خاص : عرض – سماح عادل :
رواية (مايا)، للكاتب النرويجي “غوستين غاردر”، ترجمة “ياسين الحاج صالح”، إصدار دار الكلمة.. تتناول في شكل فلسفي تلك الأفكار الوجودية المتعلقة بنشأة الكون، هذه الأفكار بلغت حد من التعقيد حتى أنها قد تكون صعبة القراءة لبعض القراء.
الشخصيات..
“جون سبوك”: البطل الأول.. روائي إنكليزي، ذهب إلى جزيرة “فيغي” الساحرة لتسجيل برنامج تليفزيوني عن بداية القرن العشرين، رغم أنه يتبقى عامان عليها، توفت زوجته “شيلا” في أواخر الخمسينيات من عمرها، وبقي هو وحيداً يعاني الفقد والوحدة، ويعاني الشيخوخة، حيث بلغ 67 عاماً.
“فرانك أندرسون”: البطل الثاني.. عالم أحياء تطوري نرويجي، تقابل بالمصادفة مع “جون”، وحكى له عن حياته، حيث إنفصل مؤخراً عن زوجته بسبب فقدانهما طفلتهما في حادثة مرور.
“فيرا”: زوجة “فرانك”.. وهي عالمة أحياء أيضاً، لم تتحمل صدمة موت طفلتها وإنفصلت عن زوجها، لكن سيتم تجميعهما مرة أخرى.
“آنا وخوسيه”: زوجان إسبانيان.. يعيشان علاقة حب جارفة، هي راقصة “فلامنكو” شهيرة، وهو مخرج تليفزيوني، سيتقابلان مصادفة مع “فرانك” و”جو” في جزيرة “فيغي”، حيث ذهباً إلى هناك لتصوير برنامج عن نهاية القرن أيضاً.
“لورا”: شابة مهتمة بقضايا البيئة.. جاءت إلى جزيرة “فيغي” لعمل تقرير عن البيئة، وعن من يفسد البيئة تعمداً، لكنها كانت أيضاً تهرب من زوجها الثري، الذي في ضعف عمرها والذي أجبرها والدها على الزواج منه، وصحبها أبيها إلى هذه الجزيرة رغبة منه في إعادتها إلى زوجها، وكانت تتشاجر معه كثيراً.
الراوي..
الرواية لها راويان.. الأول هو “جون سبوك”، الذي يحكي عن مقابلاته المتعددة مع “فرانك”، و”فرانك” الذي يروي جزء كبير من السرد من خلال رسالتين، الأولى طويلة والثانية قصيرة إلى “فيرا” حبيبته، ثم يعود “جون” ليروي حتى تنتهي الرواية.
السرد..
يستخدم الكاتب حيل سردية مثل الرسائل، ومثل الحكاية الخيالية التي يعود ويدحضها بحكاية أخرى واقعية، كما أنه يحكي عن رواية داخل الرواية، تبلغ الرواية حوالي 360 صفحة من القطع المتوسط، وتنوع أنماط السرد يحافظ على قدر ما من التشويق، لكن الرواية تمتلئ بالأفكار الفلسفية الوجودية، كما تمتلئ بمعلومات كثيرة من علم الأحياء قد تكون جذابة لبعض القراء وقد تكون مملة للبعض الآخر.
الوعي بالكون..
يناقش الكاتب داخل الروية أفكار وجودية هامة، على قدر كبير من الثقل وربما التعقيد، وربما تشغل بال القارئ الغربي أكثر بكثير من إهتمام القارئ العربي بها، فهي تتناول نشأة الكون عن ما يسمى بالإنفجار الكبير؛ ثم بعد مرور ملايين السنين لكي تتطور الكائنات الحية وتصبح على ما هي عليه الآن، وهل الوجود الذي يبلغ مليارات السنوات أهم أم الوعي به هو الأهم ؟.. وهل الوعي بوجود الكون هو ما أعطاه معنى أم لا ؟.. تدور تلك المناقشات بين الشخصيات أثناء وجودهم في جزيرة “فيغي”، وهي جزيرة ساحرة تمتلئ بكنوز الطبيعة، لم تمتد لها أيدي التمدن لتفسدها، فقد أصر سكانها على التمسك بكنوز الطبيعة في جزيرتهم وتحويلها إلى مكان يجذب السياح بجماله وسحره بدلاً من قطع الأشجار وتخريب الطبيعة.
