14 نوفمبر، 2024 11:29 م
Search
Close this search box.

محمد بن سلمان ولوحة “مخلص العالم” لدافينشي .. وجه آخر للصراع مع قطر !

محمد بن سلمان ولوحة “مخلص العالم” لدافينشي .. وجه آخر للصراع مع قطر !

خاص : كتبت – ابتهال علي :

لم يكن الرسام الإيطالي الشهير “ليوناردو دافينشي”، (1452 – 1519)، يدري أنه بعد أكثر من خمسة قرون على رحيله سوف يثير ضجة عالمية ويحقق رقمًا قياسيًا كأعلى فناني العالم سعرًا حتى اللحظة، والأدهى أن يتهافت أمراء وأثرياء النفط في الخليج العربي على شراء لوحة تنسب له، رغم الشكوك حول أصلها.

ففي منتصف تشرين ثان/نوفمبر الماضي، حطمت لوحة (مخلص العالم) لرسام عصر النهضة، الأرقام القياسية حين أعلنت دار “كريستي” للمزادات عن بيع آخر لوحة معروضة للبيع لدافينشي برقم يقترب من حاجز نص مليار دولار بعد أن كان ثمنها ستين دولار فقط منذ ستين عامًا !

“دافينشي” يتفوق على فتيات “غوغان”..

أصبحت اللوحة أغلى لوحة في التاريخ، إذ اشتراها مجهول في مزاد نظمته دار “كريتسي” في نيويورك بمبلغ 450 مليون دولار، لتتفوق على لوحة (فتاتان من هايتي) للفنان الفرنسي “بول غوغان”، التي بيعت بمبلغ 300 مليون دولار عام 2015 في مزاد لدار “سوثبي”.

تروي صحيفة (نيويورك تايمز) أحداث جلسة المزاد المثيرة، موضحة أن المزاد بدأ بسعر 100 مليون دولار بين أربع مشترين مجهولين؛ وفي أقل من ثلث ساعة قفز سعرها إلى 450.3 مليون دولار وسط شهقات الحاضرين، لتكون من نصيب شخص مجهول اشتراها عبر الهاتف.

رحلة “مخلص العالم” عبر 500 عام..

منذ هذه اللحظة، ظل السؤال يتردد في أذهان خبراء الفن التشكيلي ووسائل الإعلام المختلفة: من هو الشخص المجهول الذي يستطيع أن يدفع هذا الرقم الفلكي مقابل “لوحة” ؟.. ولماذا ؟.

اللوحة هي “سالفاتور موندي” أو (مخلص العالم)، التي تصور “السيد المسيح” في مقطع نصفي يرتدي رداءً أزرق من طراز عصر النهضة، ترتفع يده اليمنى وتتقاطع أصابعه في إشارة موحية ويحمل في يده اليسرى كرة بللورية، وهي لوحة لا يتجاوز طولها نصف متر، مرسومة بالزيت على خشب الجوز. ويعتقد أن “دافينشي” رسمها منذ خمسة قرون بين عامي 1506 و1516 لملك فرنسا “لويس الثاني عشر”، وظلت تنتقل من مالك لآخر، حتى وصلت لقصر ملك بريطانيا “تشارلز الأول” عام 1763.

وظلت اللوحة مختفية زمن طويل في الفترة من عام 1763 حتى 1900، قبل أن يحصل عليها مقتني اللوحات الفنية البريطاني “تشارلز روبنسون”، الذي اعتقد أن أحد تلاميذ “دافينشي” هو من رسم اللوحة، وبيعت في مزاد بلندن عام 1958 بحوالي ستين دولارًا على أنها لوحة للرسام الإيطالى”غيوفاني بولترافيو”، من رسامي عصر النهضة.

وعادت للظهور عام 2005؛ وتم ترميمها ثم شاع أنها لوحة أصلية من أعمال “دافنشي” عام 2011 وعرضت حينها في معرض لتسع لوحات لـ”ليونارد دافنشي” في المعرض الوطني بلندن؛ قبل أن يقتنيها الملياردير الروسي “ديمتري ريبولوليف” منذ أربع سنوات بأكثر من 127 مليون دولار.

آخر روائع “دافينشي” في سوق المزادات..

لا يمكن تجاهل حقيقة أن اللوحة تتمتع بعوامل تسويقية أدت إلى إرتفاع سعرها، فالبنسبة لقوى العرض والطلب في السوق تعتبر لوحة نادرة، لأنها تعود لعصر النهضة بإيطاليا، كما أنها العمل الوحيد المعروض في سوق الفن  لـ”دافينشي”، من لوحاته العشرين الذين وصلوا إلينا عبر العصور.

والمعروف أن جميع لوحات “دافينشي” مملوكة لمتاحف عالمية أبرزها متحف “اللوفر” بفرنسا، الذي يمتلك اللوحة الأشهر (الموناليزا)، ومن أشهر لوحاته الأخرى لوحة (العشاء الأخير) و(مادونا ليتا) و(وجه امرأة مجهولة) و(معركة انغياري).

الصفقة لقائد حملة التقشف في المملكة..

كشفت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأميركية، يوم الخميس الماضي، أن ولي عهد السعودية الأمير “محمد بن سلمان” هو المشتري المجهول، الذي حير العالم طوال شهر مضى عن الشخص الذي دفع ثروة طائلة لإقتناء لوحة “ليوناردو دافينشي”، (مخلص العالم). ونقلت الصحيفة عن مصادر في الإستخبارات الأميركية، أن ولي العهد السعودي أشترى اللوحة عن طريق وسيط، في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بمبلغ 450 مليون دولار.

وذكرت الصحيفة الأميركية أن المشتري، الذي كشفت عنه صحيفة (نيويورك تايمز) في وقت سابق، أنه الأمير السعودي “بدر بن عبدالله بن محمد بن فرحان آل سعود”، ليس إلا وسيطًا لولي العهد السعودي. وأضافت، (وول ستريت جورنال)، أن “بن سلمان” لجأ إلى الإشتراك في المزاد عبر شخصية أخرى هو الأمير “بدر بن فرحان”، الذي تصفه الصحيفة بأنه ليس من الأمراء المشهورين؛ كما أنه قريب من بعيد لولي العهد السعودي، وجنى ثرواته من العمل في المجال العقاري، ويذكر أن الأميريْن يتشاركان في عدد من المشاريع التجارية والخيرية.

وقال “بروس ريدل”، الضابط السابق في وكالة الإستخبارات المركزية، (سي. آي. أيه)، والخبير البارز في السياسة السعودية: “إن ما يثير الدهشة؛ التناقض بين صورة ولي العهد الذي يبدد الكثير من المال لشراء لوحة، وصورته كقائد لحملة التقشف وضد الفساد في بلاده”.

وأضافت الصحيفة الأميركية أن اسم الأمير “بدر” برز في عالم المزادات الفنية منذ أقل من عام، ورست عليه المزادات مرات عديدة رغم أن التكهنات كانت تدور أنه يشتري الأعمال الفنية على الورق فقط لحساب شخصية آخرى.

“سلفاتور موندي” في متحف “اللوفر” أبو ظبي..

ما يدعم زعم الصحيفتيْن الأميركيتيْن، ما أعلن عنه متحف “اللوفر” بالعاصمة الإماراتية “أبو ظبي”، أن لوحة (سلفاتور موندي) سوف تعرض في المتحف قريبًا.

واعتبرت (وول ستريت جورنال) أن “بن سلمان” يدعم حليفه “محمد بن زايد”، ولي عهد الإمارات، بعرض اللوحة في المتحف، الذي أفتتح في تشرين ثان/نوفمبر الماضي، بعد عشر سنوات من التشييد.

وتشير التقديرات إلى أن عرض لوحة لـ”دافينشي” في متحف “اللوفر” أبوظبي، سيمثل دفعة هائلة للإمارات وسيجذب إليها الزائرين من أنحاء العالم، خاصة أن إحصاءات متحف “اللوفر” في باريس تقدر أن 80% من زوار المتحف، الذين بلغوا 7.4 مليون شخص في العام الماضي، جاءوا بهدف مشاهدة رائعة “دافينشي” لوحة (الموناليزا).

وتواجه الإمارات حملة دولية تطالب بمقاطعتها بسبب إنتهاكات مزعومة في عملية بناء المتحف بحق العمال الأجانب، بالإضافة إلى شكوك حول حصولها على آلاف القطع الأثرية من “العراق وسوريا ومصر” بطرق غير مشروعة.

ونوهت الصحيفة إلى أن علامات التعجب تكمن في إقدام شخصية سعودية على شراء لوحة تجسد “السيد المسيح”، وهو أمر مرفوض في الشريعة الإسلامية، التي تحرم تصوير الأنبياء أو الملائكة.

صراع العائلات الملكية في الخليج في سوق الفن..

إذا ثبتت مصداقية هذه التسريبات، فإن ولي العهد السعودي يقتحم بهذه الصفقة الضخمة عالم سوق الفن التشكيلي، لينضم إلى قائمة قصيرة من الأثرياء الجدد الذين طفت أسماؤهم مؤخرًا في ساحات المزادات؛ يتبارز كل منهم بملياراته لإقتناء لوحة نادرة.

وتعكس ضخامة الصفقة حجم الصراع، الذي صار يسيطر على سوق الفن في السنوات الأخيرة، حيث يتنافس الأثرياء الجدد من أصحاب البلايين من الصين والشرق الأوسط وروسيا والولايات المتحدة على عدد محدود نسبيًا من روائع الفن التشكيلي، بينما اختفى عن الأنظار عشاقه الأصليون خاصة في أوروبا.

كما تمثل الصفقة حلقة جديدة من الصراع بين السعودية وقطر، التي تربعت على سوق الفن التشكيلي طوال عقد مضى، وتذكر صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن أحد أفراد العائلة الحاكمة في قطر أقتنى لوحة (فتاتان من هايتي) للفنان الفرنسي “بول غوغان” بمبلغ 300 مليون دولار عام 2015؛ في مزاد لدار “سوثبي” للمزادات.

كما يعتقد أن شقيقة أمير قطر، “تميم بن حمد آل ثاني”، دفعت 250 مليون دولار ثمنُا للوحة (لاعبو الكوتشينة) للرسام الفرنسي، أيضًا، “بول سيزان” عام 2012. وفي العام الذي يليه أشترت (ثلاث أسكتشات للوسيان فرويد)، التي رسمها الفنان البريطاني “فرانسيس بايكون”، بمبلغ 142.4 مليون دولار.

وحينذاك، لفتت صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية، إلى أن ابنة أمير قطر السابق، أصبحت الشخصية الأكثر نفوذاً في عالم الفن، حيث أتجهت إلى شراء العديد من الأعمال الفنية، بهدف عرضها في المتحف الوطني القطري الجديد، الذي يعتزم إفتتاحه رسميًا في شهر كانون أول/ديسمبر عام 2018.

ويتردد أن رئيس الوزراء القطري السابق، “حمد بن جاسم آل ثاني”، قد أشترى عام 2015  لوحة الفنان الإسباني “بابلو بيكاسو”، (نساء الجزائر)، مقابل 179.4 مليون دولار في مزاد نظمته صالة مزادات “كريستي” بنيويورك.

وأضافت (وول ستريت جورنال)، أن “الرياض” و”جدة” لم يكونا من المدن المنافسة في الساحة الثقافية، مثل “أبو ظبي” و”دبي” و”الدوحة”، إلا أن الحال تبدل بدرجة 360 درجة بشراء لوحة “دافينشي”، التي سوف تمنح السعودية صك التباهي والتفاخر في عالم الثقافة.

وألمحت الصحيفة الأميركية إلى أن العائلة الحاكمة في قطر أضاعت فرصة نادرة من يدها، إذ أعلن مستشار سابق للقطريين أن دار مزادات “سوثبي” عرضت على الأسرة الحاكمة القطرية شراء اللوحة عام 2011، بحوالي 80 مليون دولار فقط، إلا أنها رفضت، ليتم عرضها في مزاد ويقتنيها الملياردير الروسي “ديمتري ريبولوفليف”، الذي أعاد بيعها بدوره في دار “كريستي” الشهر الماضي. ولكن لم يشترك أحد من أمراء “قطر” في المزاد الأخير.

خبراءالفن: ليست لوحة لدافينشي..

ما يبعث على الدهشة؛ أن لوحة (مخلص العالم) كانت محل جدال طويل منذ عدة عقود، جراء تشكيك الكثير من خبراء الفن والأكاديميين حول نسبها للرسام “ليوناردو دافينشي”، إذ يرى الكثيرون أنها ليست بريشة “دافينشي”، بل رسمها أحد تلاميذه، ومنهم الفنان “غيوفاني بولترافيو”، الذي درس الفن في محترف “دافينشي”.

وترتكز حجج المشككين في أصل اللوحة على أن اللوحة تفتقر إلى الحيوية والإنسيابية؛ التي تميز ريشة “دافينشي”، والمتمثلة في رائعته لوحة (الموناليزا)، علاوة على أن اللوحة خضعت لعمليات ترميم عديدة عبر الزمن أضافت لها طبقات ألوان عديدة أدت لتشويه اللوحة الأصلية.

ونقلت صحيفة (الغارديان) البريطانية عن الخبيرة الإيطالية “كارمن بامباخ”، المتخصصة في فنون عصر النهضة بمتحف “الميتروبوليتان” بالولايات المتحدة، أن هناك احتمال أن “دافينشي” أشترك مع تلميذه “بولترافيو” في رسم اللوحة، وأكدت على أن دراسة اللوحة، أثناء ترميمها حتى عرضها على الجمهور، تثبت أن أغلب سطح اللوحة رسمها التلميذ، بينما من رسم يد (مخلص العالم) اليمنى وحركة الأصابع وأجزاء من كم الثوب الذي يرتديه واليد اليسرى والبللورة الزجاجية التي يمسكها بها هو “دافينشي”، إذ تشبه يد (الموناليزا).

رهانات خاسرة للميديا العالمية..

يذكر أن وسائل الإعلام العالمية تبارت، في الفترة الأخيرة، للكشف عن هوية مشتري اللوحة وذكرت شبكة (سي. إن. بي. سي) الأميركية أن من يستطيع دفع نص مليار دولار لشراء عمل فني لابد أن تتجاوز ثروته عشرات المليارات، ولذا أنحصرت التكهنات في دائرة ضيقة من أغنى رجال العالم.

وزعم البعض أن مليارديرًا أميركيًا هو هذا الشخص، حيث لا تمتلك أميركا للفنان سوى لوحة واحدة معروضة حالياً في “المعرض الوطني” بواشنطن، وهى لوحة (غينفيرا دي بينتشي)، بينما رجح البعض الآخر أن يكون من الصين أو الشرق الأوسط.

وتوقعت الشبكة أن “غيف بيزوس” – مؤسس موقع (أمازون)، وأغنى رجل في العالم لعام 2017 – هو ذلك الرجل، لأنه من محبي الفنون، خاصة أن ثروته تصل إلى 95 مليار دولار، وقد يعلق اللوحة بمقر الشركة أو يتبرع بها لمتحف أميركي.

فيما توقع البعض أن المشتري قد يكون “ليو يكيان”، الملياردير الصيني الذي أقتنى تمثال للنحات الشهير “موديلياني”، بمبلغ 170 مليون جنيه أسترليني عام 2015، لوضعه في متحفه بمدينة “شنغهاي” بالصين.

هل تفرض “نيويورك” ضرائب على “بن سلمان” ؟

أثارت صحيفة (نيويورك تايمز) بعدًا آخر، ألا وهو أن بلدية مدينة “نيويورك” لن تستطيع تحصيل “سنتًا” واحدًا من الأمير “محمد بن سلمان”، كرسوم ضريبية على اللوحة تقدر بنحو أربعين مليون دولار؛ بسبب قوانين الولاية التي تمنع تحصيل أي ضرائب على المشترين الأجانب لأعمال فنية، طالما لم يعلقوها في مكان بالمدينة أو ينقلوها للخارج عبر شركات شحن خاصة، وذلك حفاظًا على مكانة المدينة كسوق عالمي للأعمال التشكيلية.

وأكد المحامي “غيسون كلاينمان” على أن هوية مالك اللوحة الجديد والوجهة النهائية لها؛ تحدد بدرجة كبيرة هل سيدفع ضرائب تصل إلى حوالي 9% من قيمة الصفقة أم لا ؟

وقال “كلينمان”: “لن تفرض ضريبة على المشتري السعودي، إذا شحن اللوحة خارج الولايات المتحدة”. وأكد على أن سلطات ولاية “نيويورك” تلزم المشتري للوحات الفنية بدفع الضريبة إذا أستعان بشركة شحن متخصصة في نقل الأعمال الفنية لخارج الولايات المتحدة. ولتجنب ذلك تلجأ دور المزادات العالمية إلى توفير خدمة الشحن لعملائها الأثرياء.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة