14 نوفمبر، 2024 10:51 ص
Search
Close this search box.

“محمد الغزي”.. لغته تصطاد صور وحشيّة وخواطر عميقة مدهشة

“محمد الغزي”.. لغته تصطاد صور وحشيّة وخواطر عميقة مدهشة

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد الغزي” شاعر، وناقد تونسي اشتهر بشعره ذي الصبغة الصوفية والثري بالصور المستمدة من عالم الطفولة. كان يدرّس بجامعة نزوى في عُمان.

التعريف به..

مواليد 24 فبراير سنة 1949 بمدينة القيروان. وشغل منصب أستاذ مشارك في الأدب العربي بجامعة نزوى في سلطنة عُمان.

ودرس بمدينة القيروان حيث تحصّل على شهادة الباكالوريا سنة 1969، ثم نال شهادة الأستاذية في اللغة والآداب العربية في 1973 وبعدها شهادة التعمق في البحث/ تخصص النقد الأدبي في 1989. وفي سنة 2008 تحصّل على شهادة التأهيل الجامعي.

صدر له العديد من الأبحاث العلمية في مجال الأدب أهمها “الخطاب الواصف في الشعر العربي الحديث” و”أقنعة الشعر المعاصر” عن دار مسكلياني، و”عيوننا الأخرى قراءة في الأدب الحديث” في جزئها الأول والثاني عن دار “برسبكتيف” أفاق سنتيْ 2013 و2014.

وحاز على العديد من الجوائز الأدبية الجوائز الأدبية داخل تونس وخارجها منها “جائزة أبي القاسم الشابي” (1999) و”جائزة وزارة الشؤون الثقافية التونسية” (2000) و”جائزة الإبداع العربي بالشارقة (2000) و”جائزة الشيخة فاطمة بنت هزاع بن زايد لقصص الأطفال” الإمارات العربية (2002) و”جائزة الشيخة ميرا بنت هزاع بن زايد لشعر الأطفال” الإمارات العربية (2004) و”جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب” (2015) وكذلك “جائزة معرض تونس الدولي للكتاب” (2015).

قال عنه أحمد عبد المعطي حجازي: يتكلّم محمّد الغزي بلهجة طفل. لغته تصطاد من الصور الوحشيّة والخواطر العميقة ما يدهشنا.

قال عبد العزيز المقالح: كلّ بيت من شعره يحمل شحنة عميقة ومكثّفة من الدلالات الصّوفيّة وينقل القارئ إلى عالم يقترب ليبتعد ويبتعد ليقترب. عالم يتطوّر من الدّاخل. ترتجف فيه النفوس وتقف حائرة متأمّلة تزجي المدائح وتواصل الأسفار والاشتعال.

دواوينه..

كتاب الماء، كتاب الجمر، تونس 1982.

ما أكثر ما أعطى، ما أقل ما أخذت، تونس 1991.

كثير هذا القليل الذي أخذت، تونس 1999.

سليل الماء (مختارات شعريّة)، تونس 2004.

كالليل أستضيء بنجومي، تونس 2006.

ثمّة ضوء آخر (مختارات شعريّة)، بيروت 2007.

قصص الأطفال..

صوتُ القصَبةِ الحزين.

مَمْلكة الجَمْر.

كان الربيع فتًى وسيمًا.

علّمني الغناء أيّها الصّرّار.

ذهب المملكة.

قطرة الماء وشجرة الورد.

الأرض وقوس قزح.

الطّفل والطّائر.

ليلة بعد ألف ليلة وليلة.

شموع الميلاد.

النّخلة تمضي جنوبا.

حكاية بحر.

القنفذ والوردة.

اعطني مصباحك يا علاء الدّين.

مسرحيات..

المحطّة، تونس 1994.

مسرحية ابن رشد – الشارقة – الإمارات العربية المتحدة 1999.

الكتاب..

في حوار معه أجراه “خالد درويش” يقول “محمد الغزي” عن بداياته: “طبعاً أتذكر جيداً، تجربتي الأولى مع الكتاب كانت حين يأخذ أبي كتاباً من الكتب القديمة ويقرؤها علينا ويقرأ علينا بضعة من الحكايات التراثية القديمة، وكنت أتساءل دائماً وأنا ذلك الطفل الصغير كيف يمكن لكتاب أن يحمل كل هذه الأحداث ويحمل كل هذه الوقائع ويحمل كل هذه الشخصيات وفعلاً في عصرنا لم يكن هناك تلفزيون ولم تكن هناك هذه الأشياء، كانت متعتنا ولذتنا الكبرى أن نحيط بالوالد وهو يقرأ علينا هذه الصفحات والقصص.

كانت المكتبة تحتوي على الكتب الدينية والكتب التقليدية، وبالإضافة لذلك كانت هنالك السير مثل سيرة سيف بن ذي يزن وسيرة الهلالية ومن هذه الكتب كان يقراً، ومن حين إلى آخر كان يقول “الآن سوف أتوقف عن قراءة هذه الأشياء” لأنه كان قد قيل له أن من ينهي هذا الكتاب يصاب بالعمى، ويذهب إلى كتاب ثاني ويتركنا في شوق لمعرفة النهاية”.

وعن الطقوس في القراءة يقول: “أنا أقرأ في كل مكان أقرأ وخاصة في السرير، ليس بهدف انتظار النوم فأنا أقرأ في السرير وأكتب في السرير، عندي علاقة خاصة بالسرير. على ورق أبيض بالحبر الأسود، يزعجني أن أكتب فوق المكتب أفضل الكتابة في السرير”.

حضور الثقافة التونسية..

في حوار ثان أجرته “ميرزا الخويلدي”: يقول “محمد الغزي” عن حضور الثقافة التونسية في باقي البلدان: “إلى وقت قريب كان أبو القاسم الشابي هو الشاعر التونسي الوحيد الذي وصل صوته ونصه إلى كل البلاد العربية، ليستقرّ في الأذهان رمزاً للثقافة التونسية، وربّما زاحمه، في مرحلة ثانية، محمود المسعدي، الذي استطاع، هو أيضاً، تجاوز الحدود، ليصبح من علامات السرد العربي.

إذا استثنينا هذين العلمين فإنّ بقية رموز الثقافة التونسية ظلّت مجهولة في الشرق العربيّ، لم ينعطف عليها أحد من النقاد بالنظر والتحليل. ثمة اعتقاد استبدّ بأذهان الدارسين في تلك الفترة مفاده بأن الشابي زهرة بريّة نبتت، في غفلة من الطبيعة، في أرض موات، ولهذا لم يكلفوا أنفسهم مؤونة البحث عن أسماء أخرى، مختزلين الثقافة التونسية في الشابي، والشابي في عدد من الأبيات الحماسية فحسب. هكذا جهل الشرق لعقود طويلة أسماء مثل الطاهر الحداد، والطاهر بن عاشور، والفاضل بن عاشور، ومحمد الحليوي، وعلي الدوعاجي، وهم من مجايلي الشابي الذين لم يتمكنوا من اختراق الجدار الذي يفصل ثقافة المتن (الشرق العربي) عن ثقافة الهامش (المغرب العربي).

هكذا بقيت الثقافة التونسية، على امتداد عقود، يكتنفها الغموض، لم يكلّف أحد من نقادنا في المشرق نفسه مؤونة الاهتمام بها، وتبديد الغموض الذي يحيط بها. لكن الوضع تغيّر. انكسرت قوالب الهامش والمتن”.

ويواصل: “الآن تغيرّ الأمر، وباتت الثقافة التونسية من أكثر الثقافات العربية حضوراً وقوة وإشعاعاً، من خلال إبداع مبدعيها، ومباحث مثقفيها، ودراسات أساتذتها الكبار الذين نقلوا أحدث النظريات النقدية الغربية إلى الثقافة العربية وأثروا تأثيراً حاسماً في أجيال من الجامعيين العرب.

في هذا السياق الجديد؛ يجري احتفاء «معرض الرياض الدولي للكتاب» بالثقافة التونسية. إنه احتفاء بثقافة مأخوذة بالحداثة والتجديد، مأخوذة بفكرة التقدم، مشغولة بسؤال التطور، مهتمة بالحوار تعقده مع الآخر. مجال اهتمامها ليس البلاد التونسية؛ وإنما الوطن العربي… إضافة إلى كل ذلك؛ فإنّي أرى في هذا الاحتفاء إعادة اعتبار للعديد من الثقافات العربية التي عُدّت إلى وقت قريب ثقافات الهامش والأطراف والفروع؛ ومن ضمنها الثقافات المغاربية والخليجية. هذا الاحتفاء يشير إلى أن ثنائية المتن والهامش القديمة باتت ملغاة، لا شيء يسندها بعد الآن أو يزكيها. فالهوامش باتت، نتيجة عوامل كثيرة، مراكز ومتوناً، وباتت قادرة على الضخ إلى جذع الثقافة العربية بمياه جديدة.”

الشعر..

وعن تجربته الأدبية يضيف: “خلال مشاركتي في فعاليات معرض الرياض، سأساهم بقراءة مجموعة من قصائدي تصور مختلف مراحل تجربتي الشعرية. فكتاباتي يأخذ بعضها برقاب بعض. فأنا أتقدّم ملتفتاً، باستمرار، إلى الوراء. كل قصيدة أكتبها هي، في نظري، تقويم لقصيدة سابقة؛ استدراك عليها، تعديل لها. فكلما فرغت من كتابة قصيدة خامرني الإحساس بأنها في حاجة إلى تعهد ومراجعة. من هذا الإحساس تتولّد القصيدة الجديدة، وكأنّ وظيفة القصيدة الجديدة استكمال ما ظلّ ناقصاً في القصيدة التي سبقتها؛ ملء بياضها، إفشاء ما ظلّ مكتوماً فيها، بهذه الطريقة تتحوّل الكتابة إلى حركتين متناقضتين، متكاملتين: مراجعة وتقدم، التفات وتطلع.

لقد حاولت اختبار أهم الأشكال الشعرية، وقد أفضى بي ذلك إلى الاقتناع بأن لكل نوع طاقاته الشعرية الهائلة. ولست من القائلين بوجود علاقة بين الأشكال الشعرية وحداثة النص. كل الأشكال الشعرية يمكن أن تكون حديثة، قادرة على قول تجربة الشاعر. المزية في «شعرية» النص؛ في قوته الاستعارية، في كثافته الرمزية… الشعرية هي روح الشعر الباقية بعد أن يطوي النسيان كل شيء، هي عين «نمر بلايك» المتقدة في الليل الأليل، هي مصدر دهشة المتقبل ورعشته. فليست كل قصيدة عمودية خالية بالضرورة من الشعرية لالتزامها بالوزن والقافية، وليست كل قصيدة نثر تنطوي على شعرية عالية لأنها خرجت على قوانين الإيقاع القديمة”.

الكتابة للطفل..

ويقول عن ماذا تعني له الكتابة للطفل وكيف يصف النقص في أدب الطفل ضمن المكتبة العربية: “ثمّة في ثقافتنا العربيّة تهوين واضح من شأن الأدب الموجّه للأطفال، وهذا التهوين يرتدّ إلى أمرين اثنين متداخلين:

أوّلهما: الإيمان بأنّ الكتابة للأطفال عمل سهل لا يحتاج إلى موهبة تسنده أو ثقافة تدعمه.

ثانيهما: حُسبان الطفل، بحكم حداثة سنّه، عاجزاً عن التقويم والتمييز، فهو متقبل سلبيّ ليست له القدرة على المفاضلة والموازنة والإيماء إلى ما هو أحقّ بالقراءة وما هو أجدر بالإهمال والنسيان. لهذا وجدنا كتّاباً دون موهبة تمحّلوا تأليف قصص للأطفال لا تنطوي على أيّة قيمة جماليّة، فيما تنكّب مبدعونا الكبار عن تعاطي هذا الأدب ترفّعاً أو تعفّفاً أو بحثاً عن سلامة موهومة.

إن هذا الأدب في حاجة إلى مبدع كبير يدرك أسرار لعبة الكتابة ويعرف مآزقها ومضايقها على حدّ عبارة البحتري. فهذا الأدب، شأنه شأن كلّ كتابة أدبيّة، في حاجة إلى «لوثة الإبداع» حتّى يأتي على غير مثال سابق فيمتع الطفل ويشدّه إليه. إنّ هذا الأدب، إذا استخدمنا عبارات الناقدة جون إيكن، في حاجة إلى شاعر شبه مجنون يحمل فكرة رائعة، تصرّ على الخروج من ذهنه من دون إكراه”.

القصيدة الحديثة..

وعن القصيدة الحديثة يقول: “القصيدة الحديثة هي قصيدة السؤال والغموض. الشاعر لم يعد فيها نبياً مخصوصاً برسالة، كما كان في المدرسة الرومانطيقية، ولم يعد يحمل «بشارة» لأناس ينتظرونها. الشاعر الحديث بات أقرب إلى الأكمه الذي يتحسّس العالم بعصا الكلمات؛ أي بات هو أيضاً يبحث عن الحقيقة مثله مثل جميع الناس.

لا شك في أن الجرح والشعر أخوان. لكن الجرح الذي يحمله الشاعر المعاصر ليس جرح العقل؛ وإنما هي جروح أنكى وأعمق. إنها جروح اجتماعية وفكرية ووجودية.

كنتُ إلى وقت قريب أكتب قصيدة التفعيلة ضمن الجيل الذي أنتمي إليه، وربما كان سبب إقبال جيلنا على هذه القصيدة تماهيها، في ذهنه، مع الحداثة. فقصيدة التفعيلة هي قصيدة الرواد من أمثال البياتي والسياب وأدونيس، وهي أيضاً قصيدة الإيقاع التي أعادت تنظيمه دون أن تتخلّى عنه.

لكن في السنوات الأخيرة أقبلتُ على اختبار هذه القصيدة بعد أن اقتنعت بأنها تتيح للشاعر إمكانات تعبيرية وإيقاعية جديدة غير التي تتيحها قصيدة التفعيلة

لا أريد أن أتبسط في سؤال الإيقاع، لكن أقول: إذا كان الوزن في قصيدة الشطرين والتفعيلة سابقاً على الشاعر، جاهزاً سلفاً، فإن الإيقاع في قصيدة النثر منبثق من داخل القصيدة، مرتبط بتجربة الشاعر، بل أذهب إلى القول إن قصيدة النثر تتيح للشاعر أن «يؤسس» إيقاعاته وفق تجربته. وكما أوضح عدد من النقاد الغربيين المعاصرين؛ فإن إيقاع القصيدة من إيقاع الجسد، وتجربتها من تجربته”.

وفاته..

توفي يوم الخميس 18 يناير 2024 “محمد الغزي” عن عمر ناهز 74 عاما.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة