خاص: إعداد- سماح عادل
“ماري منيب” ممثلة كوميدية مصرية من أصول شامية، اسمها “ماري سليم حبيب نصر الله”، ولدت في بيروت في عام 1905، جاءت مع أسرتها إلى مصر وسكنت في حي شبرا بمدينة القاهرة، بدأت موهبتها الفنية في سن صغيرة، كانت بدايتها كراقصة في الملاهي ثم بدأت حياتها الفنية في ثلاثينيات القرن العشرين على المسرح، انضمت إلى فرقة الريحاني عام 1937 وتوالت أعمالها في المسرح والسينما، وقامت ببطولة أفلام سينمائية عدة، واشتهرت بأداء دور الحماة، وظلت تعمل بالمجال الفني لخمسة وثلاثين عامًا. وصل عدد أفلامها إلى ما يقرب من 200 فيلم.
انتقلت “ماري منيب” مع عائلتها إلى القاهرة بسبب الظروف السياسية التي أصابت تجارة والدها بالكساد وأجبرته على الهجرة من سوريا إلى القاهرة بحثا عن الرزق. إلا إن القدر لم يمكنه من ذلك حيث مات فقيرا تاركا “ماري” مع أمها وشقيقتها الكبرى “أليس” بلا عائل واضطرت الأم إلى العمل كخياطة للملابس.
وعندما بلغت “ماري” الثانية عشرة من عمرها اضطرت للعمل في ملاهي روض الفرج ومعها شقيقتها أليس. كان عليها أن تتعلم الرقص وأن تتميز عن الأخريات حتى تضمن الاستمرار، فابتكرت رقصة (القلة) ورقصت وهي تحمل على رأسها هذا الإناء الصغير من الفخار بدلا من الشمعدانات المعتادة في ذلك الوقت، فأذهلت الجمهور و”فتوات” روض الفرج. بعد ذلك عملت مع فرقة “فوزي الجزيرلي”، وكان أول أجر تقاضته “ماري” هو سبعة قروش في الليلة. وانتقلت وشقيقتها للعمل في فرقة “علي الكسار” و”أمين صدقي”، لكنها اضطرت لترك الفرقة بسبب غيرة البطلة آنذاك الفنانة “زكية إبراهيم” التي كانت تربطها بالكسار علاقة وطيدة.
بعد ذلك سافرت “ماري” إلى الإسكندرية للعمل في فرقة “أمين عطا الله” وهناك التقت بالفنان “بشارة واكيم” والفنان “فوزى منيب”. ووقع “بشارة” في غرامها وتقدم يطلب يدها من أمها التي رحبت به، ولكن “ماري” رفضت لأنها كانت مرتبطة بعلاقة عاطفية بالممثل “فوزي منيب”. وأمام هذه الصدمة ترك بشارة فرقة “أمين عطا الل” وكون لنفسه فرقة بالاشتراك مع المصور السينمائي “محمد بيومي” رائد السينما العربية وأول مصري وقف وراء آلة التصوير. وقد انتقلت “ماري” للعمل معه لفترة على أن تظل علاقتهما محصورة في نطاق الزمالة فقط، ووافق بشارة مضطرا، لكن سرعان ما توقفت فرقة “بشارة وبيومي”! فعادت “ماري” للعمل مرة أخرى مع فرقة “أمين عطا الله”. وبعد عدة شهور تزوجت من “فوزي منيب” وصار اسمها منذ تلك اللحظة “ماري منيب”.
يحكي المؤرخ الفني “حسن أمام عمر” تفاصيل ما بعد الزواج قائلا: “كان زواج ماري من فوزي منيب حافزا له على تكوين فرقة تمثيلية تحمل اسمه وتشاركه فيها البطولة زوجته ماري بتمثيل أدوار البطولة النسائية في المسرحيات الفكاهية التي كان يقدمها في روض الفرج خلال شهور الصيف، ثم يعرضها في سائر مدن القطر المصري بقية شهور السنة. واستمرت علاقتهما ست سنوات أنجبا خلالها ولديهما فؤاد وبديع منيب وابنة أخرى، ثم انفصلت ماري عنه بعد زواجه من الفنانة نرجس شوقي في الشام .وكان من الطبيعي بعد هذا الانفصال أن تترك العمل في فرقته، فالتحقت بالعمل في فرقة “يوسف وهبي”، لكنها بعد شهر واحد تركت العمل بحكم طبيعتها المرحة وعدم ميلها للتمثيل التراجيدي. ثم كانت انطلاقتها الكبرى عندما التحقت بفرقة نجيب الريحاني عام 1935، لكنها كانت على موعد مع الدراما في حياتها، فقد رحلت شقيقتها ورفيقة دربها الطويل “أليس” التي كانت قد تزوجت أحد أصدقاء “فوزي منيب” وهو شاب من هواة الفن اسمه “عبد السلام فهمي” يعمل مديراً لمكتب الأوقاف.
يذكر المخرج “يوسف شاهين” أنه حين بدأ التفكير في أبطال أول أعماله السينمائية (بابا أمين) عام 1950 بالاشتراك مع “حسين رياض” و”فاتن حمامة”، كانت “ماري منيب” هي أول الوجوه التي تراءت أمامه، لكنه كان متخوفاً من تدخل النجمة الكبيرة في السيناريو الذي كتبه مع “علي الزرقاني”، فطلب منها بشيء من الخجل أن تلتزم بالحوار فما كان منها إلا أن ابتسمت في وجهه وداعبته مكررة له السؤال (أنت اسمك يوسف؟) فأجابها (نعم يا ست الكل).. فأكدت له أن طريقتها في الأداء هي أن يقرأ عليها مساعد المخرج أو المخرج المشهد ثم تؤديه هي بطريقتها، ووافق “شاهين”. و بعدها أكد أنها قدمت الطعم المصري الحقيقي للشخصية، وأنها لو التزمت بالسيناريو لفقد الفيلم مذاقه. وقد حقق “بابا أمين” نجاحا كبيراً فتح الباب واسعا أمام شاهين للعالمية.
وبعد طلاق “ماري منيب” قررت عدم الزواج مرة ثانية والتفرغ لتربية أبناء شقيقتها “أليس” التي رحلت في العام نفسه الذي عملت فيه “ماري” مع نجيب الريحاني (1935)، بعد أن أنجبت أبنا وابنة. وظلت “ماري” رافضة للزواج من زوج شقيقتها المحامى عبد السلام فهمي رغم ارتباطها الشديد بأبنائه، وكانت تجاوزت السابعة والثلاثين من عمرها، حتى حدث موقفا أجبرها على تغيير رأيها. فقد عادت نجمة الكوميديا ذات ليلة من المسرح وذهبت للاطمئنان على أولاد شقيقتها في حجرتهم، فشاهدت ابنة شقيقتها كوثر تقرأ رواية عن زوجة الأب ودموعها تنهمر وتبلل ملابسها فاحتضنتها خالتها وبكت معها، وبعد تفكير عميق أخبرت زوج شقيقتها بالموافقة على الزواج منه، وعاشت “ماري” مع أسرة “فهمي عبد السلام” حيث تأثرت بالطقوس الإسلامية والقرآن الذي يتلى كل يوم في منزل حماتها، التي كانت تشرح لها معاني الآيات، وحفظت بعض بعضها. وأشهرت ماري إسلامها في محكمة مصر الابتدائية وصدرت وثيقة بإشهار إسلامها، واختارت لنفسها اسم أمينة عبد السلام نسبة إلى زوجها عبد السلام فهمي.
وانقطعت “مارى” عن فرقة الريحانى بعد وفاته ولم تستطع الاستمرار وباءت محاولات الجميع لإعادتها بالفشل حتى أقنعها المخرج “بديع خيرى” بقدرة ساحرة وطلب منها أن تساند ابنه “عادل خيري” في أدائه لأدوار الريحاني على خشبة المسرح. ووافقت “ماري” على الوقوف مجددا على خشبة المسرح أمام “عادل خيري” ذلك الشاب الذي لم يكن تجاوز وقتها 21 عاما، ونجحت جميع العروض التي أدتها الفرقة وعاد بريقها الذي فقدته برحيل صاحبها (نجيب الريحاني).
وفى عام 1962 حدث خلاف بين “مارى منيب” و”عادل خيري” وتركت الفرقة وقامت بتمثيل بطولة مسرحية في فرقة التليفزيون ولكنها بعد بضعة أسابيع أدركت أن قدرها الفني في فرقة الريحاني، فعادت إليها بعد أن وعدها “بديع خيري” بأن تكون البطلة المطلقة.
ورغم بداياتها المسرحية إلا أنها انطلقت سينمائيًا بقوة، لدرجة أنها كانت تشارك في أكثر من خمسة أفلام دفعة واحدة، وقدمت للسينما ما يزيد على 200 فيلم، خلال مشوارها الفني الذي امتد لـ 35 عاما إلا قليلا، ويعتبر “ابن الشعب” أول أفلامها و”لصوص لكن ظرفاء” آخرها.
وفاتها..
توفيت “ماري منيب” في 1969 بعد عرض فيلمها الأخير بفترة قصيرة في منزلها بمصر الجديدة لتترك تاريخ وأثر حقيقي في تاريخ السينما العربية.
https://www.youtube.com/watch?v=1WuXG29WsPc&feature=youtu.be&t=160
https://www.youtube.com/watch?v=9jRkEhGui7A