5 مايو، 2024 7:10 م
Search
Close this search box.

“محمد إبراهيم بوعلو”.. عبر في قصصه عن المهمشين برؤية منصفة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“محمد إبراهيم بوعلو” روائي وقاص مغربي، من رواد القصة القصيرة بالمغرب. له إسهامات في القصة وقصة الطفل والمسرحية والسيناريو السينمائي.

حياته..

ولد في 28 مارس 1936 بمدينة سلا. عمل في تدريس الفلسفة لمدة 37 سنة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، من 1961 إلى 1997 (شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس). من مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، وعضو بمكتبه المركزي الأول.

كتب عدداً من القصص في واقع البؤس والحرمان الذي عانى مرارته المغاربة طوال الستينيات. ونشر معظمها في الصِّحافة الوطنية، قبل أن ينشرها في مجموعات اسم «السقف»، 1970. نشر كتاباته في صحف: التحرير، الرأي العام (سوريا)، فلسطين، المحرر، الاتحاد الاشتراكي، أقلام، وغيرها.

المنتمي..

في مقالة بعنوان (محمد إبراهيم بوعَلّو: رحيل الكاتب المغربي المُنتمي) كتب “أحمد المديني”: “تخرّج محمد إبراهيم بوعلو مع أول فوج لطلاب الفلسفة في جامعة الرباط، بعد دراسة أولى في جامعة دمشق، ثم التحق مدرّسًا في كلية الآداب قيِّمًا لخزانتها، لكنّ هواه سار في مجرى آخر هو وأبناء جيله، إذ آمن مبكرًا بضرورة إطلاق نهضة ثقافية حاملة لرسالة من وحي أيديولوجية يسارية حمل لواءها يومئذ حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، للدفاع عن مصالح الطبقات المستضعفة ولإقرار العدالة الاجتماعية ونهج الديموقراطية في وجه القوى الرسمية والمحافظة.

لقد كان زمنَ الاختيارات الصعبة والحرجة، في مرحلته وبيئته الستينية الأولى تبلور المفهوم الثاني للمثقف المغربي، العربي عامة. في عهد الاستعمار ظهر المثقف الوطني المدافع عن الهوية ومن أجل استرجاع السّيادة المنتهَكة في مواجهة الاحتلال الأجنبي، وهذا هو المضمون الذي نجده في مجمل الإنتاج الثقافي الأدبي للمرحلة الاستعمارية بالمغرب الممتدة من 1930 إلى 1955.

بعد هذا التاريخ، تبلور طموح فئات مستنيرة لن يقنعها الاستقلال السياسي وتبنّت مشروعَ تحرير جذري حقبة الستينات مسرحُه وميدانُه، ويجب الانطلاق منه دائمًا لفهم تاريخ المغرب الحديث”.

ويواصل: “وكما كانت الواقعية الفطرية (الساذجة) هي الرؤية الجامعة لقصص الرواد المغاربة (أحمد بناني، عبد الرحمن الفاسي، والقطيب التناني)  في الحقبة الاستعمارية، بصيغة المحاكاة أولًا، وبناء خطاب انتقادي مباشر يعتبر من وظيفة حامل القلم؛ كذلك في الستينات، بتعديل طفيف بنقلها إلى صعيد تخييل نسبي، بقيت الرؤية الغالبة وبوعلو لسانها القصصي إلى جانب أصوات صاعدة: محمد بيدي وإدريس الخوري وعبد الجبار السحيمي ومحمد زفزاف، كلهم من الراحلين.

عرف محمد إبراهيم بوعلو، في حقل الأدب المغربي الحديث، إذًا، بكتابة القصة القصيرة، قدم فيها أهم نصوصه من سنة 1960 إلى مطالع السبعينات، ونشر أغلبها في جريدة التحرير لسان الحزب الذي ينتمي إليه، وجاءت معادلًا أدبيًّا للخطاب النضالي للجريدة التي تمثل منبر المعارضة الوحيد لزمنها وتتعرض للمنع والحجز. اطلع القراء على هذه القصص بعد زمنها في مجموعة “السقف” (دار النشر المغربية، 1978).

في مجملها ترسم نماذج اجتماعية واقعة تحت طائلة الحرمان أو الاستغلال من طرف رأس المال، أو طغيان الغني على الفقير، في أوضاع من التعارض الطبقي يتخذ صورًا نمطيةً مستعادةً وإن حاول القاصُّ فيها دائمًا أن يوفّر عنصر المفارقة الضروري لبنية القصة القصيرة، هذا العنصر الذي ينقذها من السطحية والمباشرة كاحتجاج صريح، ليؤهلها فنيًا في نوعها الأدبي السردي”.

