15 نوفمبر، 2024 6:45 م
Search
Close this search box.

متغيرات العلاقات العراقية الاميركية مابعد الانسحاب الاميركي سيناريوهات التعاون والصراع “العراق ودول الجوار”

متغيرات العلاقات العراقية الاميركية مابعد الانسحاب الاميركي سيناريوهات التعاون والصراع “العراق ودول الجوار”

(1) مقدمة:
من خلال هذه الورقة نحاول ان نركز على عوامل ومتغيرات العلاقات العراقية الاميركية واسقاطها على مستقبل التعاون والصراع بين العراق ودول الجوار في ضوء طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة. وانطلاقا من ذلك، ميزنا بين متغيرين:
المتغير الاول: المتغير المستقل ويشمل العامل الدولي والاقليمي والداخلي
المتغير الثاني: المتغير التابع ويمثل التعاون والتحالف او الصراع والتضادات. بمعنى ان اي تغيير في العوامل التي تندرج تحت المتغير المستقل سيتبعه تغيير في طبيعة وشكل العلاقات العراقية مع دول الجوار (المتغير التابع). وهنا من الضروري ان نشير الى المتغيرات او العوامل التي تندرج تحت المتغير المستقل بفحصها ودراسة طبيعتها و دورها في تشكيل العلاقات العراقية مع دول الجوار وهي تباعا:

اولا: العامل الدولي (بالتركيز على دور الولايات المتحدة)
يلعب العامل الدولي دورا هاما في رسم خارطة العلاقات الدولية للوحدات الدولية. وخصوصا الدول الكبرى التي تحاول ان تعزز من مكانتها وسمعتها على الساحة الدولية. وللوقوف على اثر العامل الدولي وطبيعة النظام السياسي الدولي في رسم الخارطة المستقبلية للعلاقات العراقية مع محيطه سنركز على جانبين:
1. الجانب السياسي: في ظل نظام ما بعد الحرب الباردة وما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م ، يصبح توفير الامن من اهتمامات السياسة الدولية هدفا تسعى الى تحقيقه. حيث تشير بعض الدراسات ان طبيعة التنافس بين الدول الكبرى لا تساعد على تهيئة مناخ او بيئة مناسبة لنمو انظمة سياسية ديمقراطية ومستقرة. ولا يستبعد ان تستخدم القوة الصلبة احيانا لحسم اي اشكال او ازمة تهدد مصالح جهة معينة.
2. الجانب الاقتصادي: في نشرة دائرة معلومات الطاقة الاميركي (EIA) لعام 2011 يشار الى ان حاجة الدول الصناعية إلى الطاقة سوف يزداد 1.6% سنويا. وفي ظل النظام الاقتصادي العالمي يحتدم فيه التنافس بين الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا والاتحاد الاوربي على الطاقة و تزداد حاجة الولايات المتحدة إلى الطاقة لعام 2035 (0.5%) على مستوى العالم. وفي تقرير لاحدى المؤسسات البحثية الاميركية تبين ان العراق سيزيد من طاقته الانتاجية بالنسبة الى النفط الخام الى حوالي 6.5 مليون برميل يوميا في العام 2035. اما فيما يتعلق بقدرة المصافي العراقية، فان العراق يحتل المرتبة (31) على مستوى العالم

ويشير هذا التقرير الى ان الولايات المتحدة الاميركية ستسعى الى اتباع سياسة تساعد العراق على تطوير صناعتها النفطية في اطار اتفاقية الاطار الاستراتيجي المبرمة بينهما, ومن الجدير بالذكر ان العراق يحتل المرتبة السادسة عالميا كمصدر للنفط الخام بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية لوحدها و هنا اود ان أنبه الى ان العراق يواجه اشكالية منافذ تصدير نفطها الخام. اذ ليس هناك غير المنفذ الجنوبي، وان قدرة انابيب النقل الحالية غير كافية لنقل كميات كبيرة منه. وهذا الاشكال هام ويعيق عمل الشركات الكبرى مثل “اكسون موبيل”

 

الدور الامريكي:
لقد اشار نائب الرئيس الاميركي “جو بايدن” الى ان العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق ستأخذ منحى جديدا ما بعد الانسحاب يقوم على الشراكة والتعاون السياسي والعسكري والدبلوماسي والاقتصادي ، وان الهدف الوحيد منهذه المهمة هو تعزيز الاستقرار في المنطقة. وان العدد الكبير من الموظفين الدبلوماسيين الاميركيين في السفارة والقنصليات والمكاتب التمثيلية يشمل خبراء في كافة المجالات التي اشرت اليها .
ان اهداف الولايات المتحدة –فضلا عن رغبتها لسد حاجاتها من الطاقة- تتمثل بما يلي:
1. حماية العراق من التهديدات الخارجية
2. تقوية وتعزيز الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني
3. تمكين العراق, كقوة مستقرة، تصب في مصلحة التحالف الاميركي-الخليجي في المنطقة
4. تعزيز قدرات العراق في مجال التنمية الاقتصادية
5. اعادة تعريف العلاقة بين العراق والولايات المتحدة على نحو جعل العراق يقود الشراكة

 

اما أهم التحديات التي ستواجه العراق (من وجهة نظر الولايات المتحدة) ما بعد الانسحاب الاميركي فهي تتلخص بالنقاط التالي:
i. تحدي الامن (Challenge of Security)
ii. تحدي الحوكمة (Challenge of Governance)
iii. تحدي الوفاق السياسي (Challenge of Political Accommodation)
iv. تحدي التنمية الاقتصادية و الضغوط الديموغرافية (Challenge of Economic Development and Demographic Pressure)

وتشير احدى الدراسات الى ان الاشكال الحقيقي لمستقبل العلاقات العراقية الاميركية وفي اطار اتفاقية الاطار الاستراتيجي هو ان الكونغرس الاميركي لم يبت في مدى إمكانية تخصيص الاموال لهذه الاتفاقية ، ويدور النقاش حول توفير الاموال أو عدمه وهل سيؤثر في منحى العلاقات هذه بصورة مباشرة. تضعف التحديات هذه قدرة العراق على توجيه سياسة خارجية مستقرة ومستقلة عن الضغوط الداخلية والخارجية وبالتالي لا يمكن التغاضي عن دور العاملين الخارجي والداخلي لعملية صنع السياسة الخارجية العراقية وخصوصا فيما يتعلق بعلاقاتها مع دول الجوار. وهنا تبرز ضرورة دراسة المعطيات الدولية والاقليمية والداخلية ووفق سيناريوهات مقترحة قابلة للتحليل

 

ثانيا: العامل الاقليمي (التركيز على ايران):
إن العلاقات متوترة بين ايران وباقي دول الخليج وذلك منذ الثورة الايرانية عام 1979 ولم يكن احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة ذا نتائج مرضية كليا ، بل توترت العلاقات بين دول المنطقة، دول الخليج من جانب, وايران من جانب اخر. علما بأن لايران أهدافا تتعلق بالعراق وهي :
1. عراق لا يخدم مصالح الولايات المتحدة ، كما ان ايران لا تريد عراقا يشكل لها تهديدا في المستقبل
2. انها تحاول ان تخرج العراق من تحت النفوذ الاميركي لاسيما ما يتعلق بالجانب العسكري ٍوفي هذا المجال فأن ايران تسخر كل ادواتها لتحقيق ذلك
و أود ان اشير هنا الى ان هناك مشاكل بين العراق وايران منها مشاكل اقتصادية كتهريب النفط والاستيلاء على الابار النفطية العراقية و مشاكل سياسية كحال الشيعة الذين هم ابعد من ان يكونوا متحدين وبرز ذلك في انتخابات 7-3-2011 بوضوح

 

(2) السيناريوهات:
السيناريو الاول: اقتراب “منهاج” الحرب الباردة
• الظواهر: العودة الى استراتيجية الاحتواء، تقوية العراق عسكريا (اعادة سباق تسلح في المنطقة)، ومن المحتمل نشوء بؤر الارهاب، حروب اكثر. ادلجة العلاقات الدولية بين دول المنطقة
• النتائج: لا استقرار في المنطقة، ايران قوية بنظامها الحالي، اضعاف فرص الانتقال الديمقراطي السلمي للانظمة السياسية في المنطقة، مجتمع مدني ضعيف، تضادات بدلا من التحالفات بين دول المنطقة، تقوية المكانة الدولية للولايات المتحدة
• الوصف: وفقا للوقائع والمعطيات الدولية والاقليمية والداخلية، من الصعب ان تطبق الولايات المتحدة نفس الاستراتيجية التي اتبعتها ابان الحرب الباردة لانه وفق تلك المعطيات وانطلاقا من التجربة التاريخية لم تثمر الحرب الباردة سوى انظمة شمولية مستبدة مما اضعف فرص التحول الديمقراطي في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي. بالاضافة الى ان هذا السيناريو سيعرض استقرار المنطقة الى خطر وبالتالي سيمثل عائقا امام الصادرات النفطية الى العالم

 

السيناريو الثاني: اقتراب “منهاج” مشروع الشرق الاوسط الجديد:
• الظواهر: بروز انظمة سياسية “ديمقراطية” ومستقرة، مؤسسات مجتمع مدني فاعلة، علاقات دولية قائمة على تفاهمات مشتركة حول قضايا تهم المنطقة
• النتائج: استقرار ملحوظ في المنطقة، تعزيز التعاون على مستوى الطاقة، ظهور مؤسسات سياسية فاعلة، دعم الاقتصاد، حروب اقل، اضعاف المجاميع الارهابية
• الوصف: في هذا السيناريو يتم اعادة تشكيل وبناء المنطقة على اساس دعم وتعزيز الديمقراطية وتقوية مؤسسات المجتمع المدني بهدف اعادة سمعة الولايات المتحدة ومكانتها الدولية و بالتالي، فان دعم هذا التوجه سيعزز الاستقرار في المنطقة وستقوم العلاقات بين دول المنطقة على اسس التحالفات والمصالح المشتركة ونبذ اي سياسة تقوم على استراتيجية الاحتواء او ادلجة او “مذهبة” العلاقات الدولية كليا

 

السيناريو الثالث: اقتراب “منهاج” الجيوبلتيكي القائم على فكرة النظام الاقليمي العربي:
• الظواهر: تعزيز الموقع الجيوبلتيكي للدول العربية، تأطير السياسات عربيا، بروز دور جامعة الدول العربية. تعزيز القدرات العسكرية
• النتائج: البعد الجغرافي-المكاني سيمثل اساس بناء التحالفات، دول حبيسة جغرافيا، قد تنحو الدول العربية الى بناء نظام اقتصادي-اقليمي اكثر فاعلية. زعامة المنطقة ايضا قد تثير اشكالية كبيرة يصعب تجاوزها
• الوصف: ليس هناك ضمانة لمنع المنطقة من الانجراف الى التقسيمات المذهبية مما يعرض المنطقة الى حالة من عدم الاستقرار و بالمقابل، يزيد حظوظ وفرص التكامل الاقتصادي و يزيد ايضا من تفعيل الدور العربي في حال استقرار المنطقة لكن يبقى هذا السيناريو مرهونا بمجموعة من العوامل والمتغيرات الداخلية والدولية

 

(3) خلاصة وخاتمة:
في اطار متغيرات العلاقات الاميركية-العراقية، يصعب التنبؤ والاستشراف بمستقبل هذه العلاقات ، كما ان المرحلة الحالية لم تتبلور كليا مما يعكس تعقيدات الوضع وتبدلا في المواقف السياسية التابعة لها و هذا ما دفع الباحث إلى عدم التركيز على تحليل يغلب بعدا على الابعاد الاخرى، او ان يبرز عاملا ويهمل العوامل الاخرى. ويعكس هذا التوجه و انطلاقا من تعقيد المرحلة وتشابك قضاياها المتعددة و انطلاقا من المتغيرات الدولية والاقليمية والداخلية قمنا بطرح ثلاثة سيناريوهات تفسر مستقبل الدور الاميركي في العراق والمنطقة عموما. ووفق تلك المعطيات، نعتبر ان السيناريو الثاني (مشروع الشرق الاوسط الجديد) هو ما يمكن التماسه حاليا في المنطقة مقارنة بالسيناريوهات الاخرى ولهذه الاسباب:

1. سيعزز الاستقرار في المنطقة و يساعد مرورا سلسا للنفط الخام.
2. ستدعم التغييرات السياسية في المنطقة هذا التوجه،
3. ان احتواء ايران لن يكون في مصلحة الولايات المتحدة، لأنه سيقوي شوكة المحافظين و سيقلل من فرص التغيير الداخلي من قبل الشعب
4. اضعاف الاسلام الراديكالي
5. سينقذ استقرار المنطقة من صراع مذهبي قد لا يحمد عقباه

 

مبررات السيناريو يتلخص بما يلي:
1. ليس من مصلحة الولايات المتحدة الاميركية ان تعيد تجربة الحرب الباردة. ففي الفترة (1944-1999) حدثت 142 حربا اهلية حيث فيها دول الجوار لا من اجل اخمادها بل من اجل تنفيذ مخططاتها وقد فقدت الولايات المتحدة جراء ذلك وخلال تلك الفترة سمعتها بأعتبارها تمثل العالم الحر و اثر ذلك سلبيا على مكانتها كدولة عظمى راعية للديمقراطية والحكم الصالح. هذا من جانب, ومن جانب اخر، تدفع خصوصية العراق بدول الجوار وخصوصا ايران وتركيا إلى ان تمنع اي شكل من اشكال التصادم المذهبي والذي -دون شك- سيهدد بشكل مباشر كلا الدولتين و وحدة العراق وقد يدفع هذا الوضع الكورد بأعلان دولتهم مما يمثل ذلك تهديدا مباشرا للامن القومي للبلدين. و من ثم نستنج انه ليس فقط للعراقيين بل لمصلحة كل دول المنطقة ان لا تشجع هذا الشكل من الصراعات
2. لو تتبعنا السياسة الايرانية منذ احتلال العراق، لتبين ان هناك مبالغة كبيرة في شأن النفوذ الايراني و أن هناك مشاكل مع العراق تتعلق بالابار النفطية و لكن ايران تبالغ بوجود اتجاهات تصب في تغذية التضاد لايران (Anti-Iranian). هذا من جانب, ومن جانب اخر، تشير دراسة اميركية معتمدة على تقارير استخبارية إلى أن الولايات المتحدة تنظر الى نفوذ الدول العربية في العراق بنفس النظرة المتعلقة بالنفوذ الايراني و هناك تخوف وحذر من انجراف العراق الى التجاذبات الايرانية العربية والتي قد تدفع الولايات المتحدة – وهذا وارد جدا – إلى ان تعيد النظر في اتفاقية الاطار الاستراتيجي مع العراق حفاظا على مكانتها الدولية
3. اشار تقرير وكالة معلومات الطاقة الاميركية إلى ان الولايات المتحدة لن تتمكن من تطوير طاقة بديلة للنفط الخام حتى 2025م على اقل تقدير. فليس من مصلحتها ان تنتهج سياسة تخلق قلاقل في المنطقة
4. لاشك ان الولايات المتحدة تريد تأسيس شراكة مع العراق, لكنها في الوقت نفسه, تريد من العراق ان تقود هذه الشراكة و بالمقابل لا تريد ايران ايضا عراقا ندا او منافسا استراتيجيا لها بقدر ما تريد العراق جارا لا يمثل اي تهديد لايران في المستقبل بغض النظر عن من يحكمها. كما ان ايران لا تريد عراقا يستسلم للنفوذ الاميركي، بل تريد عراقا متعاونا ومستقلا عن اي تأثير
5. من الضروري ان نتساءل: ما الذي تريده النخبة السنية من ايران؟ هل فعلا تريد معاداة ايران؟ اعتقد ان لدى العراق تجربة مرة تكللت بالحرب العراقية الايرانية التي لم تحصد سوى الديون والفقر والتخلف للشعب العراقي. لذا اتصور ان النخبة السنية هي اعقل من ان تدخل في التجاذبات الايرانية – العربية و نفترض ان لإيران مصلحة في هذه التجاذبات، فهل من المعقول ان يدخل العراق كجزء من مخطط خارجي لا ناقة له فيها ولا جمل؟؟

واخيرا تتبين لنا هنا ثلاث حقائق من المفترض ان تؤخذ بنظر الاعتبار:
أ‌- لم تأت الولايات المتحدة الى العراق لاحتواء ايران
ب‌- لقد تم نجاح الولايات المتحدة في العراق تكتيكيا (محاربة المتمردين) الا انها فشلت استراتيجيا (تأسيس نظام ديمقراطي فعال، وتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة
ت‌- هناك قناعة تامة بأن توجيه الصراع مذهبيا، سواء على مستوى الرسمي او غير الرسمي سوف لن يخدم العراق اولا ، منطقة الشرق الاوسط ثانيا و ان التحرر من هذه الفكرة سيكون العامل الحاسم لتحقيق استقرار العراق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر/ المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة