13 أبريل، 2024 7:11 ص
Search
Close this search box.

مجموعة عزيزي المندس.. عن الشهداء كي ينسوا عذاب الجراح الغائرة

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: قراءة- سماح عادل

مجموعة “عزيزي المندس” للكاتب “خضير فليح الزيدي” الصادرة عن دار سطور 2020، تتناول انتفاضة تشرين 2019، حيث يبدع الكاتب في طريقة سرد مغايرة، ممتلئة بالسخرية، ومحملة بالحزن، ومشبعة بالموت، ذلك الموت الذي اكتسب صورا جديدة، وأشكالا تخص انتفاضة تشرين.

 

أسى الشهداء..

تبدأ المجموعة بنص غاية في العذوبة عن الشهداء، شهداء ثورة تشرين العظيمة:

ما الشهداء؟

إلا ملائكة صغار العمر.

توابيتهم من خشب قديم.

قصيرة لكنها مصممة على مقاسهم.

بعشرة أشبار كما يذكر نجارها.

يعذبهم الرقاد في التوابيت. فتلسعهم مساميرها الحادة

كالسكاكين.

يعذبهم أكثر ذلك الطواف بهم قرب بيوتهم..

مثلما يطوفون بهم قرب نوافذ، تطلّ منها العاشقات

الصغيرات.

يعذبهم أكثر فأكثر حزن آبائهم

واللحى البيضاء تسقيها الدموع.

في مساء المقبرة ووحشتها

يعذبهم صمت الليل..

يشتهون أن تهزهم أمهاتهم بهدوء.

كي يخلدوا للنوم فقط.

كي تُطرد الوحشة عنهم.

كي ينسوا عذاب الجراح الغائرة.

وعلى نغم حزين يردِّدن الدللوش

تجف جراحهم الغائرة شيئا فشيئا..

لكن الأسى باقٍ إلى أمد بعيد.

نص يفطر القلوب، عن الشهداء الذين راحوا في الانتفاضة، منهم كثير من الأطفال، وشباب في عمر الزهور، لم يذوقوا طعم العشق، لكنهم ذاقوا طعم الحرية، وعذبتهم الجروح الغائرة.

تشرين العظيمة..

يحكي الكاتب بلغة مميزة، قوية مباشرة أحيانا، وخافتة يثقلها الحزن أحيانا أخرى، عن انتفاضة تشرين العظيمة، المميزة، التي انطلقت في العراق في 2019، ورغم معاناة العراق منذ سنوات طوال من التجريف السياسي، ومن أنظمة متوالية تتخذ الوحشية والقسوة لها عنوانا، ومن السرقة والنهب والفساد أساليبا، ومن إفقار جموع الشعب وإذلاله، وزجه بحروب متتابعة منهجا، إلا أن الانتفاضة اشتعلت، ومن قبلها كانت هناك حركات احتجاج كثيرة لكنها لم تتطور.

اشتعلت الانتفاضة وسط دهشة الجميع، قوامها جيل من الشباب الذي لم يحمل عقد الماضي، هذا يقول الكاتب في معرض سرده، لكنها لم تكن انتفاضة شباب فقط، فقد رصد الكاتب في مجموعته نماذج من الثوار والذين انتهوا معظمهم بالموت، الشباب الذي أصر على البقاء في ساحات التظاهر، والأمهات اللاتي كن يمنعن أبنائهن خوفا عليهم، لكنهن ذهبن للتظاهر والهتاف.

والأمهات اللاتي قررن أن يدعمن الثوار بإطعماهم وتوفير سبل الراحة لهم. سائق التكتك الفقير الذي لا يمتلك المال لكنه يصر على نقل الجرحى والمصابين إلى المستشفيات، ويدخل إلى مناطق الأغنياء الممنوعة على الفقراء مثله.الطبيبات الشابات اللاتي يسعفن الجرحى ويبقين طوال اليوم في ساحات التظاهر. تلاميذ وتلميذات المدارس، والذين كانوا أكثر قوة وصلابة مما يتوقع أحد.

امتلأت المجموعة بقصص حزينة عن موت الثوار، ورصد أساليب النظام الخبيثة في اصطيادهم، إما بالقنص، حيث يقف القناصون على أسطح العمارات ويطلقون عليهم الرصاص في رؤوسهم، وهم يرقصون فرحا بالثورة، وانتشاء بالحرية وهربا من رصاص القناصين.

كما كلف أعداء الانتفاضة حشد كبير من أتباعهم لكي يتتبعوا الثوار ويرصدوا تحركاتهم، ويصورهم بكاميراتهم أو بهواتفهم، وكأنهم يأخذون له سيلفي، ثم يضعون الخطط لانتظار الضحية في شارع خال من المارة، أو في مكان هادئ ويقتلونه بمسدسات كاتمة للصوت.

هذا إلى جانب قنابل الدخان التي استخدمها النظام، والتي بعضها محرم دوليا، وممنوع استخدامه على البشر، وبعضها يجرب على البشر لأول مرة، استهدف النظام إبادة الثوار إبادة منظمة بكل الطرق.

أحدهم اخترقت القنبلة صدره، لا هي دخلت ولا هي خرجت وظل الدخان ينبعث من جسده حتى بعد موته، وحتى العزاء، هذه سخرية أكبر من أن يتحملها بشر.

شباب يرقصون فرحا بالحرية، يسعون إلى استعادة وطنهم، فتأتيهم القنابل من كل مكان، ويخترقهم الرصاص، ويغدر بهم الجبناء الذين يظنون أنهم يرضون ربهم بهذا القتل الوحشي والغادر، لكنهم في الحقيقة يعرفون أنهم يكتسبون من عملهم الغادر وأنهم  جبناء وغدارين.

وقد صورت المجموعة أحدهم وهو يشعر بالندم، أو على الأدق الرعب من انتقام القدر، بعد أن رأى صورة أم أحد الذين قتلهم غدرا ووجدها تشبه أمه، خاف من حزنها ومن دعواتها عليه.

تفاصيل الانتفاضة..

المجموعة ممتلئة بتفاصيل الانتفاضة، بصور شخوصها وكأنهم يتحركون أمام القارئ، بأحاسيس كثيرة، وكأنها تسحب القارئ لتضعه في ساحات التظاهر، وتجعله يرى ما كان يجري فيها من مشاهد ثرية محزنة ومفرحة في آن، وهي قبل كل شيء كرست معظم سردها للشهداء والمصابين، هؤلاء الذين تساقطوا بالمئات، ولأمهاتهن الذين قتلهن الحزن، ولآبائهم الذين أفقدهم موت أبنائهم صوابهم، وقد نقلت جمل قالها أهالي الشهداء فور معرفتهم بموت أبنائهم، منهم من لم يصدق، وهناك أمهات كن يخاطبن أبنائهن بعد موتهن . جمل تثير الدمع في العيون، وتفطر القلوب.

كما تميزت المجموعة باستخدام العامية العراقية، في الحوار بين الشخصيات، وفي السرد نفسه، وفي الجمل المقتبسة من أحداث حقيقية، تلك العامية العذبة، والتي تنقل الروح العراقية وخصوصية المجتمع وصفات أبناءه، حيث لغتهم ممتلئة بالود والتراحم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب