عرض / حواس محمود
مجمعيات احمد حسن الزيات ، كتاب جديد للزيات ، مطوي مجهول من ضمن آثار الزيات الكثيرة المنسية التي راكمها الإهمال والتجاهل والنسيان ، والزيات قامة عريضة واديب ضليع ، لكن الحياة الثقافية أدارت له ظهرها عن عمد ، وجهل ، بحسب معد هذا الكتاب الأستاذ صلاح حسن رشيد .
الكتاب يتضمن بحوثا ودراسات ومحاضرات ومقالات عن وجه احمد حسن الزيات اللغوي المستوعب لفقه اللغة العربية قديماً وحديثاً، وعن ميراثه عضواً في مجمع الخالدين اللغوي بالقاهرة لمدة نحو عشرين عاماً منذ عام 1949 م وحتى وفاته عام 1968 م ، وعن مذهبه في التيسير والتجديد والتطوير ، لقد درس الزيات العربية وغيرها من اللغات الأجنبية دراسة اديب بليغ حاذق موهوب بالفعل والقوة معا لا دراسة اكاديمي يفتقر الحاسة الأدبية ، والذائقة الجمالية فالزيات لديه ترمومتر اللغة ،وسليقة اللغة ، وما قبل اللغة ، وما وراء اللغة
انها الموسوعية ، والعبقرية ، والفهم المتوغل في حنايا الفصحى وأحشائها ، فكانت دراساته ، ومحاضراته ، وبحوثه .. آية في التجديد والابتكار ، والتيسير ، والمزاوجة بين الفصحى والعامية ، أو بعبارة بليغة فصحنة العامية وتقريبها من لغة الضاد ، فالبون بينهما قريب والوشيجة غير بعيدة !
عاش الأديب الكبير العلامة احمد حسن الزيات ( 1886- 1968) عميداً للأساليب العربية في القرن العشرين ، فهو مدرسة عريقة في البلاغة الجديدة والتفنن الصياغي ، والأداء المحكم والتجديد في الألفاظ والمعاني ومصاولة فحول العربية وبلغائها أمثال : عبد الحميد الكاتب والجاحظ وابن العميد وابي حيان التوحيدي والنفري والحريري وبديع الزمان الهمذاني وغيرهم من اعلام الكتابة العربية في عصورها القشيبة حتى اصبح ركناً ركيناً من أعمدة الأدب الحديث .
يشير معد الكتاب صلاح رشيد انه يتبين من خلال البحوث القيمة للزيات أنه هو أول من عرب كلمة ” ارتيست ” الأجنبية الى كلمة ( الفنان ) فشاعت على الألسنة والاقلام وبين الناس من المحيط الى الخليج .
كما أنه أول من ترجم كلمتي ( الكلاسيكية ) و( الرومانسية ) الى كلمتي ( الاتباعية ) و( الابتداعية ) فتناقلها الأدباء والنقاد ثقة في الزيات وفي لغته وترجمته العالية !
وهناك كلمات قدمها الزيات واقرها المجمع ( مجلة المجمع ج9)
وافق المجلس على ما طلبه الزيات عبر القرارين التاليين:
تدرس كل من الكلمات الشائعة على السنة الناس ، على أن يراعى في هذه الدراسة أن تكون الكلمة مستساغة ، ولم يعرف لها مرادف عربي سابق صالح للاستعمال ( جلسة المجلس في 24/4/1950)
وافق المجلس على قبول السماع من المحدثين بشرط ان تدرس وتطبيقاً للقرار الأخير تقدم حضرة الأستاذ احمد حسن الزيات الى المجلس في 2 مايو 1951بطائفة من الالفاظ المسموعة من المحدثين على خلاف ما سمع عن العرب والبعض الآخر في الجلسة الختامية للدورة الثامنة عشرة ، بعد ان درستها لجنة الأصول ، وعرضت هذه الالفاظ على مؤتمر المجمع في دورته التاسعة عشرة فأقر منها ما يلي :
ساهم ، المظاهرة – تجمهر – الكتلة – الجلطة وتجلط الدم – الدخان – الحشيش والحشاش – القنبلة – الفشل – الجيل – القاع – السمك والسميك – القهوة – الغيرية – الشقي – التأميم – التدويل – التصنيع – التركيز – اعدام المجرم – الشهية – التقاليد – اثاث البيت – الثقافة – المقاولة – الإخراج والمخرج – الحماس – المران – الرصيف – الجرد – التصفية .
وحول طرائق تدريس اللغة العربية في المدارس للناشئة يقول الزيات ” أما كان الأولى أن تقتصر الدراسة من النحو والصرف على قواعدهما الأساسية العملية ثم تقدمها الى الناشئ مبسطة في صور شتى من الأمثلة الشارحة والنماذج الموحية ، والتمارين المتدربة فنلائم بين قدرته وطبيعته ونوفق بين علمه وعمله ؟!” يجيب بالقول ” بلى كان ذلك هو الأولى ! لكن المدرسة عنيت بالحفظ لا بالفهم وبالشهادة لا بالكفاية ، وبالكم لا بالكيف ، فعجزت عن تخريج القارئ الذي يقرأ عن فهم والكاتب عن علم والمفكر الذي يفكر عن اصالة !”
قراءة كتاب مجمعيات الزيات يعيدنا الى أجواء الستينات والسبعينيات عندما كنا نقرأ بكل شغف ومتعة لفطاحل اللغة والادب : العقاد والمازني وجبران ونعيمة والريحاني والحكيم ومحفوظ وطه حسين ..الخ
هامش : الكتاب صادر عن المجلة العربية – الرياض – 2018