خاص: إعداد- سماح عادل
“متلازمة أسبرجر” إحدى اضطرابات طيف التوحد، لدى المصابون بها صعوبات كبيرة في تفاعلهم الاجتماعي مع الآخرين، مع رغبات وأنماط سلوكية مكررة. وتختلف عن غيرها من اضطرابات طيف التوحد من ناحية الحفاظ على استمرارية تطوير الجوانب اللغوية والإدراكية لدى المريض.
وتسمى أيضا “اضطراب أسبرجر”. تيمنا باسم طبيب الأطفال النمساوي هانز أسبرجر، الذي قام في 1944 بعمل توصيف للأطفال الذين يفتقرون لمهارات التواصل غير اللفظي، والذين يظهرون تعاطفاً محدوداً مع أقرانهم، ويتحركون جسدياً بشكل غريب أو مرتبك. وبعد خمسين عام، تم تسجيل وتشخيص المرض بشكل معياري، لكن هناك أسئلة حول جوانب كثيرة من المرض ما تزال قائمة. مثلا هناك شكٌ حول ما إذا كان المرض يختلف عن التوحد عالي الأداء، وبسبب ذلك فإن انتشار الأسبرجر لم يثبت بشكل قاطع. والسبب الدقيق للمرض ليس معروفاً.
ورغم أن الدراسات تدعم احتمال وجود أسس جينية للمرض، فإن تقنيات التصوير الدماغي لم تتعرف بعد على أمراض واضحة مشتركة لدى المصابين.
تداخل..
مدى التداخل بين متلازمة أسبرجر والتوحد عالي الأداء، وهما نوعان من التوحد غير مصحوبين بتخلف عقلي ويتسم المصابون بهما بذكاء حاد، غير واضح. والتصنيف الحالي لاضطراب هو ناتج إلى حد ما عن كيفية اكتشاف مرض التوحد، وربما لا يعكس الطبيعة الحقيقية لطيف الأمراض. وقد لاحظ فريق من الخبراء عام 2008 في أثناء انعقاد مؤتمر خاص بالتخطيط لبحوث متعلقة بتشخيص التوحد، لاحظوا صعوبات في تصنيف متلازمة أسبرجر كمجموعة فرعية من اضطرابات طيف التوحد، وقد أوصت مجموعتين من الباحثين أن يتم حذف متلازمة أسبرجر كمجموعة فرعية واعتباره ذو تشخيص منفصل، في الإصدارات القادمة من الدليل الإحصائي للاضطرابات العقلية ومن التصنيف الإحصائي العالمي للأمراض وللمشاكل المتعلقة بالصحة.
السمات..
الأسبرجر هو اضطراب تنموي، ويتميز بنمط من الأعراض بدلا من عرض واحد محدد. ويتميز بضعف نوعي في التفاعل الاجتماعي كعدم الذهاب إلى المناسبات أو عدم زيارة قريب مريض في المستشفى، من خلال أنماط محدودة من السلوك والأنشطة والرغبات، ولا يميزه أي تأخر هام في نمو الإدراك أو تأخر عام في الناحية اللغوية. بعض الأعراض الأخرى لحالة مريض الأسبرجر هي: الانشغال المكثف بموضوع واحد ضيق، الإسهاب من جانب واحد، والتصرف الأخرق جسديا، لكن تلك الأعراض ليست بالضرورة مطلوبة ليتم تشخيص المرض.
عجز اجتماعي..
ربما يكون نقص تعاطف المصاب مع الآخرين هو الجانب الأكثر اختلالا عند مريض الأسبرجر. ويعاني الأفراد المصابون به من صعوبات في القيام بعناصر التفاعل الاجتماعي الأساسية، مما قد يؤدي إلى فشل في تكوين صداقات جديدة أو السعي للحصول على المتعة أو عمل إنجازات مع آخرين مثلا، يصعب عليه التعبير عن الأشياء التي يحبها للآخرين، كما يعاني من نقص في تقديم المعاملة بالمثل اجتماعيا وعاطفيا، ويعاني من ضعف في السلوكيات اللالفظية مثل التواصل بالعين، التعبيرات عن طريق الوجه، أوضاع الجلوس، والإيماءات.
عكس المصابين بمرض التوحد، لا ينسحب مرضى الأسبرجر من حول الآخرين، بل إنهم يقتربون من الآخرين، حتى ولو على نحو مرتبك أو أخرق. مثلا، فإن شخصا مصاباً بالأسبرجر قد يشارك في حوار من جانب واحد مع شخص آخر، ويبدأ في الحديث المطول عن موضوع مفضل، دون أن ينتبه إلى مشاعر المستمع أو إلى ردود فعله، مثل حاجة الآخر إلى الخصوصية أو إلى تعجله للرحيل من المكان. هذا الارتباك الاجتماعي يطلق عليه اسم نشط لكن غريب. هذا الفشل في الرد بشكل مناسب مع التفاعلات الاجتماعية، قد يظهر على أنه عدم احترام لمشاعر الآخرين، ويمكن أن يفهمها الأخرون على أنه تبلد شعور من قبل المريض.
القدرة الإدراكية للأطفال المصابين بالأسبرجر تتيح أن يعبروا عن المعايير الاجتماعية في بيئة اختبارية، يمكن أن يكونوا قادرين على توضيح فهمهم النظري لمشاعر الآخرين، لكنهم عادة ما يواجهون صعوبات في تطبيق تلك المعرفة أثناء مواقف الحياة الفعلية. وقد يحلل ويستخلص الأشخاص المصابون بالمرض ملاحظاتهم حول التفاعل الاجتماعي إلى توجيهات سلوكية جامدة، ثم يقومون بتطبيق تلك «التوجيهات» بشكل مرتبك، مثلا: إجبار المريض على استخدام تواصل بصري، يؤدي إلى تصرفات قد تبدو جامدة أو ساذجة اجتماعياً. ويمكن أن تتحول الرغبة الطفولية في الرفقة، إلى شيء فاقد الإحساس، عبر مجموعة متعاقبة من اللقاءات الاجتماعية.
العديد من الشواهد تشير إلى أن الأشخاص الذين يعانون من الأسبرجر يكونون غالبا ضحايا أكثر منهم كمؤذيين للآخرين. وفقا لتقرير نشر عام 2008 هناك عدد كبير جد من المصابين بالأسبرجر يعانون من اضطرابات نفسية تمنعهم من التعايش مع الآخرين مثل اضطراب الفصام العاطفي.
السلوك المتقيد والمتكرر
يظهر مرضى الأسبرجر سلوكيات، رغبات وأنشطة تتميز بالتقيد والتكرار، وأحياناً قد يكون اهتمامهم بتلك المجالات مكثفا أو مركزا بشكل غير طبيعي. وقد يستمرون في القيام بأنشطة روتينية معينة، يتحركون في أشكال متكررة، أو قد يشغلوا أنفسهم بأجزاء من بعض المجالات.
ويعد السعي نحو مجالات معينة، هو واحد من أبرز سمات الأسبرجر. وقد يجمع الأشخاص المصابون بالمرض مجلدات من المعلومات التفصيلية عن موضوع واحد ضيق محدد، مثل «الديناصورات» أو «أعضاء الكونجرس» أو «القطارات»، بدون أن يكون لديهم فهم حقيقي حول الطبيعة الأشمل للموضوع. مثلا، يمكن لطفل أن يختزن أرقام طراز كاميرات فوتوغرافية مختلفة في ذاكرته، دون أن يكون لديه أي اهتمام بالتصوير الفوتوغرافي. ويظهر هذا السلوك بشكل واضح عادة قبل سن المدرسة الابتدائية، أي: سن الخامسة أو السادسة في أمريكا. ورغم أن أوجه الاهتمام هذه قد تتغير من وقت للآخر، فإنها غالباً ما تتطور لتصبح أكثر غرابة وأضيق أُفقاً من ذي قبل، وغالبا ما تهيمن على تفاعل الطفل الاجتماعي بدرجة كبيرة، لدرجة أن الأسرة بأكملها قد تصبح خارج دائرة اهتمامه. ولأن الموضوعات الضيقة غالباً ما تستحوذ على اهتمام الأطفال بشكل عام، فإن ذلك العرض يمكن ألا يلاحظ عند التشخيص.
وتعتبر التصرفات النمطية والتكرارات الحركية جزئين أساسيين في تشخيص الأسبرجر والأنواع المختلفة من اضطراب طيف التوحد. تتضمن تلك الحركات بعض الحركات باليد مثل لوي اليدين أو خفقهما، بجانب حركات معقدة تشمل الجسم كله. وعادة ما تتكرر هذه الحركات في اندفاعات سريعة وتبدو أكثر عفوية منها كتشنجات، التي عادة ما تكون أسرع، وبإيقاع أقل، وبتناظر أقل.
النطق واللغة..
وعلى الرغم من الأفراد المصابين بالأسبرجر يستطيعون اكتساب المهارت اللغوية بدون تأخير كبير وعادة لا يعيب كلامهم أي تشوهات، إلا أن اكتساب اللغة واستخدامها يكون غير نمطي في كثير من الأحيان. وتشمل حالات الشذوذ كلا من: الإسهاب، التحولات المفاجئة، التفسيرات الحرفية، عدم الشمولية بشكل بسيط، استخدام المجازات فقط لمن يخاطبه، عجز عن إدراك المستمعين، رصانة غير عادية، الكلام بشكل رسمي، رتابة في مستوى الصوت والحدة والترنيم والإيقاع.
وهناك ثلاث أوجه من أنماط الاتصال تهم البحث الإكلينيكي: الحديث بشكل بالغ الإيجاز، عرضية وظرفية الخطاب، ومدى أهمية الحديث المسهب. وعلى الرغم من أن تنغيم الصوت ومقام الصوت يكون أقل حدة أو أقل رتابة مما هو عليه الحال عند المصابين «بالتوحد»، إلا أن المصابين بالأسبرجر غالباً ما يكون لديهم نطاق محدد من تنغيم الصوت: لذلك قد تجد الكلام سريعاً على نحو غير عادي، أو متشنج أو يخرج بصوت عالي. وقد ينقل الكلام شعورا بالنفور، وغالباً ما يحتوي الكلام ذو الطبيعة الحوارية مونولجات عن مواضيع تثير ضجر المستمع، مع فشل في خلق جوا للتعليق لسماع تعليقات المستمع، أو فشل في التحكم بالأفكار الداخلية ومنعها من التحول إلى كلام مستمر.
وقد يفشل الأفراد المصابون بالأسبرجر في تحديد ما إذا كان المستمع مهتم فعلاً بالمحادثة ومشاركاً فيها. وقد يفشل المتكلم المصاب بالمرض في توضيح هدفه من الحديث، وغالباً ما تفشل محاولات المستمع للتعليق على محتوى أو منطق الحديث، أو للتحول لموضوعات أخرى.
ويمكن أن يتمتع الأطفال المصابون بالأسبرجر بثروة لغوية معقدة على نحو غير عادي وفي سن مبكرة، وغالباً ما يطلق عليهم «الأساتذة صغيرو السن»، لكنهم غالباً ما يجدوا صعوبة في فهم اللغة التصويرية، ويميلوا إلى استخدام اللغة الحرفية. وكذلك فإن أطفال مرضى الأسبرجر لديهم نقاط ضعف في مجالات اللغة غير اللفظية، تشمل هذه النقاط: الدعابة/ الفكاهة، السخرية، وإثارة ضيق الغير. وعلى الرغم من أن غالبية الأفراد المصابين بالأسبرجر يستطيعون فهم مسألة «الفكاهة» إلا أنه ينقصهم فهم «مغزى» الفكاهة، مما يمنعهم من مشاركة الاستمتاع بها مع الآخرين. ورغم وجود أدلة قوية توضح على ضعف تقدير «الفكاهة» لدى المصابين، فإن تقارير نادرة تتحدث عن أفراد مصابين بالمتلازمة ولديهم الحس الفكاهي، مما دفع بعض أصحاب النظريات في مجال الأسبرجر والتوحد لمحاولة فك هذا اللغز.