13 أبريل، 2024 6:24 ص
Search
Close this search box.

ما وراء منظومة الإفقار ؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : بقلم – مجدي عبدالهادي :

رغم أن (منظومة الإفقار الرأسمالي) هو ابن الصدفة، إلا أن له مكانة خاصة لدي لا يمكن إرجاعها لمجرد كونه أول غلاف مطبوع يحمل اسمي مُنفردًا، بل لأنه بشكل ما يمثّل مقدمة منطقية لمشاريع لاحقة يجمعها همّ واحد، هو استكشاف الآفاق التنموية والتطورية لمجتمع “عالمي ثالث” لا يزال حائرًا بين الماضي والمستقبل  !

فاستعادة الموقف التقدمي في الاقتصاد، كما في المشروع الاجتماعي عمومًا، إنما يمر بالضرورة بنقد الليبرالية والأصولية، سواء في صورتهما العامة المجردة أو الخاصة بمجتمعنا، مثلما يبدأ بنقد الماضي في النظرية والممارسة المحسوبة على هذا الموقف ذاته .

وفي الواقع لا أعتبر نفسي نجحت في تحقيق بُغيتي من منظومة الإفقار؛ ليس لاعتبارات التوزيع ذات الأسباب الموضوعية من غلبة الاهتمامات الأدبية على القاريء المصري ومشاكل سوق الكتاب التوزيعية إلخ، بل لأن من قرأوا العمل، وإن كانوا قد أسعدوني ببعض تعليقاتهم الإيجابية، إلا أن أغلبهم لم يصلهم الهدف النهائي منه .

فـ (منظومة الإفقار الرأسمالي)؛ وإن كان في قلبه يتعلق بقنوات الإفقار الرئيسة في النظام الرأسمالي، فيما يُعد البنية الخلفية لما رصده “بيكيتي”، في عمله التاريخي والكمّي: (رأس المال في القرن الحادي والعشرين)، من تفاوت متزايد كظاهرة لصيقة بالنظام؛ لينتهيا معًا لنتيجة مُفادها أن هذا الإفقار المطلق والنسبي هو خصيصة هيكلية في صلب تكوين النظام، يعيش بها؛ بل ولا يعيش إلا بها، إلا أن العمل في الحقيقة يستهدف من وراء هذا أهدافًا أبعد من هذه الحقيقة المألوفة  !

يقول “ألفريد مارشال”، عمدة “النيوكلاسيك”: “أن الاشتراكيون لا يفهمون جوهر الاقتصاد”، وأسمح لنفسي استنادًا لكبارٍ مثله أن أرد عليه بأنه: “لو فهم الليبراليون جوهر الاقتصاد السياسي لما ظلّوا ليبراليين”، ولهذا تفصيل ضمن أهداف (منظومة الإفقار)، التي يمكن إيجازها في ثلاثة أهداف أساسية، تمثل بالنسبة لي – حيث لا ينفصل هنا الذاتي عن الموضوعي – ما وراء منظومة الإفقار  :

الأول : التأكيد على أهمية “كفاءة التخصيص الرأسمالية”، كأعمق أشكال الإفقار وأكثرها تكوينية في النظام الرأسمالي؛ فهي التي تقوم على حافز الربح نفسه، فكان لابد من مواجهة تجاهلها الغريب في الأدبيات التقدمية، بل إنها تسبق فائض قيمة “ماركس”، الذي يأتي في مرحلة الإنتاج، وتسبق فائض مستهلك، “مارشال”، الذي يأتي في مرحلة التداول، كما أنها الأكثر التصاقًا بالنظام، إذ أنها، كشكل إفقار، متصلة بنجاح النظام وفقًا لمعاييره !.. فلا تُشكّل انحرافًا ولا شكلاً من الظلم رغم فجاجة تجلّياتها  !

الثاني : بما أن الإفقار خصيصة تكوينية بالنظام، بحيث أن الإفقار هو بذاته نتاج/وسبب لنجاح النظام؛ فمن البديهي أنه لا يمكن علاجه بسياسات من داخل النظام، ولا تعدو سياسات معالجة الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية في إطار الرأسمالية أن تكون سياسات تقليص لنطاقه وآثاره، وبشكل غير مُستدام، أي غير أمن ولا مستمر في الأجل الطويل، بل إنها في ذلك السياق إنما تُعيق نمو النظام الرأسمالي وبلوغه أقصى ما يمكنه من نجاح، فضلاً عن خضوعها لعلاقات القوة وطبيعة الدولة الخاضعة لمصالح رأس المال نفسه؛ فكأنه الخصم والحكم  !

الثالث : ينبني على ما سبق تأكيد التناقض القاتل في صلب النموذج الليبرالي، ما بين محتواه الإيديولوجي من شعارات حرية ومساواة، وأساسه المادي مُتمثلاً في النظام الرأسمالي، فالحرية والمساواة تصبحان شعاراتً نظرية في غيابهما ماديًا؛ حيث يعمل التفاوت الاقتصادي التكويني في النظام على تعميّق التفاوت الاجتماعي والسياسي والثقافي؛ بما يقضي على المساواة – بالتعريف – وبالتالي على الحرية؛ بتمزيقه المجتمعات وخلقه لتناقضات تناحرية لا يمكن حلها وديًا؛ وهكذا يكون منطقيًا ما يقوله مفكرو وإستراتيجيو النظام من أن الديموقراطية نظام هشّ بلا مستقبل، وأن المستقبل هو لحكم القلة والخُمس الغني، فالرفاهية والديموقراطية ليستا بالتالي سوى “حدث عابر في التاريخ الاقتصادي والاجتماعي” !

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب