خاص: إعداد- سماح عادل
“محمد إبراهيم أبو سنة” شاعر وناقد وإذاعي مصري..
التعريف به..
ولد الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة عام 1937 في قرية «الودى» التابعة لمركز الصف بالجيزة، وتخرج فى كلية الدراسات العربية عام 1964، وعُين محررًا في الهيئة العامة للاستعلامات، ثم مشرفا على البرامج الإذاعية والنقدية بإذاعة القاهرة، وتدرج في وظائفه إلى أن صار مديرا لإذاعة البرنامج الثقافي، قبل الإحالة إلى المعاش. عضو اتحاد كتاب مصر وعضو المجلس الأعلى للثقافة. يتميز بهدوء اللغة وسلاستها، وبروح ذاتية تتماشى مع قضية العشق التي فرد لها معظم قصائده، ومن أبرز سمات شعر أبو سنة القدرة الهائلة على الفرح وعلى الحب حتى في أقصى لحظات الغضب والتمرد التي تفور بها الكثير من قصائده.
مؤلفاته..
دواوين شعرية:
- قلبي وغازلة الثوب الأزرق.
- البحر موعدنا.
- الصراخ في الآبار القديمة.
- رماد الأسنة الخضراء.
- مرايا النهار البعيد.
- رقصات نيلية.
- ورد الفصول الأخيرة.
- تأملات في المدن الحجرية.
- موسيقى الأحلام.
- حديقة الشتاء.
- أجراس المساء.
مسرحيات:
- حصار القلعة.
- حمزة العرب.
مؤلفات أخرى:
- تأملات نقدية في الحديقة الشعرية: دراسات أدبية، الهيئة المصرية للكتاب، 1989م، 189ص، حجم كبير.
- دراسات في الشعر العربي، سلسلة أقرأ، 452، أغسطس 1982م، 131ص، حجم صغير.
- تجارب نقدية وقضايا أدبية، سلسلة أقرأ، العدد 519- 1985م، 181ص، حجم صغير.
رأس إذاعة البرنامج الثقافي، ومن البرامج التي قدمها:
ألوان من الشعر: وفيه يقدم مختارات متميزة من الشعر.
حديقة الأوراق: وفيه يدرس النصوص الأدبية ويحللها تحليلاً فنياً.
الجوائز والتكريمات..
- منحتين للتفرغ الأدبي عامي 1968 و1967.
- الزمالة الشرفية من جامعة أيوا الأمريكية، 1980.
- جائزة الدولة التشجيعية في الشعر، مصر، عن ديوانه «البحر موعدنا».
- جائزة كفافيس، 1990، عن ديوانه «رماد الأسنة الخضراء».
- جائزة أحسن ديوان مصري سنة 1993.
- جائزة أندلسية للثقافة والعلوم، عن ديوانه «رقصات نيلية»، 1997.
- جائزة محمد حسن فقي عن ديوانه «ورد الفصول الأخيرة».
- جائزة الدولة للتفوق في الإبداع الأدبي في 23 أكتوبر 2001 .
- جائزة جامعة شتيرن بألمانيا عن كتاب «العرب والأدب المهاجر»، 2008.
- جائزة الدولة المصرية في مجال الآداب لعام 2024.
الشعر..
في حوار معه أجراه “عرفة محمد أحمد” يقول “محمد إبراهيم أبو سنة” يقول عن تجربة الغربة لديه: “بدأت غربتي منذ تركت قريتي «الودى» في مركز «الصف» بمحافظة الجيزة عام 1947، وأنا في العاشرة من عمري، لك أن تتصور طفلًا في هذه السن يغترب عن أهله، ومنذ هذا التاريخ بدأت غربتي مكانيا وزمانيا، لالتحق بمدرسة شويكار قادم الأولية لحفظ القرآن الكريم بجوار سيدنا الحسين، وبعد حفظ القرآن الكريم التحقت بمعهد القاهرة الديني الابتدائي ثم الثانوي، وتخرجت في كلية اللغة العربية عام 1964، لم تكن تجربة السعودية فيما بعد اغترابًا، ولكن قضيت فيها وقتا سيئًا عندما اُنتدبت زوجتي للعمل هناك، وكتبت عن هذه التجربة في ديواني «رقصات نيلية».
وعن الشعر يقول: “أول ما صافح أذني من الشعر هو بيتان للمدرس الأوليّ، كان يُدرس لي في مدرسة «الودى»، وهو الشيخ عبد الرازق أبو سنة، وقد هجاني لأنني كنت طفلًا مشاغبًا؛ ولأن الشعر لغةٌ خاصةٌ تتمتع بالجاذبية والسحرية والدهشة، فذاع هذان البيتان في المدرسة، فأصبحتُ معروفًا بأنني الإنسان الذي هجاه المدرس.
هذه بداية طريفة لا تمثل شيئا في تكويني الثقافي، فقد نشأت في بيئة ليست فيها إلا الثقافة الدينية التي تؤسس للوجدان الريفي، وعندما جئت إلى القاهرة حفظت القرآن، وكان هذا امتدادا أيضا لوجودي الريفي، وفى المعهد الابتدائي الديني الأزهري التقيت بمساحة هائلة من الأشعار، هذه القصائد التي تمتد من العصر الجاهلي حتى الآن، وتوقفت كشاب مشغول بالولع بالجمال، وبالمرأة على وجه التحديد، وبالحب كتجربة، توقفت عند الشعر العذري لـ”جميل بن معمر”، مجنون ليلى قيس بن الملوح، كثير بن عبد الرحمن (كثير عزة)، كان هؤلاء يكتبون في الإطار التقليدي، ولكن هناك شاعر تميز عنهم بالجرأة والعصرية، هو عمر بن أبى ربيعة الذي ترى عنده صورةً للواقع الذي عاش فيه، وصورةً للغة الجديدة التي ابتكرها في قصائده ودواوينه، ففتنت به.
وعمر بن أبى ربيعة أول من استفزني للالتفات إلى المرأة في جمالها وفتنتها وقدرتها على الحوار العاطفي مع الرجل، هذه البدايات في المرحلة الابتدائية في معهد القاهرة الديني، كنت قد حفظت القرآن وكان هناك قدرة على التعامل مع أمهات الكتب، وعندما انتقلت إلى المرحلة الثانوية اتسعت قراءاتي في الشعر القديم والحديث، وفى نهاية الخمسينيات تعرفت إلى مجموعةٍ من شعراء المدرسة الحديثة التي كانت في قمة «الاشتباك» مع المدرسة القديمة وكان هناك صراع محتدم بين المدرسة الحديثة التي تفتحت في العراق ومصر والشام منذ منتصف الأربعينيات، ثم اشتبكت هذه التيارات في بلورة نموذج لما يسمى بـالشعر الحديث الذي اتهمه القدماء بأنه شعر نثرى”.
القصيدة السياسية..
وعن القصيدة الشعرية السياسية يقول: “أنا لا أصف قصائدي التي تحاورت مع التجارب الكبرى منذ بداية الستينيات وحتى الآن بـ”القصائد السياسية”، ولكنها قصائد توقفت أمام فكرة الحرب والسلام والتحولات الاجتماعية الكبرى والوجود الاجتماعي، ولكن أصف قصائدي في هذا المجال بـ”القصائد الوطنية القومية الإنسانية”؛ لأن السياسية مجال واضح، نحن لا نكتب شعرا سياسيا إلا ما كان يعرف في بداية القرن بشعر المناسبات، ونحن في مدرسة الشعر الحديث لا نتناول شعر المناسبات.
هناك تفجرات في تجربتي الشعرية مثل ديواني «تأملات في المدن الحجرية»، هذه التفجرّات تلامس الواقع والأحداث سواء كانت حربا أو سلاما، وتلامس ملامح لشخصيات كانت تعيش في هذه المرحلة مثل الزعيم جمال عبد الناصر، ولى قصيدة عن «السد العالي» هي ليست بالطبع قصيدة سياسية، ولكن قصيدة امتزج فيها البعد التاريخي والواقعي والإنساني والوطني والقومي، وعلى الرغم من أنها قصيدة قصيرة، إلا أنها تجمع كل هذه الخيوط لتقدم رؤيةً للإرادة المصرية التي كانت وراء بناء هذا المشروع العملاق.
أيضا هناك قصيدة «أغنية لعبد الناصر» في ديواني «حديقة الشتاء»، وكذلك قصيدة بعد وفاته، لكن ملامح جمال عبد الناصر تشيع في عدد من القصائد في تلك المرحلة، وأنا من أشد المعجبين بـ”عبد الناصر”؛ فقد نشأت وتشكلت وتكونت ثقافتي ووجداني وخيالي في هذا الإطار، إطار الرؤية القومية الوحدوية الإنسانية التي كافح هذا الزعيم لتأسيسها، ثم دمرها أعداء الوطن الذين فاجئونا بـ”حرب 67”.
الحب..
وعن «تجربة الحب» في حياته يقول: “التفجر العاطفي بالطبع كان في مرحلتيّ «المراهقة» و”الشباب”، وكتبت في ديواني الأول «قلبي وغازلة الثوب الأزرق» نماذج لهذا التأثر، بل إن بداية تجربتي الشعرية في هذا الديوان قصيدة عاطفية بعنوان: «لا تسألي»، أنا فُتنت بالمرأة الريفية في بداية حياتي، وكانت هذه المرأة تلهمني من خلال صورة لها علاقة بالخيال أكثر مما لها علاقة بالواقع، كنت أتصور أن المرأة كائن في قمة السمو الروحي والإنساني والعاطفي والجمالي، وكانت وفاة والدتي وأنا في سن السابعة وراء الاهتمام بالمرأة، منذ ذلك أرى المرأة عالما بأكمله من الحنو والجمال والرغبة في الاقتراب منها، ولهذا كانت تجربتي العاطفية متأثرةً بهذا الوجع الذي أصابني في فترة الطفولة، وكان اتجاهي دائما نحو نوع خاص من المرأة، ليست الجميلة فقط، ولكن التي تتصف بالحنان والقدرة على الاحتواء والسمو، ولم أكن أتوقف عن محاولة الاقتراب من المرأة في كل مراحل حياتي اقترابا أسميه: «الفشل العاطفي الدائم»، نعم عانيت من هذا؛ لأنني لم أكن مسلحا بهذه البراعة التي يتمتع بها غيري من الشباب، كنت دائما أنتظر من المرأة أشياء أخرى، ربما لا تدهشني المرأة التي لا تعرف عن الشعر شيئا، المرأة لا علاقة لها جدا بخيال الشاعر، هي فقط تتجسد في خياله بقصيدة، ولكن عندما تتعامل معه في الواقع تطلب منه أشياء أخرى غير الشعر.
وعلى الرغم من ذلك، أنا من أكثر الشعراء تعبيرا عن المرأة، ولها في حياتي مساحة هائلة، ولكن على المستوى الواقعي عانيت من «الفشل العاطفي الدائم» والحاجة الشديدة للمرأة بسبب نشأتي بالقرية وثقافتي الدينية الأولى، كانت المرأة في بيئتي الأولى كائنا محرما، وأظن أن ثقافتنا الريفية خيمت على وجودنا كله تجاه المرأة باعتبارها كائنا يتخذ نوعا من القداسة، ولكن المرأة في واقع الأمر أكبر من القداسة.
وفاته..
توفي “محمد إبراهيم أبو سنة” يوم 11 نوفمبر 2024، عن عمر 87 عاما.
قصيدة “رسائل إلى حبيبة غائبة”
ل “محمد إبراهيم أبوسنة”
بالأمس يا حبيبتي خرجتُ للطريق
لأقرأ الهموم في العيون
همومَهم، أولئك الذين يعبرون
في شارع المدينة الحزين
لعل هم وحدتى يهون.
إشارة حمراء قف
إشارة خضراء من هنا انصرف
وفجأة توقف الترام
وطوق الزحام جثة لطفلة تنام في الدماء
ما زالت الحياة في الأعضاء
ووجهها حمامة تموت في الشفق
نوارة من الحقول تحترق
وشقت الزحام صيحة: صغيرتي
وكانت العجوز ترتجف
وتمتم الجميع بالأسف
تكسرت دوائر الزحام
وتابع الجميع سيرهم
ما أعجز الكلام
سوى إشارة حمراء قف
إشارة خضراء من هنا انصرف
والموت موغل ولا يكف
الموت يا حبيبتي لا يعرف الإشارة الحمراء
يلوح ثم يختفي
الموت والحياة يا حبيبتي
زجاجة تضاء
ثم تنطفئ.