8 مارس، 2024 5:14 م
Search
Close this search box.

محمد القصبجي.. جدد في الموسيقى وهو واحد من سبعة ملحنين كبار

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد القصبجي” ملحن وموسيقار مصري. ولد بالقاهرة 15 أبريل 1892، تخرج من مدرسة المعلمين وكان يهوى الفن منذ صغره. وكان يقوم بأداء الأدوار القديمة في الحفلات الساهرة وأصبح زميلا لمطربي هذا العهد أمثال (علي عبد الهادي- زكي مراد- أحمد فريد- عبد اللطيف البنا- صالح عبد الحي). أهم أعماله الفنية وأشهرها كان مع “أم كلثوم”.

حياته..

“محمد القصبجي” نشأ في عائلة موسيقية حيث كان والده “أحمد القصبجي” مدرساً لآلة العود وملحناً لعدد من الفنانين، نما لدى “القصبجي” حب للموسيقى منذ صغره وتعلق بها، ولكنه لم يحد عن طريق العلم فالتحق بالكتاب وحفظ القرآن الكريم وانتقل إلى الأزهر الشريف حيث درس اللغة العربية والمنطق والفقه والتوحيد، ثم التحق بعد ذلك بدار المعلمين التي تخرج منها معلماً.

كان على “القصبجي” أن يلتحق بالسلك التعليمي ووالده أراد له احتراف العمل الديني، اشتغل بعد تخرجه في مجال التعليم ولكنه لم ينقطع عن الموسيقى، حيث تمكن من إتقان أصول العزف والتلحين وساعدت ثقافته العامة في خوض غمار هذا المجال باقتدار وبدأ يعمل في مجال الفن، ثم ترك مهنة التدريس وتفرغ تماما للعمل الفني، وكانت أول أغنية له من نظمه وتلحينه ومطلعها “ما ليش مليك في القلب غيرك” وتم تسجيل هذه الأغنية بصوت المطرب “زكي مراد”، وكان أحد مشاهير المطربين في ذلك الوقت، وهنا بدأت رحلة “القصبجي” الاحترافية في عالم الفن.

أول عمل تلحيني احترافي له هو دور “وطن جمالك فؤادي يهون عليك ينضام” من كلمات “الشيخ أحمد عاشور”، ثم أنضم إلي تخت “العقاد الكبير” عازف القانون بعد أن أعجب به هو و”مصطفي بك رضا” رئيس نادي الموسيقي الشرقية، في عام 1920 اتجه “القصبجي” اتجاها آخر في تلحين الطقاطيق، والتي كتبها “الشيخ يونس” منها طقطوقة “بعد العشا” وطقطوقة “شال الحمام حط الحمام” وفي 1923 أستمع “محمد القصبجي” إلي السيدة “أم كلثوم” وكانت تنشد قصائد في مدح الرسول وأعجب بها، وفي عام 1924 لحن أول أغنية ل”أم كلثوم” وهي “آل إيه حلف مايكلمنيش” وظل من ذلك اليوم يعاونها لآخر يوم في حياته، كما ينسب إليه فضل التجديد في المونولوج الغنائي بداية من “إن كنت أسامح وأنسى الآسية” إلى “رق الحبيب” غناء كوكب الشرق “أم كلثوم”، وقد كان في كل هذه الألحان وغيرها, وباعتراف أبرز الموسيقيين والنقاد, زعيم التجديد في الموسيقى المصرية.

في عام 1927 كون “القصبجى” فرقته الموسيقية التي ضمت أبرع العازفين أمثال “محمد العقاد للقانون” و”سامى الشوا” الملقب بأمير الكمان وكان هو عازف العود في الفرقة، ولم يتوقف عند الشكل التقليدي للفرقة الموسيقية العربية فأضاف إلى فرقته آلة التشيلو وآلة الكونترباص وهما آلتان غربيتان.

السينما..

قدم “القصبجي” ألحاناً عديدةً للسينما وكان من أكثر الملحنين إنتاجا طوال 50 عاما وقدم للمسرح الغنائي الكثير، فقد قدم ل”منيرة المهدية” عدة مسرحيات هي:”المظلومة ” و”كيد النسا” و”حياة النفوس” و”حرم المفتش” كما قدم ل”نجيب الريحاني” ثلاثة ألحان في أوبريت “نجمة الصباح”. و قام “القصبجي” أيضاً بتلحين الفصل الأول من “أوبرا عايدة” الذي غنته “أم كلثوم” في فيلمها عايدة في أوائل الأربعينيات، وكان “محمد القصبجي” يتطور ولكن في إطار المحافظة علي النغمة الشرقية الأصيلة. تتلمذ علي يديه في العزف علي العود “محمد عبد الوهاب”.

على مقعده الخشبي رضي بالجلوس وراء «الست» محتضنا عوده لسنوات، مؤثرا أن يكون عضوا كباقي أعضاء فرقتها وهو الموسيقار الكبير، الذي أثرى الموسيقى العربية بالعديد من الأعمال التي كانت سببا في تطورها. هذا هو العملاق “محمد القصبجي”، الذي لحن لنجوم الطرب في عصره، بدءا من “منيرة المهدية” و”صالح عبد الحي” و”نجاة علي”، مرورا ب”ليلى مراد” و”أسمهان”، وانتهاء ب “أم كلثوم”، التي عشق العزف على آلة العود في فرقتها ليظل بجوارها، حتى أنه عندما مات في نهاية الستينات ظلت “سومة” محتفظة بمقعده خاليا خلفها على المسرح تقديرا لدوره ومشواره معها.

قدم “محمد القصبجى” أعمالاً سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك، وأضاف للموسيقى الشرقية ألواناً من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتي تتطلب عازفين مهرة على دراية بأسرار العلوم الموسيقية، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقي، كل هذا أدى إلى ارتفاع مستوى الموسيقى والموسيقيين أيضا، وبالإضافة إلى الأجواء الرومانسية الحالمة التي أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجى شهرةً واسعةً وجمهوراً عريضاً ويمكن القول بأنها حملت “أم كلثوم” إلى القمة.

كانت أصوات “أم كلثوم” و”فتحية أحمد” و”أسمهان” بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور، وقد ساهم هو في صنع تلك الأسماء بلا شك، أما موسيقاه التي لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغاني وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالاً لما يطمح إليه من تطوير وقد برع في تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار.

ومن مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان ذكرياتى غير فيها القالب التركي القديم من ميزان السماعى إلى إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذي تعود إليه الموسيقى في النهاية، وتباينت مقاطعها بين الوحدة الكبيرة والعزف المنفرد على العود غير المصحوب بإيقاع، وفي النهاية مقطع شبيه باللونجا، وتطلبت تكنيكا جديدا في العزف وهي مقطوعة قلما لا يعرفها عازف عود أو كمان. وللقصبجى أسلوب فريد اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها، وقد اجتذب على الأخص جمهور المثقفين والطبقة المتوسطة التي كانت آخذة في النمو في ذلك الوقت.

أم كلثوم..

العلاقة بين المُلحن وكوكب الشرق ظلت على ما يرام،  حتى شعر الموسيقار بتجاهل “أم كلثوم”  له ولألحانه، وتفضيلها لألحان “رياض السنباطي” و”محمد الموجي”، إلا أنه لم يشكُ ولم يعلن تبرمه أو غضبه، بل نزل على رأي “أم كلثوم” ونصحها بالاستعانة بألحان “السنباطي” و”الموجي”، مقررا الانسحاب من حياتها كملحن على أن يبقى عازفًا في فرقتها لآخر يوم في عمره.

وأكد “إلياس السحاب” في موسوعته أن علاقة “أم كلثوم” ب”القصبجي” كانت جدلية بامتياز، حيث كان لها بمثابة الأستاذ الثالث بعد والدها والشيخ “أبو العلا محمد”، وأتاح له صوتها بقدراته اللامحدودة وأسلوبه الراقي في الأداء الولوج إلى آفاق جديدة لم يكن يجرؤ على ارتيادها مع الأصوات السابقة. ورغم ما قدمه من أعمال مزجت بين المقامات الموسيقية العربية والموسيقى الأوروبية الكلاسيكية، وجد “القصبجي” نفسه بعيدا عن مكانته المعهودة مع ظهور ملحنين تميزوا علاوة على طاقاتهم الموسيقية بأصوات جميلة وحسنة، على غرار موسيقار الأجيال “محمد عبد الوهاب”. وبدأت “أم كلثوم” ترفض ألحانه وتعتمد أكثر على ألحان “بليغ حمدي” و”رياض السنباطي”. ونُقل عنها أنها رفضت أحد ألحانه مرة وقالت له: “يا قصب أنت محتاج إلى راحة طويلة”.

روى “محمود كامل”، أحد المقربين “للقصبجي” أن “أم كلثوم” رفضت العديد من الألحان التي عمل عليها حتى أنها أعطت واحدا منها “للسنباطي”. وقد أرجع ذلك إلى سوء حالته الصحية في السنوات الأخيرة وعدم استطاعته حفظ الألحان التي تقدمها “أم كلثوم” على المسرح، إلى جانب شكواه المتكررة لزملائه عن سوء معاملة “أم كلثوم” له، وإصراره على الحصول على راتبه كاملا من الحفلات التي تتبرع بها الست وتقوم بدفع أجرها من جيبها الخاص.

كما تعد ألحانه التي منحها ل”أسمهان” أحد أسباب هذا الفتور، حسب “رتيبة الحفني”، وفق ما ذكرته في كتاب “أم كلثوم وحكام مصر”، وأوضحت أنه أول من آمن بطاقاتها الصوتية وقدم لها ألحانا تتماشى وقدرات صوتها، ليصبح الملحن الثاني في مصر الذي يقدم ل”أسمهان” ألحانه على مستوى العدد بعد “فريد الأطرش”. وقد حاولت “أم كلثوم” حصر ألحان “القصبجي” واحتكارها إلا أنه رفض ذلك، فكاد يبعد عن تختها، ومنع أعضاء الفرقة ذلك. وذكرت أن أم كلثوم كانت تقليدية في اختياراتها الفنية، حيث رفضت روح التجديد في ألحان “القصبجي” وامتنعت عن أداء قصيدة “حديث عين” ل”آدم فتحي” على اعتبار أنها حديثة الاتجاه. وأعجب “القصبجي” بها فعرض على “السنباطي” تلحينها ل”أسمهان”، مما أغضب “أم كلثوم” من ملحنها الذي نجح في إرضائها بألحان أخرى.

كتب “مازن عميش”، في “المغنى حياة الروح” أن: “”القصبجي” هو التائه المعذب الذي أفنى حياته على تخوم أم كلثوم القلعة المحصنة، فكسرته وردته على أعقابه وأبقته في خدمتها طائعا منكسرا حتى رحل عن الدنيا”. لكنّ “أم كلثوم” لم تتخل نهائيا عن “القصبجي” الذي بقي لسنوات عازفا للعود في فرقتها، ولم تستبدله بعد وفاته بعازف آخر، حيث بقيت تقدم حفلاتها لمدة 3 سنوات، دون عازف عود.

“محمد القصبجي” لم يكن فقط ملحنا مهما، بل هو واحدا من السبعة الكبار في تاريخ موسيقانا المعاصرة كما وصفه “فيكتور سحاب” في كتابه “السبعة الكبار في الموسيقى العربية”.

مشاركة “أم كلثوم” في فيلم “عايدة”، عام 1942، كانت بدايةً لإقصاء مطور صوتها “القصبجي”، حيث حملته مسئولية فشل الفيلم، وأقنعته بأن ألحانه لم تعد كالسابق، لينتهى به الحال خلف “الست” يعزف على عوده ألحان غيره، وفي حوار نادر له لمجلة “الشبكة” اللبنانية، قال: “أنا هويت وانتهيت يا أستاذ، خلاص، لم يبق مني إلا أنامل جرداء، قل عني إني بقايا ملحن، بل بقايا شخص، أنا عملت ما بوسعي وخرجت بأم كلثوم في أكثر من 10 ألحان قدّمتھا لھا، ولكنها أھانتني، وعندما تُھينني فھذا يعني أحد أمرين، إما أني فاشل، وھذا رأيھا، أو أنھا رجعية، وھذا رأيي”.

وفاته..

توفي “محمد القصبجي” في 26 مارس 1966 عن عمر 74 عاماً قدم فيها للموسيقى العربية إثراءات ثمينة، وأضاف للموسيقى الشرقية ألواناً من الإيقاعات الجديدة والألحان السريعة والجمل اللحنية المنضبطة والبعيدة عن الارتجال، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلى التخت الشرقي التقليدي، اعتبره كثيرون الموسيقي الأفضل متفوقاْ بذلك على أسماء أخرى كبيرة ك”سيد درويش” و”عبد الوهاب”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب