحقيقة كانت فترة خصوبة في الكتابة وتركيز في الإبداع، ونتيجة لكثافة القراءة والتركيز فئ الإبداع آنذاك، تبلور مشروعي الذي قررت أن ألملمه وأمضى فيه”.

وعن ملامح هذا المشروع يواصل: “متعدد الجوانب، لكن محوره الرئيسي هو إبداع المقاومة، المقاومة بمعناها الشامل، لا حمل السلاح، هذا أحد الأنواع، مقاومة كل قبيح ورديء وسلبي وفاسد، كل ما هو قاهر أو ظالم أو غازٍ. كل هذا أنا ضده من خلال العمل الفني، وبأسلوب غير مباشر، لا بالجهارة مطلقا”.

وعن الرواية  الأولي يقول: “الأسوار حادثة حقيقية، تحول بطلها في لحظة من «ابن ناس» إلى «مجرم خطير» أخذوه إلى المعتقل، أودعوه مع مجموعة سجن الواحات دون محاكمة، ونسوهم سنين، كانوا كلما طلبوا الخروج لم يجدوا أي رد، فكروا في عمل غير عادى يجعل المسئولين يلتفتون إليهم، قرروا أن يختاروا من بينهم بالقرعة واحدا يكون فداء للمجموع، هي فكرة «المخلص».

الحقيقة هذه الرواية أيضا كانت ترجمة لحدث غريب، رجل شيطنوه، قررت أن أقابله، حذروني، لكن صممت، ولما التقيته رأيت في داخله طيبة عجيبة، لم يكن كما صوروه، وتجسدت غرابة أن يصنع المجتمع مجرما. ولما كتبت الرواية تحولت شخصيته إلى النقيض وصار وليا واصلا. ما السبب؟ تجلت الأسرار وفرضت مسارها. الكتابة تملى إرادتها”.

القراء..

ويجيب عن سؤال يقال إنك تكتب لقارئين: بسيط ومتعمق يستطيع فك شفرة النص؟ يقول: “أكتب لنفسي، لو وضعت القارئ أمامي لكتبت خطبا. كما قلت، النص يكتب نفسه. أحيانا وأنا أكتب تعصينى اللغة، وإذا حاولت تطويعها لا تستجيب، إذا واصلت المحاولة تفتر حماستي، لذلك أتركها وأعود إليها فيما بعد.

المقاومة..

وعن المحور الرئيس في مشروعه الأدبي المقاومة، هل هو الحلم بالعدل والمساواة يقول: “نحن نعيش على الأمل. دون أمل لا معنى للكتابة أو الإبداع، ولا الحلم بتغيير الواقع، وتحقيق تطلعات البشرية في غد أسعد. إذا نفينا هذا التصور لا يكون هناك داع لأي شيء، نموت ونحن أحياء.

وفاته..

توفي “محمد جبريل” يوم الأربعاء 29 يناير 2025 بعد صراع مع المرض، عن عمر ناهز 87 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة