خاص: إعداد- سماح عادل
“ماري وولستونكرافت” (27 أبريل 1759 إلى 10 سبتمبر 1797)، كاتبة بريطانية من القرن الثامن عشر، فيلسوفة، ومناصرة لحقوق المرأة. خلال حياتها القصيرة، كتبت روايات، وأطروحات، وقصص رحالة، كما كتبت عن تاريخ الثورة الفرنسية، وعن قواعد السلوك، وأدب الأطفال. اشتهرت “ماري” بدفاعها عن حقوق المرأة، فقد كانت تقول أن النساء لسن أقل شأنا من الرجال، ولكنهن يبدون كذلك فقط لأنهن يفتقِرن إلى التعليم.
كما اقترحت وجوب مُعامَلة كلاً من الرجل والمرأة على أنهما مخلوقان رشيدان، يصنعان نظام اجتماعي يقوم على العقل.
حتى وقت متأخر من القرن العشرين، لفتت حياة “ماري” الشخصية الاهتمام أكثر من كتاباتها. وعلاقتها غير الشرعية بكلا من “هنري فوسيلي” و”جربلت املاي” الذي أنجبت منه ابنتها “فاني املاي”. تزوجت من الفيلسوف “ويليام غودوين” الذي كان من الأشخاص المؤثرين في الحركة اللاسلطوية. وماتت في الثامنة والثلاثين من عمرها، بعد عشرة أيام فقط من إنجاب ابنتها الثانية “ماري شيلي” التي أصبحت فيما بعد كاتبة.
تركت “ماري” خلفها مسودات للعديد من الكتب غير المنتهية. وبعد وفاتها قام زوجها “ويليام غودوين” في 1798 بنشر قصة حياتها، كاشفاً تفاصيل حياتها التي كانت تعتبر آنذاك غير مقبولة اجتماعياً، مما أدى دون قصد إلى تدمير سمعتها لقرن من الزمان.
حياتها..
ولدت “ماري” في 1759 وكانت الابنة الأولى بعائلة كثيرة الأفراد، درست بضعة سنوات فقط بالمدرسة، والدها كان سكيرا وهربت “ماري” من بيت والديها عندما كانت صغيرة جدا وكانت تصاحب أي كان لحفلات الاستقبال مقابل مبلغ زهيد لتقتات به، بعد موت والدها مرضت أمها فرجعت لمزرعتهم لتهتم بها وتساعدها، ماتت الأم وبدأت “ماري” في تحقيق حلمها منذ طفولتها وهو تأسيس مدرسة للبنات مع أختها الصغيرة وصديقتها، نجحت المدرسة لكن موت صديقتها المفاجئ أرغمها على غلق المدرسة والسفر إلى أيرلندا لتشتغل كعاملة بسيطة عند عائلة ارستقراطية وثرية.
تعليم الفتيات..
أول كتاب كتبته كان بعنوان (أفكار عن تعليم الفتيات) ودافعت عن حق البنات في التعليم، وقد تعلمت بدون معلم عدة لغات من بينها الفرنسية والهولندية والألمانية، وعندما قرأت كتاب “روشيه” حول تربية الأولاد كتبت كتاب أدبي كرد عليه.
لم تتمكن “ماري” أن تتأقلم على الحياة وسط قصر العائلة الايرلندية الثرية ولم تقبل المعاملة السيئة التي يعاملون بها الخدم فثارت ضدهم وتركت عملها ورجعت إلى لندن. في لندن عملت بدار نشر كمترجمة وبدأت تنشر مقالات في مجالات مختلفة، حيث كتبت في السياسة والاقتصاد والفلسفة والتاريخ إلخ، وكانت لها علاقة صداقة ب “توماس بين” صاحب كتاب حقوق الإنسان.
في 1792 كتبت كتابها المشهور “دفاعا عن حقوق المرأة” وكانت طريقة “ماري” في الكتابة خاصة بها، تكلمت عن الأخلاق بنفس الكتاب، وعن المشاكل السياسية والاجتماعية، الفلسفة، الفكر، التاريخ إلخ. وهذا لا يعني أنها فوضوية ولا تتبع منهج الكتابة لكن كانت متعلمة كثيرا واكتشفت أن ذلك الأسلوب هو الناجح للتأثير على القراء.
الكتابة..
كانت معظم إنتاجات “ماري” الأولى هي حول التربية، جمعت كتابا من المقتطفات الأدبية من أجل النساء الشابات تحت عنوان “الأنثى القارئة” وترجمت عملين للأطفال. دعت “ماري” في كتابيها المتعلقين بالسلوك “أفكار حول تعليم البنات” 1787 وكتاب الأطفال “قصص واقعية من الحياة” 1788، إلى تربية الأطفال ضمن روح الطبقة الوسطى الناشئة: الانضباط الذاتي والصدق والتوفير والطمأنينة الاجتماعية.
ويؤكد الكتابان أيضا على أهمية تعليم الأطفال وأن يغلّبوا صوت العقل، وهو الأمر الذي يُظهر تأثر “ماري” الفكري بفيلسوف القرن السابع عشر التربوي البارز “جون لوك”. وقد تميز عملها عن عمله بإبراز الإيمان الديني والمشاعر الفطرية التي تقدمها في أعمالها وربطهم مع خطاب الحساسية الرائج في نهاية القرن الثامن عشر.
دعا الكتابان أيضا إلى تثقيف النساء، وهو موضوع كان جدليا في ذلك الوقت وستعود إليه خلال مسيرتها المهنية، وعلى الأخص من خلال كتاب “دفاعًا عن حقوق المرأة”. وقد قالت ” ماري” إن النساء المتعلمات جيدا سيكن زوجات وأمهات صالحات وسيساهمن في النهاية بشكل إيجابي تجاه الأمة.
دفاعا عن حقوق الرجال..
كان كتاب “دفاعا عن حقوق الرجال” الذي صدر في1790، ردا على كتاب “تأملات حول الثورة في فرنسا” ل”إيدموند بيرك” 1790، والذي كان دفاعا عن الملكية الدستورية والأرستقراطية وكنيسة إنجلترا، وهجومًا على صديق “ماري”، “ريتشارد برايس” قس كنيسة “نيوينغتن غرين” التوحيدية، هاجم كتاب “دفاعا عن حقوق الرجال” ل “ماري” الأرستقراطية ودعا إلى الجمهوريانية. ردها كان أول رد في حرب المناشير الذي عُرف لاحقًا باسم الجدل حول الثورة، والذي أصبح فيه كتيب حقوق الإنسان ل”توماس بين” 1792 الصيحة التي جمعت المصلحين والراديكاليين.
لم تهاجم “ماري” الملكية وميزة الوراثة فحسب بل اللغة التي استخدمها “بيرك” للدفاع عنهما وإعلاء شأنهما. في مقطع مشهور من كتاب التأملات، أعرب “بيرك” عن أسفه بقوله: “لقد اعتقدت أن هنالك عشرة آلاف سيف سيقفز من غمده ليثأر حتى لنظرة هددتها “ماري أنطوانيت” بإساءة. لكن عصر الفروسية قد ولّى”. شجب أغلب منتقدي “بيرك” ما رأوه شفقة مسرحية على الملكة الفرنسية، وهي شفقة شعروا بأنها كانت على حساب الشعب.
كانت “ماري” فريدة في هجومها على لغة “بيرك” المجنسنة. من خلال إعادة تعريفها للسمو والجمال، وهي مصطلحات رسّخها “بيرك” بنفسه لأول مرة في أطروحته “تحقيق فلسفي في أصل أفكارنا حول السمو والجمال” 1756، قوضت بلاغته وحجته أيضا. ربط “بيرك” الجمال بالضعف والأنوثة، وربط السمو بالقوة والذكورة، قلبت “ماري” هذه التعريفات ضده، قائلة إن تمثيلياته المسرحية تحول قرّاءه (المواطنين) إلى نساء مشتتات بالعَرض.
واستنكرت “ماري” في أول نقد نسوي لها كتبته دون القلق من الآراء التي ستقال عنه، والذي تقول الباحثة “كلوديا إل.جونسون” إنه ما يزال غير مسبوقٍ في قوته الجدلية، دفاع بيرك عن مجتمع غير متساوٍ قائم على سلبية (أي استسلام ولا فعالية) النساء.
في مطالبتها المتعلقة بالحق الجمهوري، استندت “ماري” إلى روح الطبقة الوسطى الناشئة في معارضة لما تصفه بالقواعد السلوكية الأرستقراطية الموبوءة بالرذائل. متأثرة بمفكري عصر التنوير، آمنت بالتقدم وهزأت من “بيرك” لاعتماده على العادات والتقاليد. ودعت إلى العقلانية، مشيرة إلى أن نظام “بيرك” سيؤدي إلى استمرار العبودية، ببساطة لأنها تقليد متوارث. تصف حياة ريفية شاعرية يمكن لكل عائلة فيها أن تحظى بمزرعة تلبي احتياجاتها فحسب. تُباين “ماري” صورتها الطوباوية عن المجتمع، المستمدة مما تقول إنه شعور صادق، مع شعور “بيرك” المزيف.
كان كتاب “دفاعا عن حقوق الرجال” أول عمل سياسي علني ل”ماري”، بالإضافة إلى عملها النسوي الأول، إذ تؤكد الباحثة “جونسون”: “يبدو أنها في أثناء كتابة آخر فصول حقوق الرجال اكتشفت الموضوع الذي سيشغلها لبقية مسيرتها المهنية”. وبالفعل كان هذا الكتاب “دفاعا عن حقوق الرجال” هو الذي جعلها كاتبة مشهورة.
حقوق المرأة..
كتابها “دفاع عن حقوق المرأة” الذي كتبته في سنة 1971 وهي في الثالثة والثلاثين من عمرها أهدته إلى “م. تاليران – بيريجورد” أسقف “أوتون” الراحل مع إشارة إلى أنه ما دامت الهيئة التأسيسية قد أعلنت حقوق الإنسان فهي ملزمة أخلاقيا بإعلان حقوق المرأة. وربما رغبة منها في تسهيل طريقها وتحقيق أهدافها تحدثت بنبرة أخلاقية عالية معترفة بولائها لبلادها وتمسكها بالفضيلة، وإيمانها بالله. ولم تتحدث إلاّ قليلاً عن حق النساء في التصويت لأنه حسب قولها “نظام التمثيل النيابي كله الآن في هذه البلاد ليس إلا أداة في يد الحكم الاستبدادي (حكم الفرد) فلا مجال لشكوى النساء لأنّهن معدودات كطبقة ذات عدد للعمل الشاق وكأنهن آلات، يدفعن لدعم الملكية عندما يصبحن قادرات بشق النفس على إسكات أصوات أطفالهن بحشوها خبزاً ومع هذا فإنني حقا أعتقد أنه من الضروري أن يمثل النساء في البرلمان بدلا من أن يُسْلبن حقهن في أي مشاركة مباشرة في تفكير الحكومة وتخطيطها”.
وأشارت كمثال على انحياز القانون للرجل إلى قانون حق الابن البكر في ميراث أبيه، وحق الأب في وقف ممتلكاته على نسله أو أقاربه من الذكور، وذكرت أن الأعراف والعادات أشد قسوة على المرأة من القوانين فهي تُدين وتُعاقب المرأة للحظة واحدة فقدت فيها طهارتها، رغم أن الرجال يظلّون محترمين بينما هم منغمسون في الرذيلة.
وربما صُدِم بعض القراء بإعلان “ماري” حق المرأة بالإحساس بالإشباع عند اللقاء الجنسي، لكنها حذرت الجنسين قائلة إن الحب، المقصود هنا المتعة الجنسية، شهوة حيوانية لها نهاية، فالحب كعلاقة مادية لابد أن تحل محله الصداقة بالتدريج، وهذا يتطلب احتراما متبادلا، والاحترام يتطلب أن يجد كل طرف (الزوج أو الزوجة) في الطرف الآخر شخصية متطورة (يعتبر الطرف الآخر كياناً له ذاته) وهنا فإن أفضل طريق لتحرر المرأة هو اعترافها بأخطائها والتحقّق من أن حريتها تعتمد على تثقيف عقلها وسلوكها.
وراحت المؤلفة في كتابها تعدّد أخطاء النساء في زمانها: نزوعها إلى الضعف والجبن مما يغذي دعوى الرجل في التفوق والسيطرة ويُسعده، وإدمان لعب الورق والثرثرة والقيل والقال والتنجيم والتأثر العاطفي والتفاهة والاهتمام الزائد بالملبس والغرور. الطبيعة والموسيقا والشعر والكياسة، كل ذلك يميل إلى جعل النساء مخلوقات للإحساس.. وهذا الإحساس أو الشعور إذا ما زاد عن حده أضعف، بشكل طبيعي، قوى النفس الأخرى ومنع الفكر من الوصول إلى المرتبة التي يجب أن يشغلها. لأن التدرّب على الفهم والاستيعاب، كما تشير لنا الحياة، هو الطريق الوحيد الذي قدّمته لنا الطبيعة لتهدئة عواطفنا وانفعالاتنا ورغباتنا الجنسية.
وقد شعرت “ماري” أن كل هذه الأخطاء تقريباً راجعة إلى عدم المساواة مع الرجل في التعليم، وإلى نجاح الرجل في إقناعها بأن أفضل إمبراطورية لها وأحلاها هي أن تُمتع، كما قالت لهن إحدى المؤلفات.
لقد امتعضت “ماري” من الأناقة المتكلّفة ومن التصنّع وراحت تنظر بحسد إلى النسوة الفرنسيات اللائي أصررن على تحصيل العلم واللائي تعلَّمن كيف يكتبن خطابات تعد من أجمل ما أنتجه العقل الفرنسي. تقول: “في فرنسا تنتشر المعرفة أكثر من أي جزء آخر من العالم الأوروبي، وأنا أعزو ذلك في جانب منه إلى العلاقات بين الجنسين على المستوى الاجتماعي، تلك العلاقات التي كانت مستمرة منذ فترة طويلة”.
لقد لاحظت “ماري” قبل “بلزاك” بجيل أنَّ:
“الفرنسي الذي يحكّم عقله في أمور الجمال أكثر من غيره، يفضل المرأة في الثلاثين من عمرها. والفرنسيون يسمحون للنساء أن يكنّ في أكمل أوضاعهن عندما تتنازل الحيويّة لتعطي مكانها للعقل ولجدية الشخصية الدالة على النضوج. وفي مرحلة الشباب، حتى العشرين، يقذف الجسم خارج نفسه، وحتى الثلاثين تحقق الصلابة درجة من الكثافة، وتصبح عضلات الوجه المرنة يوما بعد يوم أكثر حدّة فتعطي شخصية للملامح، هذا يعني أنها تعبر عما يعتمل في النفس، فلا تخبرنا فقط عن القوى الكامنة فيها وإنما كيف يتم توظيفها”.
لقد اعتقدت “ماري” أن أخطاء النساء راجعة كلها، تقريبا، إلى إنكار حق المرأة في تعليم مساوٍ لتعليم الرجل، وإلى نجاح الرجل في إقناع المرأة بأنها لُعبة جنسية قبل الزواج وحِلية للزينة وخادمة مطيعة وآلة للإنجاب بعد الزواج. ولكي نُعطي الجنسين فرصاً متساوية لتنمية عقولهم وأجسادهم لا بُد أن يتعلم الأولاد والبنات معاً، حتى مرحلة الإعداد للوظيفة أو المهنة، وأن يتلقوا المناهج الدراسية نفسها، بل وأن يشتركوا في الألعاب الرياضية نفسها، في حالة إمكانية ذلك.
ولابد أن تجعل كل امرأة من نفسها إنسانة قوية البدن وذات كفاءة عقلية لتتمكن من كسب عيشها بنفسها عند الضرورة. وعلى أية حال فعاجلاً أو آجلاً ستلعب الوظائف البيولوجية والفروق الفسيولوجية بين الجنسين دورها. إن قيام المرأة بدورها كأم مفيد لصحتها، وقد يؤدي إلى أن تصبح الأسر أقل عدداً وأقوى صحّة. إن تحرير المرأة بشكل مثالي يعني اتحاداً، على قدم المساواة، بين أم متعلمة وزوج متعلم.
علاقات خارج الزواج..
بعد أن رأت “ماري” الشابة اللامعة كتابها في المطبعة عبرت القنال الإنجليزي إلى فرنسا، وقد كانت مفتونة بالسنوات الخلاقة التي عاشتها الثورة الفرنسية، لكنها الثورة قد تردّت في المذابح والإرهاب. وأحبّت في باريس أمريكياً هو القبطان “جيلبرت إملي” ووافقت على الحياة معه دون ارتباط رسمي. وبعد أن أصبحت حُبلى غاب عنها “إملي” لعدّة شهور منشغلاً بأعماله أو أية أمور أخرى، فكتبت له خطابات تتوسّل فيها له أن يعود وكانت خطاباتها بليغة لكنها كانت بغير جدوى. حملت طفلها الذي بغير أب، وعرض “إملي” أن يُرسل لها مبلغاً سنوياً لكنها رفضت وعادت إلى إنجلترا وحاولت إغراق نفسها في نهر التايمز لكن بعض البحارة أنقذوها.
وبعد ذلك بعام قابلت “وليم گودين” الذي تزوجها وفق القانون العام دون حضور رجل دين، ولم يكن أي منهما يؤمن بحق الدولة في تنظيم الزواج. وعلى أية حال فقد عقدا قرانهما على وفق الطقوس الدينية تحسبا لطفلهما المرتقب. وتألقت لفترة بين الجماعة الثورية التي تحلّقت حول الناشر “جوزيف جونسون” وهم: “جودون، وتوماس هولكروفت، وتوم بين، ووليم وردزورث، ووليم بليك” الذي رسم رسوماً لبعض كتاباتها ثم وضعت طفلة بعد معاناة شديدة.
وفاتها..
في 30 أغسطس سنة 1797، ولدت “ماري” ابنتها الثانية وعلي الرغم من أن الولادة بدت أنها مرت بشكل جيد إلا إنه أثناء الولادة كان قد حدث تلوث في المشيمة مما أدي إلي إصابة “ماري” بحُمي النفاس وهذا مرض كان شائع الحدوث في القرن الثامن عشر، وأدى إلي حدوث تسمم في الدم أدى إلي وفاتها بعد عِدة أيام من المُعاناة في 10 سبتمبر عام 1797.