خاص: إعداد- سماح عادل
“كمال الشيخ” مخرج سينمائي مصري عُرف في الخمسينات وأوائل الستينات بأنه “هيتشكوك مصر” بسبب تأثره بسينما المخرج البريطاني المعروف “ألفريد هيتشكوك”، واهتمامه بالأفلام البوليسية التي تعتمد على الحبكة الدرامية.
حياته..
ولد “كمال الشيخ” في 1919 في قرية “عمروس” محافظة المنوفية وأتم دراسته الثانوية وحصل على شهادة البكالوريا عام 1937. وفى هذه الفترة بدأ ولعه بالسينما وقرر أن يكون ممثلا وبدأ البحث عن وسيلة تمكنه من تحقيق حلمه فبعث برسالة إلى المخرج “محمد كريم” مصحوبة بصورة فوتوغرافية له يطلب منه فيها أن يجد له عملا بالتمثيل في أحد أفلامه وكان ذلك في أواخر مرحلة الثلاثينات، ورفض “محمد كريم” الاستعانة بالممثل الصغير فما كان من “كمال الشيخ” إلا أن قرر أن يصبح مخرجا بأية طريقة، ولم يجد في هذا الوقت المبكر مدرسة سينمائية يستطيع من خلالها دراسة السينما فاستعان بجاره الذي كان يشغل وقتها منصب وزير الحربية “حيدر باشا” وطلب منه أن يتوسط له لدى أحد المخرجين أو الفنانين لتعلم السينما. و ما كان من “حيدر باشا” إلا أن أتصل بالشاعر “خليل مطران” الذي كان يشغل وقتها منصب رئيس دار الأوبرا القديمة وأوصله هذا إلى المخرج “أحمد سالم” مدير “أستوديو مصر” وقد ألحقه “أحمد سالم” بالعمل كمونتير تحت إشراف المخرج “نيازي مصطفى”.
السينما..
و أخرج”كمال الشيخ” أول فيلم له بعنوان “المنزل رقم 13″، عام 1952. وكون شركة إنتاج سينمائي بالاشتراك مع “رأفت الميهي” وباكورة إنتاجها فيلم “على من نطلق الرصاص”.
أخرج “كمال الشيخ” أكثر من 33 فيلما طويلا، مثل معظمها مصر في المهرجانات العالمية وأسابيع الأفلام، كما حصل معظمها على أعلى الجوائز. وأخرج أفلام مشتركة في دول أوروبية. وأخرج فيلما عن الفدائيين الفلسطينيين وفيلما عن سوريا عندما زارها ضمن وفد المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، عام 1961.
المهرجانات التي شارك فيها “كمال الشيخ”: (مهرجان كان بفرنسا، 1964 “فيلم الليلة الأخيرة”- مهرجان كارلونيفاى بتشيكوسلوفاكيا، 1965 “فيلم الشيطان الصغير” – مهرجان بيروت عام 1965 “فيلم الخائنة”- مهرجان رومانيا، عام 1967 “فيلم أبو الهول الزجاجي”).
والجوائز التي حصل عليها: (الجائزة الأولى في المونتاج “مسابقة وزارة الشئون الاجتماعية “، 1951- الجائزة الأولى في الإخراج عن فيلمه “الليلة الأخيرة” من وزارة الثقافة، 1965- الجائزة الأولى في الإخراج عن فيلم “الرجل الذي فقد ظله”، 1968- جائزة الامتياز في الإخراج لمجموعة من أعماله التي تمثل قيمة فنية خاصة في السينما المصرية- جائزة الدولة التقديرية في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة، 1991).
تجاوز “هيتشكوك”..
“كمال الشيخ” تجاوز”هيتشكوك” نفسه، بشهادة كل النقاد تقريبا، عندما كان يستخدم هذا الشكل في التعبير عن قضايا سياسية واجتماعية ووطنية مهمة، فلا يكتفي بمجرد التسلية وإنما يدفع المشاهد للتأمل والتحليل، وإعمال الفكر كما في فيلم “اللص والكلاب”، المأخوذ عن رواية “نجيب محفوظ”، وهي عن قصة حقيقية تكشف الكثير من أوجاع المجتمع والمتاجرين به، أو كما في فيلم “حياة أو موت” الذي يعبر من خلاله عن تصوره للمجتمع الجديد بعد يوليو 1952، من خلال رحلة الفتاة والدواء “الذي به سم قاتل”، حيث تتكاتف طبقات المجتمع المختلفة ومؤسساته لإنقاذ فرد واحد، وهو نفس الفيلم الذي عرض داخل المسابقة الرسمية لمهرجان “كان” السينمائي الدولي عام 1955.
برع “كمال الشيخ” أيضا في تشريح شخصيات أبطال أفلامه نفسيا واجتماعيا على خلفية الحدث الذي يطرحه، حيث نتابع هذا التركيب من خلال عرض الدوافع والبناء الدرامي لكل شخصية بكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة، وهي التفاصيل التي يلتقطها في معظم أعماله، ليبني من خلالها صورة كاملة تكشف عن مكنون ودوافع وتعقيد الشخصية الدرامية، وهو ما نلمسه بوضوح في أعمال من نوعية “الخائنة، اللص والكلاب، الليلة الأخيرة، بئر الحرمان”، وغيرها من الأعمال.
وقد ساعدت بداية “كمال الشيخ” في غرفة المونتاج بالعديد من الأفلام المهمة مثل “ابن النيل، وصراع في الوادي، وباب الحديد، ورد قلبي, والمرأة المجهولة، ولا وقت للحب”، بالإضافة إلى أنه كان المونتير الخاص بأفلام “أنور وجدي”، في قدرته البارعة على التوليف السينمائي، والحبكة البوليسية، ناهيك عن استخدام التفاصيل الصغيرة لتحقيق الأثر المطلوب عندما يتم عرضها في اللحظة المناسبة، لذا من المستحيل أن تجد خطأ داخل أفلامه في تفصيلة أو”راكور” أو أي معلومة يمكن أن تسحب من حبكة العمل أو دقة تناوله.
نجح “كمال الشيخ” أيضا في الجمع بين تصديه لإخراج 9 أعمال مأخوذة عن روايات لكتاب كبار ظهر معظمها في فترة الستينيات من القرن العشرين، مثل “نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وفتحي غانم وجمال حماد” وآخرين، مع قدرته على التشريح النفسي والسياسي والاجتماعي لشخصيات هذه الأعمال، مما أسهم في ظهور أفلام لها شخصيتها الأدبية المستقلة، لتكشف عن بناء مواز لا يقل إبداعا، كما في “غروب وشروق، اللص والكلاب، ميرامار، شيء في صدري، وعلى من نطلق الرصاص”.
وتنوعت الألوان السينمائية التي قدمها ” كمال الشيخ” في مراحله الأولى بين عاطفي وتشويقي وغنائي، فقدم “حبي الوحيد” و”سيدة القصر”، و”من أجل حبي”، الذي قام ببطولته “فريد الأطرش”، قبل أن يتجه للتشويق البوليسي، ثم يتجاوزه لطرح القضايا المختلفة التي تمس المجتمع.
لغة سينمائية..
وخلال أغلبية أفلامه نجح في تقديم لغة سينمائية تميزه عن كل زملائه، من خلال الإيقاع المشدود بإحكام، ورسم صور لوجوه ممثليه شديدة التعبير بدقة عن خلجاتهم داخل موضوع الفيلم، ساعده في ذلك مشاركته في كتابة سيناريوهات بعضها مثل “غروب وشروق” و”الصعود إلى الهاوية” الذي تم اعتباره أفضل أفلام الجاسوسية التي قدمت في السينما المصرية.
واعتمد “كمال الشيخ” في أفلامه على نجوم كبار في هذه المرحلة التي عمل بها، منهم “فاتن حمامة، ومديحة يسري، وعمر الشريف، وعماد حمدي، وشادية، وسعاد حسني”، التي قدم معها 3 أفلام هي: “بئر الحرمان” و”غروب وشروق” و”على من نطلق الرصاص”، كما تعامل مع “محمود مرسي” في فيلمين متتاليين، و”محمود ياسين” في ثلاثية لاحقة، ثم “نور الشريف” في فيلمين متعاقبين، بالإضافة إلى “محمود المليجي” الذي قدم معه العديد من الأعمال مثل أول أفلامه “المنزل رقم 13” ثم “بئر الحرمان” و”غروب وشروق”.
الصراع العربي الإسرائيلي..
ويُعتبر “كمال الشيخ” أول مخرج مصري وعربي يقدم فيلما عن الصراع العربي الإسرائيلي قبل العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، من خلال فيلمه “أرض السلام”، الذي قامت ببطولته “فاتن حمامة” و”عبد السلام النابلسي”، كما كان أول مخرج مصري يشترك مع مخرج أجنبي في إخراج فيلم عالمي، مع المخرج الإيطالي “لوتشيو فولشيني”، وهو فيلم “د. نعم”، كما كان من أهم المخرجين الذي قدم الأطفال في السينما بشكل جديد، وأسند إليهم بطولات فيلمي “حياة أو موت”، “ملاك وشيطان” عام 1962 ل”رشدي أباظة”، و”الشيطان الصغير” و”قلب يحترق”، وقد تم اختيار فيلمه “حياة أو موت” عام 1954 ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية.
وفاته..
توفي “كمال الشيخ” في 2004 عن عمر ناهز الـ 85 إثر التهاب حاد في الأعصاب.
https://www.youtube.com/watch?v=w_FRE0Oy64I
https://www.youtube.com/watch?v=Rykkj1Eb358