يتناقش “فرانك” و”خوسيه” عن إمكانية وجود هدف ومعنى وغاية ما وراء نشأة الكون، يعتقد “فرانك” بناء على أنه عالم أحياء ويستمد أفكاره ومعتقداته من العلم البحت، أنه لا هدف من وجود الكون وإنما هو نشأ نتيجة صدفة بحتة، وأن التفاعلات الفيزيائية والكيمائية التي تلت الإنفجار الكبير، مكونة كل هذا الكم من الكائنات الحية وداعمة لتطورها، إنما تفاعلات عشوائية تخضع لنظام الطفرات، وليس ورائها هدف أو غاية.
ولا يقدم “جون سبوك”، الراوي، أي رأي خاص به حول نشأة الكون والوعي به، إنما يقدم أفكار الشخصيات بحياد، وكأنه يقصد تقديم الأفكار المتعارضة كما هي دون الإنتصار لإحداها.
الخوف من الفناء..
يناقش الكاتب فكرة أخرى هامة، وهي الخوف من الفناء، بعض الناس الذين يعيشون في هذه الحياة يشغلهم الخوف من الفناء، حتى أنه قد يفسد حياتهم التي يعيشونها، ليس كل الناس هكذا فهناك أناس لا يعبئون بكونهم سيموتون في يوم من الأيام، وغالباً ما يرضون بتلك النتيجة إذا ما عاشوا حياة حافلة بالأحداث وبالأشياء الممتعة، يشعرون بالرضا على السنوات الكثيرة التي عاشوها ويستسلمون لفكرة أن لحياتهم نهاية، لكن هناك أناس آخرون يسبب الموت لهم رعباً مؤرقاً، ويشكل تهديداً مستمراً يمنعهم من الإستمتاع بحياتهم، خاصة إذا إقترب الموت من أشخاص عزيزين عليهم، لذا نجد الكاتب وقد صور مدى حزن “فرانك” على طفلته الصغيرة، التي خطفها الموت، كما يصور مدى حزن “جون” على فقدان زوجته “شيلا” التي عاش معها أربعين عاماً، و”فرانك” و”جون” كما يقر الراوي هما من ذلك النوع من الناس الذين يخافون من الفناء، ويحلمون بأن يعيشون للأبد ويشكل ذلك الحلم بالنسبة لهم أمنية.
التطور يعتمد على التوريث..
كما عرض الكاتب لمعلومات كثيرة من علم الأحياء، منها أن تطور الكائنات الحية عبر ملايين السنين أعتمد بشكل أساس على فكرة الوراثة، فكل كائن يورث تطوره الجزئي لأبناءه الذين ينجبهم، وأبنائه يورثون تطورهم لأبنائهم، وهكذا يستمر التطور عن طريق نقل الصفات الوراثية، مما يعني أن التكاثر لم يكن مفيداً فقط في الحفاظ على نسل الكائنات الحية، وإنما كان مفيداً أيضاً في إتمام تطورها، وأن الإنسان هو نتيجة تطور الكائن وحيد الخلية، الذي ظل عبر ملايين السنين يتشكل في هيئات مختلفة، من كائن يعيش في الماء إلى كائن برمائي ثم إلى زواحف وثدييات إلا أنه وصل إلى هيئته الحالية، ولولا إصطدام أحد النيازك بكوكب الأرض في زمن من الأزمان لكانت الزواحف هي التي تطورت بدلاً من الإنسان، وربما كانت وصلت إلى درجة الوعي بالكون، الذي وصل إليها الإنسان وحكمت العالم وكان الإنسان مثل الحشرات أو الزواحف يعيش حياة بدائية.
كما تناول الراوي معلومة أن أفكارنا الوجودية والفلسفية وملكة التفكير نفسها التي لا يستطيع أي إنسان التخلص منها، والتي تتحول لدى البعض من الناس إلى عذاب حقيقي حين يصبح التفكير لديهم نشاطا مؤرقا بسبب كثرته وتشعبه، هذا التفكير المسئول عنه وجود تلافيف زائدة في مخ الإنسان، ولولا وجود تلك التلافيف الزائدة لأصبح بدون تفكير، ولكان مثل باقي الكائنات راضيا بحياته اليومية، يعيشها كما هي ويشبع احتياجاته الأساسية وفقط، دون التفكير في أية أفكار فلسفية ودون أن يعي بأمور تتجاوز إشباع الحاجات الأساسية.
الكون كلاً متكاملاً..
كما عرض الكاتب من خلال “لورا” المهتمة بقضايا البيئة لفكرة وحدة الكون، وأنه كلا متكاملا، وأن هناك روح واحدة لهذا الكون تسري داخل جميع الكائنات الحية وجميع مكونات الطبيعة، حتى أنها اعتبرت أن الأرض كائنا حيا وأنها حين تنزعج من أحد الكامنات التي تخرب فيها تدمره لتعود لطبيعتها، وكانت “لورا” مقتنعة أن الإنسان وصل إلى هذا الحد المرعب من تخريب الطبيعة على الأرض، وأن الأرض لابد وأن تهني وجوده عليها لكي تعود كما كانت قبل أن يعمل فيها الإنسان آلاته وجشعه واستغلاله.
الحب يفقد الفناء تأثيره..
طرح الكاتب في روايته من خلال الراوي “جون” أن الحب هو ما يفقد الفناء تأثيره المرعب على الإنسان، وأن حتى الإنسان كثير التفكير المرعوب من الفناء يستطيع التخلص من رعبه ووحشته عن طريق الحب، وعن طريق إيجاد رفيق آخر يشاركه حياته، لذا فضل الكاتب أن تكون نهاية الرواية سعيدة، وبعد أن شطح خياله في حكاية عن موت “آنا” بطريقة غير واقعية جملها بإطار أسطوري، رجع عن تلك الحكاية وأكمل مسار السرد في نهاية أكثر واقعية، حيث أنجبت “آنا” من زوجها “خوسيه” واستمرت راقصة مشهورة، وتقابلا الاثنان مع “فرانك” و”جون” و”فيرا” في موعد معد من قبل “جون”، كما جعل “فيرا” حاملا من “فرانك” ليؤكد أن الحب هو مخرج الإنسان الوجودي من مأزقه، وأن الإنجاب واستمرار النسل أحد وسائله في الخلود الذي يستعصي عليه بلوغه.
الكاتب..
“غوستين غاردر” كاتب، ومدرس، وروائي، وفيلسوف، وكاتب للأطفال، وكاتب سيناريو ، كاتب نرويجي، ولد في 1952، ويعمل أستاذاً في الفلسفة وتاريخ الفكر وهو يمارس الأدب والتعليم معاً. اشتهر بكتابته للأطفال بمنظور القصة داخل القصة.
روايته “سر الصبر” هي التي جعلته معروفاً لدى الجمهور النرويجي. وحصل من ورائها على جائزة النقد الكبرى. لكن رواية “عالم صوفي” هي الذي أوصلته للعالمية، حيث ترجم إلى أكثر من ثلاثة وخمسين لغة، وبيع منها أكثر من ثلاثين مليون نسخة، وفي ألمانيا وحدها تعدت مبيعاتها المليون نسخة. وتم تحويل الرواية لفيلم سينمائي، وأيضاً تم تحويلها للعبة فيديو، وحالياً يتم تقديم جائزة سنوية للأعمال المختصة بتطوير ودعم البيئة باسم (جائزة صوفي) مقدمة من غاردر وزوجته.
حصل “غوستين غاردر” على الجوائز التالية: “في عام 1997 مُنح جائزة بكستيهوده بال- وعام 2004 حصل على جائزة ويلي برانت في أوسلو- منحته الملكة النرويجية في 2005 وسام سانت أولاف- وفي العام نفسه حصل على درجة فخرية من كلية ترينتي في دبلن”.