خاص: إعداد- سماح عادل
“محمد المساح” كاتب وصحفي يمني. أحد أعمدة الصحافة اليمنية الذين برزوا في مرحلة سبعينات القرن العشرين وظل صاحب حضور ثقافي كثيف وتأثير واسع، وهو أحد كتَاب الرأي الكبار لأربعة عقود، ممن أسهموا في تطوير العمل في «مؤسسة الثورة» ومطبوعاتها.
التعريف به..
من مواليد 1948، قرية الردُع، في منطقة العزاعز، الحجرية، محافظة تعز اليمنية. تلقى تعليمه الأساسي في مدينة عدن، وارتبط بالصحافة عندما كان يبيع الصحف الصادرة في عدن قبل استقلال اليمن الجنوبي من الاستعمار البريطاني في العام 1967 لتوفير مصاريف دراسته ومعيشته، وكان أثناء بيعه للصحف قارئاً نهماً، ويتشكل لديه الوعي الثقافي والسياسي. درس الثانوية في مدرسة الثورة بتعز وتخرج منها عام 1966، وسافر في نفس العام في بعثة طلابية إلى القاهرة ضمن دفعة الـ77 التي حصلت عام 1966 على أول شهادة ثانوية عامة في تاريخ اليمن الشمالي، وقُبِلت كلها في الجامعات المصرية باستثناء 6 طلاب، والتحق في نفس العام بكلية الإعلام بجامعة القاهرة وتخرج منها في 1970. وقد اندمج خلال دراسته الجامعية في الحركة الطلابية المصرية، كما التحق في تلك الفترة بحركة القوميين العرب.
بعد تخرجه وعودته إلى اليمن التحق بالعمل في وزارة الخارجية اليمنية، ثم بوزارة الإعلام في صنعاء، حيث تولى في عام 1972 رئاسة تحرير صحيفة «الثورة» الرسمية لفترة وجيزة.
الصحافة..
شارك في إصدار أول عدد لمجلة «الكلمة» ورأس لفترة وجيزة تحرير «اليمن الجديد»، كما أسهم في تأسيس ملحق «الثورة الأدبي»، ورأس لمرتين متتاليتين تحرير صحيفة «الثورة» الرسمية. وكان عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وأحد مؤسسي نقابة الصحفيين اليمنيين.
أصالة..
في مقالة بعنوان (المساح المؤزر بأصالته) كتب “مصطفى راجح”: “هذا الرجل كتاب من لحم ودم. لا يعلمك محمد المساح بكتاباته، فحسب، هو قبلها وبعدها يلهمك بذاته كإنسان. لم يعرف الزيف يوماً، هذا المساح المؤزر بأصالته وصدق شخصيته. كل مشاعر قوية تنتج فينا فكرة الفراغ. الهوة الفاصلة بين ما تحس به، وما تحمله الكلمات من قدرة على احتواء المعنى. محمد المساح نوع نادر من البشر، يتركك حائراً في بحثك عن لغة تعادل إحساسك به كاتب يلامس شغاف القلب، وشخصية فريدة، تتجاور فيها قدرة الكاتب المبدع مع فروسيّته ومسلكه النبيل وطبعه الرفيع.
المساح مُرمز. كل ما فيه يشي بذلك، هيئته، طريقته في الكلام، مشيته، شاربه المعقوف، مئزره الذي لا يشبهه فيه أحد، وبسمته؛ إذ يكاد وجهه كله أن يكون بسمة واحدة مشعة، لم تفلح تجاعيد العمر أن تخفيها.
طريقة لبسه للمعوز تكاد تكون الفورمة، الماركة التي تُميز جيلا من الرجال جمعوا بين تطابق المعنى والمبنى، رجالا بزغوا في صنعاء مع فجر ثورة سبتمبر، جيل الفرسان؛ فناني حياة، وفرسان مسلك رفيع، على اختلاف وجهاتهم الحياتية: طلاب وجنود وكُتاب، ضباط الفاتحة السبتمبرية، عمال وتجار وحِرفيون، وأصحاب مهن من كل نوع من جيل الستينات والسبعينات.
نادرا ما تجد أحد يشبهه في لبس المعوز هذه الأيام. أتذكر رجل يشبه المساح في فرادة شخصيته، ومثله، يجيد لبس المعوز ويجيد مهنته؛ مدهش، ملك الشاي، صاحب المقهى الشهير في حي المواصلات في التحرير. بشر أصيلون، ملوك في أي مجال يمضون فيه، الكتابة في حالة المساح، والشاي لدى مدهش. من يستيطع تقليد شاي مدهش، على كون ذلك مهنة عادية بسيطة تكاد أن لا تنطوي على أي تعقيد يمنع أحدهم من تجاوزها. هي الروح، روح الفنان، في أي مجال يجد نفسه فيه”.
ويضيف: “روح الفنان تتجلى لدى محمد المساح في عمود أختار اقتطاع “لحظة إنسانية” في زمن كان يمضي غير آبهٍ بزحامات غفلية، يحاول المساح تذكيرها بدفق الزمن وحركيته التي لا تقف عند العالقين بالماضي وقيوده وأثقاله، ولا تنتظر يقظتهم بعد فوات الأوان.
الكتابة عن محمد المساح، مُلامسة لشغاف القلب، وتحديق في مسار زمني متنوع وغني بتفاصيل لحظات فارقة اعتصرت القلب والجسم الناحل، تماماً بقدر ما استنزفها بأنامله وخطها في زاويته الشهيرة في أخيرة “الثورة”: لحظة يا زمن”.
زاهد..
في مقالة بعنوان (الزمن الذي لم ينتظر محمد المساح) نشر في “نيوزيمن”: “بين 6 نوفمبر 2023، و20 أبريل 2024، نشر محمد المساح قرابة 60 مقالا في موقع صحيفة “النداء”. كتب هذه المقالات وهو يعيش في قريته في ريف تعز الجنوبي، مسقط رأسه الذي أوى إليه حين اشتد أوار الحرب وتعددت رؤوس أمرائها منذ العام 2015. هناك كان يزوره بين وقت وآخر أصدقاؤه ومحبوه، حيث فضّل رعي الخراف ورفقة الطبيعة الريفية، متحسّرا على وطن يضيع، وعلى ابنه الذي سرقته الحرب إلى جبهاتها على حين غفلة من زمنه المنتظر. عن عمر ناهز الـ76، وبعد أكثر من 50 عاما من مسيرته في الكتابة الصحفية والأدبية، رحل محمد المساح عن الدنيا زاهدا فيها حتى الرمق الأخير”.
قضايا معاصرة..
في مقالة بعنوان (الكاتب محمد المساح) كتب “محمد العنبري”: “يتمتع الكاتب محمد المساح بخبرة واسعة في مجال الكتابة، حيث قام بنشر العديد من المقالات التي تتناول مواضيع متنوعة تهم المجتمع تتميز كتاباته بالأسلوب السلس والمعبر، مما جعله يحظى بشعبية كبيرة بين القراء.
يعتبر محمد المساح من الكتاب الذين يعملون على توجيه القارئ نحو الفهم الصحيح للقضايا المعاصرة والمهمة يسعى دائماً إلى تقديم وجهة نظره بشكل موضوعي ومنطقي، مما يجعل من السهل على القارئ فهم الرؤية التي يحاول الوصول إليها.
من خلال كتاباته يسعى محمد المساح إلى تحفيز القارئ على التفكير والتأمل في القضايا الهامة التي تؤثر على حياتنا اليومية يعتبر الكتابة بالنسبة له وسيلة للتعبير عن أفكاره وآرائه، وتبادلها مع الآخرين لتحفيز الحوار والنقاش البناء.
بفضل اهتمامه بالتحليل العميق والتفاصيل الدقيقة، يعد محمد المساح مصدر إلهام للكثيرين لبدء الكتابة والتعبير عن أفكارهم بشكل مبدع يعكس أسلوبه الكتابي الثري والمتميز شغفه بالكتابة وحبه للتواصل مع الآخرين من خلال الورق والحبر.
يعد محمد المساح واحداً من الكتاب البارزين الذين يساهمون في غرس بذور الثقافة والتفكير النقدي بين القراء تترك كتاباته بصمة قوية في عقول الأشخاص وتثير الاهتمام والاستياء، مما يجعله كاتباً له مكانة خاصة في عالم الثقافة”.
واقع مأزوم..
في مقالة بعنوان (محمد المساح… واقع اليمن “المأزوم” يخسر ناقده الساخر) كتب “توفيق الشنواح”: “غادر الأديب والكاتب اليمني الكبير محمد المساح من دون أن يمهله الزمن لحظات أخرى ظل يتوسلها كل صباح على رأس عموده اليومي الأشهر “لحظة يا زمن”، الذي ظل ثابتاً في الصفحة الأخيرة لصحيفة “الثورة” الرسمية منذ عقود، على رغم متغيرات الواقع وتحولاته الكبرى.
برز المساح عقب ثورة الـ26 من سبتمبر (أيلول) 1962 ككاتب وصحافي مدافع عن قيم الثورة التي قضت على حكم الأئمة الزيدية وأفكارها الراديكالية بنهج تحرري من خلال كتاباته النوعية والجريئة ونقده اللاذع وأشعاره.
هذا الحضور دفعه إلى تولي رئاسة تحرير صحيفة “الثورة” الرسمية عام 1972 التي كان يطل على قرائه من خلالها عبر عموده “لحظة يا زمن” الذي توقف في 2016 بعد انقلاب ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران وسيطرتها على العاصمة ومقر الصحيفة وتحويلها إلى مطبوعة طائفية تعكس نهجها كأية جماعة دينية مسلحة ترفع شعارات نصرة الدين وتسعى إلى فرض رؤاها بالقوة برداء الإسلام ونوازع “الاصطفاء والحق الإلهي””.
وفاته..
توفي يوم الجمعة 19 أبريل 2024 عن عمر ناهز 76 عاماً إثر ذبحة صدرية.