الحذاء الجديد..

في مقالة بعنوان (قصتي مع قصة الحذاء الجديد) كتب “عبد الله زروال”: “قرأت من القصص الشيء الكثير منذ أدركني شغف القراءة في سن اليفع إلى الآن وقد تقدم بي العمر؛ ذلك أن القصة كانت وما زالت من مقروآتي الأثيرة، نسيت من تلك القصص جزئيا أو كليا ما نسيت؛ بيد أن بعض القصص بقيت راسخة في ذاكرتي، عالقة بأدق تفاصيلها؛ بل وبالسياق المحيط بقراءتها، ومن هذه القصص قصة الحذاء الجديد.

قصة الحذاء الجديد قصة ذائعة للقاص المغربي محمد إبراهيم بوعلو، وهو رائد من رواد الكتابة القصصية بالمغرب، بعد مسار حافل بالعطاء الأكاديمي المثابر، والإبداع القصصي والمسرحي الملتزم، والفعل الثقافي المتوهج، والقصة واحدة من أقاصيص مجموعة السقف التي نشرت سنة 1970، وهي على غرار كثير من قصصه تفصح بوضوح عن اتجاهها الواقعي الاشتراكي، فهي تعنى بالقضايا الاجتماعية، وتنشغل بتصوير حياة الفئات المسحوقة في المجتمع، وما تعانيه من مظاهر البؤس والحرمان.

قرأت هذه القصة أول مرة وأنا تلميذ في التعليم الثانوي، فأعجبت بها أيما إعجاب، لما وجدته فيها من حبكة محكمة، وسرد جذاب، ولغة مبسوطة، ولعل أبرز ما استهواني في القصة مناخها الشعبي القريب جدا من المناخ الذي نشأت فيه. أذكر أنني تعاطفت حينئذ مع البطل عباس، وأشفقت عليه كل الإشفاق، وفي المقابل نقمت على صاحب الدكان القاسي الذي صادر حذاءه الجديد، وأجهض فرحته به، حين أودعه في خزانة حديدية، وأصر على ألا يعيده إليه إلا بعد أن يسدد الدين الذي عليه.

مرت السنون ويتجدد اللقاء بقصة الحذاء الجديد، لكن هذه المرة في مقام الإقراء؛ إذ سأقوم بتدريسها لتلاميذ السنة الأولى من الطور الإعدادي؛ فقد شاءت الوزارة الوصية على قطاع التربية والتعليم أن تنتقل من الكتاب المدرسي الأوحد إلى الكتب المتعددة، وكان من نصيبنا كتاب المفيد في اللغة العربية، وكان من الصدف الجميلة أن يضم هذا الكتاب بين نصوصه قصة الحذاء الجديد، ضمن صنف ما اصطلح عليه بالنصوص المسترسلة التي تستهدف تعويد التلاميذ على قراءة نصوص طويلة نسبيا، إعدادا لهم لقراءة مؤلفات متكاملة، وذلك لإكساب الناشئة عادة القراءة.

كان تدريس قصة الحذاء الجديد ماتعا بالنسبة لي؛ لأنها كانت سهلة المأخذ، قريبة التناول، هذا إلى جانب أنني كنت ملما بجزئياتها إلى درجة أنني كنت أحفظ منها كثيرا من العبارات حتى لا أقول الفقرات”.

واقعية اشتراكية..

كتب عنه “بنعبد العالي”: “محمد ابراهيم بوعلو، الذي غادرنا يوم السبت 24 فبراير 2024 ؛ كان معلما بالمعنى النبيل والشامل للكلمة. قصاص ملتزم دون ادعاء، من خلال واقعية اشتراكية، بنكهة مغربية. عبر في مجمل منجزه السردي عن تطلعات ونبض الجماهير الشعبية، مع ميل إلى سخرية وفكاهة مقتصدة .أيعتبر من أوائل كتاب القصة القصيرة جدا، مطوعا قالبها الفني لمضمون يريده إبلاغه..

بيته كان عبارة عن ورشة أدبية، بها مستلزمات الكتابة للصغار والكبار .. وفيها يهيئ للطبع إعداد مجلة ”أقلام ” الرائدة، إلى جانب رفيقيه في شعبة الفلسفة بكلية الآداب: أحمد السطاتي ومحمد عابد الجابري. انشغل بآداب الأطفال وأصدر مجلة على نفقته؛ هو محررها ومخرجها ورسام صورها وحاملها إلى المطبعة وموزعها. بعد تقاعده، ابتعد تماما، عن ضوضاء الحياة، فقد كان انتقائيا في اختيار أصدقائه.

إنسان بشوش، شديد التواضع، قانع بما كتبه، لوجه القارئ؛ غير مخالط للشلل الثقافية. ظل على مبدأ لا يلين لحزب الاتحاد الاشتراكي، مقتديا في سلوكه بالمناضلين الأوفياء. لو نشأ الراحل في بيئة أدبية خصبة، سليمة؛ وفي مجتمع خال من البطش والتضييق؛ لكان قطعا، أديبا مختلفا؛ فقد سكنه “جنون” الإبداع، دون أن يتمكن دائما من قول كل ما كان يعتمل بصدق في وجدانه وصدره”.

الواقعية المغربية..

في مقالة بعنوان (محمد إبراهيم بوعلو رائد جمالية القصة الواقعية المغربية) كتب: “رحيل المبدعين الكبار ينبهنا لمدى البياضات التي تبقى بعد فقدانهم وغيابهم، لم يعد بيننا محمد إبراهيم بوعلو أحد رواد القصة القصيرة المغربية الحديثة، وهو مبدع زهد في  الأضواء، اختار منذ زمن عزلته الاختيارية وتفرغ لإبداعاته وعطاءاته، أخلص لفن السرد القصصي، وكتب المسرح والرواية  والسيناريو وأولى عناية كبرى للكتابة للأطفال وخصص لهم مجلة «أزهار» وكان كاتبها ومصممها ومخرجها،  وقضى أكثر زهاء ستة عقود، بين عمله الأساسي كأستاذ فلسفة وككاتب قاص لجنس القصة القصيرة، وأحد أقطاب مجلتين وازنتين في المشهد الثقافي المغربي هما مجلة أقلام  ومجلة  فكر ونقد، فضلا عن كونه مدرسا للفلسفة  بجامعة محمد الخامس تتلمذت على يديه أجيال من الطلبة المبرزين أمسى لهم شأن يذكر في المحافل الأدبية والفكرية . بدأ محافظا بمكتبة كلية الآداب بالرباط  قبل أن يتدرج في السلك الجامعي،  ويصبح أستاذا جامعيا مرموقا إلى أن تقاعد في أواخر التسعينيات .

لم يكن يركن كباقي الأساتذة إلى كرسي ثم يلقي درسه، كان يقدم درسه مشيا بين صفوف الطلبة بطريقة بيداغوجية ممتعة وجذابة، مما جعل درسه مطلب ومحج الطلبة المتتبعين والمتعطشين لصبيب الإدراك والمعرفة” .

ويضيف: “كان الراحل محمد إبراهيم بوعلو متعدد الشواغل والاهتمامات، وضمن كوكبة  جيل من المثقفين العضوين والأدباء المنشدين لإبدالات الحداثة والتغيير، مستنير الرأي منفتحا على آفاق رحبة، متشبعا بثقافة موسوعية أغنتها مرجعياته  الفلسفية العميقة وتجربته الثرة والغنية في شتى الحقول الإبداعية والجمالية.  وقد أطلق مجلة “أقلام” الثقافية بمعية أحمد السطاتي، وكانت حاضنة لحساسية جديدة، عبر من خلالها دارسون وأدباء  وشعراء مغاربة وعرب عن شواغلهم الإبداعية والبحثية في، مما جعل المجلة قبلة حملة الأقلام من مختلف المشارب والتوجهات، وما فتئ أن توقفت عن الصدور من جراء مصادرات تعرضت لها عدة مجلات ومبادرات غضون سنوات وصفت بسنوات الرصاص . سرعان ما أردفت بمجلة “فكر ونقد” التي أسسها محمد إبراهيم بوعلو إلى جانب المفكر محمد عابد الجابري، فملأت فراغا وعززت الإعلام الثقافي وغنته بإضافات جديدة كانت الصحافة الثقافية في أمس الحاجة إليها ، في حين  غيب غليان المرحلة العديد من المنابر الثقافية  والأدبية.

وقد كان محمد إبرهيم بوعلو من الفعاليات القوية التي خدمت وناضلت وأرست تقاليد ثقافية وممارسات على قدر كبير من النجاعة والأهمية، بل انتبه كاتبنا إلى  ضرورة الكتابة للأطفال والفتيان وخصص لهم مجلة ” أزهار” التي كان يشرف على فقرتها بنفسه، ومع الدكتور العمري أسس مجلة خاصة بالصحة: المجلة الصحية، في حين كانت معظم المجلات من هذا الصنف باللغة الفرنسية ومع عبد الجبار السحيمي والعربي المساري ومحمد برادة، أرسى مجلة “القصة والمسرح””.

وفاته..

توفي ” محمد ابراهيم بوعلو” يوم السبت 24 فبراير 2024 بمدينته سلا.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب