16 أكتوبر، 2024 7:24 م
Search
Close this search box.

“محمد المكي إبراهيم”.. شعره عكس آمال شعبه في التحرر

“محمد المكي إبراهيم”.. شعره عكس آمال شعبه في التحرر

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد المكي إبراهيم”شاعر سوداني، أحد أبرز شعراء ستينيات القرن الفائت.

حياته..

ولد بالأبيض في ولاية شمال كردفان، في 1939، تلقي تعليمه الأولي هناك ودرس الثانوية في مدرسة خور طقت ثالثة أهم ثانويات السودان في العهد ثم تخرج في جامعة الخرطوم كلية القانون، والتحق بوزارة الخارجية في طليعة الملتحقين في 1966 وظل يعمل بها طوال ثلاثين عاماً إلى أن اضطرته للاستقالة منها ثورة الإنقاذ الوطني المنسوبة إلى التيار الإسلامي. وبعد استقالته توجه إلى أمريكا حيث واصل عمله الأدبي في مكافحة تلك الحكومة. كما درس اللغة الفرنسية وماجستير العلوم الدبلوماسية بجامعة السوربون في العاصمة الفرنسية باريس.

من رواد القصيدة العربية الثورية في العصر الحديث، خلّد في قصائده “الأكتوبرية” ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بالجنرال “إبراهيم عبود” في السودان.

نشر أربعة مجموعات شعرية، أولها بعنوان “أمتى” في 1968، ثم “بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنت” في 1972  و”يختبئ البستان في الوردة” في 1984، و”في خباء العامرية” في 1988، وقد ظهرت تلك الأعمال في عدة طبعات ثم نشرت في مجموعة واحدة عام 2000 من القاهرة.

له كتابات فكرية نشرت بمختلف الصحف السودانية وبعضها مجمع في كتب منها: “ظلال وأفيال”، “في ذكرى الغابة والصحراء”، و مجموعة مقالات عن ثورة أكتوبر التي جرت أحداثها في أكتوبر 1964 وكان من نتيجتها الإطاحة بأول حكم عسكري استبدادي في تاريخ السودان الحديث، وله أيضا كتاب هام في التاريخ الثقافي لبلاده عنوانه “الفكر السوداني أصوله وتطور”.

الشعر..

بدأ كتابة الشعر في مرحلة دراسته المتوسطة، وكان يشارك ما كتب في الجمعية الأدبية التي تقيمها المدرسة كل أسبوع. بعد التحاقه بالثانوية، أحرق ما كتبه لأنه رأى أنه غير مجد، وسعى لكتابة الأفضل. محمد المكي إبراهيم ألّف عددا من القصائد والمقالات عرفت بـ”الأكتوبريات”، أبرزها “أكتوبر الأخضر”.

خلال زيارة محمد المكي لألمانيا برفقة زميله الشاعر النور عثمان أبكر، تأثر بالحياة هناك وتغيرت وجهة نظره تجاه الثقافة والأدب، وتبلورت لديهما فكرة تأسيس اتجاه جديد في الشعر السوداني والتعريف بالهوية السودانية، وأطلقا ما عُرف بتيار “الغابة والصحراء”، الذي ساهم في تأسيسه أيضا الشاعران محمد عبد الحي ويوسف عايدابي.

وقال محمد المكي خلال جلسة حوارية بالعاصمة السودانية الخرطوم: “أنا مؤرخ معاناة الشعب السوداني وضمن قلة قليلة تعرف متى بدأت هذه المعاناة، ومثل الجميع لا أدري متى تضع أوزارها”.

جيل العطاء..

(محمد المكي إبراهيم.. رحيل آخر شعراء جيل العطاء المستجيش ضراوة) كتب ” “عامر صالح”: “حملت الأسافير مساء أمس الأحد، 29 حزيران/ يونيو 2024، النبأ الصادم برحيل الشاعر السوداني الفذ محمد المكي إبراهيم، صاحب الإسهامات العميقة والمتعددة، رائد مدرسة الساحل والصحراء في الأدب السوداني وأحد أهم رموز القصيدة السودانية، بعد أن أثرى الساحة الشعرية السودانية بالجواهر التي ما زالت واسعة الرواج وسط من يتناولون الشعر في السودان والمحيط العربي.

عرف محمد المكي إبراهيم بشعره الثوري الذي عكس آمال الشعب السوداني في التحرر والتغيير، فضلًا عن الجماليات العذبة الناجمة عن التنوع الثقافي والعرقي في السودان. عرف محمد المكي إبراهيم بقصائده المقاومة، فهو ابن “جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة” كما تقول إحدى قصائده. كما عرف الراحل الكبير بمواقف فكرية وسياسية ونقدية رفعت من قدره كشاعر ومقاوم تغنى في قصائده بالحرية والتغيير ورفاه الأمة السودانية، فشكل شعره صوتًا للثورة والتمرد في فترة مضطربة من تاريخ السودان، حيث كانت البلاد تمر بمرحلة ما بعد الاستقلال وما رافقها من تحولات سياسية واجتماعية كبرى”.

الشعر..

في حوار معه أجراه من كاليفورنيا: “عبد الرحيم عبد الحليم وبابكر فيصل” يقول “محمد مكي إبراهيم” عن حركة التجديد في الشعر السوداني : “كل إضافة لمقتنياتنا الثقافية هي خير وبركة وأنا لا أستطيع أن أنكر علي شباب الثقافة أن يأتونا بهذا المنهج الجديد ففي زماننا أيضا تحمسنا للوجودية واعتبرناها اكتشافا بحجم اكتشاف أميركا، والآن باخت في نظرنا ونظر العالم وعرفنا أنها لم تكن سوي وجه واحد ومحدود جدا من وجوه الحقيقة وطريق للوصول إليها. ولكن هنالك أمرا مشتركا بين تجربتنا وتجربة هؤلاء الرواد الثقافيين وهي ظاهرة الأخذ عن المصادر الثانوية بدلا من المصادر الأصيلة.

أقصد بذلك أننا نترك المعدة الثقافية للعرب تهضم وتجتر ثم نأخذ عنها بدلا من الذهاب بأنفسنا إلي الينابيع الغربية التي استقي منها المثقفون العرب. وبذلك تكون ثقافتنا سكندهاند ..

وعن شعره يواصل: “هنالك نشاط شعري جد محدود استطعت تسريبه إلي الأعمال الشعرية التي صدرت عن مركز عبد الكريم ميرغني برعاية الأستاذ محمود عثمان صالح ومقدمة خطها يراع الدكتور حسن أبشر الطيب. ويتمثل ذلك في إعادة صياغة لمطولة العامرية التي تغيرت إلي :”لا خباء للعامرية” وذلك تسطيرا للفرق بين الفقر في زمن النميري والادقاع في زمن الإنقاذ. وفي هذه الفترة نشطت في كتابة المقال وقد جمعت مقالاتي المنشورة في الصحافة وصحيفة الخرطوم ونشرتها في سفر يحمل عنوان “ظلال وأفيال” وذلك إشارة إلي مقالات ساخرة بدأت نشرها في صحيفة ظلال الشجاعة التي ظهرت عام 1992 وجري اغتيالها ووأدها في أقل من عامين.

ثم ماذا هنالك؟ رواية بعنوان: “مقتل ماريا كاسونجو” وتجري أحداثها في بلاد الزاندي قبل أن تتسلل الحرب إليها في أوائل التسعينات. وتعرف أنني لست غريبا علي الرواية فقد كتبت قبلها آخر العنابسة عن الإقامة المتخيلة للأرباب السعدابي- المك نمر- في الجبال الحبشية. وفي ظني أن الكتابة صعبة جدا في أميركا ففي كل يوم تقرأ إبداعا متفوقا يجعلك تعود إلي عملك متشككا في جدارته ومستواه”.

وعن أزمة وطنه يقول: “أزمتنا موارد وحكم. الموارد شحيحة والمتوفر منها يبعثره حكم مافيوزي فاسد حثي النخاع. أيام الدراسة بباريس قال أستاذنا إن السودان من أقل الدول استهلاكا للحوم فغضبنا غضبة مضرية لأننا معودين أن نري الخرفان تذبح في  الخرطوم والأبيض بلا مناسبة ولكننا ننسي إن أهلنا في الأرياف لا يذبحون إلا إذا أصبحت البهيمة مهددة بالهلاك وأنهم يشترون ربع الكيلو والبطون والأحشاء.

ومع ذلك فإن كل من يرفع قلما يؤكد لنا أن السودان غني وأنه محسود والخ والواقع أننا فقراء وزادتنا الإنقاذ فقرا وسوء حظ وجلبت علينا سمعة رديئة حتى غدونا نحتقر ثقافتنا وسلوكياتنا، ونتبارى في جلد الذات وكل من يجد فرصة يعلن خروجه علي الحضارة المتميزة التي اشتركنا في إبداعها. الكل يشتم ما يسمونه بثقافة الجلابة ولكنه يستمر في أكل الكسرة والعصيدة التي اقتبسوها لنا من ثقافات السودان المتداخلة، ويطرب لهذه الموسيقي التي مازجناها وقبلناها للجميع وأسوأ من ذلك يستخدم هذه اللغة التي نشرها الجلابة ليذمهم وينتقص من قدرهم.

وأنا لا أدافع عن الظلم الثقافي ولكنني أرى أرضا مشتركة اشتركنا جميعا في إبداعها ولا ينبغي أن نخاصمها ونحن نختلف مع بعضنا البعض. أقول هنالك جذوة ثقافية تجمعنا. ليست كاملة ولا منصفة ولكنها نواة الخلق الأول والإمكانية الوحيدة لتوحدنا واقترابنا من بعضنا البعض ويجب أن نبقيها متقدة وعالية.

يستطيع من يحلل مفردات الحضارة السودانية أن يتعرف علي أصولها الإقليمية. جاءت تقاليد القهوة وطقوسها من الشرق وكذلك الكسرة بمختلف ألوانها، وجاء معظم طعامنا من دار فور. ويأتي الطرب والموسيقي من كل الفجاج. المردوم من البقارة والكمبلا من جبال النوبة والطمبور من وادي النيل. جاء الثوب النسائي من البوابة الغربية والصديري هو اللبسة المشتركة بين البجا والبقارة وأهل الشمال وهو بنظري هو الزي القومي الحقيقي وليس هذه العمامة المفخخة المليئة بالادعاء. عموما كيف نرفض حضارة شاركنا جميعا في صنعها؟”.

وفاته..

رحل ” محمد المكي إبراهيم”، عن عمر 85 عام، بعد صراع مع المرض.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة