6 مارس، 2024 3:01 ص
Search
Close this search box.

محسن فرحان.. ساهم في تطوير الأغنية العراقية في السبعينات

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“محسن فرحان” ملحن عراقي اشتهر بألحانه منذ السبعينيات من القرن العشرين.

حياته..

من مواليد مدينة الكوت عام 1947. ثم استقر في محافظة كربلاء، بينما شهدت العاصمة العراقية بغداد بروزه وتألقه في مجال التلحين، بعد أن قدّم الكثير من الأعمال المميزة التي تحمل بصمة خاصة لكبار المطربين العراقيين، أمثال حسين نعمة، والراحل فؤاد سالم، وسعدون جابر، وقحطان العطار، وأمل خضير، وغيرهم.

وعرف عن ألحانه تميزها بالشجن والروح العراقية، فضلاً عن الحزن الذي يتناغم مع الشخصية العراقية، مما جعل ألحانه تخلد في الذاكرة، وتعدّ بصمة خالدة في تاريخ الأغنية العراقية. من أشهر ألحانه «غريبة الروح»، «يقولون غني بفرح»، «ما بي أعوفن هلي» وغيرها من الألحان. أسس مع فنانين عراقيين آخرين جمعية الملحنين والمؤلفين العراقيين.

البقاء في العراق..

في حوار معه على موقع الناقد العراقي يقول “محسن فرحان” عن ابتعاده عن الساحة: “أنا غير مبتعد عن الساحة الفنية بل ان الظرف الاستثنائي الذي يمر به البلد جعل كل المبدعين لايقدمون أعمالا فنية جديدة ولأسباب عديدة منها عدم وجود جهة إنتاجية تتبنى مايقدم من أعمال غنائية، وبالمناسبة إن الملحن العراقي الوحيد من الجيل الذي انتمي إليه بقى متواصلا مع الفن العراقي وفضلت البقاء في العراق ولم أغادره.

كل ملحن غادر أرض الوطن لم يستطع أن يقدم فنا متميزا، أما النتف التي قدمت فلا يصح أن نطلق عليها فنا بل هو تواصل مع الجمهور فقط. أما الحركة الغنائية التي يخوضها المطربون فهذه أشياء مختلفة عن الملحنين”.

الأغنية الآن..

وعن الأغنية في الوقت الحالي يقول: “ذائقة الناس اختلفت كما هي ظروف الحياة، ولاسيما بعد دخول البلد في متاهات من التضاريس القاتلة التي بدورها وقفت حائلا أمام إبداع الفنان. والفن العراقي يختلف عن كل الوطن العربي وهنا لا أقصد الجوهر بل الحركة الغنائية، ولم أجد بلدا مثل العراق غادره هذا الكم من المبدعين وأنا لا ألومهم لأن الظروف أجبرتهم .

لا استطيع أن أحكم على أغنية صنعت خارج الوطن، بل أستطيع أن أبدى رأيي بما نفذت داخل الوطن، لكن يجب أن لا ننكر ظهور ألحان رائعة بين الحين والآخر ناهيك عن بروز أصوات متألقة تحاول الاستمرار بالحياة، من خلال تقديمهم الأعمال الغنائية مثل “محمد عبد الجبار وماجد المهندس”، وقبلهما الفنان الكبير “كاظم الساهر” الذي يعد من المبدعين في مجال الأغنية العربية، وكلي فخر واعتزاز بما قدمه، ليس لأنه صديقي بل لأنه فنان عراقي تحمل مسؤولية كبيرة في تقديم فن متميز لكل العرب وعلى أقل تقدير اعتبره مفخرة لكل الفنانين العراقيين، وعندما ينجح فنان عراقي داخل وخارج القطر فهذا نجاح للموسيقى وللعراقيين”.

ويجيب عن سؤال “لو عينت مسؤولا عن الحركة الفنية ما أول الخطوات التي ستتخذها؟: “القتال من جهة واحدة لا يصنع لك النصر لأنك محاط بجهات كثيرة، وأقصد بها المحطات الفضائية والإذاعية فليس هناك مسؤول يمنع ماتبثه تلك الفضائيات وأريد أن أقول: أن أي مسؤول في الوقت الحاضر لايستطيع أن يعمل ما نتصوره أو نطمح إليه من أجل إظهار أغانٍ راقية وراكزة”.

أصوات غنائية..

وعن ظهور أصوات غنائية مقاربة للجيل الماضي مثل “حسين نعمة، فاضل عواد، ياس خضر،  وآخرين يقول: “لايمكن أن توجد أصوات مقتربة من مديات هذه الأصوات لأن كل زمن يفرز أصواتا جديدة ومختلفة، فجيل الخمسينيات يختلف عن جيل الستينيات والسبعينيات يختلف عن الأجيال الأخرى، لكن من الممكن أن تحقق تلك الأصوات الشهرة المرجوة.

وعن جديده يضيف: “نفذت أغنيتين من ألحاني سجلهما الفنان ياس خضر هما(شفتوني أحبكم) كلمات عدنان هادي وأغنية (سود الليالي) للشاعرين رحيم الدجيلي ومكي الربيعي، لحساب شركة حكمت الجبوري للإنتاج الفني، والآن أعمل على إقامة مهرجان يحمل عنوان المحبة، وسيكون في دولة الكويت بدعم من (شركة النضائل وشيار) فيه مطربون وشعراء شباب”.

وعن أمنياته يقول: “أمنيتي أن يعم السلام وتبقى البسمة على شفاه العراقيين، كما أتمنى أن تعود الحركة الفنية لسابق عهدها في التألق خصوصا أن الساحة تعج وتضج بالشعراء والملحنين والمطربين المبدعين وتتجدد لقاءاتهم الحميمة، من أجل تقديم فن عراقي نظيف لا يكون بالضرورة كغناء السبعينيات، لأنني لا أعزف على هذه النغمة لقناعتي التامة أن لكل زمان فرسانه ومبدعيه”.

قامة كبيرة..

وفي مقال بعنوان “الملحّن محسن فرحان قامة كبيرة” كتب: “سعدون شفيق سعيد”: “كان قادماً  من كربلاء المقدسة. وكان طموحه أن يصبح عازفاً للعود من الطراز الأول لكونه  كان وقتها معجباً بالموسيقار فريد الأطرش. وعندها تعلّم العزف على آله العود دون أن يعلّمه أحد، وبعدها أصبح رئيساً للفرقة الموسيقية. ثم مشرفاً للنشاط المدرسي، وتلك كانت مرحلة حياته في كربلاء..

أما في بغداد، فقد التحق بمعهد الفنون الجميلة. وليصبح لاحقاً من الملحّنين العراقيين بعد أن كان متأثراً بالمطرب الراحل داخل حسن وكذلك حضيري أبو عزيز وناصر حكيم. ذاك هو الملحن الرائد الكبير (محسن فرحان) والذي لم يكن يدور في خلده أن يصبح منشداً أو ملحناً، بل كان محل طموحه أن يصبح عازفاً للعود فقط.. لكن الأيام تمر ومع مرورها نجده ملحناً، ونجده في ألحانه مع الكثير من المطربين والمطربات.

ومنهم على سبيل المثال: المطرب حسين نعمة في أغنيتيه المشهورتين (لابيه اعوفن هلي ولا بيه اعوف اهواي) و (كوم انثر الهيل) وهو الذي اطلق الثنائي قحطان العطار مع سعدون جابر، وكانت أول اغنية لسعدون جابر (عيني عيني) و (لا تعاشر البذات والماله تالي) و (لا تصدك اليحجون) ولكن الجدير بالذكر، أنه ذكر بأن ألحانه لا تصلح لكل الأصوات ولو كانت تصلح لكان قد لحّن لهذا الجيل الذي يغني أشياءً ليس لها علاقة بالغناء!!”.

غريب الروح..

وفي مقالة ثانية بعنوان “محسن فرحان: عاش مخلصاً للوجدان فظل «غريب الروح»” كتب “علي عبد الأمير”: “إذا كان يمكن القول إن هناك ملحناً أكرم وأغنى وأعذب وأصدق من مؤدّي ألحانه، وكان مخلصاً لوجدان الإنسان في وقت عجيب عاشته بلاده، وأنتج أغنيات بمرتبة الهواجس التي ستلاحق مواطنيه حتى عقود تالية، فإن الصائغ الماهر لجواهر نغمية عراقية، الملحّن محسن فرحان، لن يكون إلاّ من تنطبق عليه تلك المواصفات، لجهة الألمعية النغمية التي توافر عليها بالتزامن مع سيرة شخصية احتملت الألم والصبر والمجالدة لاحقاً، كي لا تخسر ذاتها حتى وإن كانت”غريبة” ودفعت عن تلك الغربة أثماناً قاسية.

و”غربة” محسن فرحان، تكاد تعني حياته بمجملها، فهي بدأت منذ أيام وعيه الأولى، فهو المغرم بالنغم والموسيقى في مدينة متزمتة حيال هذا التعبير الإنساني، فعرف ميوله إلى فنون النغم الرفيع في كربلاء (ولد في الكوت 1947 وانتقل مع عائلته الى مدينة الإمام الحسين)، القاسية المؤسسة على الحزن الديني، كياناً ومعنىً وتجارةً وسياسة إن شئت، مثلما انتهى اليوم، ليس إلى مدينته المتزمتة فحسب، بل البلاد كلها، حين تبدو مكفهرة مستغرقة في ظلام روحي مديد، عماده “التدين” المستغرق في ملاحقة المشاعر النظيفة التي اسمها الموسيقى، مثلما هو مستغرق تماماً في تبرير السرقات والاغتصاب والتنكيل والقتل أيضاً”.

وعن التلحين يضيف: “مشواره في مقاربة الألحان كان قد بدأ في النشاط المدرسي، ومن خلاله وضع العشرات من الأعمال والأوبريتات الغنائية، وهو ما طوّر موهبته التلحينية حد نضج الأدوات الفنية، ليكون العام 1973 بشارة تقديمه ملحناً بارعاً، عبر أغنية “غريبة الروح” التي جاءت جديدة في شكلها الموسيقي، وإن بدت متوافقة مع سيرة من الشجن الغنائي العراقي، زاده دفقاً إنسانياً صوت المطرب حسين نعمة، وعبرها امتلك مساحة خاصة في ناصية القلوب والوجدان. ومساره الواعد الذي بدأ مع صوت الشجن الفراتي الأنيق ممثلاً بصوت حسين نعمة، واصله مع المطرب ذاته عبر لحن “ما بيه أعوفن هلي” الذي غرف من الموروث النغمي، و”كوم إنثر الهيل” التي كانت واحدة من ملامح مرحلة ثقافية واجتماعية وفكرية نادرة في التاريخ العراقي المعاصر، فهي أغنية تفاؤل أخرى واكبت التفاؤل الذي باتت تسجّله البلاد في مسيرتها، عبر عقد السبعينيات.

وإذا كان لحناه للمطرب سعدون جابر”عيني عيني”،”لتصدك اليحجون”، كانا يتراوحان بين تقليدية نغمية ووجدانية، فإن لحنه البارع ممثلاً بأغنية”البارحة”، للمطرب ذاته، شكل علامة فارقة في غناء”جابر”، وكانت الأغنية ضمن شريط أكاد أجزم أنه الأنضج فنياً وأدائياً للمطرب، وحمل أيضاً لحن اللامع كوكب حمزة:”هوى الناس”، وجاء الشريط بشجنه وتلويحته الحزينة متناسباً تماماً مع فترة صدوره (نهاية السبعينيات تقريباً) ليكون بذلك إشارة لعقد فريد، لا في حياة البلاد فحسب، بل في الأغنية العراقية المعاصرة أيضاً”.

الغناء العاطفي العراقي..

ويواصل: “كانت هناك مساحة خاصة في الغناء العاطفي العراقي الرقيق، بدأت بقوة وأناقة مع ناظم الغزالي وتواصلت عبر فؤاد سالم، وهي تكتمل بوجود المطرب قحطان العطار، على الرغم من الفترة الحقيقية التي شهدت احتراف الفنان الأخير للغناء لا تتجاوز عقداً من السنوات، وألحان محسن فرحان، جعلت الأثر الذي تركه العطار في مسيرة الغناء العراقي المعاصر، أثراً ليس من السهولة تجاوزه أو نسيانه، فلو أخذنا ألحان”لو غيمت دنياي”،”شكول عليك”،”زمان”و”يكولون غني بفرح”، لعرفنا المدى التعبيري والوجداني الذي وصلت إليه لا طريقة أداء العطار الأنيقة والمحسوبة، ولا مستوى النضج التعبيري في ألحان فرحان فحسب، بل مسيرة الأغنية العراقية المعاصرة، وفي سبعينيات القرن الماضي على وجه التحديد.

استمرار الغربة..

وعن استمرار الغربة يقول: “وغربة صاحب “غريبة الروح” تواصلت، حين بدا شبه متوارٍ عن الأنظار كي ينجو من ماكينة الغناء التعبوي والتحريضي خلال الحرب مع إيران، حين فضّل خيار الخدمة في القوات المسلحة كجندي احتياط، وخطر الموت في أكثر من جبهة قتال ساخنة، على الاندراج في مهمة الدعاية والتعبئة الحربية عبر الغناء والموسيقى، على الرغم مما كانت ستوفّره عليه من”امتيازات” السلامة والعائد المادي والاعتباري لدى السلطة وأجهزتها الثقافية والسياسية.

مثلما تواصلت تلك الغربة في العقد التالي، الذي شهد تراجعاً ملحوظاً في مستويات الأغنية الفنية، فضلاً عن انحدار في الذائقة أشاعته مؤسسة “إذاعة وتلفزيون الشباب”، لكنه حاول إنهاءها في عدد من الأعمال، منها لحنه لقصيدة “هل تسمين الذي كان غراماً”، للراحل بدر شاكر السياب، وغناها سعدون جابر ضمن مشروعه الخاص بمسلسل”السياب”، بينما كان قد وصل مرحلة صعبة ما بعد العام 2003، حيث الصخب والفوضى في كل جوانب الحياة في بلاده، فضلاً عن صعود قيم التشدد والظلام حيال التعبير الجمالي في الفنون، ومن بينها الموسيقى، وسيادة نسق التردي في الإنتاج الغنائي والذائقة أيضاً، حتى مع محاولات يائسة أبداها الملحن الكبير لاستعادة مرحلة التعبير الناضج في الأغنية العراقية، عبر عمله مستشاراً فنياً لـ”اتحاد الموسيقيين العراقيين”، وبرامج تلفزيونية تعنى بالغناء ومسابقاته مثل”عراق ستار”، و”على خطى النجوم” وبرنامج “الأغاني” المهم الذي قدّم قراءة فنية- تأريخية للغناء العراقي على امتداد القرن الماضي”.

وفاته..

توفي “محسن فرحان” يوم الإثنين 18 يوليو 2022 عن عمر الـ 75 عاماً في مستشفى الكندي العام في العاصمة العراقية بغداد.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب